أقامت "الحركة الثقافية-أنطلياس" ندوة استذكرت فيها روح المطران الراحل حميد موراني،وشارك فيها الدكتور طانيوس نجيم والدكتور جوزيف الياس والأب الدكتور باسم الراعي. وهي المرّة الثانية التي تكرّم فيها "الحركة"هذا العلم من أعلام كنيسة الرجاء، بعد أن كرّمته في العام 2006.
رحّبت الأخت جوديت هارون بالمشاركين بتحية إجلال لذكرى المطران الراحل الذيانكبّ على بلورة الهويّة الوطنية والكنسية مسلّطًا الضوء على أهمية الرسالة المسيحية. واستذكرت بعض توصياته: "تمسّكوا بالرّجاء الّذي لا يخيّبُ صاحبَه، لا تُفرِّطوا بثوابتِ هُويّتِكم، تنبّهوا لعظمةِ رسالتِكم المميَّزةِ، أسعوا وراءَ المصالحةِ والوحدةِ والسّلام" . وتوجّهت بالشّكر إلى "الحركة الثقافية-أنطلياس" التي أتاحت هذه الفرصة لتكريم حبرٍجليلٍ من أحبار الكنيسة متمنّيةً لها دوام التّألّق في عالم الفكر.
وتناوب المشاركون على الكلام. فكان حديث الدكتور طانيوس نجيم عبارة عن شهادة التلميذ بمعلّمه الذي كان له أبلغ الأثر في مسلكه الفلسفيّ. وهكذا، سار التلميذ على خطى معلّمه، لا بل بلغ التماثل بينهما حدّ المجاراة. وأضاف الدكتور نجيم إنّ المطران جمع روحانية الشرق بعقلانية الغرب، وغذّى في نفس تلميذه القلق الوجودي، وعلّمه معنى الموضوعيّة من خلال طريقته في شرح نصوص الفلسفة ووجوب احترام آراء الفلاسفة إلى حدّ التماهي معهم أحيانًا، قبل نقدهم نقدًا بنّاءً.
ثمّ ترك المنبر للدكتور جوزيف الياس الكاتب الصحافي المخضرم وأمين سرّ المجلس العالمي للغة العربية، وهو أيضاً صهر المطران الراحل. لذلك، كانت مداخلته شهادة في إيضاح جوانب من حياة الرّاحل وشخصيّته، فاستذكر جلسات وحوارات معه، وعرفه محاورًا عنيدًا في الدّفاع عن كلّ ما يؤمن به. وقال أن مسيرة الراحل الفكرية ثلاثة أطوار: طور التأسيس الفكري قبل سيامته أسقفًا، وفيه إصداره مؤلّفًا فذًّا في "تاريخ العلوم عند العرب"، فضلاً عن حصوله على شهادة دكتوراه في الفلسفة؛ والثاني طور البناء الذي يتناول مرحلة الأسقفية الفعلية؛ والثالث طور الصفاء الروحي، الذي ذكره الدكتور نجيم، في مؤلّفات الراحل الأخيرة.
أما كلمة الأب الدكتور باسم الراعي الذي ربطته بالأب الراحل علاقة شخصيّة تجاوزت العلاقة الفكرية واللاهوتية، فاستهلهاّ شاكرًا "للحركة الثقافية" هذه البادرة إلى استذكار الراحل، فتحدّث عن مسار المطران حميد موراني الفكريّ القائم على تقسيم يراعي مجالات تجلّي الروح في التاريخ، كما في فلسفة هيغل، في مجالات ثلاثة: في السياسة، انصبّ تفكير المطران الراحل على لبنان، وتحديدًا على الميثاق الوطني. فرأى أنّ لبنان محكومٌ بالرّجاء، ومن الضروري أن يصل إلى "تمازج الآفاق". وفي الثقافة، التقى مع هيغل، واعتبر أنّه لا بدّ أن "يبلغ الوجدان مرحلة الكشف عن ذاته". وفي الدين، انصبّ اهتمامه على مشكلة السلطة والحقيقة في الكنيسة، واعتبر أنّ الدين هو المرحلة ما قبل الأخيرة لبلوغ المعرفة الكاملة.