أقامت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة بمناسبة مئوية ولادة رئيف خوري، شارك فيها كلٌّ من الدكتور ربيعة أبي فاضل، والأستاذ محمد دكروب، والأستاذ أنطوان الخوري طوق، والدكتور أحمد عُلَبي، والدكتور سامي سويدان، والأستاذة ملكة رئيف خوري، وأدارها الأستاذ حنا أبي حبيب.
رحّب مدير الندوة الأستاذ حنا أبي حبيب، أمين التربية في "الحركة الثقافيّة- أنطلياس"، بالمشاركين في هذه الندوة حول رئيف خوري، أحد أبرز حَمَلةِ القلم في لبنان والعالم العربي، وشخصيّة "فذّة وقامة سامقة في دنيا الفكر والأدب"،فهو مفكّر متنوّر وأديب ملتزم وشاعر مرهف الحسّ وناقد أدبي وقاص وروائي وصحافي واقعيّ وكاتب مسرحي وسياسي تقدمي قاد تظاهرات استقت شعائرها من الاشتراكية والماركسية ومن مبادئ الثورة الفرنسية على حدٍّ سواء. واستشهد الأستاذ حنا أبي حبيب بأحد أشعار رئيف خوري الداعية إلى الثورة على الطغاة:
"سنُرسلها ثورةً في البلاد يواكبها اللهبُ الأحمرُ
جماهيرُ تكبر في زحفها ويكبر قلبي ما تكبرُ".
وأشار إلى التعاون ما بين بلدية نابَيه والحركة الثقافية – أنطلياس في تنظيم هذه الندوة وإصدارهما كتاباً أنيقاً من 440 صفحة في هذه المناسبة بعنوان: "رئيف خوري الأديب الحيّ والمفكِّر الحر: مئة عام على ولادته"، من إخراج وطباعة دار صادر (لبنان)، شارك فيه 23 باحثاً بدراسات متنوعة عن رئيف خوري، وهو من تنسيق الدكتورين ربيعة أبي فاضل وعصام خليفة. وشكَر بلدية نابيه، أيضاً وخصوصاً، لعقدها العزم على نصب تمثال تذكاري لرئيف خوري في حديقة في بلدته نابَيه.
وتناوب المشاركون على الكلام.
الأديب والناقد الأستاذ محمد دكروب تحدّث عن العلاقة بين رئيف خوري والفكر الاشتراكي، إذ ارتبط دوماً بالحزب الشيوعي السوري- اللبناني من دون أن يكون قط عضوًا في هذا الحزب. وهذا الأمر منحه استقلالية شخصيّة على الدرب النضّالي، ولا سيما أنّ مواقفه اختلفت عن مواقف الحزب في بعض الأمور، مثل اعتراضه على موافقة الحزب الشيوعي على قرار تقسيم فلسطين، وانتقاده المفهوم السوفياتي للأدب. بالإضافة إلى ذلك، تطرّق الأستاذ محمد دكروب إلى مسيرة رئيف خوري الرائدة في مجلّة "الطريق"، ليختم قائلاً إنّ صفة الكاتب لا تنفصل في شخصيّة رئيف خوري عن شخصيّة المناضل.
تحدّث الأستاذ أنطوان الخوري طوق عن العلاقة التي جمعته برئيف خوري في بداية السبعينات عندما اختاره موضوعًا لأطروحته في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، بحيث انكبّ على جمع إنتاجه الغزير الذي أمدّه بغلال فكرية وسياسية وأدبية وإنسانية وأثّر على مسيرته. وشدّد الأستاذ طوق على ضرورة استحضار رئيف الخوري اليوم لأنه أحد روّاد النهضة "وأحد مؤسسي الفكر العربي الحديث" ذلك أنه تحلّى بجرأة كبيرة سمحت له بتحدّي التقاليد الموروثة آنذاك مسهمًا في تأسيس وعي حضاري معاصر ما زال أبناء مجتمع اليوم يستقون منه قيمًا إنسانية كلّما "اشتدّ حول أعناقنا خناق البداوة والتخلف والتمدن الزائف والتصحر الفكري والروحي والجمود العقائدي".
الكاتب الدكتور أحمد عُلَبي تحدّث عن ذكريات عاشها مع رفيقه رئيف خوري تحمل نبرة الشوق إليه وحبّه الكبير له، واصفًا إيّاه بأنّه "المتمرّد على كلّ ما يشين المرء ويغضّ من قدره"، وعن دعوة رئيف خوري إلى قيام وطنية لبنانية مدنية غير طائفية، وعن شغفه بالقومية العربية وبالتراث العربي وبالوحدة العربية شرط أن تترافق هذه مع الديموقراطية. وشدّد الدكتور عُلَبي على أنّ رفيقه رئيف خوري كان "أمميّ الهوى" يسعى إلى تحقيق خير الإنسان أينما كان حول العالم.
وقدّم الدكتور سامي سويدان نظرة على أبرز مؤلّفات رئيف خوري الذي ترك ما يربو على العشرين مؤلفاً تنوعت مواضيعها بين الدراسة والنقد والقصص والمسرحيات والشعر والتعريب، ناشرًا مقالاته في عشرات الصحف والمجلات، ومحاضراً ومناظراً فوق المنابر. وقد أشاد الدكتور سامي سويدان بجرأة رئيف خوري وصدقه وتمسّكه بالقيم التي آمن بها والتي كرّس لها حياته. وأعطى نماذج عن ذلك في مواقف المؤلف في تأويله بعض روايات التاريخ الاسلامي وعلاقتها السلبية بالحريات العامة وحقوق الانسان.
ثمّ ترك المنبر لإبنة المحتفى بمئويته، الأستاذة ملكة رئيف خوري، التي ألقت تحيّة مؤثرة عن ذكريات عائلية استحضرت فيها روح الوالد الراحل وقامته الأدبية والإنسانية الفارعة. وقالت إنّه حمل الخبز والدفء إلى عائلته، فضلاً عن الخبز الآخر، أي "ثمار المعرفة". وتطرّقت إلى محطّات شخصيّة في حياة والدها، مثل ذهابه سيرًا على الأقدام "من نابيه إلى برمانا طلبًا للمعرفة"، وتخرّجه المبكر (وهو في العشرين من عمره) في الجامعة الأميركية في بيروت، وتعليمه الأولاد الفقراء في فلسطين بدون مفابل، ومساره الصادق والجريء والإنساني.
أما الدكتور ربيعة أبي فاضل، الشاعر والكاتب والباحث الأكاديمي، وهو من قلائل الباحثين الأدبيين الذين اهتمّوا ببدايات المحتفى به، فركّز على الجانب االمناضل والملتزم من شخصيّة رئيف خوري. فتحدّث عن إيمانه بقيم الحرية والعدالة والديمقراطية والعلمانية، وعن سعيه إلى تغيير العالم في اتّجاه مزيد من الحق والخير والجمال، وعن اعتباره أنّ دور الأديب إنّما هو خلق "الوعيَ القوميَّ الصَّحيح، محاربًا الاستعباد، محفّزًا روحَ الأَمل والنّشاط، مُبلسمًا الجراح، رابطًا بلادَه بالعالم، وحارسًا ضميرَ شعبه". لذلك، كان همّ رئيف خوري بناء وطن صحيح بعيد عن الطائفية السياسية، ورؤية العالم العربي يدخل أزمنة ما بعد الحداثة والتّحديث عبر فصل الدين عن الدولة، الأمر الذي سيسهم في "روحنة الدين وطمأنة السياسة".