ندوة الفن التشكيلي :  هموم وآفاق

الحركة الثقافية انطلياس

الخميس 2007/6/8

كلمة المحامي جورج بارود

كلمة الأستاذ شوقي شمعون

كلمة د. عادل قديح

كلمة الفنان فكتور حداد

الفنان والقانون إعداد روجيه طانيوس

كلمة المحامي جورج بارود

         تسألين عن سقمي صحتي هي العجب.

        وهل بات يصح فينا سوى العجب في ظل ما يتخبط به الوطن من مآسي.

        وعلى مَن مِن أصحاب الحقوق نرد في هذا الوطن الذي لا تنتهي جلجلته وأعدادهم تتضاعف يوميًا؟

        ولكن، ولأننا لم نعد نملك إلاّ الرجاء، إما لتمسكنا بما تذكرنا به أرضنا وبيئتنا وندعوه انتماء، أو لاسباب أخرى ربّما تكون الاهم ترتبط بعجزنا عن تأمين الضروريات الحياتية في بلدان العالم بعد اجتيازنا لمرحلة من العمر وانغماسنا في وظيفة أو مهنة أو عمل حّر لا أفق له خارج هذه الديار، نعود ونتعمق في أنظمتنا وتشريعاتنا ونفتش عن سبل الانصاف المرتجى لنا ولمن حولنا.

        وإنما هل لنا أن نسأل عن أنصاف خاصة في دولة آخِر ما يحترم فيها القانون.

        فإن كانت السلطة عينها تتباهى في تجاهل القوانين وعدم الرضوخ للاحكام القضائية، فمن ينصف صاحب الحق وإلى من يلتجئ المظلوم ومن يضرب على يد الظالم؟

        بالرغم من كل ذلك، يبقى رهاننا على بصيص من نور ينبلج من خلاله فجر منتظر يضع حدًا لهذه الظلمة الحالكة التي نتمنى أن لا تطول.

        أمّا بعد،

        ولان الاوطان تعرف بتراثها وتفتخر بإنجازات مبدعيها وكم من أغنية أرخت لحقبة أو مسرحية لعهد أو قصيدة لمرحلة من الزمن.

        ولان الابداع سر العظمة، به خلّدت الامبراطوريات عبر العصور وتخلد الاوطان دائمًا، وبعدم وجوده يندثر ذكراها، وليس سرًا أن تفضل ملكة بريطانيا العظمى تراث شكسبير على أراضي الامبراطورية الشاسعة وأن تعتبر مجد المملكة مربوطًا بما أبدعه.

        فكان لا بد من إيجاد تشريع يحمي المبدعين صانعي الامجاد وجلّهم بأمس الحاجة إلى الحماية المادية والمعنوية.

 محليًا حماية الملكية الادبية والفنية قانون وجد لتأمين هذه الحماية بوجهيها.

        وهو الاحدث والاكثر شمولاً، استمد نصوصه من المعاهدات الدولية ومنها معاهدةا برن وروما، وكلاهما وجدتا لتؤمنا للمبدع الحماية. وقد وضع هذا القانون في 3 نيسان سنة 1999 وأصبح نافذًا بعد شهرين من تاريخ نشره.

        إنه يؤمن الحماية لجميع إنتاجات العقل البشري سواء أكانت كتابية أو تصويرية أو نحتية أو خطية أو شفهية مهما كانت قيمتها وأهميتها وغايتها ومهما كانت طريقة أو شكل التعبير عنها.

        فالحماية إذًا شاملة وإنما أدرج القانون على سبيل المثال بعض الاعمال المشمولة بها كالكتب والمحفوظات والمحاضرات والخطب والاعمال الموسيقية والمسرحية والفنية والايمائية والرسم والنحت والرسوم والصور وبرامج الحاسب الآلي والخرائط والمجسمات الجغرافية والهندسية.

        بمعنى آخر جميع الاعمال التي يبتكرها الانسان وينتجها بإبداعه.

        إضافة إليها أمّن القانون الحماية للاعمال المتفرعة عن الاعمال الاصلية شرط عدم الاخلال بحقوق المبدع الاصلي: كالترجمات وإعادة التوزيع الموسيقي ومجموعات المعلومات المقروءة والآلية...الخ.

        وأبقى العبرة دائمًا للابتكار دون سواه.

        واستثنى من الحماية بعض الاعمال التي اعتبرها ملكًا عامًا أو ذا منفعة عامة: كنشرات الاخبار والقوانين والاحكام القضائية والخطب الملقاة في اجتماعات عامة والاعمال التراثية والفولكلورية.

        من ناحية ثانية، أمّن القانون الحماية للشخص الذي يبتكر عملاً أدبيًا أو فنيًا معينًا بمجرد ابتكاره دونما حاجة للقيام بأية إجراءات شكلية بعكس ما هو عليه الحال في جمعيات إدارة الحقوق الجماعية الموكلة بجباية حقوق المبدعين وإدارتها. وقد ألزمها أن تودع لدى وزارة الثقافة والتعليم العالي تصريح العلم والخبر القانوني بإنشائها وأبقاها تحت رقابتها ونص على شروط شكلية لا بد من أن تتوفر في نظامها التأسيسي وعلى كيفية توزيع العائدات المحصلة أو الاجراءات الادارية المطلوبة لحماية حقوق موكليها.

        وتناول مسألة الايداع في وزارة الاقتصاد الوطني - مصلحة حماية الملكية الفكرية واعتبرها قرينة على ملكية المودع للعمل يمكن إثبات عكسها بكافة طرق الاثبات.

        وأعطى صاحب الحق نوعين من الحماية:

مادية تتعلق بحصر استغلال العمل بنسخه وطبعه وتصويره وترجمته ونقله إلى الجمهور بكافة الطرق.

ومعنوية بحصر حق الاشهار به وذكر اسم صاحبه ومنع تحويره أو تقليده.

        واستثنى من الحماية المادية بأن أجاز للشخص الطبيعي فقط بأن ينسخ أو يسجل أو يصور نسخة واحدة من العمل أو بعضًا منه دون إذن صاحبه لاستعماله الشخصي.

 وفرض عقوبة السجن من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة النقدية من خمسة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية أو إحدى هاتين العقوبتين علىالمعتدي أو من يحاول الاعتداء على هذه الحقوق وضاعف العقوبة عند التكرار.

        إضافة إلى إصدار الامر بإغلاق المؤسسة أو المحطة التلفزيونية أو الاذاعة بصورة مؤقتة أو نهائية وكل مكان يعرض أو يبيع أو يؤجر جهازًا للالتقاط من الجمهور. وفوّض رجال الضابطة العدلية والجمارك وموظفي مصلحة حماية الملكية الادبية والفنية ضبط الاعمال المقلدة وحجزها.

        وأناط صلاحية النظر بالدعاوى المتعلقة بالاعتداء على الملكية الفنية والادبية بالنيابة العامة وقاضي الامور المستعجلة والمحكمة الابتدائية وأعطى الحكم الصادر بشأنها الصفة الاعلانية بالنشر واللصق في الاماكن العامة والصحف.

        هذا ما نص عليه القانون ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود.

        أخيرًا، إن التاريخ لم يعرف وطنًا مات بالسكتة القلبية أو بحادث سير وإنما تبدأ بوادر نزاع الوطن بزوال مؤسساته وتجاهل قوانينه وخاصة عندما تصبح طموحات بنيه خارج إطار حدوده، ولا يصيبنا العجب إن لم نعد نجد بين الشباب اللبناني من لا يسعى للحصول على تأشيرة هجرة.

 ومن له أذنان سامعتان فليسمع!

كلمة الأستاذ شوقي شمعون

المتحف الحلم

        سألت ناقداً فنياً كبيراً أن يسمّي لي عملاً فنياً واحداً لفنان لبناني، وان يدلّني على مكان وجود هذا العمل. طبعاً، وبعد تفكيرعميق لم تنضح ذاكرته بشيء.

        همان دعياني في سياق حديثي معه إلى طرح هذا السؤال عليه. الأول، لأشير إلى عجز النقد الفني في لبنان، على الرغم من غزارته وتنوّعه، عن تناول العمل الفني لذاته والتركيّز على وصف مكوناته الاستاتيكية وعمقه التعبيري، وعن ابراز خصوصيته، والقاء الضوء على القيم التي يمكن أن تجعل منه جزءًا من ذاكرتنا الفنية، النقد الفني عندنايتمحور حول الفنان اوالفن في المطلق ويغيب العمل الفني عن الزاكرة.

        غير أن هذا الهم النقدي للفن وعلى أهميته، ليس موضوع مداخلتي اليوم ونتركه لمناسبة ثانية. مكان وجود العمل الفني أو بيته هو الهم الأهم.

الفن اللبناني لم يزل فناً رُحَّلاً. لا بيت له. لا عنوان لإقامته. لا متحف له.      

متحف للفنون الحديثة والمعاصرة في لبنان، كان ولم يزل الهم الشاغل لكثير من الفنانين التشكيليين والهيئات الثقافية. منذ فرضت الحركة التشكيلية الحديثة وجودها في أواسط القرن الماضي رافقها تشكيل لجان من شخصيات تعمل على إيجاد متحف يضم عُصارة نتاج الفنانين اللبنانيين، محاولة إيصال أفكارها إلى الرسميين والمسؤولين بغية انتزاع قرار منهم بإنشاء ذلك المتحف الحلم. وعبثاً حاولوا. في كل مرة كانت المواضيع الأخرى من سياسية واقتصادية واجتماعية أو أمنية تطغى على إنشاء فكرة المتحف وتذهب الفكرة معنا إلى الملاجئ أو إلى بلاد الغربة لنعود ونحاول من جديد ترميمها ووضعها على نار حامية لا تلبث أن تنطفئ عند أول هزّة أو عند فراغ جرة غاز تموينها من الدعم المطلوب.

        لأشهر قليلة مضت، وفي مناسبات ثقافية كثيرة تحت رعايته، سمعنا من وزير الثقافة الحالي كلاماً مطمئناً واعداً لا يكتنفه شك، بأن إنشاء متحف هو أول أولياته وانه المشروع الأهم لديه وهو قيد الدرس فعلياً. وزدنا أملاً عندما اجتمع معاليه بعدد من الشخصيات الثقافية ليؤكد لها عن اهتمام رئيس الوزراء شخصياً بموضوع إنشاء المتحف وإعلانه عن تقديمات بملايين الدولارات من إحدى الدول العربية  لهذا الغرض. والأهم في هذا الصدد هو الإيحاء بأن أرضاً في وسط المدينة ليبنى عليها هذا الصرح الحلم قد وجدت. ولكن، هذه المرة، حول الوزير الذي نحب ونحترم إلى الخارجية ليهتم بما هو اهم، ونحن ننتظر عودته سالماً واستعادة الأمل بالمتحف معه.       

المتاحف في جميع أنحاء العالم المتحضر حاجة ثقافية لا تقل أهمية عن احتياجاتها الأخرى حتى الدينية منها. لم يكن وجودها يوماً جواباً لرغبة فنانيها بل لرغبتها هي في جمع أعمال ونتاج فنانيها للتمتع بها والاستفادة منها ولاشباع رغباتها الثقافية والعلمية. العمل الفني لدى هذه الشعوب غذاء للعين والروح والعقل، وأصحاب المجموعات الفنية الكبرى يدركون أهمية جعل مجموعاتها نواة متاحف أو جزأً منها لحرصهم على ألا تحرم شعوبهم من التمتع بها والتثقف عليها.

        التنافس على بناء الأجمل والاكثر شمولا من المتاحف، وعلى جمع الأهم من الأعمال الفنية والحديثة والمعاصرة منها على الأخص هو الأقوى في المجتمعات المتحضرة. هذه المجتمعات تتباهى بامتلاك الأجمل والأهم والأكثر قيمة من الأعمال الفنية،  ليس برغبة من الفنانين الذين يتركون يوظفون وقتهم في الإنتاج وإغناء هذه المتاحف بالجديد والأهم والأكثر أصالة والأقرب إلى الحس بالجمال والقيم والترقي. المهم عندهم ألا تندثر أعمال الفنانين وتتوزّع وتضيع ليعودوا يبحثون عنها في أنقاض الماضي وشتات الأيام.

        من هنا، كان الاهتمام الكبير بإنشاء المتاحف الحديثة والمعاصرة إلى جانب تلك التي تهتم ببقايا التاريخ، في مدن مثل نيويورك ولندن وباريس وغيرها من المدن الأوروبية والأميركية. والتي تتوسع اليوم ليكون لها فروعاً وامتدادات في عالمنا: اللوﭭر والغوغنهايم وغيرهما غداً في إمارات الخليج. وغداً سنذهب شرقاً إلى لندن ونيويورك وباريس.

شعوب العالم المتحضر تعرف كيف تنتمي إلى حاضرها، وتقرأ في الولادات الفنية والثقافية الجديدة القيم التي يمكنها أن تعبر الزمن ولا تنتظر مرور الزمن عليها ليؤكد قيمتها، ولأنها تعرف جيداً أيضاً بأن مرور الزمن غالباً ما يكون مسافة لضياع ونسيان الكثير الكثير من الأعمال والقيم.

فأي متحف نريد؟

        نريد متحفاً يقرّب الفن الحديث والمعاصر من الناس ويساعدهم على فهم الفنون والتمتع بها والترقي معها.

        نريد متحفاً يتسع لجميع الفنون المعاصرة من رسم ونحت وتصوير وتجهيز وغيرها من الإبداعات الفنية المعاصرة بالإضافة إلى  الابداع الهندسي والسينما والفيديو والكومبيوتر والتصوير الفوتوغرافي والخزف والمطبوعات المصورة من كتب وغيرها.

        نريد متحفاً يجمع ويحتضن اللوحات والرسوم والمنحوتات المنسية في أقبية وزارات ودوائر الدولة وبخاصة مجموعات وزارة الثقافة.

        نريد متحفاً يضم مكتبة متخصصة تحتوي على كل ما يُنشر ويُكتب عن الفن وفي الفن من كتب ومجلات وابحاث، ومجهزة باحدث التقنيات ووسائل الاتصالات بمراكز الثقافة في العالم، لتصبح مركزاً وطنياً للبحث الفني وبمتناول الجميع من طلاب وعلماء وباحثين.

        نريد متحفاً يُعنى بتنظيم معارض حيّة ومتنوعة تتطرق إلى وتعالج اوسع المواضيع والتقنيات والمراحل ويُضئ بشكل دائم على أهم الحركات الفنية المعاصرة باستضافة معارض شخصية وجماعية محلية وعربية ودولية، ويقدم قراءة جديدة للمعروف من المدارس والشخصيات والأعمال الفنية الأساسية.

        نريد متحفاً مؤهلاً للعب دور تثقيفي يقدم برامج متكاملة تعود إلى مساعدة الجمهور بشكل عام والمجموعات الراغبة فنياً بشكل خاص، للتقرب من، وفهم ومعرفة الفنون الحديثة والمعاصرة فيقدم المحاضرات والنقاشات وبرامج الشرح الدائمة للأعمال المعروضة.

        نريد متحفاً يتفاعل مع معاهد الفنون والجامعات فيكون لها كما المتاحف العلمية بالنسبة لعلماء الفيزياء والطب والفضاء المرجعية التي يُركن اليها.

جميع الفنانين الذين كان لهم حظ الدراسة في الخارج يدركون أهمية المتاحف في مسار تحصيلهم العلمي والفني.       

لذلك، نريد لهذا المتحف بناءً مميزاً، علامة معمارية حضارية. صرحاً يعكس طموحاتنا في أرقى ما يمكن أن يقدمه الفن الهندسي المعماري المعاصر لجهة الشكل ووظيفة المساحات المطلوبة للعرض الداخلي والخارجي والبحث والإدارة والتخزين والترفيه. أهم الأسماء في الهندسة المعمارية محلياً وعالمياً يجب أن تستقطب إلى مباراة دولية تقدم أرقى وأهم وأجمل الخيارات الهندسية. كما نريد لهذا المتحف توأمة مع أهم المتاحف العالمية التي يكون له دور في  تأسيسه وجمع أعماله وتوجيه إدارته كي لا يُصبح المتحف الحلم مخزناً من مخازن الدولة للمحاصصة وغير الجيد من الأعمال.

        المتحف الذي نريد يتطلب آلاف الأمتار المربعة المبنية والكثير من المختصين والإداريين وعشرات بل مئات الملايين من الدولارات. الدولة وحدها في مجتمعنا يمكنها تحقيق هذا الحلم الوطني الكبير.

        سنظل نحاول ونأمل بأن يحاول معناً كل من يؤمن بهذا الحلم  وعنده القدرة على التأثير.

  كلمة د. عادل قديح

إشارات إلى واقع الحركة التشكيلية في لبنان

I- مقدمة :

الحركة التشكيلية اللبنانية والتبدلات المعاصرة :

تعاني الثقافة عامة، والحركة التشكيلية على وجه الخصوص في لبنان، من مأزومات متعددة : أولها اضطرارها موضوعياً إلى التعامل مع العولمة من كونها إطاراً لسيطرة الاقتصاد المعولم على السوق العالمية مع ما يعنيه ذلك من رغبة وجنوح نحو محو الخصوصيات الثقافية، وما ينتجه من تراجع وارتباك في مجال تنوعات الإبداع التشكيلي في المدى العالمي. فإذا أضفنا إلى ذلك هزيمة الحركة القومية العربية، وتراجع الفكر التطوري في المديين الإقليمي والمحلي، أمكننا الاستدلال على واقع الحركة التشكيلية في لبنان. وهذا ما يفسر مثلاً التراجعات الكبيرة في استلهام التراث التشكيلي، والتراث هنا لا يعني فقط الرموز والعلامات والموتيفات التي أنتجتها ثقافات في سياق التاريخ. بل أنه ينسحب على أنماط الحياة اليومية وتبدلاتها المتسارعة وعلائقها : من رصد العين المشاهدة لتفاصيل الإبداع اللاواعي للحركة الاجتماعية إلى علاقتها بالطبيعة وبحركة الحياة..

لقد أدت هذه التبدلات إلى إجراء تعديلات أساسية في مجال مخزون الحركة التشكيلية على المستويين السلوكي والبصري، ما جعل عدداً من الفنانين ينحازون إلى التماهي مع الحركة المتسارعة العشوائية للنمط الجديد للحياة والانخراط بها، فأتت تعبيراتهم بنفس الوتيرة، ما استدعى الاستسهال والتراخي والتسرع في صياغة العمل الفني، فأصبح العمل التشكيلي بالنسبة للبعض، ليس وليد تجربة طويلة متجذرة، بل وليد تنسيقات لونية أو شكلية تعتمد التلقائية المتفلتة من المقاييس أو المعايير والقيم المرجعية، التاريخية منها والاجتماعية والثقافية... الخ. فإن لم تستند التلقائية إلى تجربة عميقة ومتنوعة الأسس التجريبية تماهت مع العشوائية ونأت عن البعد الجمالي.

II- الحركة التشكيلية والسلطة السياسية :

التحقت معظم الحركات الثقافية اللبنانية، في مرحلة ما بعد الطائف لأسباب عديدة، بالسلطة ومواقعها الأهلية والجمعيات والهيئات الطلابية، وتمزقت وتقوقعت على نفسها، وأصبح بعضها يستجدي النافذين في مواقع القرار للحصول على بعض النفقات الذي يعطيها جرعات من الأوكسيجين لتستمر في الحياة، فبعد أن كان «الإبداع» الثقافي والفني ينتج عن الحركة الحرة لبعض المؤسسات والأفراد والجمعيات وعن أرهاصاتها، أصبحت تابعة لهذا الموقع أو ذاك من مواقع السلطة السياسية. لقد ساهمت السلطة السياسية القابعة في مواقع الحكم ببنيتها وتوليفتها, في إنتاج أزمة اقتصادية أقحمت الوطن في متاهات خطيرة, ما أثر على الحركة الثقافية, وجعل السلطة المالية سقفاً لتحرك بعض المثقفين وإنتاجاتهم الفنية, فعندما حاول بعض الفنانين استعادة مرجعيتهم المستقلة جوبهت المحاولة بسيف المال, عصب الحياة, مسلطة فوق رقبتهم, فإذا لم تلتحق هذه المؤسسات أو تلك بالركب المرسوم من قبل السلطة, نمت على هامشها فطريات كثيرة من خلال تأسيس ملتقيات أو جمعيات ملتحقة بها من غير وجل أو تردد, وتم التعامل في الآونة الأخيرة مع هذه التجمعات بالتساوي والتوازي مع الجمعيات المستغرقة في تجربتها التاريخية والجمالية.

في هذه البيئة نمت «رموز جديدة» للحركة التشكيلية «الشابة» في لبنان, ووفق هذه الآلية تحركت, لكن التردي السياسي والاجتماعي والاقتصادي المعبر عنه بأداء السلطة السياسية لم يكتف بهذا القدر. لقد تدخلت رموز النظام السياسي بتفاصيل وضع لبنات الاهتراء. فعلى مستوى الإعداد الجامعي الأكاديمي, أدخل إلى ملاك معهد الفنون الجميلة «أساتذة» سيطروا على النمط التعليمي فيه, وذلك على قاعدة الانتماء إلى الزعيم أو الطائفة أو المذهب....... ونادراً ما اعتمدت معايير أكاديمية في هذه العملية, خاصة وأن أستاذ الفنون التشكيلية في معهد الفنون الجميلة ينبغي أن يكون صاحب خبرة عميقة في المجالات الاستاتيكية التقنية والثقافية, ومكتمل التجربة الفنية ومتفرد في نتاجه الفني. لكن رعيلاً واسعاً من أساتذة هذا المجال. وبعضهم لم تكتمل رؤيته البصرية وبعدها التشكيلي, أدخل إلى التعليم الجامعي على قاعدة انتماءاته المذكورة أعلاه, فأشرفوا على تخريج دفعات من حاملي شهادة الفنون التشكيلية, فضخوا في الحركة التشكيلية عدداً من الطارئين عليها والذين يفتقرون إلى قاعدة صلبة ومتماسكة في مجال صناعة العمل الفني. فالتحق هؤلاء أسوة بأساتذتهم, بنفس الحلقة, وراحوا يفتشون عن موقع في هذا التشقق الاجتماعي, ومنهم من لم يعِ حتى الآن عمق الأزمات الآتية من التبدلات السريعة في مجال ثورة التكنولوجيا والاتصالات وأحادية السيطرة العالمية, ومرحلة ما بعد الحداثة, وأزمة الحركة التجريدية .... الخ.

فبدل أن يبحثوا أو يساهموا في النقاش حول هذه التبدلات وأثرها على المفردات التشكيلية, انجرفوا نحو تقليد غير مبرر ولا واعٍ لمعطيات الأزمة. ومنهم من «شوه» بعض دلالات هذه المفردات فجعلوها هجينة بليدة تفتقر إلى أوليات القدرة التقنية والتعامل اللوني لكن ذلك لم يمنع, بالطبع من بروز بعض المواهب الواعدة, التي حركت تجربتها الفنية بالاعتماد على بعض الأكاديميين «المتسربين» إلى معهد الفنون خلافاً لآلية وضع اليد من قبل الزعيم السياسي, كما أنها اعتمدت على جهد شخصي فنهلت على نفسها ثقافتها, وعمقت تجربتها استناداً إلى ذاتها.

ناهيك عن أن الإطار العام لمناهج معهد الفنون الجميلة بقيت على حالها منذ إنشائه تقريباً أو أدخل عليها تعديلات لا تمس الجوهر. وكم طالبت الأصوات الأمينة لتاريخ هذا المعهد ودوره, بتعديل جوهري يؤكد أولاً على التبدلات العميقة التي جرت في المفاهيم التربوية والمعرفية والتقنية المعاصرة, فبدل الاستناد الأكاديمي إلى أعداد الطالب وفاقاً للمعالجة على الطريقة الانطباعية أو التعبيرية فقط, والتي تتم بمشابهة مشوهة أحياناً, ينبغي التنبه إلى التيارات المنطوية تحت إطار الحداثة من دون إغفال أهمية التراث المحلي, وينصرف ثانياً إلى الربط بين الاختصاص وسوق العمل, كاقتراح إنشاء اختصاصات في الفنون التطبيقية الموازية لهندسة البناء والهندسة الداخلية وفنون الإعلان..... في الوقت الذي أقفل الباب أمام تجديد دم الهيئة التعليمية, وضخه بأساتذة فنانين قدموا إسهامات هامة وطرحوا أسئلة كبيرة, فبقي هؤلاء خارج السرب, أو أنهم بأحسن حالاتهم «انتزعوا» عقداً للتعليم بالساعة الفعلية, فأفرغوا من قدراتهم على التجديد والتجربة الفاعلة والحوار الجدي.

ناهيك عن التفريع المريب حيث انقسم معهد الفنون الجميلة إلى فروع أربعة على قاعدة انقسام المناطق أثناء الحرب الأهلية, ما أدى إلى تخريج دفعات متتالية من التشكيليين يفوق حاجة البلد, فاندفع معظم هؤلاء إلى مهنة التعليم, علماً بأن دور معهد الفنون الجميلة - قسم الفنون التشكيلية ينحصر في إعداد فنانين عاجزين من الناحية التربوية والإعدادية عن القيام بعملية التعليم, فمن المفترض أن كلية التربية هي التي تقوم بهذا الدور, وعلى الرغم من إنشاء قسم للتربية الفنية- فنون تشكيلية في كلية التربية, هدفه إعداد معلم في هذا المجال للمراحل التعليمية المختلفة, إلا أن إدارة الجامعة أقفلت هذا الفرع مؤخراً بحجة وجود ازدواجية في عملية الإعداد في الجامعة اللبنانية,  وتركت لمعهد الفنون الجميلة القيام بهذا الدور من دون إدخال تعديلات على المناهج في المعهد المذكور في ما يتوافق مع هذا المجال, سوى إدخال مادة طرائق التدريس, في الوقت الذي تستدعي عملية الإعداد إلى رؤية مختلفة على كل الصعد, لها علاقة بدور التربية الفنية في البنية الاجتماعية وتأثيرها على المتعلم, خاصة في المراحل الأولى من التعليم, كما أقفلت دور المعلمين, قسم الفنون بحجة إعطاء الدور لكلية التربية. واتخذت السلطة قرارات اعتباطية بالتوقف عن تعليم مواد الفنون بحجج مختلفة, وساهم السياسيون بتخريب واعٍ لهذه العملية نشأ عن تغليب نوازعهم السياسية الضيقة على عملية التعليم نفسها, فنقلوا معلمين من مدارس الأطراف تاركين المدرسة الرسمية من دون معلم فنون , وساهم مديرو المدارس بعملية إلغاء تعليم مواد الفنون بحجة حاجة المدرسة إلى المعلمين في مهمات أخرى ..... ألخ.

III-الحركة التشكيلية و«الميديا»:

        أتاحت «الحرب الأهلية» وما نتج عنها بروز وسائل إعلام متعددة, انتشرت في المدى اللبناني كالفطر: من إذاعات ومحطات تلفزة ومجلات وجرائد ونشرات جديدة وخلافه. لقد استطاعت هذه الوسائل أن تلعب دوراً بارزاً في إعادة صياغة الواقع اللبناني, والثقافة في لبنان. ومن نافل القول أن هذه الوسائل مملوكة من نفس القوى التي أنتجت الحرب الأهلية والتي صاغت هي نفسها قواعد السلم الأهلي.فهي بشكل أو بآخر امتداد للحركة السياسية اللبنانية الناتجة عن بنية المجتمع اللبناني ونتائجه السياسية والاجتماعية والثقافية. لقد أفردت بعض هذه الوسائل جزءاً من برامجها أو صفحاتها للفنون التشكيلية, فراحت تواكب المعارض وتزور المحترفات وتجري مقابلات مع الفنانين مكتوبة أو مسموعة أو مرئية, أشرف عل هذه البرامج إعلاميون يفتقرون إلى أوليات الثقافة الجمالية والتشكيلية وبعديهما التاريخي. لذلك, أتت هذه البرامج استعراضية, وأطلقت تسميات واتجاهات لم تكن أبداً معبرة عن صاحبها وكم كانت هزيلة ومضحكة الأسئلة التي طرحت على «الفنان» فجاءت الأجوبة من نفس الوزن. ولم تجر هذه الحركة على قاعدة واضحة وسليمة. فتدخلت فيها العلاقات الشخصية بالإضافة إلى مواقع هذا الفنان أو ذاك وقرابته من الوسيلة الإعلامية الطائفية أو المذهبية أو الزعاماتية. ولقد ظن بعض الفنانين في مقابلاتهم تلك, أنه بقدر ما تكون الإجابة على الأسئلة مبهمة وضبابية فهي تستند إلى معتقد فلسفي أو مذهب استاتيكي وهي بالغالب تثير اللامبالاة والسخرية, ويعود سبب ذلك كله, إلى ارتكاز «معارف هؤلاء» الإعلاميين والفنانين إلى النصوص الهجينة التي تحاول أن تحلل العمل الفني, والتجريدي منه بخاصة, وتقرأه لتوضيح أغواره انطلاقاً من بعده الواقعي الشكلي, فإذا بها تزيده غموضاً والتباساً. فالعمل التجريدي, عمل شديد الخصوصية والفرادة, يستند الفنان في صناعته إلى سبر أغوار أعماقه النفسية ولا وعيه, وهو عمل ينفي الموضوع من حيث لبوسه الإطاري, وبالتالي فإن قراءة العمل التجريدي يجب أن تستند إلى هذه الحقيقة, عدا عن أن العمل التجريدي يستدعي المشاهد إلى إقامة علاقة خاصة سرية معه تنتشي العين في المشاهدة وتعيد ذاكرته نحو بداية تكونها السحيق. وغالباً ما يرتاد بعض «المثقفين» الوجهة التجريدية ظناً منهم أنها حالة هروب من الاتجاهات الأخرى كالواقعية والانطباعية الجديدة .... ومنشأ ذلك كما ذكرنا نقص في الموهبة والإعداد, من هنا نشأ الاستسهال والتسرع في صياغة العمل, لذلك يعجز هذا «المتفنن» عن مقارنة نصية لعمله. ونضيف إلى ذلك ما درج عليه بعض النقاد من الاستنساب في الكتابة النقدية, أو الرغبة بتعويم بعض الرموز, أو العجز عن اللحاق بالتطورات المتلاحقة في مجال الفنون التشكيلية يقابله عجز في ابتكار اللغة الفنية الجديدة, فكانوا بذلك مثلاً يحتذى من بعض الفنانين في صياغة نصهم أو إعداده.

        لقد بدأت «الميديا» التي سيطرت على العقول من خلال برامجها, على إعادة إنتاج الانقسام الاجتماعي يومياً. فساهمت في تهميش العقل التشكيلي وأسست لرعيل ينأى عن تطورات الفنون التشكيلية وأعطت «شهادات» ووهبت «أوسمة» لمن لا يستحق وتجاهلت أحياناً من يستحق, إلا من استطاع اقتحام هذا العالم العجيب بأعماله التي لا يمكن تجاهلها أو بجهده الكبير أو إسهاماته التي لا يمكن إنكارها. وهي أخيراً نأت عن متابعة الحركة التشكيلية لأن البرامج الثقافية تعجز عن استقطاب الإعلانات ومردوداتها المالية.

IV- الحركة التشكيلية والبلديات:

        لا شك بأن للبلديات كموقع من مواقع التنمية في لبنان, دوراً رافعاً لهذه العملية تعجز السلطة المركزية عن القيام به. لقد أعيد الاعتبار لهذه السلطة المحلية فبدأت تقوم بدورها في عملية التنمية، وقد أتاح قانون البلديات للمجالس البلدية المجال للقيام بدور ثقافي فني، ولقد استطاعت بعض هذه البلديات أن تكتشف بأن للثقافة دوراً هاماً في عملية التنمية. لذلك بدأت تتصل ببعض المرجعيات أو من نصبت نفسها في هكذا موقع، أو من الذين تواطئوا مع بعض البلديات وبعض الرموز في موقع القرار للقيام بأنشطة أسموها فنية في موسم السياحة. وخاصة تلك البلديات التي تعتمد في اقتصادها وإنمائها على السياحة.

لقد انطلق أول «سيمبوزيوم» للنحت مبني على هذه القاعدة من مدينة عاليه بالاتفاق بين مجلسها البلدي وبين جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت. ثم تفشت هذه الظاهرة وانتشرت كالفطر في أصقاع مختلفة من لبنان فانضمت جونية واهدن ورأس المتن وجبيل والخيام وأخيراً المشرف إلى عاليه واشترك في إنتاج أعمال نحتية العديد من النحاتين اللبنانيين والعرب والأجانب، وقد فاق تجمع النحاتين في عاليه سنة 2001 الـ 70 نحاتاً. وفي سنة 2002 فاق «الرسامون» الـ 120 رساماً. دخل الرسامون والنحاتون إلى هذه التجربة على القواعد التالية :

-       تراجع حاد في المعارض الخاصة والمبيعات في الأعمال الفنية.

-       رغبة الفنانين في الاندراج في عملية التنمية وإعادة الأعمال كفاعلين مباشرين وليس كمتفرجين.

-       رغبة عدد من الفنانين بتزويد سيرهم الذاتية بإنجازات «نوعية» وبإفراد موقع لهم.

لقد اشتركت حمعية الفنانين اللبنانيين في معظم هذه الأنشطة : (عاليه، جونيه، اهدن، جبيل...). لكن بعض البلديات سيطرت على هذه الأنشطة وتدخلت بها وباختيار بعض الفنانين، وكان للمجلس البلدي ورئيسه دوراً فاعلاً وأساسياً في هذا التدخل، لذلك، اختلط الحابل بالنابل وضاعت مقاييس الاختيار، فاشترك طالب الفنون لمجرد انتسابه إلى معهد فني بالمتخرج الجديد الحائز على شهادته بطريقة ملتبسة برسام الإعلانات، ببعض الهواة والمتذوقين، ببعض الراغبين بتجربة إنجاز «عمل فني» بالفنانين الرائدين أصحاب الاتجاهات المختلفة والتجارب العميقة والتقنيات العالية المستوى، يجتمعون بغية انفتاح التجارب على بعضها وبغية مقاربة الطرائق المختلفة في الأسلوب والتوليف والتركيب والصياغة التشكيلية والإنجاز وما ينتج عنه من تأثر وتأثير، ينتهي بعرض الأعمال التي أنجزت وفيها محاولات جسورة لإنتاج تجارب جديدة. ولقد ولد مفهوم «السمبوزيوم» كحالة حوار تشكيلي عملي للرد على المأزومات التشكيلية المختلفة وكمحاولة لرسم إضافات جديدة، مهما كانت خجولة، في مضمار بناء العمل الفني، يواكب السمبوزيوم نقاش وحوارات نظرية وتقديمات فلسفية لأبعاد الأعمال المنجزة التي قد تصل أحياناً إلى إنجاز أعمال مشتركة.

إن البنية الهجينة للحركة التشكيلية المعاصرة وأزمة العمل الناتجة عن الأزمة الاقتصادية وتشرذم مرجعيات الحركة التشكيلية وتسرب عدد كبير من «المتفنين» إلى صفوف الحركة، أتاح لهذه المجالس البلدية أن تصبح هي المرجعية، كما أن ابتعاد «جمعية الفنانين» عن القيام بالدور الريادي ومنها الإشراف الدقيق على تقييم الأعمال الفنية، وتأسيس المحترفات، والإصرار على اختيار الفنانين المبدعين فعلاً، وتخلي وزارة الثقافة عن الدعم المالي والثقافي للجمعية، أدى بها إلى التفتيش عن موارد دعم أخرى جعلها أحياناً تتخلى عن دورها الريادي، كما جعلها تقوم بمساومات على حساب المستوى الفني. فالتحق الرعيل الجديد من الفنانين بالبلديات غير آبه أحياناً للتحذيرات الصادرة عن بعض المتنورين في الجمعية وعن بعض النقد الموضوعي، حتى أن بعض البلديات رفضت فنانين لمجرد انتمائهم إلى الاتجاه التجريدي, وتعاملت مع الفنانين بطريقة مهينة فعلاً، فعمل الفنانون من دون مقابل أو مقابل «سندويش» في الوقت الذي صرفت على الإعلام والمهرجانات والخطابات ألوفاً مؤلفة من الدولارات. حتى أن بعض الهيئات سمحت لنفسها بيع بعض الأعمال الفنية بالمزاد العلني وكأن هذه الأعمال أصبحت ملكاً خاصاً لها ولم تعد ملكاً للمجتمع البلدي وتغاضت كل البلديات، وما تزال، عن مبدأ إنشاء صالات خاصة للعرض الدائم لهذه الأعمال، فجعلت، من خلال كل هذا السلوك، العامل السياحي يتفوق على العامل الثقافي فسطحت بذلك الثقافة وساوت بين كافة التجارب. ولدى بعض البلديات ثروات فنية هائلة ولا يدري هؤلاء ماذا يفعلون بها وكيف يتصرفون. لقد أذلت بعض البلديات الفنان التشكيلي بالمعنى الفعلي للكلمة, وألحقته بها وحولته إلى «شرطي بلدية»تأمره فيأتمر وينساق وفقاً «لضرورات التنمية» فأصبحت الثقافة مساوية لإنجاز البنية التحتية.

V- الواقع المعيشي للفنان التشكيلي في لبنان:

        أمام انسداد الآفاق المختلفة المعبر عنه يتراجع الواقع الاقتصادي, والانقسام السياسي الحاد الذي يهدد الوطن, وانهيار الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة التي كانت تساهم في تفعيل الحركة التشكيلية لناحية المشاركة في حضور المعارض وشراء اللوحات, ما أدى إلى كثرة العرض وقلة الطلب, وإلى انصراف الفنان نحو تحصيل عيشه من أعمال أخرى موازية لمهنته كتعليم الفنون أو من خارج تخصصه كلياً, ما جعله يخسر كفاءته ومهارته الفنية. بالإضافة إلى التبدل في الطبقة البرجوازية, حيث هاجر معظم المنتمين إلى هذه الطبقة أثناء الحرب الأهلية ليحل محلهم برجوازيون جدد أنشأتهم الحرب من بقايا المليشيات, الذين راكموا ثرواتهم من الخوات والمضاربات العقارية والمالية والأعمال اللا شرعية هذه الطبقة الجديدة, أرادت أن تقلد البرجوازية السابقة عليها فراحت تقتني الأعمال الفنية وفقاً لرؤيتها الناقصة على المستوى المعرفي والثقافي, فأصبحت عملية الشراء تتم وفقاً للعلاقات الفردية أو السياسية أو الطائفية. ثم أثرت الأزمات المتكررة على هذه العملية فتراجعت عملية الشراء هذه على التباساتها, أو ندرت كما أن السلطات السياسية المتعاقبة, جرياً على عادتها, لم تلتفت يوماً إلى واقع الفنانين ومشكلاتهم, ففي الوقت الذي كانت مصلحة الشؤون الثقافية في وزارة التربية في فترة ما قبل الحرب بالتعاون مع جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت قد توصلت إلى اتفاق يقضي باقتناء أعمال فنية من قبل الإدارة والمؤسسات الرسمية, وإلى اتفاق آخر مع نقابة المهندسين يحض على الاستعانة بالفنانين التشكيليين لتزيين ساحات الأبنية بالمنحوتات ومداخلها بالجداريات والفسيفسائيات والزجاجيات, في فترة ما قبل الحرب, جاءت الحرب وما بعدها لتقضي على هذا الواقع.واقتصر الأمر في فترة التسعينات على شراء بعض الأعمال الفنية من قبل وزارة الثقافة وبشكل إستنسابي, وباءت جميع المحاولات لإقامة متحف وطني للفنون المعاصرة بالفشل, لانصراف أصحاب القرار في الدولة عن هذا الموضوع, واعتباره كمالياً. ولا يزال مشروع تنظيم المهن والفنية موجوداً بأدراج المجلس النيابي منذ 5 سنوات وهو المشروع الذي يرسم إنشاء صندوق تعاضد لجميع الفنانين المنتسبين إلى اتحاد النقابات الفنية. 

VI- خاتمة:

        ترسم هذه الصورة واقعاً مأزوماً للحركة التشكيلية يحتاج علاجه إلى مباضع مختلفة على أصعدة عديدة:




1.    التعايش مع الأزمات العالمية من أثر العولمة وثورة الاتصالات على الثقافة التشكيلية, ذلك أن وعي الأزمة يشكل نصف الطريق نحو الحل.

2.    تعديل مناهج الإعداد الفني بما يتناسب مع متطلبات العصر وذلك يتطلب أيضاً هيئة تعليمية قادرة ومعاصرة.

3.    تعزيز الجسم التمثيلي للحركة التشكيلية (جمعية, نقابة) من خلال تعزيز التعاون بين الجسمين على الصعد الثقافية والاجتماعية والنقابية, ومن ثم عقد مؤتمرات لوضع الأصبع على الجرح دائماً.

4.    إقامة متحف وطني للفنون التشكيلية المعاصرة.

5.    توقيع بروتوكولات تعاون بين ممثلي الحركة التشكيلية والمؤسسات البلدية والأهلية بهدف وضع آليات التعاون بما يكفل حقوق الفنان التشكيلي, ويرفع من مستوى الثقافة التشكيلية والوعي الجمالي.

6.    إقرار مشروع تنظيم المهن الفنية, وإقامة صندوق تعاضد للفنانين اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الفنية.

7.    إقرار مساعدات مالية سنوية كافية لجمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت ونقابة الفنانين التشكيليين, تساعد هذا الجسم على الاستمرار والانصراف إلى مزاولة شؤونه الفنية.

8.    إقامة علاقة واضحة بين ممثلي الفنانين ووزارة الثقافة لتحقيق هذه الأهداف.  

كلمة الفنان فكتور حداد

 أيها الأحباء

ان الهدف من لقائنا اليوم هو ان نكون سوية وبقلب نابض واحد لنتكلم عن الفن وهمومه وعن الواقع الذي يعيشه الفنان التشكيلي، رساما كان او نحاتاً في زمننا هذا لاسيما في وطن قهرته الحروب وزعزعت أوصاله الأيادي المخربة، بعد ان كان ملاذا للمفكرين والشعراء ولكل فنان وجد هنا في بقاعه وحيا لريشته او حجرا لأزميله.

ان الإرث الفني الذي تركه رواد من نهضة الفن التشكيلي من داوود القرم وحبيب سرور وخليل الصليبي وجبران خليل جبران الى من تلاهم من مصطفى فروخ وعمر الانسي ورشيد وهبي وقيصر الجميل وغيرهم لشاهد على قرن ونصف القرن من الرسم اللبناني. لقد ترك التاريخ في هذه البقعة الصغيرة من الشرق آثارا من نقوش ونواويس وزجاج منفوخ وفخاريات ستظل شاهدة على إبداع هذا الشعب وما استلهمه من طبيعة أرضه الغّناء.

الفنان على مر العصور برع في قرانه بين العلوم التقنية التي استقاها من الغرب وذلك العشق لهويته، لتقاليده، لحياة الفلح والمدينة. كان الوحي على مقربة من أنابيب ألوانه، حتى صار الرسم في طليعة الحركات الثقافية، والنافذة التي تطل على أصالة هذا البلد وجوهره.

الحركات الفنية تعددت من حقبة الى اخرى ومن فنان الى آخر أكان رسام طبيعة او رسام وجوه او رموزياً إستقى من الميتولوجيات محوره. مدارس عديدة لكن يلزمنا الكثير من الوقت لتعدادها وشرح ابعادها.

أتوقف عند كلمة لشيشرون: عمل الفنان هو عمل وطني، كل شيء يزول ويبقى فنه منارة عصره. أذكرها بشعور من الأسى امام ما يصيب الوطن من يباس على جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد يشمل في دربه الثقافة والفن. فماذا يا ترى سيحل بالرعيل الجديد من الفنانين هؤلاء الذين فقدوا ثقتهم بالوطن هذا النبع القادر وحده ان يغذي وحيهم وايمانهم بالموهبة التي راهنوا عليها. من يا ترى سيدعم مستقبلهم وينير الدرب التي مشوا عليها؟

لقاؤنا هذا ايها الأصدقاء اردناه تأملا بمهنة الفن السليمة وبالفنان ليتمكن من تكملة رسالته الفنية والثقافية بما يتطلب ذلك من تشجيع ودعم وتوعية. فعمله اليوم مهدد ومهمش.

ما هي العوامل التي ادت الى هذا الاجحاف في حق ما يبذله الرعيل الجديد من تخصص في جامعات الفنون ليكون حبة من هذه المسبحة المشرقة من الفن التشكيلي الزاخر بالكنوز؟

انها عديدة، فكلنا مررنا في تجربة الغاليريهات التي تأخذ لوحة من فنان بسعر منخفض ثم تطلقها للبيع بأسعار خيالية، علما ان البيع والشراء في هذا الزمن التعيس قد شح بشكل ملحوظ بينما رأينا خلال سنوات الحرب القاسية تهافتا على اللوحات الفنية كشراء الذهب واستثماره زمن السلم.

هنالك ظاهرة ثانية والتي لها التأثير الآخر الكبير على عمل الفنان ونتاجه الا وهي اللوحات المطبوعة واللوحات المنقولة بوقاحة ليس لها مثيل ويشتريها الناس كلوحة اصلية بسعر متدن، ينافس سعر اللوحة الاصلية المشغولة بجراح الفنان وروحه ووحيه. والمؤسف في ذلك عدم المعرفة تلك التي توقع الشاري في فخ الزيف والتزوير.

قد تظنون يا سادة اني في موقع الاتهام ومحاكمة هذه الحالات التي تؤدي بالفن الصحيح الى الانحدار مجروفاً في مجرى واحد مع هذه الهمجية المخربة اصالة الفن وروحيته. ما اطالب به على هذا المنبر هو التوعية. توعية الفرد الذي يجهل ما يشتري. اللوحات المطبوعة والتي ليست من قيمة الليتوغرافيات كما اللوحات المنقولة بواسطة السكانر وكل ظواهر الفن المنسوخ يجب ان تبقى في اطار اللوحات التزينية لا كقيمة فنية يتباهى مقتنوها بآيتها الفنية لذا من واجب نقابة الفنانين ملاحقة عمل منحول وموقع باسم ناقله ومعاقبة هؤلاء حماية للفنان الأصيل وفنه. وهنا لي صرخة عالية اسأل فيها اين المحاضرات في الجامعات حول الفن واين التوعية في المدارس ليس فقط في كتب الدراسة بل في مجمل الثقافات؟

ولنا في هذا اللقاء كلمة تخص عالم النحت وجماله. فالظاهرة التي بدأت تحل شيئاً فشيئاً مكان الازميل والكتلة هي كما تعلمون "الواتر جيت" اجل. لقد اصبح هذا الفنان العظيم الذي يحول بازميله الجماد الى روح نابضة مهددا بهذه المادة البديل للارث البديع الذي علمنا اياه الصخر.

ولا اطيل الكلام عن هذا وذاك بل كلمة عن اللوحة الزجاجية تلك التي تعاني هي ايضاً من تحديث اسلوب صوغها التقليدي القديم. فحتى اليوم لم ينشأ في لبنان معمل للزجاج الملون بالطرق التقليدية القديمة كاستعمال مادة "الغرايزي" ولا المواد الكيميائية المحظورة كالاوكسيد الذي لا سماح باستعماله الا من المراكز القانونية المختصة.

هل بوسعنا القول ان الفنان منسي اليوم في لبنان؟ فحتى جمعية الفنانين التي كانت تتلقى من الدولة مساعدات مالية لتصريف اعمالها باتت مهملة تقتات من القليل القليل. وفي هذا المجال لا بد ان نسأل عن الضمان الاجتماعي الذي وعدت به الوزارة الفنانين وقد اصبح الطلب من بين الاشياء المنسية في الادراج.

وايضاً وايضاً الضريبة الجمركية التي يخضع لها الفنان كلما خرج بلوحاته الى الخارج في هدف اقامة معرض والمبلغ الذي يسدده باهظ قبل ان يكون استبشر ببيع عمل واحد.

فهل وامام هذا الاجحاف كله من قبل الدولة ازاء فنانيها يحق لنا ان نسأل عن متحف وطني للفن التشكيلي، علما بان اعمال الفنانين اللبنانيين هي اليوم في متاحف اجنبية ولا وجود لها في وطنهم الأم؟

الفنان والقانون

إعداد روجيه طانيوس

 حقوق الفنان:
-       حدد القانون رقم 75/99 تاريخ 13-04-99 الذي رعي حماية الملكية الأدبية والفنية الحقوق كما يلي:
-       أعمال الرسم والنحت والحفر والزخرفة والليثوغرافيا
-       أعمال الفن البلاستيكي من أي نوع كانت.

متى يجوز للفنان المطالبة بحق المؤلف:
-       الفنان الذي يبتكر عملا فنيا له بمجرد ابتكاره حق الملكية المطلقة على هذا العمل من دون الحاجة لذكره احتفاظه بحقوقه او القيام بأي تسجيل.
-       في الإعمال المشتركة والتي لا يمكن ان يفصل فيها نصيب كل فنان في الابتكار فلا يمكن لأحد الفنانين ان يمارس
وحده حقوق المؤلف من دون رضى شركاءه في العمل ما لم يكن هناك اتفاق خطي مخالف.

ملاحظة حول السمبوزيوم:
-       ان صاحب المبادرة بابتكار العمل والإشراف على تنفيذه هو صاحب حق المؤلف ما لم يكن هناك اتفاق مخالف.
-       على جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت عند التعاون مع البلديات ان تضع شروط التعامل والمحافظة على الحقوق المادية والمعنوية للفنان (م 7 -8). 

استعمال الاسم المستعار
-       يمكن للفنان ان يلجأ إلى استعمال اسم مستعار لتوقيع ابتكاراته وبالتالي فهو يبقى صاحب حق المؤلف. (م10)
-       بالتالي يعتبر مؤلفا للعمل الفني كل من يظهر اسمه على العمل بطريقة متعارف عليها: مثلا توقيع اللوحة.

نطاق الحماية:
-       الفنانين اللبنانيين
-       الفنانين غير اللبنانيين حاملي جنسية احد الدول الأعضاء باتفاقية برن لحماية الدول العربية الغير منضمة إلى المعاهدتين أعلاه (م112)
-       الأعمال المنشورة لأول مرة في لبنان أو في احد الدول المنضمة إلى المعاهدتين أعلاه.
-       الأعمال المنشورة خارج لبنان ومن ثم نشرت في لبنان أو أي بلد منضم إلى المعاهدتين في خلال 30 يوم من تاريخ النشر.

حقوق المؤلف المادية:
-       استغلال حصري للعمل.
-       نسخ أو طبع أو تصوير العمل بأي طريقة يراها مناسبة
-       بيع وتوزيع وتأجير العمل ونقله إلى الجمهور بأي وسيلة
-       له التفرغ عن هذه الحقوق وفق الشروط التالية (م17):




-       إن التفرغ الشامل والمسبق عن أعمال مستقبلية هو باطل.
o       تفرغ كتابة
o       مفصل بالنسبة للأعمال
o       إلزامية مشاركة المؤلف بنسبة من الإيرادات
o       في حال عدم تضمن مهلة محددة للعقد فيعتبر التنازل لـ 10 سنوات

حقوق المؤلف المعنوية
-       حق إشهار العمل باسمه وطريقة إشهاره ووسيلتها
-       حق ان ينسب العمل إليه كمؤلف وان يذكر اسمه على نسخ العمل.
-       حق ان يستعمل اسم مستعار
-       حق منع أي تحوير او تطوير او تعديل او تغيير للعمل قد يسيء الى سمعة وشهرة وشرف المؤلف او مكانته الفنية والعلمية.
-       حق التراجع عن عقود التنازل او التصرف بالحقوق المادية للمحافظة على سمعة وشهرة وشرف المؤلف او مكانته الفنية والعلمية شرط التعويض على المتضرر.

مهم جداً:
-       على عكس الحقوق المادية لا يجوز التصرف بالحقوق المعنوية ولا يجوز إلقاء الحجز عليها انما يجوز انتقال تلك  الحقوق الى الغير عن طريق الوصية او قوانين الإرث.  

استثناءات من الحماية:
-       يجوز لشخص طبيعي لاستعماله الخاص نسخ او تصوير العمل على نسخة واحدة من غير إذن المؤلف او التعويض عليه شرط ان يكون العمل منشور بشكل مشروع (م 23).
-       ان استعمال النسخ ضمن شركة لا يمكن ان يعتبر استعمال شخصي خصوصاً اذا أدى الى إلحاق الضرر بحقوق المؤلف.
-       لا يطبق الاستثناء في الحالات التالية:

o       تنفيذ العمل كمشروع هندسي o       نسخ العمل الذي صدر منه عدد محدود من النسخ الأصلية.  

تابع استثناءات:
-       يجوز من دون موافقة المؤلف او دفع تعويض له نسخ العمل او تصويره في الحالات التالية:
-       لأغراض تعليمية.
-       لأغراض المكتبات العامة.
-       عرض العمل الفني في المتحف شرط عدم الاضرار بمصالح المؤلف.
-       لأغراض عرضه في كتالوجات معدة لتسهيل بيع العمل شرط عدم الاضرار بمصالح المؤلف.  

مدة الحماية:
-       حقوق مادية:


o       الأعمال كافة: 50 سنة بعد نهاية السنة التي حصلت فيها وفاة المؤلف.
o       الأعمال الجماعية: 50 سنة بعد نهاية السنة التي حصلت فيها وفاة آخر مؤلف.
o       الأعمال الغير موقعة باسم مستعار: 50 سنة بعد نهاية السنة التي حصل فيها اول نشر.

-       حقوق معنوية:
o       حماية أبدية وتنتقل للغير عن طريق الإرث او الوصية.

انتهاك حقوق المؤلف:
-       للمؤلف القيام بالخطوات التالية:
-       إجراءات تحفظية لمنع وقوع اعتداء وشيك اما قاضي الأمور المستعجلة او رئيس محكمة البداية او النيابة العامة (م 81) او أمام مصلحة حماية الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد والتجارة.
-       العقوبات: سجن من شهر الى 3 سنوات (م85).
-       او الغرامات من 5 ملايين ليرة الى 50 مليون ليرة.
-       تضاعف العقوبة عند التكرار.

بعد هذا الطرح اقترح مناقشة الأسئلة التالية:
-       من هو صاحب حق المؤلف في لوحات الكولاج؟
-       ما هي التبعات القانونية على استعمال أعمال أخرى في العمل من دون موافقة المؤلف الأصلي؟
-       كيف السبيل لحماية الفنانين من الأعمال المستنسخة؟
-       من هو صاحب حق المؤلف بالنسبة للوحات البورتريه؟

مقترحات:
-       على جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت اتخاذ الخطوات التالية:


o       توعية الفنانين اللبنانيين على حقوقهم وواجباتهم من خلال موقع الجمعية ومنشوراتها والندوات والمحاضرات. o       السعي الى إيجاد عدة نماذج عقود تنازل عن حقوق مادية تحمي مصالح الفنانين.

o       تنظيم التعامل مع منظمي المعارض والسمبوزيوم لجهة المحافظة على الحقوق المادية والمعنوية للفنان.

• < السابق
• التالي >