انطلياس في 18/3/2018
رقم الصادر 18/40
تحية إلى الأديبة اميلي نصرالله
مع غياب الأديبة اميلي نصرالله يخسر الأدب اللبناني والعربي علماً كبيراً من أعلام الثقافة اللبنانية والعربية. لقد كان أدبها قائماً على تجربتها الذاتية، وشديد الصلة بحياتها، بل كان تعبيراً روائياً فنياً عن واقع عاشته، وقاومته فسعت الى تغييره، أو ارتضته ودافعت عنه، أو حلمت به فجهدت لتحقيقه.
لقد تحولت الفتاة القروية، ابنة الكفير، رائدة من رائدات الأدب اللبناني، وداعية من داعيات تحرير المرأة، والمجتمع والانسان. وهذه المبادئ هي التي حملتها على معالجة قضايا بعينها، ومنها: تحرير المرأة، وعالم القرية والمدينة، والاغتراب والحرب. أعلنت إميلي نصرالله صراحة رفضها المطلق لمنطق الحروب، من أي نوع كانت، ومنذ العام 1975 بدأت تكتب للصغار من أجل حمايتهم لا من الموت فحسب، بل من الحقد الذي راح يغزو نفوس الصغار والكبار. استلهمت قصصها من الواقع فجاءت مكسوَّة بجمال السرد، والكلمات النابضة بالحياة. إنها واقعية الانسان الملتصق بتربة الأرض، والمتجدّد في السفر اليومي. أبطالها متجذّرون فينا، في البيت والمزرعة والكروم وحول البيادر، وفي الدساكر، أحاديثهم وأخبارهم هي أحاديثنا وأخبارنا، ومن ينابيع قلوبنا نهلوا، نلتقيهم عند المنعطفات والمفارق فنقرأ في عيونهم وفوق الجباه ملحمة البطولة والنجاح.
واقعيّة نصرالله هي تصوير الحياة بلغة الحياة. فرواياتها تستمد نسغها ونبضها من يوميّات الناس، من مراراتهم وشجونهم، ومطارحهم فتبدو ، على بساطتها وسهولتها، حيّة رقيقة، غنيّة بمدلولاتها، صافية معبّرة بايحاءاتها، ايقاعية في الكثير من تراكيبها.
لقد تُـرجمت روايات الراحلة الى الكثير من اللغات العالمية وهذا يدلّ على أهمية أدبها الذي استحقّت عليه الكثير من الجوائز المحلية والعالمية، كما كان لحركتنا شرف تكريمها كواحدة من أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي مع الرعيل الحادي عشر، عام 1996.
لقد غابت إميلي نصرالله لكنّ أدبها حاضر وروحها الإنسانية مستمرّة في شخصيّات رواياتها. وشذا كلماتها المضمّخة بتراب سفوح جبل الشيخ سيستمر خالداً في ضمير شعبنا كلّما مرت "طيور أيلول" وزهّرت "أشجار الدفلى" وتفجّرت "ينابيع" الحاصباني، وتذكّر أطفالنا "طاحونتهم الضائعة" وكلّما حصل "إقلاع عكس الزمن".
سيبقى أدب إميلي نصرالله لؤلؤة في التراث الأدبي لرعيل من كبار اللبنانيّين الذين ساهموا في بناء النهضة العربية المعاصرة.
في المهرجان اللبناني للكتاب – دورة وجيه نحلة، وقف المشاركون دقيقة صمت على روح الغالية إميلي التي رحلت ووُضع إسمها على مدخل معرض الكتاب في طليعة المثقفين اللبنانيّين والعرب الذين رحلوا هذا العام تحيّة تقدير واحترام من كلّ المحبّين للكتاب، والقادرين للمبدعة التي كرّست حياتها كلّها للثقافة والكتابة.
الحركة الثقافية – انطلياس