كرّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس "جوزف أبي ضاهر"
قدّم التّكريم: الدكتور "أمين ألبرت الريحاني"
أدار اللقاء: الأستاذ "حنا أبي حبيب".
اعتبر مدير الجلسة، الأستاذ "حنا أبي حبيب" أنّه من الصعب بل العجز، التكلم على "جوزف ابي ضاهر" في دقائق معدودات فهو ينطبق عليه شطر أبي الطيّب المتنبي القائل: "هُوَ البحرُ من أيّ النواحي أتيتهُ". فسيرة المكرّم تسدُّ عليك الطرق لاتساعها وتنوع شعابها، فتحار من أين تبدأ، وتحاصرك فيها دُنى الأدب والشعر والرسم والصحافة والمسرح والاذاعة والتلفزيون حتى ليُخيّل اليك ان صاحبها مجموعة اشخاص في شخص واحد، صهرها في بوتقة ذاته، أو أنه كتلة مواهب حباه إياها ربّه فأينعت عطاءَات في هذا الكم المتنوع والثري في كل ما أبدع. ففي عالم الشعر والأدب عشرات المؤلفات بالفصحى والعامية تعبق بالشذى الفواح من أريج الحب وصدق العاطفة وبساطة القول وسحر الصورة الى عمق التفكير وبعد التأمل في مسارب الحياة ومعارجها. أما في الدراسة والبحث فالأمر ليس بمختلف، فخطّ عشرات الكتب التي تناولت كباراً من بلادنا. ، وكتب أيضًا للأطفال تسع عشرة مسرحية رصّعها بأغان خاصة بهم، وقدّم كثيرًا من الأعمال الاذاعية والتلفزيونية التي يطل عليك وجهه "الطافح بابتسامة المؤمن بربه" وصوته العذب الدافئ. وقال الأستاذ "حبيب" للمكرّم "سرّ السحر في ما ابدعت يصعب اكتناهه، ولكنك كنت وما زلت تندهش بالجميل فتدهش، أيها المسكون بدهشة الطفولة انك لمدهش حقاً".
قدّم "أمين آلبرت الريحاني" المكرّم قائلاّ إنّه "آتٍ من حقول السنابل الذهبيّة". فهو لا يَسأل من أينَ تأتي الرياح، بل يبحث عن سرّ ألوانِها. "جوزف أبي ضاهر" ما يزال يحلُمُ منذ ستين سنة بكتابة مُغايِرَة، ومنذ بدايةِ الطريق تعثَّرَثْ أناملُه صِدفة بالمحابر. ووجد فجأة أنّ تلك الأناملَ تقطُرُ حبراً، وأنّ محبرتَه ليست كسائر المحابر، وأنّ لونَها ليس كسائر الألوان. إنّه عصاميٌّ من الطراز الأوّل، ومنذ لحظةِ اصطدامِهِ بالمحابر قرّر أن يجعلَ من هذا الاصطدام منعطفاً، ومن مهنةِ الكتابةِ نهجَ حياة. يحمل هذا الشابُ الستيني في داخله طفلاً بكلّ براءةِ الأطفال، يحمِلُ في طيّاتِه ملامحَ صبيٍّ يعانقُ الحياةَ في كلّ مرّةٍ عِناقَ الفتى العاشق، والشاعرِ الرائي، والكاتبِ المعاني، والفنّانِ الشفّاف، والنحّاتِ الخلاق. واعتبر أنّ شعر "جوزف أبي ضاهر" كجسد بَرّي، رائحتُه من رائحة الحقول، ماؤه من شتاء تشرين، وجمرُه من وهج كانون، أمّا كلامُه فمن عطر النرجس وزهرِ البَيلسان.
لا "تطلعُ لغتُه من حنجرته". لغتُه فتيّةٌ، نقيّةٌ، أنيقة، تُتقِنُ الهمسَ، كما تُتقِنُ فنَّ الإشارات. لكنّها في الحالين تعرِفُ كيف تَترُكُ أثراً لا يُمحى. "جوزف أبي ضاهر" فتى ستيني يسكنُه روحُ شاعرٍ ونفَسُ شاعر. وإذا تساءل عن الوجود، يأتي سؤالُه مجبولاً بماء الفلسفة ومُضَمَّخاً بعبير الشعر: يسألُ عن لونِ الهواء، يسألُ عن فضاءِ الكتابة، يسألُ عن كِتابِ الشمس، وعن دفاترَ مضيئةٍ في الليل. وهو يحصد ظلالَ لغتِهِ من حقولِ الفراشاتِ الملوّنة، فيجمعُ صوراً وألواناً وكلماتٍ يبثُّها على الصفحات المغرِّدة. وتوقّف "الريحاني" عند ميزة يحبّها في المكرّم ألا وهي الخفَرُ في الكتابة. وهو يتميّز بخفَر أنيقٍ يلفُّ أهدابَ كلمتِهِ الثريّةِ الجميلةِ البعيدةِ المرمَى. ولكن تمنّى عليه لو أنّه يعتصرَ نصَّه في بعضِ الأحيان، فلا يرضى سوى بِنَصٍّ قابلٍ للتناصّ، أي بنصًّ ينطوي على حالٍ روحيٍّ صارَ كلمةً، لا بكلمة تبحث عن حالها الروحيّ.
عمل صدفة في الصِحافة وراحت تتغلغَلُ فيه، فعمل محرّراً، ورئيسَ تحرير، ومؤسّساً لمجلّة، أو مترئّسا لقسم ثقافيّ. فقد باتَتِ الكتابةُ لديه، بنثرِها وشعرِها، بمقالِها الأدبيّ، ونقدِها الفنّي، بنصِّها المسرحي إذاعياً وعلى الشاشة الصغيرة، عنصراً يضاف إلى عناصره التكوينيّة الرئيسة، عناصر الماء والهواء والنار والتراب، يستلُّ منها جميعاً مادّةً حيّةً لقلَمِهِ وريشتِه وإزميلِه. وخلص قائلاً "جوزف أبي ضاهر" كومة أحاسيسَ نبيلةٍ، نثرَها الزمانُ على بيدرِ الكلمة؛ وكومةُ تأملاتٍ أثيلة، أضاءها الزمانُ على بيدر الأحاسيس؛ وكومة مفردات طازَجَة جمعها الزمان تصطاد الأحاسيسَ والتأملات هديّةً لنا ولأدب لبنانيٍّ يعبقُ بِبَخور الصدقِ الذاتي، والقمحِ الفَريك، وأزاهرِ البراري الربيعيّة.
وتلت شهادات بالمحتفى به على لسان الأديبه "ميّ منسّى"، والشاعر "هنري زغيب"، والمحامي "جوزف خليل"، والأديبة "ندى عيد"، والنقيب الشاعر "أنطوان رعد" والأب " جان مارون مغامس".
تكلّم "جوزف أبي ضاهر" باللغة العامية على "حبّة قمح" قائلاً:
والتفتْ الـ عمّ يزرع الأرض بـ الصوت.
شاف رَفّ عصافير رايحين ع المدرسه.
تبسّملن، اتطلّع حواليه: ناطور الأرض مش شايفو. لَمّ حبّات قمح وعطي لـ كلّ عصفور حبّه... وكمّل جمع سنابل القمح لـ البيادر.
عصفور حطّ الحبّه بـ جيبتو، تحت ريشاتو،
وعصفور حمل الحبّه بـ منقادو،
.... الـ بعرفو إنو الـ حطّ الحبّه بـ جيبتو، وسْعت جيبتو، صارت أكبر منّو......أنا بـ هالحظه مشغول وعم قول لـ حالي: يا ريت. يا ريت الـ عطاني حبّة القمح بعدو موجود ت إركض لعندو، أغمرو وشدّ، وبوّس كفوف إيديه.... وإرجع.
وقدّم شكرًا خاصًا لـ الحركه الثقافيّه- انطلياس "يللي وسعتلي مطرح ع منبرا أكتر من مرّه، وبـ أكتر من مناسبه. وشكر تاني لـ صديقي الدكتور أمين ألبرت الريحاني بـ كلمتو ضوّا ع مشواري من أوّل الزرع لـ وصولي ع أرض البيدر يوم اللي قريت فيه اسمي مكتوب بـ مجلة «دنيا الأحداث» الـ أسّستها والدتو الأديبه لورين الريحاني، وكانت المجلّه الأولى المخصصه لـ لأطفال بـ كلّ العالم العربي. وشكر للأصدقاء والأوفياء الـ ما حبّو هـ المناسبه تمرق، من دون ما يقدمولي قمر ورد. وشكرًا لإنعام لولاها ما كان في ع بيدري قمح.
وفي الختام قدّم أمين عام الحركة، الأستاذ "جورج أبي صالح" شعار الحركة إلى المحتفى به ونسخة عن النصّ الأصليّ لعاميّة أنطلياس الشهيرة، عاميّة 1840.