أقامت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس"ندوة لمناقشة كتاب عالم الاجتماع والعالم المهتم بشؤون الإسلام والواسع الاطّلاع الدكتور سعود المولى: "من المواطنة إلى الدولة المدنية: رؤية إسلامية"، شارك فيها سماحة السيد محمد حسن الأمين والدكتور نسيم ضاهر، وأدارها الدكتور أنطوان سيف بالإنابة عن الدّكتور وليد الخوري، مشدّدًا على أهمّيّة هذا الكتاب وما يقدّمه في هذه الفترة الدّقيقة من تاريخ الشرق الأوسط والعالم العربي.
شكر سماحةالسيد محمد حسن الأمين "الحركة الثقافية" التي لا تبخل على اللبنانيين عطاءً ثقافيًّا غنيًّا. وشدّد على أنّ كتاب الدكتور المولى هامّ جدًّا بحيث لا يمكن أن تختصره ندوة من الندوات. ثمّ قارب السّيّد الأمين الكتاب من خلال بعض المحاور والزوايا التي تطرّق إليها، مؤكّدًا أنّه يشكّل في هذه المرحلة بالذّات، أي زمن إصداره، بادرة بالغة الأهمية في استجابتها لما هو أوسع من لبنان، أي لما يُسمّى الربيع العربي، وتساءل عمّا إذا من الممكن أن يتحقّق هذا الربيع من دون أن ترافق هذه الانتفاضات الشعبية انتفاضة العقل العربي: "هل يمكن أن نستولد ربيعًا عربيًّا في السياسة من دون أن نستولد ربيعًا في العقل وفي الأخلاق؟" وأشاد سماحة السّيّد بالكتاب معتبرًا أنّه "مساهمة يجب أن نشهد أمثالها على الصعيد الفكري والأدبي في المجتمع العربي الذي يحتاج إلى العقل أكثر من أيّ شيء آخر". ولأنّ مجال الحديث عن المواطنة والحوار والدولة المدنية واسع، اختار سماحة السيد ثلاثة محاور تلخّص البحوث التي يحتملها كتاب سعود المولى: يُعنى المحور الأوّل بلبنان، فالكاتب مهجوس بلبنان وضرورة التغيير في الحياة الوطنية اللبنانية ووجوب انتقالها من حياة قائمة على الانقسام والمحاصصة الطائفية إلى حياة قائمة على المواطنة؛ وبالتالي، يجب أن تجترح النخبة المثقفة حلاًّ لتحويل لبنان من مزرعة للطوائف إلى ساحة حرية ومساواة. ويتطرّق المحور الثّاني إلى العرب تاريخًا وحاضرًا ومستقبلاً، إذ يريد الكاتب أن يوجّه النّقد إلى البنى العربية القائمة على الاستبداد في نظمها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ذلك أنّه يتطلّع إلى عروبة قائمة على التعارف والاستلهام المستنير من التراث العربي وليس إلى السّلفيّة التي لا تأخذ من التراث إلاّ "ما يجب عزله وتجاوزه". وثالثًا، يتناول الكتاب الإسلام حيث يتبدّى سعود المولى قامةً مستنيرة لا ترتكز على أفكار النهضة في القرن التاسع عشر فحسب، بل يضيف أفكارا جديدة استلهمها من كلّ أشكال التطور في التجربة الإنسانية. وبالتالي، فهذا الكتاب يقف في مواجهة التفكير والانغلاق ويدعو إلى قراءة الإسلام قراءةً مستنيرة. وبارك سماحة السّيّد هذا الكتاب مُجدِّدًا شكره "للحركة الثقافية".
وحاول الدكتور نسيم ضاهر، وهو باحث وكاتب صحافيّ في صحيفة "الحياة" وصحف أخرى، الإحاطة بقضايا أساسيّة وردت في كتاب الدّكتور سعود المولى، ووصفه بأنّه باحث "يختبئ وراءه مثقّف يحكي بضمير الغائب." يرى الدّكتور الضّاهر أنّ الدّكتور المولى يخاطب الآخر من موقع التجربة السياسية في المقام الأول، ويجمع ما بين كمال جنبلاط والإمام محمد مهدي شمس الدين وبييتريم سوروكين، ويطرح مسألة دور المثقّف البارز لأنّه من صنّاع التاريخ، وينبغي أن يكون أخلاقيًّا وأمينًا لمبادئه. وتوقّف الدّكتور ضاهر عند بعض النقاط في الكتاب، معتبرًا أنّ المولى أسهب في شرح الديموقراطية التوافقية وتوضيحها، وتحدّث عن الذاكرة والنسيان، فطرح الدكتور الضاهر سؤالين: "متى نصبح مهيّئين إلى قراءة التاريخ بقدرٍ من التجرد والموضوعية" أو "العبور إلى فهم صادق للتاريخ". وإن الدكتور المولى تطرَّق في كتابه إلى المجتمع الأهلي الذي يجب أن يكون مستقلاَّ عن الدولة، وإلى موضوعي العدل وتكريم الإنسان في الفكر الإسلامي، وإلى مسألة الديموقراطية، وإلى العنف والحرب والإرهاب من منظور الإسلام.
وفي الأخير شكر الدكتور سعود المولى "الحركة الثقافية" التي يعتبرها أهمّ إنجاز للبنان منذ الاستقلال، والمشاركَين في مناقشة كتابه منوِّهاً بالملاحظات التي أبديانها حوله، وأوضح أنّ كتابه موجّه بالدرجة الأولى إلى الإسلاميّين تحديدًا لأنّه يناقش الإسلام على ضوء العالم المعاصر، واعتبر أنّ كتابه تصفية حساب مع الماضي ومع الأصوليّة ومع ما نشأ عليه من مبادئ، مستعينًا بأشخاص تأثّر بهم، ومشدّدًا على قيم المواطنة والحوار والدولة المدنيّة، ولا سيّما أنّ المثقّفين اللّبنانيّين، وحتّى العلمانيّين منهم، يتحدّثون على العلمانيّة بدون أن يحدّدوا ما الذي يقصدونه بها. لذلك، يقدّم كتابه نموذجًا عن هذه الدولة المدنية. فنادى الدكتور المولى بضرورة قيام دولة مدنيّة وعلمانيّة مكفولة دوليًّا، على الرّغم من قناعته بأنّ هذا المشروع لن يلاقي في هذه الظروف الراهنة آذانًا صاغية، وبخاصّةٍ في ظلّ تصاعد الأصوليّات في المنطقة. وختم بالقول إنّ لبنان يواجه مأزقًا صعبًا في الوقت الرّاهن، ولا بدّ من التّوصّل إلى صيغة معيّنة بانتظار تحسّن الظروف لقيام دولة مدنيّة فعليّة.