تساقطات الأزمة السورية على لبنان
إعداد العميد الركن نزار عبد القادر
أولاً: جولة أفق في الجيوبوليتيك السوري والدولي والإقليمي
إسمحوا لي أن أقول بأن النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الاسد قد قارب السقوط. وهذا لا يعني إطلاقاً أننا سنستيقظ غداً على بيانٍ يذاع من دمشق بسقوطه وهربه أو إعتقاله أو مقتله، ولكنه يعني بأن كل الظروف والشروط اللازمة لسقوط النظام باتت متوافرة وعلى عكس ما يحاول الرئيس الأسد إظهاره من تماسك، وما يحاول حلفاء النظام في لبنان وإيران تسويقه حول قوة النظام وقدرته على الإنتصار، وبأن المسألة هي مسألة أسابيع أو أشهر معدودة.
ويحاول هؤلاء الحلفاء دعم مزاعمهم من خلال الإشارة إلى تماسك الجيش والأجهزة الأمنية وإستمرار دعمها للأسد.
من المؤكد أن الجيش والأجهزة الأمنية ما زالت قائمة ولكنها لم تعد بفعاليتها المعهودة، وقد اصيبت بوهن وأضرارِ جسيمة وبأنها باتت موضع شك في ولائها بعد الإنشقاقات التي حدثت في صفوفها.
لكن لا يمكن التكهن بطبيعة المرحلة التي ستلي سقوط النظام:هل سيقوم حكمَ بديل قادر على الإمساك بزمام الأمور، على الأقل في العاصمة، بحيث أم ستحل الفوضى والتشرذم بما يذكرنا بالحالة اللبنانية أثناء الحرب، بحيث تتوزع سوريا على مناطق نفوذ تتقاسمها الفصائل المسلحة.
إن صورة الجيوبوليتيك الدولي والإقليمي هي أكثر وضوحاً من المشهد الداخلي السوري حيث تؤشر بوضوح الى عدم قدرة النظام على إستعادته لهيبته على حكم البلاد.
فالولايات المتحدةبالإضافة الى أوروبا ومعها الدول العربية تشدد معارضتها للنظام، وهي على إستعداد لتقديم كل الدعم للمعارضة. وإني أعتقد بأن المساعدات بالأسلحة النوعية باتت قريبة وهي تنتظر التأكد من هوية مستعمليها.
في المقابل تستمر روسيا وإيران والصين في دعمها للنظام مع إختلاف نوعية الدعم الذي يقدمه كل منها.
لكن دعوني أقول بأن الهدف الذي تسعى روسيا والصين الى تحقيقه يتركز على خلق أزمة إقليمية كبيرة على أمل أن يؤدي ذلك الى إنشغال الغرب في معالجتها بدل تركيزه على إحتواء طموحات باكين وموسكو اللتان تتمنيان أن تغرق الولايات المتحدة في وحول الأزمة السورية.
لكن يبدو أن واشنطن مدركة لإبعاد هذه الخطة وهي غير راغبة في الإنزلاق للدخول في الأتون السوري.
أما إيران فلا يمكن تصنيفها بالدولة الداعمة بل هي متدخلة بصورة مباشرة في النزاع داخل سوريا،بوسائلها الخاصة من خلال تقديم المدربين ومفارز من القوات الخاصة بالإضافة الى الدعم اللوجيستي والمالي الذي بلغ مليارات الدولارات.
يضاف إلى ذلك المساهمة العملانية الكبيرة التي يقدمها حزب الله من خلال مشاركته في القتال في ريف حمص الجنوبي والغربي.
تعتبر إيران أن سوريا هي معركتها وبأن الإبقاء على النظام يشكل مصلحة إستراتيجية لها، وهو يصب في حماية مصالحها وزيادة نفوذها ليس في سوريا فقط بل في العراق ولبنان أيضاً.
يبدو بأن المخابرات الروسيا قد شعرت مؤخراً بأن على موسكو أن تعيد حساباتها في ظل عوارض الضعف التي ظهرت في جسم النظام السوري وهذا ما دفع مع بعض المسؤولين الروس للتصريح بأن موعد رحيل الأسد عن السلطة قد إقترب.
جاء إنخراط إيران بالنزاع السوري الى جانب النظام ضمن خيار إستراتيجي توافقت عليه مختلف القيادات الإيرانية ولكن مع بوادر فشل هذه الإستراتيجية فإنه من الجائز التساؤل عن مدى إستمرار هذا التوافق بين القيادات الإيرانية.
تركيا من جهتها قد ساهمت في مساندة المعارضةالسورية منذ الأيام الاولى للإنتفاضة وفتحت أراضيها أمام المعارضة السياسية والعسكرية مقدمةِ لها العمق الإستراتيجي اللازم، لكن أعرضت تركيا عن التدخل عسكرياً في النزاع، ولكنها إستمرت في تقديم كل أشكال الدعم بما يدلل على جديتها في إسقاط النظام، وذلك ضمن إستراتيجية تسعى الى تصحيح ميزان القوى مع إيران بحيث لا يقتصر ذلك على سوريا بل يشمل أيضاً العراق.
ثانياً: إنعكاس الصراع في سوريا على لبنان
قبل الحديث عن تساقطات الأزمة السورية على لبنان أجد من الضروري إستعراض بعض السيناريوهات التي يمكن أن تواجهها سوريا في المرحلة المقبلة:
السيناريو الأول:مع إستمرار المأزق الراهن ومع إستحالة التوصل الى قرار دولي حاسم تحت الفصل السابع يبدو بأن الصراع العسكري مرشح ليشهد المزيد من التصعيد، مع تراجعِ متسارع لوجود السلطة وقواتها في المدن والأرياف.سيؤدي ذلك الى تعميم حالة الفوضىوالتفتت وبالتالي تعميم النموذج العراقي مع كل ما يترتب جرّاء ذلك من مخاطر على وحدة سوريا وعلى قيام حكم بديل قادرٍ على الإمساك بزمام الأمور.
السيناريو الثاني:أن ينجح النظام في الحفاظ على مستوى مقبول من الصمود والسيطرة في دمشق ومحيطها المباشل بالإضافة الى المناطق الساحلية والمنطقة العلوية وأن يدخل في صراع طويل مع المعارضة. سيؤدي هذا الوضع إلى تعميم حالة الفوضى والإنزلاق نحو حرب إهلية شاملة. يفتح مثل هذا السيناريو الحاجة لمحور آمن يصل ما بين دمشق والمنطقة الساحلية عبر البقاع الشمالي وريف حمص الجنوبي.
هل هذا هو ما يحاول حزب الله تحقيقه لنظام بشّار الأسد؟
من المحتمل أن يفتح مثل هذا السيناريو الباب لتدخل عسكري لدول الجوار في المناطق الحدودية المتاخمة لها.
السيناريو الثالث:أن تصبح دمشق غير آمنة بفعل الإختراقات والضغوط العسكرية المباشرة التي تمارسها المعارضة، فيضطر الرئيس الأسد وأركانه للإنسحاب الى المنطقة الساحلية والدفاع عن عرينه الأخير. يفتح هذا السيناريو الباب لحرب طويلة (بالوكالة) قد تطول لسنوات وتشارك فيها قوى دولية وإقليميّة.
السيناريو الرابع:أن تنجح الإتصالات الجارية بين وزيري خارجية أميركا وروسيا في تجاوز المأزق الدبلوماسي الراهن وبما يتيح الفرصة بإتخاذ قرار دولي ملزم في مجلس الأمن، أو لإنعقاد مؤتمر دولي من أجل سوريا على غرار مؤتمر دايتون الذي إنعقد لحل الأزمة في البوسنة.
بمعزل عن السيناريو الذي يمكن أن يحصل هناك إحتمال أن تتدخل إسرائيل لتأمين الأسلحة الكيماوية السورية أو لمنع النظام من شحن كميات من الصواريخ المتطورة لحزب الله. من المحتمل أن يدفع هذا التدخل الى ردود فعل من قبل حزب الله وأن يؤدي ذلك إلى إشعال الخط الأزرق في لبنان.
1- تداعيات الأزمة السورية على دول الجوار
تؤكد الدراسات التي أجريت حول الأزمات والحروب الداخلية التي شهدتها دول عديدة بأن الصراع مرشح للتمدد نحو الدول المجاورة وهذا يقود الى توقع أن تصيب شظايا الإنفجار السوري دول الجوار إصابات بالغة.
سبق للرئيس الأسد أن هدد بحدوث زلزال إقليمي يشمل جميع دول المنطقة بما فيها تركيا وإسرائيل.
تحتل سوريا موقعاً مركزياً في الجغرافيا شرق الأوسطية، ويؤثر هذا الموقع مع (الخلطة) الديمغرافية والجيو-سياسية على أمن وإستقرار دول الجوار كما يثير مخاوف المجتمع الدولي من إمكانية توسع الصراع وتحوله الى حرب إقليمية.
إن كل المؤشرات والتحذيرات الدولية تؤشر الى خطرين: الاول، حدوث زلزال إقليمي وصفه "بان كي مون" بالحرب بالوكالة. والثاني، إحتمال أن يؤدي تشظي سوريا الى تهديد الجغرافيا السياسية لدول النطقة بما يستوجب إعادة رسم حدود "سايكس–بيكو" والإتفاقيات اللاحقة لها.
2- التساقطات على لبنان
سأستعرض الأمور بشكل موجز على أمل أن يسمح لي الوقت للخروج ببعض الإستنتاجات الهامة.
أخطار الإنقسام الداخلي
لم تنفع سياسة النائيبالنفس لحماية لبنان من تداعيات الأزمة السورية ولم تنفع ضمانة وجود حكومة حليفة لسوريا، يسيطر عليها حزب الله لمنع النظام السوري من إستهداف قوى 14 آذار وتصفية حساباته القديمة والجديدة معها، سواء من خلال إستهداف قياداتها أو من خلال التحضير لمخطط إرهابي يدفع بإتجاه الفتنة.
يؤشر مسلسل الاحداث المتنقلة بين المناطق بدءاً من الشمال ووصولاً الى الجنوب والبقاع الى وجود نوايا مبيتة ومخططات سرية لإثارة الضغائن بين مختلف الشرائح الإجتماعية والفئات السياسة، وذلك في محاولةٍ لتصدير الأزمة السورية الى لبنان.
يشكل الإنقسام الحاد بين اللبنانيين بين فئات مؤيّدة للنظام السوري وآخرى مؤيدة للمعارضة البيئة المؤاتية التي يمكن إستثمارها من قبل الطرفين السوريين من أجل خدمة أهدافهما ولو حدث ذلك على حساب لبنان.
ربّ قائلٍ بأن تداعيات الأزمة السورية لا تقتصر على لبنان بل ستصيب كل الدول المجاورة لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن تداعياتها على لبنان هي الأقوى والأخطر، وذلك بسبب شدة التجاذبات الحاصلة بين قوى 8 و 14 آذار بالإضافة الى الخلافات المذهبية التي ولّدتها أحداث أيّار 2008.
بدأت تداعيات الأزمة السورية من خلال إتهام بعض المناطق والقرى بتهريب السلاح والإرهابيين الى الداخل السوري. لكن، سرعان ما برزت معضلة اللاجئين السوريين والتي تنامت بسرعةٍ فائقة. تتحدث الإحصاءات عن ما يزيد على ثلاثمائة ألف لاجئ مسجل، بالإضافة الى وجود ما يقارب من 800 ألف مواطن سوري على الأرض اللبنانية.
يشكل هؤلاء اللاجئون عبئاً أمنيّا وإقتصادياً على لبنان وخصوصاً إذا ما أخذنا بالإعتبار تعاطفهم مع الثورة وتنسيق بعضهم مع الجيش السوري الحر داخل سوريا أو مع خلاياه السريّة في لبنان.
توالت التهديدات الأمنية والتي شملت محاولات إغتيال لشخصيات سياسية وأمنية، كانت آخرها جريمة إغتيال اللواء وسام الحسن. لكن تبقى أخطر هذه المحاولات المخطط الإرهابي الضالع به كل من ميشال سماحة واللواء السوري علي المملوك.
مع تطوّر الأزمة السورية والتصعيد الحاصل في العمليات العسكرية وخصوصاً في حلب وحمص ودمشق فإنه بات من المتوقّع أن تتضاعف التساقطات السّامة التي تهدد أمن وإستقرار لبنان وسلمه الأهلي. في ظل الإنقسام الحاد الداخلي تبقى الأبواب مشرّعة لكل أنواع المفاجأت الخطيرة.
أثمان سياسة النأي بالنفس
توقعت منذ إعلان الحكومة سياسة النائي بالنفس أن يكون هذا الإعلان مناورة سياسية "خادعة" تعتمدها الحكومة لإخفاء حقيقة علاقاتها وإنحيازها الى جانب النظام السوري. صحيح أن للنظام السوري نفوذاً هاماً داخل الحكومة ولكنه يريد أكثر من تأييدها له فهو يريدها أن تعمل بكل الوسائل المتاحة ضد أعدائه وخصومه في لبنان.
تلقت سياسة النأي بالنفس مجموعة من الضربات القاتلة، كان أولها تهديد الرئيس الأسد بحدوث زلزال إقليمي، وتوالت بعد ذلك التهديدات والإتهامات السورية الموجهة ضد لبنان ومؤسساته وقياداته السياسية والأمنية. لم تقم الحكومة بواجباتها وبمسؤولياتها لحماية الامن والإستقرار فتحولت سياسة النأي بالنفس عن ما يجري في سوريا الى نأي بالنفس عن المسؤولية.
لم تنجح الحكومة بتطبيق سياسية النأي بالنفس ميدانيّاً أو أمنياً أو سياسياً أو إقتصادياً. على الصعيد السياسي خرق وزير الخارجية عدنان منصور تكراراً سياسة النأي بالنفس حيث تحدث في المؤتمرات الدولية والعربية كممثلِ للنظام السوري وليس كوزير لخارجية لبنان. كان خطاب الوزير منصور متعارضاً مع سياسة الحكومة المعلنة ومع التوجيهات التي أعطاه إيّاها رئيسا الجمهورية والحكومة. والمؤسف أن القيادات الرئيسية في 8 آذار قد أيّدته ودعمته في خروجه على مصلحة لبنان وضرورة عدم خروجه عن الإجماع العربي وهذا ما أدى الى إستنفار دول مجلس تعاون الخليجي و إحتجاجها بما يشبه الإنذار للبنان.
ميدانياً،شكل تدخل حزب الله العسكري داخل سوريا رصاصة الرحمة التي أطلقت على سياسة النأي بالنفس. لقد إعترف السيد حسن نصرالله جهاراً وتكراراً بهذا التدخل.
أمنياً،هناك المخططات المتلاحقة لتفجير الداخل اللبناني بدءاً من المحاولات التي تعرضت لها شخصيات وطنية بالإضافة الى عمليات الخطف التي تعرض لها مواطنون سوريون وإعادتهم عنوةً الى سورية، وبمساعدة أمنية لبنانية في بعض الحالات. لقد قارب عدد اللبنانيين الذين إستشهدوا جرّاء النيران السورية ثلاثين شهيداً.
إقتصادياً،أدت سياسة المحاباة التي إعتمدتها الحكومة بالإضافة الى الأحداث الأمنية التي حمتها أو إفتعلتها الجماعات التابعة لحزب الله الى مقاطعة لبنان عربياً وأدى ذلك الى تراجع النمو الإقتصادي من 5% الى 1.5%.
تداعيات السياسة عربياً:
بات من المسلم به أن لبنان يتدخل بصورة مباشرة في الأزمة السورية، ويؤكد ذلك:
1- المواقف التي يلتزمها أو يطالب بها وزير الخارجية في إجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب.
2- تدخل حزب الله المباشرة وبالقوة العسكرية داخل الأراضي السورية وضد قوات المعارضة.
3- تدخل أطراف لبنانية أخرى من أجل دعم قوات المعارضة سياسياً وعسكرياً ضد النظام.
4- دأب بعض السياسيين في الحكومة لتوجيه بتوجيه إنتقادات غير مسبوقة لدول وحكام الخليج على خلفية مواقف هذه الدول في الأزمة السورية.
كل ذلك سيؤثر على موقع لبننا ودوره العربي والدولي حيث كان أول الغيث التحذير الخليجي ... الذي حمله إلى بعبدا أمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبدالله الزياني ومعه سفراء دول مجلس التعاون الخليجي. إن الدليل على مستوى الإستياء الخليجي تمثل بتوزيع نص الرسالة على وسائل الإعلام... وعلى غير عادة الصمت التي تعتمدها الدول الخليجية في مثل هكذا حالة. وطالبت الرسالة لبنان بإلتزام سياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً وتفادي كل ما من شأنه أن يعرض أمن وإستقرار لبنان للخطر- والإلتزام بكامل بيان بعبدا. وتحدث البيان أيضاً عن "مصالح الشعب اللبناني وسلامته" هذا يشمل مصالح ستماية ألف لبنان يعملون في دول الخليج.
السؤال:ماذا سيكون وضع لبنان في حال حصول تفاهم أميركي وروسي على تسوية سياسية في سوريا؟
وما هي إرتدادات هذه المواقف داخل لبنان في حال حصول تسوية؟
إن على اللبنانيين أن يعودوا إلى رشدهم وأن يدركوا بأن تدخلهم في الأزمة السورية لن يغيّر في المعادلة الراهنة سورياً أو عربياً وبأنهم إنما يعرضون بلدهم ومصالحه للخطر دون تحقيق أية مكاسب وبأن من يزرع الريح عليه توقع أن يحصد العاصفة.
حان الوقت لكي يدرك رئيس الجمهورية والحكومة حجم النتائج السلبية المترتبة على سياسية النأي بالنفس والتي هي عنوان لا أكثر في وقت تستثمر فيه سياسة المحاباة والإنحراف لدعم معركة النظام ضد شعبه.
الخيارات المستحيلة:
كان حديثي مع الملك عبدالله الثاني 27 نيسان 2011 حيث توقع أن تكون التساقطات الحاصلة من الأزمة السورية على لبنان أقوى منها على الأردن أو على أيٍ من دول الجوار.
حضرني ردّ الملك عندما سمعت الرئيس سليمان يقول بأنه ينتظر إتصالاً من الرئيس الأسد ليشرح له ملابسات نقل سماحة المتفجرات إلى لبنان، وحضرني مرّة ثانية عندما قرأت المقابلة التي أعطاها رئيس الحكومة لوكالة رويترز في 6 أيلول 2012، وخصوصاً قوله أن وضعنا الأمني والسياسي والجغرافي يجعلنا في موقف دقيق حيال ما يجري في سوريا.
يأتي تقدير لبنان الرسمي لمخاطر تداعيات الأزمة السورية متأخراً عن مضمون حواري مع العاهل الأردني بفترة زمنية تقارب السنة والنصف- إنها نتيجة سياسة النعامة والتكاذب والمحاباة.
لا يمكن تقييم تداعيات الأزمة السورية على لبنان في ظل الإنقسام السياسي والشعبي بشكل موضوعي، حيث تتستر على إنقساماتنا ومخططاتنا لمساعدة هذا الفريق أو ذاك من خلال تغطيتها بخلافاتنا الداخلية. في جميع الأحوال ما شهدناه حتى الآن من تداعيات هو أول الغيث، ويمكن أن يكون القادم منها أعظم وأخطر.
لا تمنع صعوبة الإستدلال على السيناريو الذي سيتبعه مسار الأزمة السورية من وضع جملة توقعات أبرزها:
1- حدوث إهتزازات سياسية قد تعطّل الإنتخابات المقبلة هذا إذا التوافق لبنانياً على ضرورة إجرائها.
2- هناك إحتمال أن يؤدي إرتفاع منسوب الخلاف السياسي والتجاذب الحاصل في الشارع وخصوصاً في صيدا ومناطق أخرى إلى إنتشار السلاح وإنشاء خلايا مسلحة إستعدادً للفتنة.
3- يبقى الخيار الأخطر إمكانية حدوث حرب جديدة مع إسرائيل على خلفية التصدي لنقل أسلحة نوعية من سوريا إلى لبنان لصالح حزب الله.
4- هناك خطر أن يتحول البقاع الشرقي والشمالي إلى ميدان إضافي للمواجهات الجارية في سوريا إذا ما تحول البقاع إلى المحور الوحيد الآمن الذي يصل دمشق بالساحل السوري.
5- يبقى السؤال المطروح حول الإستراتيجية التي سيعتمدها حزب الله وإيران في رديهما على فقدان النظام السوري لمناعته وظهور مؤشرات لتصدعه وسقوطه؟
من وجهة نظري إن تداعيات الأزمة الخطيرة ستبدأ بعد سقوط النظام وستكون التداعيات على لبنان خطيرة وشاملة- سياسية وأمنية وإقتصادية.
هناك مؤشرات لإمكانية حدوث تدخل عسكري إيراني بقوة في سوريا. ماذا عن حرب ثوري في لبنان.
6- ماذا عن توطين مئات ألوف السوريين في لبنان إذا طالت وتعقدت الأزمة السورية.
وخصوصاً في حال تفكك سوريا كمجتمع وكدولة، بما يؤدي إلى تحريك حدود سايكس- بيكو وتقسيم سوريا إلى دويلات مشابهة لتلك التي أقامها الإستعمار الفرنسي ما بين عامي 1920 و1924.
إستنتاجات:
1- هناك قناعة مطلقة بأن هذه الحكومة هي عاجزة عن تطبيق سياسة النأي بالنفس، وبالتالي حماية لبنان (ونقول قدر الإمكان) من تداعيات الأزمة السورية. إن تركيبة الحكومة وهيمنة حلفاء النظام السوري عليها لن يسمح بإتخاذ أية تدابير وقائية سياسية أو عسكرية لمواجهة التداعيات التي يتعرض لها لبنان.
2- تبدو طاولة الحوار الوطني أكثر ضرورة من أي وقت مضى، ولكن يبدو أن الجميع غير راغبين في إنعقادها، حيث يجري الطرفان وراء تحقيق نصر "مستحيل" من خلال الإنخراط في الأزمة السورية ونصرة حلفائه هناك.
3- إذا إستمر حزب الله في الإنغماس في القتال داخل سوريا، فإن مناطق البقاع الأوسط والشمالي ستتحول إلى ميدان رديف لريف حمص ودمشق. وسيشكل ذلك الطريق الأقصر نحو الإقتتال اللبناني- اللبناني.
4- لم يعد يمقدور حكومة الميقاتي الإمساك بزمام الأمور سواء فيما يعود لسياسة النأي بالنفس أو مواجهة التداعيات الحاصلة داخلياً أو على المستوى العربي- الخليجي. ويبرز كل ذلك بأن المصلحة الوطنية باتت تقضي بإستقالة هذه الحكومة، وتشكيل حكومة أكثر تجانساً وقدرة على تخفيف مفاعيل الأزمة السورية، ومعالجة تداعيات الأخطاء المرتكبة من الحكومة الراهنة.
5- نحن نعتقد بأن للبنان مصلحة إستراتيجية في التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية، لأن ذلك سيساعد على تقصير عمر الأزمة، وقيام حكم قادر على الإمساك بزمام الأمور ضمن فترة زمنية معقولة، وإن ذلك سيجنب لبنان المزيد من المخاطر والأضرار السياسية والأمنية والإقتصادية
6- على المستوى الإقليمي، إن التنافس وإرتفاع منسوب التناقضات وتنامي مشاعر العداء بين دول المنطقة يدفع نحو زيادة التوتر في المنطقة ولدرجة تهدد بنشوء صراعات جديدة، تؤدي إلى حرب إقليمية، من هنا تبدو المنطقة وكأنها باتت بحاجة لعقد مؤتمر إقليمي يحقق معاهدة ويستفاليا- شرق أوسطية. هذه المعاهدة يمكن أن تحول دون تقسيم سوريا أو تغيير في الجيوبوليتيك الإقليمي. كما أنها ستمنع بالتأكيد الدفع بإتجاه حروب إقليمية جديدة.
لبنان في ظلّ الثورة السورية
دكتورة دعد بو ملهب عطالله*
البحث في الجيوسياسة اللبنانية يبدأ من الحدود والتفاعلات المختلفة التي تعبرها أو هي تولّدها باتجاه المناطق في الداخل حيث يتعامل الأفرقاء المختلفون بحسب علاقاتهم ومصالحهم مع الآخرين في الخارج والداخل. يخضع الوضع حالياً لهذه المعطيات بالذات وهو يرتدّ بالتالي غلياناً داخلياً مناطقياً ومذهبياً وبالنتيجة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً كما أمنياً.
حملت سنة 2011 ، مع ما سمّي "الربيع العربي"، انفجارَ بركان سوري بقي كامناً لعقود. إن النقمة المضغوطة والمضبوطة في آن انتظرت ظروفاً واكبت العديد من التغيّرات المحيطة حتى تطلق العقال للحناجر المكتومة والأصوات المبحوحة وصولاً إلى الخناجر المصقولة...فما أن حلّ ربيع سنة 2011 حتى بدأت الثورة السورية في سياق ما سمّي "الربيع العربي" أي ثورة الشعوب العربية على حكامها المتسلّطين المتحكّمين بأنظمة صاغوها عامة بأنفسهم لمصلحة بقائهم الدائم في السلطة ونهش لحم شعوبهم لحشو جيوبهم وخزائنهم وضبط الحاشية التي لا تجيد بسملة إلا بأسمائهم هم.
في لبنان كان كثيرون ينتظرون بتلهف "بو عزيزي" شامي وانطلاق الشرارة التي تلهب الجارة وذلك لتنفيس ضيق استمر سنين طويلة نتيجة كمّ الأفواه غير المعتادة أصلاً ذلك. لكن سرعان ما تبيّن أن الحالة السورية أكثر تعقيداّ من أية حالة ربيعية عربية سبقت: ربما لأن الحكام في دمشق كانوا أصلاً محكِمين قبضتهم وسلطتهم تماماً، أكثر من سواهم، على كافة القطاعات في البلاد؛ ولأن الظروف الإقليمية والدولية غير داعمة كفاية لثورة "الشعب" في سوريا؛ وبالأخص لأن الدعم متوافر بشكل من الأشكال للحكام ونظامهم لأسباب ستراتيجية كبرى تأتي في مقدمتها أهمية البقاء في مياه المتوسط أو الوصول إليها... وصولاً إلى الحفاظ على حسن جوار قوقازي... كما الحفاظ على نوع من الاستقرار الإقليمي الذي أمّنته الممانعة السورية لعقود... أو حتى تفادياً لإرهاب متجدّد.
* أستاذة العلاقات السياسية الدولية المعاصرة والجيوسياسة في الجامعة اللبنانية.
والآن، بعد سنتين على اندلاع الثورة بدءاً من الأرياف السورية وصولاً إلى كبريات المدن ومنها العاصمة، وبعد أن تخضّبت البلاد بدماء تسيل بلا انقطاع ومآسٍ لا تحصى، يبدو لبنان أكثرَ المتفاعلين إقليمياً ودولياً مع تداعيات الحدث السوري وتشعباته المختلفة. يبقى الإلمام حالياً بكافة التداعيات غيرَ ممكن نظراً إلى تعددها وعمقها واتساعها وتجددها في آن واحد. لذا نتوقف عند بعض أبرزها وهي : سقوط الحدود اللبنانية بشرياً وإنسانياً أمام اللجوء السوري إلى الأراضي اللبنانية، تكثّف نفوذية الحدود بين الدولتين لانتقال السلاح والمقاتلين بالاتجاهين وإن بشكل محدود، تصاعد النبرة المذهبية لدى المسلمين اللبنانيين خاصة لدى السنّة، وبروز الفزّاعة الإسلاموية، وتحوّل مناطق لبنانية كاملة إلى امتداد بشكل معين للأزمة السورية، وأخيراً طريقة تفاعل السلطة اللبنانية مع الوضعين السوري والإقليمي.
- سقوط الحدود اللبنانية إنسانياًً خاصة أمام الجماعات السورية الهاربة من الموت والدمار. إنها مسألة إنسانية بامتياز أن تفتح الدولة حدودها أمام لجوء الهاربين للاحتماء من الموت لكن أن تثير المسألة نقاشاً داخلياً على الصعيد السياسي في لبنان لا بدّ أن يلفت الأمر الانتباه. فالكلام، في وقت من الأوقات، من قبل فريق لبناني (على وجه الخصوص التيار الوطني الحرّ) عن ضرورة إقفال الحدود لأسباب أمنية ومعيشية واجتماعية أمام حركة اللجوء الكثيفة أصلاً والمتزايدة مع تزايد حدّة القتال واتساع رقعته على مساحة معظم المناطق السورية أثار ردود فعل معارضة لهذا التوجّه. وبالفعل إن الكلام، في شباط 2013، عن لجوء مئات آلاف السوريين (500 ألفاً بحسب تقديرات)[1]يعني أعباء وتداعيات متنوعة مباشرة وبعيدة المدى.
هنا يلاحَظ أمر واضح بخصوص اللجوء السوري إلى الأراضي اللبنانية وكلفته البشرية والمادية كما السياسية ألا وهو الموقف الرسمي الذي أباح في حزيران 2012، في البند السادس عشر من "إعلان بعبدا" "الحق في التضامن الإنساني...مكفول تحت سقف الدستور والقانون". إن هذا التضامن الذي يؤدي إلى تحمّل لبنان واللبنانيين أعباء كبيرة اقتصادية واجتماعية يبقى أمراً تلقائياً على الصعيد الإنساني البحت. اللاجئون هم فارّون من العذاب اليومي والموت المحتم في أحيان كثيرة إن لم يكن من القصف فمن الدمار وخسارة المأوى الآمن والغذاء والطبابة وحاجات الحياة اليومية... لقد خبر اللبنانيون على مدى سنوات طويلة مثل هذه الصعوبات وهم يدركون تماماً قيمة الحصول على ملجأ يقيهم وعيالهم الموت المحتّم. لكن المسألة أصبحت تثقل، بلا أدنى شك، كاهل لبنان واللبنانيين خاصة اقتصادياً.
ومن الملاحظ أن الحكومة اللبنانية، كما معظم اللبنانيين، تخشى إقامة مخيمات رسمية لإيواء أولئك اللاجئين. إن الحالة الفلسطينية وما آلت إليه من تدخل في الشأن اللبناني والكوارث التي أدت إليها والمحاذير التي ما فتئت تثيرها المخيمات الفلسطينية (آخرها نهر البارد) تجعل اللبنانيين كافة يترددون في هذا الشأن. هذا مع العلم أن هناك فرق شاسع ما بين المسألتين حي إنه هنا تبقى المسألة بالنتيجة نزاع داخلي وعند حسمه ووقف القتال لصالح أي من الفريقين لا بدّ أن تكون عودة اللاجئين إلى ديارهم أمراً تلقائياً.
- تكثّف نفوذية الحدود من الجانبين لأهداف لوجستية عسكرية. بالفعل، إن الحدود الفاصلة بين الدولتين تعيش بشكل متزايد حركة بالاتجاهين لتنقل السلاح والعتاد والمقاتلين. أما المعنيون في الجانب اللبناني بهذه الحركة فيقعون على طرَفي نقيض من المجريات السورية. بداية، إن حزب الله لم يخفِ، مع حلفائه، تأييدهم للنظام الحاكم في سوريا وكان من المتداول منذ بداية الثورة السورية استعدادهم لدعم هذا النظام بكل الوسائل المتاحة ودوام التعاون معه.
إن نقل الأسلحة والذخائر من سوريا إلى لبنان خاصة لمصلحة حزب الله يبدو في حركة مستمرة في وقت يؤكد حزب الله بشكل دائم أن إمكانياته العسكرية على تزايد مع ما في ذلك من تهديد للداخل والخارج. مثل هذا الأمر يثير المخاوف عند الفريق المعارض (بعد حادثة 8 ايار 2007) الذي يؤيد الثورة السورية ويأمل انتصارها على النظام القائم. هذا مع الإشارة إلى كون هذه الأسلحة والذخائر هي خاصة الحزب ومودعة على الأرض السورية (في منطقة الزبداني على وجه الخصوص كما هو متداول).
وفي الوقت ذاته، يتصاعد الكلام والاتهامات من وقت إلى آخر عن عمليات تهريب سلاح من لبنان إلى الثوار في سوريا. بالطبع هنا يأتي دوماً التكذيب على مستويات مختلفة، وفي كل الأحوال لا يمكن أن تكون مثل هذه الحركة قادرة على المساهمة جدّياً في ترجيح كفّة الثوار السوريين. إنها على الأغلب تبقى رمزية بالقياس إلى حاجات الحرب الدائرة في المناطق السورية نوعاً وكمّاً. وقد تكون شبه فردية وأقرب إلى مجرّد عمليات تهريب محدودة لأهداف مختلفة منها التجارة ودعم الأهل (أهل السنّة) في الجانب الآخر من الحدود...
إضافة إلى مسألة السلاح والذخائر لا بدّ من الكلام عن المقاتلين اللبنانيين الذين يشاركون، على الأراضي اللبنانية الحدودية كما في الأراضي السورية، في النزاع السوري-السوري. في هذا الباب، يكون من الضروري الإشارة إلى استقبال المقاتلين السوريين وخاصة الجرحى من بينهم في بعض القرى الحدودية اللبنانية وقد تكون حاجة الثوار السوريين إلى مقاتلين لبنانيين ضئيلة لأن الأعداد لا تنقصهم .
ويبقى الأبرز هنا هو مشاركة مقاتلي حزب الله بشكل منظم في الحرب على الأراضي السورية وقد يكون أكثرها وضوحاً وحتى علانية ما يحصل في بعض المواقع والقرى السورية المحاذية للحدود اللبنانية (خاصة في منطقتي الزبداني والقصَير)[2]. ولا بدّ من التذكير هنا ببعض التأكيدات القائلة بوجود أعداد مهمة من مقاتلي حزب الله اللبناني في سوريا عموماً لدعم الجيش النظامي في مواقع ومهمات يحددها الفريق السوري.
على هذا الصعيد بالذات يكون اللبنانيون، طبعاً كأقليات صغيرة، يتقاتلون، وإن بصورة غير مباشرة وضمن حدود ضيقة جداً ، في سوريا. وهذا يعني بدون أي شكّ تجسيد الخلافات اللبنانية عسكرياً بشكل من الأشكال إن لم يكن على الأرض اللبنانية فعلى الأرض السورية. وهذا يعني تأثيراً مؤكداً وإن محدوداً على الساحة اللبنانية. ويمكن قراءة تزايد التأزم في الشمال (بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس) وفي البقاع الشمالي (موضوع عرسال بالأخص) من التداعيات المباشرة لهذه الظاهرة. ويبقى الأهم هنا هو في تحذير الثوار السوريين (الجيش الحرّ) أولاً بالتعامل مع مقاتلي حزب الله على الأراضي السورية ك"مرتزقة" كما بالردّ على مواقع الحزب داخل لبنان خاصة بعد الكلام عن إحكام حزب الله "سيطرته على الزبداني وحوض العاصي بعد تسليح وتدريب آلاف اللبنانيين والسوريين الشيعة"[3]. ولقد وصل الأمر في بداية شهر آذار 2013 إلى تحذير، إن لم يكن تهديد، الدولة اللبنانية نفسها من قِبل الجيش السوري الحرّ إذا ما استمرّ حزب الله يتدخل في النزاع السوري[4]
- وفي موازاة هذه المستجدات يبدو أن تصاعد النبرة المذهبية لدى المسلمين اللبنانيين يتواصل بعد أن كان قد همد نوعاً ما أقلّه في العلَن بعد حدث السابع من أيار سنة 2008 خاصة في بيروت. إن حزب الله يرفض التعدّي السنّي ويدافع علناً عن أهله من "الشيعة اللبنانيين" المقيمين في قرى سورية أو تلك القرى اللبنانية "الملتبسة الهوية" كون الحدود اللبنانية السورية غير مبتوتة رسمياً. كذلك إن "أهل السنة" في لبنان يرفضون تعدّي العلويين الشيعة عليهم في سوريا كما في لبنان وما ظاهرة وخطب الشيخ أحمد الأسير إلا تعبيراً عن إرادة الدفاع عن "أهل السنّة" ليس فقط في لبنان حيث ضرورة "إعادة التوازن"[5]كذلك "نصرة" أهل السنّة في سوريا[6]. كذلك، إن بعضاً من الدعاة السنّة خاصة في طرابلس أعلنوا بوضوح أن "أهل السنة وعلمائهم في شمال لبنان ربطوا بقاء أهل السنة وقوتهم في لبنان بمستقبل الثورة السورية". كما قال أحد أولئك "أصبح البلد مقسوم إلى قسمين" أي بين السنّة مع الثورة السورية من جهة وحزب الله "الذي ربط نفسه ببقاء النظام السوري والمشروع الإيراني". وبالتالي رأى ذلك الداعية، في ربيع 2012، أننا أمام "أزمة شديدة وانقسام عمودي ومخاوف من نقل الصراع إلى الساحة اللبنانية"[7].
هذا يعني ببساطة أن الجيوسياسة المذهبية في لبنان تتبلور أكثر وأكثر في تواصل شبه تام مع التطورات السورية حتى وإن لم يعلن الشيعة بأي شكل من الأشكال ميلهم إلى دعم النظام السوري لكونه شيعياً. والعلويون هم شيعة مسلمون بناءً على ما أفتى به الإمام موسى الصدر في أوائل سبعينات القرن العشرين. في كافة الأحوال، يبقى أن النزاع المذهبي والجيوسياسي يرفد وسيرفد بلا شك النزاع السياسي والتشريعي بين الفريقين على الصعيد اللبناني العام في كافة المناطق وباتجاه مختلف الأفرقاء الآخرين وبخاصة الحلفاء غير المسلمين.
- وفي هذا السياق المذهبي، لا بدّ من التوقف وإن سريعاً عند الفزّاعة الإسلاموية التي تغزو لبنان بالأخص من باب سوريا بالذات. تابع اللبنانيون كافة الحركات الأصولية في العالم العربي وفي العالم عموماً كما أنهم عانوا مباشرة من بعض تجسيداتها (كما في نهر البارد سنة 2007) وهم يعايشون فعلاً نموّ بعض الجماعات في بعض المناطق.
من المعروف تقليدياً ومنذ وصول حزب البعث إلى الحكم في سوريا، وعلى غرار الأحزاب "الاشتراكية" في البلدان الإسلامية، حصلت الطوائف غير المسلمة نوعاً من التطمين على الذات مدنياً ودينياً. وبالإضافة إلى هذا التطمين المبدئي، فرض كون الفريق الحاكم العلوي في سوريا هو نفسه أقلية كطائفة إعطاء المزيد من التطمينات للطوائف غير المسلمة وعلى رأسها المسيحيون. يضاف إلى هذا كون النظام الأسدي عمل على تحويل المجتمع السوري عموماً إلى مجتمع مدني متحرّر اجتماعياً إلى حدّ معيّن أقلّه في الظاهر.
هكذا ما أن بدأت الثورة تتحوّل باتجاه العنف حتى لاحت للأقلية المسيحية في سوريا مخاوف من أسلمة النظام بمعنى إمكانية خسارة المنجزات التي تحقّقت اجتماعياً. وعلى الرغم من أن سوريا لم تعرف قبل وصول البعث نظاماً ضاغطاً بشكل خاص على غير المسلمين إن الأمثولة العراقية بعد سقوط البعث مع صدام حسين ساهمت بلا شكّ في بروز المخاوف لدى المسيحيين خاصة. وفي الواقع، إن الأقليات تستأنس عامة ببعضها البعض، فهنا كان من الطبيعي أن يلوّح العلويون لهذه الأقليات بعواقب السقوط على أنه سيكون على حساب كافة الأقليات لمصلحة الأكثرية الطائفية أي السنّة.
وانتقلت المخاوف سريعاً إلى لبنان حيث احتلت موقعاً بارزاً عند بعض الزعامات السياسية والدينية على السواء كما عند نسبة من اللبنانيين[8]. وبرز في لبنان خوف ليس فقط على مصير الأقليات في سوريا وبخاصة المسيحيين منهم بل أيضاً على مسيحيي الشرق عموماً. ولقد عزّزت هذه المخاوف بدون أي شكّ أحداث بارزة وقعت أولاً في العراق ثم في مصر ما بعد الثورة حيث كان ضحيتها السريان والكلدان والأقباط. ولقد تعدّت هذه المخاوف حدود المنطقة لتصل إلى أوروبا ومنها الفاتيكان. لكن هذا الأخير توجّه إلى المسيحيين في الشرق الأوسط أولاً بنداء ضمني لعدم مغادرة المنطقة تلاه مؤخراً نداء صريح يقول بأن "الكنيسة لا تحبّذ هجرة المسيحيين من بلادهم... نحن مع بقائهم في بلادهم"[9].
إن بروز "جبهة النصرة" في سوريا وهي عبارة عن مقاتلين إسلاميين ينتمون على ما يبدو إلى القاعدة في العراق يجسد خطراً على السوريين عموماً. وما يخيف في لبنان هو قدرة هذه الجبهة أو أمثالها على التمدّد باتجاه المناطق اللبنانية حيث عمد البعض لأهداف مختلفة إلى تظهير هذا الخطر. ولا بدّ هنا من التذكير بالخوف الوارد منذ ما قبل الثورة السورية من الخلاف السنّي-الشيعي الذي يُخشى تحوله في النهاية إلى نزاع بين الطرفين. والساحة اللبنانية تبدو مؤهلة أكثر من غيرها لتجسيد مثل هذه الظاهرة نظراً لتواجد الفريقين ومسألة الشعور بالغبن الذي تحوّل مؤخراً إلى الطرف السنّي[10].
ولا بدّ من التذكير هنا بأن الثورة السورية عند انطلاقتها لم يكن لها أي وجه طائفي. لكن بعد شهور طويلة بالفعل بدأ الكلام عن أن جماعات إرهابية أسلاموية اخترقت صفوف الجيش الحرّ. على الرغم من أنه يبدو أن هذا الجيش غير مرتاح لمثل هذا المستجدّ، وأن النظام السوري يسعى إلى توظيف هذه الظاهرة ضدّ معارضيه. وبالفعل، يظهر أن حكومات الغرب تحوّلت إلى الاهتمام بالقضاء على الإرهابيين أكثر من محاربتها النظام المستبدّ. وبرى البعض بهذا الخصوص أن تحريكاً للساحة اللبنانية يحصل حالياً "على وقع التفاهمات الروسية الأميركية حول سوريا". وهذا يعني تحرّكاً دولياً وإقليمياً ومحلياً لضرب "الحالة السلفية" في طرابلس وعرسال وحتى صيدا[11].
- هكذا، إن بعض المناطق اللبنانية تحوّلت إلى امتداد للواقع السوري اجتماعياً وإيديولوجاً وأمنياً. إن ثورة الأكثرية السنّية السورية، كون الأكثرية في البلاد هي بكل بساطة سنّية، على الحكم العلوي واعتماد هذا الحكم على القوة لقمع الثورة والخوف من تمدّد القوس الشيعي في المنطقة هي أمور تعني لبنان عموماً وبعض المناطق على وجه الخصوص. فالوضع الطرابلسي يرتبط مباشرة بهذه المسألة أمنياً كما جغرافياً. والوضع في صيدا كذلك يثير مخاوف بالنظر إلى وضع المدينة وجوارها شمالاً وجنوباً. وكذلك الأمر بقاعاً وشمالاً بالنسبة لعرسال ومحيطها كما منطقة وادي خالد.
هذه المناطق هي سنّية بامتياز عانت عموماً بشكل من الأشكال من الوجود العسكري الأمني والسياسي السوري خلال سنوات والآن يعاني بعضها أمنياً وسياسياً. هذا يعني جيوسياسياً وأمنياً ارتباط العلاقة السنية الشيعية في لبنان بالعلاقة مع أطراف النزاع السوري. هل هذا يعني استمراراً في تبنّي الشيعة في لبنان منذ فتوى الإمام موسى الصدر لشيعية العلويين وبالتالي "نصرة الدين" أم نتيجة للتحالفات الجيودينوستراتيجية الإقليمية لتعميم الجمهورية الإسلامية على أراضي المسلمين؟
هل يمكن القول هنا إن النزاع القائم تخطى الحدود باتجاه المناطق اللبنانية لأهداف مذهبية فقط؟ هل أن النظام في سوريا أصبح مرتبطاً وجدانياً وجيوسياسياً بالشيعة اللبنانيين؟ وهل أن الشيعة في لبنان أصبحوا مرتبطين عضوياً بالحكم القائم في سوريا؟ ليس هنالك ما يدلّ على مثل هكذا تطور لكن المصالح المتلاقية المؤقتة هي التي تفسّر هذا التوجّه. لكن، وفي مطلق الأحوال، إن الكلام، بغض النظر عن مدى صحته، عن دعم حزب الله لأهل جبل محسن العلويين في وجه أهل باب التبّانة السنّة إنما هو يعني تمدّداً جيوسياسياً لبنانياً للثورة السورية إلى عمق طرابلس.
_ أما بخصوص تفاعل وتعامل السلطة اللبنانية مع الأحداث السورية فلا بدّ من الإشارة بداية إلى أن هذه السلطة واقعة بين فكّي كماشة : الموقف المبدئي الملزِم قانونياً، على الصعيدين الإقليمي والدولي (ميثاقّي جامعة الدول العربية والأمم المتحدة)، أي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى؛ مواقف الفرقاء اللبنانيين المتفاوتة من الحدث السوري أساساً بين متعاطف مع الثورة ومعادٍ لها انطلاقاً أساساً من الموقف من النظام السوري ومن المصالح المختلفة.
ما أن بدأت الثورة في سوريا حتى ظهر وجود موقفين متباينين في لبنان بالنظر إلى العلاقة أصلاً مع النظام السوري بين متعاون معه وبين معادٍ له علناً منذ سنوات. سرعان ما أعلن رئيس الحكومة اللبنانية "النأي بالنفس" عن مجريات الأحداث في سوريا وإن لم يكن بإمكانه تطبيق هذا الموقف المبدئي حتى على مستوى حكومته بالذات القائمة في أكثريتها أصلاً على حلفاء النظام السوري نفسه. أما على مستوى المعارضة التي وإن هي رأت صوابية "النأي بالنفس" إلا أنها وجدت أنه من الواجب تأييد الثورة السورية أقلّه من باب حرية الشعوب في الثورة على الاستبداد والظلم نفسهما اللذين عانى منهما اللبنانيون أنفسهم وضمنياً بالطبع تشفياً بهذا النظام بالذات. ويبقى الأهم في هذا كله كون النزاع ما لبث أن اتخذ الطابع المذهبي اي السني-العلوي (الشيعي).
ولما تزايدت الوقائع المرتبطة بالحالة السورية على الساحة اللبنانية كما على الحدود اللبنانية السورية، تكثفت النصائح والضغوطات الدولية والإقليمية باتجاه الحكومة اللبنانية بشأن تطبيق حياد فعلي بخصوص الوضع السوري. أتى "إعلان بعبدا"، بتاريخ 12 حزيران 2012، في سياق ما عرف ب"الحوار الوطني" الصعب وفي ظلّ المستجدات اللبنانية المرتبطة بالأحداث السورية والحدود بين حوادث قصف وقنص عبرها وتهريب أسلحة واشتباكات وخطف. أتى كلام الرئيس اللبناني ميشال سليمان ، في بداية الجلسة التي أفضت إلى الإعلان، واضحاً بخصوص الحوار والتفاهم أقلّه لإبعاد خطر الإنزلاق داخلياً إلى ما لا تحمد عقباه في ظلّ بوادر التأزم الداخلي المرتبط بالموضوع السوري :"لقد اقتربنا من حافة الخطر والانزلاق، الوضع مخيف، المجتمع الدولي متوجّس، الدول العربية قلقة..." وأكّد "الخوف الكبير لدى اللبنانيين المقيمين والمغتربين، وتعرّض الاقتصاد لانقباض كبير، والاستباحة لكرامة المؤسسات...والاتهامات بين الأطراف اللبنانيين" وتوقف عند "ضرورة الحوار من أجل وقف التدهور ومنع انعكاس الأحداث السورية على لبنان..."[12].
ومما يدلّ على انعكاس الأحداث السورية مزيداً من التوتر الداخلي وبخاصة أمنياً كون البند الأول في الإعلان نص على "التزام نهج الحوار والتهدئة الأمنية والسياسية والإعلامية والسعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة". وكذلك أتى البند الثالث عشر يؤكد مخاطر التفاعل مع الأحداث السورية فقال بلزوم "الحرص على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقراً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحق بالتضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفول تحت سقف الدستور والقانون".
بالفعل، إن خطر "انتقال عدوى الأزمة السورية" إلى لبنان أصبح، في شهر آب 2012، موضوع قلق على الصعيد الدولي كما ورد على لسان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أثناء زيارته لبيروت. في الوقت نفسه، نصح العديد من الدول العربية مواطنيهم بمغادرة لبنان. إن توقيف الوزير اللبناني السابق ميشال سماحه ناقلاً متفجّرات من سورية بقصد توتير الساحة الداخلية اللبنانية وردود الفعل على خطف أحد اللبنانيين الشيعة في سوريا بدت بوادر كافية مؤهلة لاندلاع أزمة كبرى في لبنان[13].
ومع أواخر سنة 2012، كانت المخاوف على تزايد من تداعيات الأزمة السورية الخطيرة على السلم والاستقرار في لبنان. حتى أن السؤال أصبح حول ما إذا كان لبنان سينجو من "ترددات الحرب الأهلية في سورية" في سياق البحث عن "تداعيات ومخاطر الأزمة السورية على الداخل اللبناني"[14]. تبدو الصورة في مثل هذه القراءات قاتمة ومقلقة لكنها تحمل بصيص أمل في عدم الانزلاق إلى الهاوية بنتيجة ميل الفريقين السياسيين والمذهبيين بعدم السقوط في تجربة الاقتتال الواسع المؤذية للجميع على السواء. هذا يعني عدم "وجود إرادة عند أي فريق لبناني أن يذهب باتجاه حرب أهلية"[15].
بالفعل، يبدو أن الأفرقاء اللبنانيين، وبخاصة على مستوى القيادات، يعملون على عدم جرّ الأزمة السورية إلى داخل لبنان بالذات بل يميلون إلى الاكتفاء بدعم حليفهم في سوريا مادياً وإن عبر الحدود اللبنانية، ودعمه في لبنان والخارج إعلامياً وربما سياسياً. حتى أنه أحياناً يبدو أن هناك نوع من اتفاق ضمني حول هذا الأمر مع احتفاظ كل فريق بالحق في الدفاع بأساليب مختلفة عن وجهة نظره أو موقفه المعلن بما أو في بعض التحركات على الأرض، بما فيها الأمنية، التي تهدّد جدّياً الأمن في حال سقطت القدرة على ضبط الأمور. ولقد عبّر البعض عن هذا الأمر بأن لبنان لن يكون "ساحة" لهذه الأزمة بل مجرّد "منبر"[16].
قد تكون مسألة السفير السوري في لبنان كما موقف وزارة الخارجية اللبنانية من الأزمة السورية كناية عن مقياس للاشتباك الحاصل على الأرض اللبنانبة. ما يعني أن السفير يمثل النظام السوري وعلى هذا الأساس هو مقبول من الحكومة اللبنانية القريبة في أكثريتها من هذا النظام، بينما العديد من دول العالم تعترف بالائتلاف السوري الذي تؤيده المعارضة اللبنانية وهي ترفض بالتالي أن تتمثّل سوريا من قبل النظام. وترفض كذلك هذه المعارضة علناً موقف وزير الخارجية اللبناني القريب إلى النظام السوري في المحافل الإقليمية والدولية[17].
- وأخيراً، لا بدّ من النظر إلى مسألة طبيعة الحكومة اللبنانية الحالية، أي "حكومة ميقاتي"، التي تتشكل أكثريتها من وزراء موالين للنظام السوري وعلى رأسهم وزراء حزب الله وحركة أمل. تشكّلت هذه الحكومة في ظلّ بدايات التحرك المطلبي السلمي الواسع في سوريا (في 13 حزيران 2011) بعد شهور من تكليف رئيسها بتأليف حكومة جديدة (في 25 كانون الثاني 2011). تعتبر أكثرية أعضاء هذه الحكومة قريبة من النظام السوري ومما لاشكّ فيه أنه كانت لهذا النظام يدٌ في تشكيلها على هذا النحو. يمكن أن نقرأ هذا الأمر إيجابياً بمعنى أن وجود مثل هذه الحكومة في ظلّ الأزمة السورية وتداعياتها الفعلية والممكنة على لبنان يشكل نوعاً من مظلّة قد تكون كفيلة بأن تقيه الأبشع والأفظع.
وهنا يمكن افتراض أن وجود حكومة مناهضة للنظام السوري في هذه المرحلة يطرح العديد من التصورات. من هذه التصورات اعتماد حزب الله بالأخص بصورة تلقائية وطبيعية دعم النظام السوري بكل الوسائل المتاحة لديه، نظراً للارتباط بين الحزب والنظام السوري ومن ورائهما النظام الإيراني الداعم الأكبر للإثنين. في حال وجود حكومة معارضة لهذا المنحى ما هي الإمكانيات المتاحة لها لمنع أو حتى ردع حزب الله عن مثل هذه السياسة؟ بالطبع إمكانات حزب الله عسكريا ولوجستياً وأمنياً لا تسمح لمثل هذه الحكومة بعرقلة قرارات الحزب. وبالتالي، إن إمكانية حصول المحظور في لبنان تكون واردة في أية لحظة.
فتكون النتيجة إما رضوخ الحكومة للأمر الواقع (كما حصل في صيف 2006 أو في 7 أيار 2008 وما تلاه). وهذا قد يعني بالطبع هيمنة الحزب بشكل كامل وعلني على البلد رغماً عن أنف الحكومة. وأما في حال حاولت مثل هذه الحكومة منع الحزب بشكل من الأشكال عن تقديم الدعم للحليف الصديق في وقت الضيق، لا بدّ أن يعني ذلك نزاعاً لبنانياً مفتوحاً لا أحد يرغب فيه. وهذه هي الحال حالياً من دون أن يتحمل الفريق الآخر كامل المسؤولية التي كان عليه تحمّلها في حال كان هو الذي يرئس الحكومة بغض النظر عما لو كانت تلك الحكومة من لون واحد أو حكومة "وحدة وطنية".
هل يكون بالتالي من حظ لبنان واللبنانيين، أقلّه حتى الآن، أن تكون الحكومة القائمة حالياً "حكومة الميقاتي" التي بإمكانها اعتماد "إعلان بعبدا" وغض الطرف عن المواقف المتباينة بين السنة والشيعة بإسم "الوسطية" و"النأي بالنفس" دون التزام كامل بهذا الموقف لأن مكوّنات هذه الحكومة لا تسمح بذلك بالطبع؟
إن هذه الفرَضية الإيجابية، التي ربما قد نجحت حتى الآن، لم تعد قادرة على الاستمرار في تجنيب لبنان الكوارث أقلّه الاقتصادية والسياسية. ففي الواقع سبّبت هذه الحكومة الإحراج للدولة اللبنانية ككل على الصعيد الإقليمي خاصة. لفد ارتدّت سلبيات اقتصادية وهي مؤهلة لأن ترتدّ سلبيات أكثر إيلاماً بعد الموقف الخليجي الأخير من "الدولة الفاشلة". إن دول مجلس التعاون الخليجي لم تتوانَ عن تحذير السلطات اللبنانية مؤخراً من نتائج قد تكون وخيمة على الدولة والشعب إن لم تنفّذ السلطات سياسة "النأي بالنفس" فعلياً لا شكلياً وإعلامياً فقط[18].
وينسحب على هذا الوضع التحضير للاستحقاق الوطني الأساسي أي الانتخابات النيابية الوشيكة. فمسألة قانون الانتخاب والخلافات الحاصلة بهذا الشأن ليست بمنأى أبداً عن تأثيرات الأزمة السورية. صحيح أن المسألة مطروحة منذ ما قبل اندلاع الثورة في سوريا لكن أصبح البتّ في موضوع القانون ضاغطاً في ظل تداعيات هذه الأزمة. هل في نيّة كافة المعنيين بهذا الموضوع ومن مصلحتهم إنجاز المهمّة؟
إذا كانت بعض النصائح الخارجية تشجّع على إتمام الانتخابات في موعدها، هل تسمح الظروف الأمنية المحيطة بحصولها؟ بالطبع هنا يأتي في صدارة هذه الظروف تأثير الوقائع السورية عبر الحدود. كذلك إن الأخبار المتداولة حول مسألة التدخل الخارجي، وإن بشكل دعم لوجستي مباشر، على الساحة السورية لا بدّ أن تؤثّر في قرار الأطراف اللبنانيين في هذا الموضوع بالذات. وماذا لو صحّت بعض الأخبار المتداولة مثلاً حول سحب مقاتلي حزب الله إلى العراق بدنوّ سقوط نظام الأسد في دمشق وذلك لحسابات إيرانية[19]؟
في مطلق الأحوال، إذا ما حصل مثل هذا التدخل أو الدعم فعلاً فهو سيأتي لغير مصلحة النظام السوري وبالتالي أصدقائه وداعميه اللبنانيين. لا بدّ وأن يؤدّي مثل ذلك إلى نوع من البلبلة على الساحة اللبنانية ولو بشكل مؤقت وقد يرتد المزيد من العرقلة للمسيرة الديمقراطية المبتورة.
ويبقى المجتمع اللبناني بجوانبه المختلفة أي السياسية والاقتصادية والاجتماعية معرّضاً لمشاكل يصعب حلّها تحت الضغوط المختلفة. وكثرة المطالب والتحركات للمجتمع المدني وللقطاعات العمالية والموظفين، هل يمكن وضعها في سياق الحراك المطلبي إقليمياً وإن ضمن حدود ضيقة نسبياً؟
وبالنهاية، إن ظلَّ الثورة السورية غير مؤهل للأسف لأن يزول عن لبنان مع حلّ المسألة السورية نفسها. فمهما كانت نهاية الأزمة في سوريا لا بدّ أن تتحوّل التداعيات الحاضرة إلى ترسّبات تؤرق لوقت غير قصير الساحة اللبنانية بالنظر إلى ما حاصل حالياً.
ندوة حول انعكاس الصراع في سوريا على الأوضاع اللبنانية
السبت 9 آذار 2013
مداخلة د. عصام خليفة
اذا كانت سوريا مفتاح آسيا كما قال نابوليون، واذا كانت – كما قال Birot et Dresch– ملتقى القارات والبحار، واذا كان تعلق السوريين بالوحدة اكثر من أي قطر عربي آخر لأنهم القطر العربي الأكثر تجزئة كما قال ارنولد توينبي، واذا كانت سوريا – بحسب الكثير من الديبلوماسيين – قلب المسألة الشرقية، فان ما يجري فيها، في هذه الايام، سيكون له تأثيره الأكبر على المشرق العربي باجمعه، لا بل على مجمل العالمين العربي والاسلامي. ذلك ان الموقع الاستراتيجي الهام لهذه البلاد، على ابواب الدول المشرقية النفطية (ايران، العراق، دول الخليج)، وعلى المجال البري الواصل بين منابع النفط وموانئ البحر المتوسط، يجعلها مؤهلة لان تكون "قاعدة وثوب" لتهديد الدول النفطية او "خطاً امامياً" للدفاع عنها، مما يجبر مالكي النفط وحلفاءَهم وخصومهم على التنافس في مضمار التأثير على الأقطار السورية، بغية دفعها نحو تبني سياسات داخلية وخارجية تخدم الاستراتيجيات العالمية، الخاصة بالدفاع عن منابع النفط وخطوط امداداته او التعرض لها – كما يؤكد احد الباحثين – وقد اختصر احد التقارير الديبلوماسية الفرنسية، في مطلع القرن العشرين، اهمية سورية بالقول: "مهما كانت مرامي الدول العظمى حيال "تركيا"، تبقى هذه الدول متفقة على الاعتراف بان "سورية"، من خلال موقعها الاستراتيجي والجغرافي، هي النقطة الأكثر اهمية في الامبراطورية العثمانية. ان طريق "الهند" الطويل وطريق"اسية" الكبير، هذا الطريق هو الذي سوف يقرر مصير العالم".
اذا كان الامر كذلك فان الزلزال الحاصل في الداخل السوري لا يؤثر فقط على الجار التوأم لبنان وانما سنكون له على الاقل التداعيات الخطيرة المباشرة على المستطيل الجغراسي الكبير من قلب الاناضول الى المحيط الهندي.
في ندوتنا، اليوم، سنتوقف عند انعكاس الصراع في سوريا على الاوضاع اللبنانية؟! وسنركز في ندوتنا باختصار على عدة محاور:
المحور الجيوبوليتيكي والمحور الامني والعسكري والمحور الاقتصادي والاجتماعي والديمغرافي والمحور السياسي.
والاسئلة التي نطرحها حول هذه المحاور تنطلق من فرضية اولية هي احتمال استمرار الصراع الدموي في المرحلة القادمة.
وقبل طرح اسئلتنا نرى من الواجب ايراد بعض الملاحظات الاولية:
1- اننا منحازون دون تردد الى حق الشعب السوري بالحرية والديمقراطية، ضد كل اشكال الاستبداد والقمع.
2- اننا نعتقد ان "الربيع العربي" هو ظاهرة تحمل توق الانسان العربي الى التحرر، وان ثمة صراعاً، داخل هذه الظاهرة، بين قوى مختلفة. وبين هذه القوى نحن منحازون الى التيارات الداعية الى علمنة الدولة والمجتمع والتربية والثقافة. التيارات التي تحترم التعدد في المجتمع والحريات العامة وحقوق الانسان الساعية الى قيام دولة القانون والمؤسسات. ومن الخطأ اختزال "الربيع العربي" الحالي بانه يؤدي حتماً الى صعود القوى الدينية الاصولية. ان النظرة التاريخية الثاقبة تحملنا على ملاحظة الصراع المحتدم داخل مجمل المجتمعات العربية.
3- ان اسرائيل لها مخططات لتفتيت الدول العربية وفي طليعتها سوريا ولبنان وسائر دول المشرق العربي ومصر، ولكن ليس من المحتم ان تنجح مثل هذه السياسات، اذا توفرت القيادات الوطنية المستشرفة لخطورة مثل هذه المخططات.
4- ان الدولة الايرانية يتعاظم دورها وتأثيرها بشكل بارز وبالمقابل ثمة تدخل تركي وخليجي واضح، اضافة الى اهمية الموقف الروسي وتشدده بمقابل تردد في السياسات الاميركية، ومواقف غير حاسمة من قبل الدول الاوروبية.
اسئلة لا بد من طرحها:
ازاء تصاعد العنف المجنون في مختلف المناطق السورية وازاء التصاعد المستمر في عدد القتلى (100 الف) والمخطوفين (150 الفاً)، والمهجّرين (فوق المليون الى الخارج، وفوق الثلاثة ملايين في الداخل). وازاء تصاعد التدمير المنهجي للمدن (دمشق، حمص، حلب، حماة، درعا، دير الزور وغيرها...) وازاء الشلل الحاصل في الاقتصاد (تدمير المصانع وبخاصة مصانع حلب بما يوازي خسارة 50 مليار دولار)، وتعطيل الزراعة والتجارة والنقل وتخريب مؤسسات الدولة ومرافقها ونهب اربعة متاحف والعديد من المواقع الاثرية وحرق ونهب مساجد تاريخية ومكتبات واسواق وحمامات وما اليها، جدير بنا ان نطرح اسئلة كثيرة بالنسبة لانعكاس كل ذلك على لبنان، ومن ابرز هذه الاسئلة:
1- ما هي نتائج تغيير النظام في سوريا – اذا حصل – على تسليح حزب الله وعلى العلاقات مع سائر مكونات المجتمع اللبناني؟وهل سيعترف النظام الجديد بترسيم الحدود؟ وتوقيع محضر مع لبنان على لبنانية مزارع شبعا؟ وهل تبقى الحدود هي عينها في مرحلة التحول القادمة؟ وهل سيستمر التدخل السوري التفصيلي في شؤون لبنان وشجونه؟ وبالمقابل هل سينعكس هذا التغيير على حزب الله ليصبح اكثر مرونة فيخفف من تشبثه بمنظومته العسكرية المستقلة وينضوي في المنظومة الدفاعية للدولة والمجتمع اللبنانيين؟ وبالمقابل ماذا سيكون وضع سلاح الجماعات الاسلامية الاصولية الأخرى؟ ثم الا تتوسع عدوى السلاح الى جماعات مسيحية تشعر بالخوف وبضرورة الامن الذاتي؟ وهل ان الرد على ذلك يكون بتخفيض عديد الجيش من 80 ألفاً الى 60 ألفاً ام بزيادته الى 150 الفاً كحد أدنى؟! مع تأمين كل العتاد الذي يكفل سيادة الدولة اللبنانية ووحدتها واستقلالها؟
2- في حال حصول تفتت للوضع السوري – بما يشبه الصوملة – اليس من المحتم ان ينعكس هذا التفتت وهذه الصوملة على الوضع اللبناني؟ وما هي الجغرافية التي سيحاول فرقاء الصراع الحاقها باماراتهم الهجينة؟ وماذا سيكون موقف الدول الكبرى؟ وهل ستسمح هذه القوى باندلاع الفوضى الكبرى على ابواب النفط وعلى حدود اسرائيل؟
3- هل ستطرح القوى الثائرة في سوريا نظاماً ديمقراطياً يحترم التعدد والحريات العامة والخاصة ويرتكز على العدالة – مع العلم ان البرنامج المقر نظرياً من قبل الائتلاف لا يحملنا على القلق- ؟ ام ستستطيع قوى دينية في هذه الثورة فرض العودة لاحقاً الى الشريعة الاسلامية بمفهومها المتشدد؟ وما هو رد فعل المسيحيين في سوريا وماذا سيكون موقف العلويين والدروز والاسماعيليين وسائر الاقليات التاريخية الموجودة في هذه المنطقة منذ مئات السنين؟
4- اذا اتجه الوضع السوري الى التفكك، لا سمح الله، هل سيتمدد هذا الوضع باتجاه لبنان، لاسيما وان ثمة ارتباطاً سياسياً ومذهبياً بين مكونات المجتمع اللبناني ومكونات المجتمع السوري؟
5- هل نحن على عتبة خرائط جديدة للمنطقة وهل سيسمح النظام الدولي باعادة النظر بحدود الدول القائمة؟ وهل ان صياغة هذه الخرائط ستتم من دون حروب اقليمية ودولية مركّبة؟ وماذا سيكون دور اسرائيل وايران في هذه الحروب؟
6- ما هي انعكاسات تدفق اللاجئين السوريين والفلسطينيين في سوريا على لبنان في مختلف الصعد الاقتصادية والامنية والاجتماعية والتربوية والديمغرافية والسياسية؟ وهل يستطيع الاقتصاد اللبناني المأزوم ان يلبي حاجات هؤلاء المهجّرين؟ ثم هل تستطيع الادارة الحكومية بوضعها المعروف ان تتحرك لمواجهة التحديات المطروحة؟
7- هل سيتدخل حزب الله بشكل متصاعد عسكرياً وبخاصة في منطقة سهل الغاب (حيث تتواجد بعض القرى الشيعية داخل الحدود السورية وسكانها من اللبنانيين؟ والى أي حد سيشكل هذا التدخل حالة استنزاف بين الجيش السوري الحر وبين الحزب؟ وماذا سيكون موقف الاحزاب السنية الاصولية اللبنانية وهل ستمتنع عن التدخل عسكرياً في سوريا؟ وما هو تأثير ذلك في الوضع الامني وفي الجيش اللبناني خاصة على الحدود الشمالية (في عكار وفي البقاع)؟
8- اذا كان البيان الذي تلاه رئيس الجمهورية في بعبدا هو الموقف الميثاقي الصحيح – بحسب رأينا – لماذا لا يتم تحريك الرأي العام اللبناني للضغط على الاطراف كافة للامتناع عن التدخل اللبناني عسكرياً في الأزمة السورية، ام ان كل طرف اتخذ قراره ويزمع ان يصل بالامور الى الصدام المحتم؟
9- وقبل كل شيء وبعد كل شيء، هل يمكن اجراء الانتخابات في لبنان في ظل مثل هذه الاجواء غير الطبيعية؟ وهل ان مناقشات الاطراف حول ماهية القانون الذي يجب ان يعتمد للانتخابات، هي مناقشات بريئة، ام أن الاطراف الضالعين في ربط لبنان بالعنف السوري يسعون عملياً الى تعطيل الانتخابات؟
ان الايام والاسابيع القادمة توحي بتزايد العنف والقتل والتدمير في مختلف المناطق السورية. فهل يمكن ان نبقى، نحن المثقفين، متفرجين على هذه الكارثة الكبرى التي تحل بالمشرق العربي؟ وما هي الوسائل التي يمكننا اعتمادها للحد من هذه الكارثة على سوريا وعلى لبنان أيضاً؟
ولماذا لا تؤلف الحكومة اللبنانية خلية طوارئ ويتم استنفار كل الطاقات والوزارات والاحزاب والمرجعيات اللبنانية مع قوى المجتمع المدني لمواجهة الانعكاسات الامنية والديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية للعنف السوري على لبنان؟ باسم فعاليات المهرجان اللبناني للكتاب نؤكد موقفنا بدعم حرية الشعب السوري وحقه بالسلام والوحدة والاستقلال. وندعو الجميع لايقاف العنف والوصول الى تسوية تضع حداً للعنف المجنون.
فهل ثمة مجال لصوت العقل في كل ما يجري؟
1- بحسب تصريح وزير الداخلية اللبناني يقدّر عدد السوريين المتواجدين في لبنان في آخر شباط 2013 بمليون نسمة. وهذا يعني اللاجئين والعمال. ورقم 500 ألفاً يشمل المسجلين من اللاجئين والذيي ينتظرون تسجيل أسمائهم. ويُنتظر تزايد العدد مع استمرار العنف في سوريا.
2- يمكن، على سبيل المثال فقط، مراجعة الصحف اللبنانية والعربية، على غرار النهار والسياسة وجريدة Le Mondeالفرنسية بتاريخ 18 و19 شباط 2013.
4- رأت "قيادة الجيش السوري الحرّ" في إعلان لها من الأناضول في تركيا أن : "مستقبل الجوار مع الشقيقة لبنان هو اليوم في خطر ويمكن أن يترك كل الخيارات مفتوحة إذا لم يتوقف العدوان السافر على الأراضي السورية والمواطنين السوريين". وشدّد البيان على أن "القضية اليوم أصبحت مع لبنان الدولة، وهي لم تعد مع حزب الله فقط". وردت مقتطفات من البيان في جريدة النهار بتاريخ 5/3/2013.
8- أتى تصريح البطريرك الماروني بشاره الراعي، في لورد (فرنسا) في 18 ايلول 2011، معبّراً عن المخاوف في قوله للصحافيين "إذا تأزم الوضع في سوريا أكثر مما هو عليه ووصلنا إلى حكم أشدّ من الحكم الحالي كحكم الإخوان المسلمين فإن المسيحيين هناك هم الذين سيدفعون الثمن سواء أكان مثلاً قتلاً أم تهجيراً، وها هي صورة العراق أمام أعيننا".
9- النداء الأول أتى في رسالة الفصح للبابا بنديكتوس السادس عشر، في الفاتيكان بتاريخ 8 نيسان 2012. أما النداء الثاني فأتى في تصريح الكاردينال روبرت سارا، في الأردن في 2 شباط 2013، أثناء زيارته للإطلاع على أحوال العائلات السورية اللاجئة إلى الأردن.
10- يمكن العودة إلى الخطب التي ألقاها بعض مشايخ السنّة في اعتصام بيروت لصالح "الموقوفين السنّة" بتاريخ 24 شباط 2013.
11- أخذت بعض وسائل الإعلام اللبنانية تشير غلى مثل هذه المسألة على غرار مقالة ابراهيم ناصر "القوى الإقليمية تحرك الساحة اللبنانية على وقع التفاهمات الروسية الأميركية حول سوريا" على الموقع الإلكتروني mepanorama ، بتاريخ 4 آذار 2013.
12- نجد تفاصيل الجلسة على موقع العنكبوت الإلكتروني تحت عنوان: جلسة الحوار انتهت إلى "إعلان بعبدا" والموعد المقبل في 25 حزيران...
14- أنظر إلى مقالة أمل شموني "هل ينجو لبنان من ترددات الحرب الأهلية السورية؟" المنشورة في موقعالحرّة الإلكتروني، بتاريخ 29/12/2012.
15- بحسب رأي أحد نواب الموالاة ألان عون من التيار الوطني الحرّ ل قناة الحرّة، المقالة المذكورة أعلاه نفسها.
17- في أعقاب حصول قصف سوري طال قرى في شمال لبنان وقتل لبنانيين إثنين، اضطر كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اللبنانيين تنبيه وزير الخارجية بخصوص استدعاء السفير السوري في بيروت وتوجيه احتجاج وطلب عدم تكرار مثل هذه الأ عمال ، لكن يبدو أن الوزير لم يستمع بحسب بعض الصحف اللبنانية على غرار اللواء بتاريخ 26 شباط 2013.
18- نتيجة لموقف وزير الخارجية اللبنانية في اجتماع وزراء الخارجية العرب، في مطلع شهر آذار 2013، وهو قد فسِّ على أنه داعم ( أو ربما ممثل) للنظام السوري الذي سبق أن أبعد عن الجامعة العربية، كانت زيارة لوفد من مجلس التعاون الخليجي إلى بيروت لتبليغ السلطات اللبنانية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، بالموقف الخليجي الشاجب للسياسة اللبنانية مع التحذير الواضح من نتائجه السلبية على لبنان سياسياً واقتصادياً. يمكن مراجعة الصحف، على غرار السياسة الكويتية، في فترة ما بين 6 و8 آذار 2013.