كلمة الأمين العام للحركة الثقافية – انطلياس د. عصام خليفة
بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي
الاونسكو 2014/5/26
باسم زملائي من أعضاء وأصدقاء في الحركة الثقافية – انطلياس، وباسم قطاع واسع من المثقفين والأكاديميين أتقدم بأعمق مشاعر التهنئة للأصدقاء والزملاء في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي وبخاصة للصديق الأستاذ حبيب صادق، بمناسبة الاحتفال بمرور خمسين سنة على قيام المجلس.
وفي الدقائق العشر المعطاة لي لن استطيع ان اتوسع بالكلام. وحسبي ان ابرز بعض الملاحظات في هذه المناسبة العزيزة على كل المثقفين اللبنانيين، مع العلم ان دور هذه المؤسسة في تاريخ حركة الافكار اللبنانية، اذا ما قام من يحسن التعمق في دراسة تاريخ هذه الافكار، سيكون بالغ الاهمية.
أولاً: العمل الثقافي كما مارسه المجلس، يلتزم بقضية الانسان والوطن.
لقد عرفت اوساط لبنانية متنوعة قيام حركات ومجالس ومؤسسات طرحت نفسها مهتمة بالثقافة، لكن ما ميّز المجلس التزامه بالثقافة المدافعة عن قضية العدالة الاجتماعية والانماء المستدام من جهة وقضية مواجهة الخطر الصهيوني واطماعه بالارض والمياه من جهة اخرى. فاذا استعرضنا عناوين الـ 1330 نشاطاً التي نظمها المجلس بين 1990 و 2014 نلاحظ بوضوح بروز الهم الوطني والهم الاجتماعي والاقتصادي الذي يواجه ابناء شعبنا. كما نلاحظ ان افق الاهتمام لا يقتصر على القضايا اللبنانية، وانما يتعداه الى القضايا العربية والاسلامية.
ثانياً: اولوية الحوار بين مكونات المجتمع اللبناني:
لقد انفتح المجلس في ندواته ونشاطاته المختلفة على اغلب التيارات الفاعلة في المجتمع اللبناني وفي العالم العربي. وكان بعيداً عن العصبيات الفئوية، يعتمد المنهج العقلاني وهو في عمله هذا كان استمراراً لدور المثقفين اللبنانيين الكبار الذي ارسوا أسس النهضة الفكرية العربية امثال امين الريحاني وشبلي شميّل وبطرس البستاني وغيرهم.
ثالثاً: المجلس يقف الى جانب الحركة النقابية
ما خضنا معركة في الجامعة اللبنانية الا وكان الاستاذ حبيب صادق، وتالياً المجلس في طليعة المدافعين عن هذه المؤسسة. وفي زمن وضع اليد على هذه الجامعة وتعطيل دورها، واخضاعها لمصالح اهل الحل والربط، وتفشي الفساد في مفاصلها، كان المجلس يفسح المجال لحرية النقد الصارم الذي لا يخشى في قول الحق لومة لائم.
وكذلك كان يقف الى جانب كل القضايا النقابية المحقة للحركة العمالية في مجتمعنا، وفي طليعتها المطالب المحقة التي تطرحها حالياً هيئة التنسيق النقابية العاملة لتحقيق الاصلاح من جهة وانصاف قطاع واسع من المعلمين والمنتمين الى القطاع العام من جهة أخرى.
رابعاً: ذاكرة التراث العاملي:
يمكن التأكيد ان المجلس قام بمهمة اساسية في حفظ الذاكرة الثقافية لجبل عامل، بموازاة قيامه بدور المقاومة الثقافية التي لا تقل اهمية عن المقاومة العسكرية.
لقد نشر المجلس 83 مؤلفاً يمكن تصنيفها، بشكل عام، على عدة محاور:
- مواجهة الخطر الصهيوني والاطماع الاسرائيلية: 21 مؤلفاً.
- تاريخ وثقافة شعبية جنوبية: 27 مؤلفاً
- دواوين شعرية: 28 مؤلفاً.
وتتوزع باقي المؤلفات على مواضيع مختلفة منها الفنون وقضايا المرأة والقضية الفلسطينية وقضايا التغيير في لبنان والعالم العربي ويقوم المجلس بتوزع هذه الكتب مجاناً على كل باحث ومهتم.
خامساً: الشفافية والاستقلالية المادية:
في زمن تهافت جمعيات ومؤسسات وشخصيات وقوى واحزاب على اعتاب هذه الجهة الخارجية او تلك يتسولون منها المساعدات المختلفة الاشكال والالوان، وفي زمن تقاسم المغانم في مختلف دوائر الدولة استمر القيمون على المجلس يتمسكون باستقلالهم المالي لأن ذلك هو الأساس في الاستقلال الفكري والوطني. ولو كان ثمة امكانيات مادية لدى المجلس لتمكن من طبع واصدار مئات المؤلفات التي تتضمن محتوى الندوات الدورية التي يحرص على تنظيمها في كل اسبوع تقريباً. ولكن نحن على يقين من ان الأستاذ حبيب صادق والاصدقاء يحرصون على المحافظة على الارشيف الذي تعرض في اكثر من مناسبة، مع الأسف، للاعتداء والاتلاف من قبل بعض القوى التي ترفض التعدد والحوار.
سادساً: الثقافة في مواجهة العنف:
حسبنا في هذا اليوبيل الخمسيني ان نذكّر بالمواقف المشتركة لتجمع الهيئات الثقافية اللبنانية – وفي طليعتها المجلس والحركة الثقافية – انطلياس في مواجهة نظام الحرب ووسائله العنفية واهدافه التخريبية. وسيأتي اليوم الذي يدرس فيه ما قمنا به معاً في اطار المؤتمر النقابي الوطني العام من تحركات شعبية دفاعاً عن السلم الأهلي والوحدة الوطنية.
كما نذكّر ايضاً بعملنا المشترك لترسيخ العلاقات اللبنانية – السورية على اسس سليمة، ومساهمتنا المشتركة في صياغة بيان بيروت – دمشق، دمشق - بيروت. ونحن على شبه يقين من ان تطبيق الاقتراحات الاصلاحية في هذا البيان كان يمكن ان تحول دون وقوع الكارثة التي حلت بالشعب السوري وبالمشرق العربي عموماً، والتي لا تزال تردداتها تتفاعل حتى الآن.
ايها الحفل الكريم،
في زمن التحولات الكبرى في مشرقنا العربي، وفي عالمنا العربي، نتمسك مع المجلس الثقافي للبنان الجنوبي بالاركان السبعة التي حددها تقرير التنمية العربية (2009) لأمن الانسان اللبناني والعربي:
1- المحافظة على الأرض وصونها ورعايتها، وكذلك على المياه والهواء والبيئة...
2- ضمان الحقوق والحريات والفرص الأساسية دونما تفرقة او تمييز. الامر الذي لا تستطيع تقديمه الا دولة سليمة الإدارة، خاضعة للمساءَلة، ومتجاوبة مع مصالح مواطنيها وتحكمها القوانين العادلة...
3- العزم على تحسين الأوضاع القانونية والاقتصادية والاجتماعية والشخصية للنساء والاطفال اللاجئين.
4- التخطيط من اجل اقامة اقتصادات منوعة ومنصفة تقوم على المعرفة وتخلق فرص العمل.
5- القضاء على الجوع والفقر، وتحقيق الكفاية في توفير السلع الاساسية لجميع افراد المجتمع.
6- الارتقاء بمستويات الصحة للجميع باعتبارها حقاً من حقوق الانسان.
7- رفض استخدام القوة ضد السكان...
ايها الحفل الكريم،
نحن في الحركة الثقافية – انطلياس، كما حلفاءَنا في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، مارسنا وسنستمر نمارس العمل الثقافي دفاعاً عن المصالح العليا للشعب والوطن:
- ثقافة تدافع عن استقلال الدولة اللبنانية ضمن حدودها المعترف بها دوليا، وتدافع عن الميثاق الوطني بكل مندرجاته ومفاعيله وبخاصة مبدأ الحياد بين الشرق والغرب. ومبدأ وحدة الدولة التي تجمع المسلمين والمسيحيين في اطار المواطنية والعدالة والمساواة.
- ثقافة تصون الحرية بما يضمن توسيع خيارات الناس وحماية جوهر التنمية.
- ثقافة تدعو للارتكاز على المشاركة الشعبية الفعّالة، مع تمثيل شامل لعموم الناس.
- ثقافة تؤكد على عمل مؤسسات الحكم بكفاءَة وشفافية كاملة، وتخضع للمساءَلة الفعّالة في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، ومن قبل الناس مباشرة من خلال الاختيار الدوري الحر النزيه.
- ثقافة تعلي سيادة القانون المنصف والحامي للحرية، على الجميع على حد سواء.
- ثقافة تدعم القضاء الكفء والنزيه والمستقل تماماً، والساهر على تطبيق القانون، وتنفيذ احكامه بكفاءة من جانب السلطة التنفيذية.
- ثقافة تدافع عن العدالة الاجتماعية وحق كل مواطن في الصحة والتعليم والسكن والعمل والغذاء والدواء غير المغشوش، ضمن بيئة نظيفة وجميلة ومنظمة.
- ثقافة تدين الارهاب والتفجير والعنف الأعمى الذي يقتل الاطفال والنساء والناس العاديين، وتدين الخطف والاعتقال الاعتباطي والتعذيب للابرياء.
- ثقافة ترفض مبدأ التهجير على اساس طائفي او سياسي، وتؤكد على احترام كل الديانات السماوية من خلال تصالحها مع مبدأ الحداثة.
- ثقافة تركز على مبدأ المواطنية وشرعة حقوق الانسانية والمواثيق الدولية الملحقة بها.
- ثقافة منفتحة على كل العلوم والفنون والآداب والعلوم الانسانية التي شكلت جوهر الدور اللبناني في النهضة العربية المعاصرة.
- ثقافة تحافظ على الأرض فلا يتم بيعها لجهات مشبوهة ويتم استغلالها واستغلال كامل ثرواتنا المائية والنفطية بالطرق الحديثة للحفاظ على الأمن الغذائي.
- ثقافة تواجه مخططات التفتيت وصدام الحضارات والتقسيم على قاعدة التناقضات المذهبية والطائفية.
أيها الحفل الكريم،
في مواجهة ازمة شغور الرئاسة الأولى واحتمالات شغور باقي المؤسسات وفي مواجهة تفاقم مفاعيل الأزمة السورية (وبخاصة استمرار لجؤ مئات الوف السوريين الهاربين من جحيم البراميل وعنف قوى القمع والظلام من مختلف الأطراف)، نجد ان من واجب النخب الثقافية اللبنانية السعي لتطوير خطاب بنّاء غير اقصائي. وان تجتهد في ايجاد الجوامع المشتركة بين جميع القوى السياسية للخروج من حالة التشرذم والاستقطاب التي تسد الطريق على أي تحوّل ديمقراطي حقيقي في وطننا. وهذا يفترض ان يبادر اهل السياسة الى فك ارتباطاتهم مع القوى الخارجية، والالتزام باولوية المصالح اللبنانية وبالحلول الديمقراطية لكل الخلافات، وان ترفع بوضوح مطالب الحرية للجميع والا تقبل بحال ان تشارك في القمع او التبرير له. الم يقل كبير رجال الاستقلال الزعيم الوطني حميد فرنجية: "الخير يصبح شراً اذا اختلف عليه اللبنانيون، والشر يصبح خيراً اذا اتفقوا عليه".
والمطلوب ايضاً ان تسعى النخب الثقافية للضغط من اجل مواجهة كل انواع الاستبداد والقمع والفساد والاستهتار بالحريات وحقوق الانسان وانهيار مؤسسات الدولة.
في اليوبيل الذهبي لتأسيس المجلس الثقافي للبنان الجنوبي نكرر تقديم التهاني الى كل اعضاء واصدقاء المجلس وعلى رأسهم الصديق الصادق الأستاذ حبيب، مع الأمل بان يستمر مؤسسة طليعية تعمل في خدمة ثقافة المواطن وحقوق الانسان في لبنان الدولة الديمقراطية والمستقلة.