كلمة الأستاذ حنا أبي حبيب
في إدارة ندوة "الزراعة والغذاء والمياه في لبنان
الأحد 2 آذار 2014
المياه والزراعة والغذاء ثلاثة اقانيم لجوهرٍ واحد هو الحياة. هذه العناصر الثلاثة تترابط فيما بينها ترابط النتيجة بالسبب أي المعلول بالعلّة، ولما كانت المياهُ أصلَ كل شيءٍ حيّ، فإنها تأتي في المقام الأول، ولبنان – وطننا الغالي – الذي كان خزّان الماء في بلاد العرب أضحى يعاني اليوم اخطاراً محدقة تهدد ثروته المائية – او ما بقي منها – هذه الأخطار بعضها سببناه نحن المواطنين او المسؤولين، وبعضها عائد الى العوامل الطبيعية، والناظر في نسبة المتساقطات هذا العام يقلقه هذا الشحّ الحاصل فيها، فالتراجع هائل ومخيف، أهي "صيبة عين" ام ان غضب الطبيعة قد حلّ علينا فأشاح المطر بوجهه وحوّل دربه عنّا؟ أهو الاحتباس الحراري أم التغيّر المناخي ام التصحّر الزاحف مع غابات الاسمنت وتناقص الاخضرار وتلوّث ما فوق الأرض وتحتها؟ كلها عوامل مدمّرة لهذا العنصر الحيوي، ثم ماذا فعلنا بهذه الثروة التي أهدرنا الكثير منها بإهمالنا إياها، فلا شبكات صرف صحي كافية، ولا سدود شافية، ولا إشارات مطبّقة إلى آخر الحكاية.
والزراعة، ماذا فعلنا بها؟ ولها؟ لقد كان لبنان بلداً زراعياً يعتاش اكثر من نصف سكانه من هذا القطاع، واجدادنا الذي حوّلوا الوعر والبور جنائن غناء، بسواعدهم ومعاولهم، حوّلنا تعبهم هشيماً ويباساً، لقد تراجعت زراعاتنا كثيراً، والأرقام تؤكد ذلك، والأسباب حدّثْ ولا حرج، فبعض المواسم يعاني كساداً، فزيت الزيتون مثلاً يرتاح في الخوابي، وصناديق التفاح مكدّسة في البرادات، وصرخات المزارعين تصمّ الآذان وما من سميع، والميزانية المخصصة لوزارة الزراعة قياساً الى الوزارات الأخرى تكاد لا تذكر، زد على ذلك الأثر الذي سينعكس سلباً على الزراعة بسبب الشح الحاصل هذا العام، فإلامَ سيؤول أمرها؛ وهل زراعاتنا في خطر؟ وماذا ستكون النتائج في ظل هذه الاوضاع التي يفاقمها ارتفاع اسعار الاسمدة والادوية والبذور واليد العاملة؟ اسئلة كثيرة تقلق الوطن والمواطن والاجابات عنها قد لا تريح البال ولا تطمئن البلاد والعباد.
والغذاء ابن الزراعة بالدرجة الأولى، إلامَ هو صائر في ظلّ تدهور مولِّدَيْهِ: الماء والزرع، وازدياد الطلب عليه في العالم (زيادة السكان) وتدفق النازحين السوريين (اكثر من مليون نازح) وعدم قدرة الدولة على دعم المادة الاساسية القمح بسبب تضخم ارقام الدين العام (اكثر من 63 مليار دولار) لقد حصدت المجاعة في الحرب العالمية الأولى اكثر من ثلث سكان جبل لبنان ايام المتصرفية (150 الف ماتوا جوعاً)، فهل بات خطرها يقرع الابواب ونحن بتنا نسمع ان ثمة اناساً ماتوا جوعاً في بعض المخيمات او في اماكن اخرى في العالم، اليس من العار على الانسانية اليوم ان يموت بعض الناس جوعاً في حين ان آخرين يقضون بسبب التخمة؟
ايها السادة،
لعلّني رسمت صورة قائمة في هذه السطور المكتوبة بلون القلق على ما نحن فيه، لكن المؤمل ان نتجاوز هذه الأخطار، ولعلّ محاضرنا الليلة البروفسور موسى نعمه يبدد مخاوفنا (لست أدري) في ما سيعرضه علينا وهو الباحث الرصين والأكاديمي الحصين المتخصص في هذا المجال.
------------------------------------------------------------------
الزراعة والغذاء والمياه في لبنان
د. موسى نعمه
ومفهوم الأمن الغذائي، حسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو)، يعني: "توفير الغذاء لجميع لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرّة من أجل حياة صحية ة ونشطة.” ويختلف هذا التعريف عن المفهوم التقليدي للأمن الغذائي الذي يرتبط بتحقيق الاكتفاء الذاتي باعتماد الدولة على مواردها وإمكاناتها في إنتاج احتياجاتها الغذائية محلّيّاً.
تطور مفهوم الأمن الغذائي الى كفاية جميع أفراد المجتمع من السلع الضرورية، بعد أن كان يقتصر على الاكتفاء الذاتي. وأصبح مفهوم الأمن الغذائي ينطوي على أربعة أركان هي،
أولاً: إتاحة المعروض من المواد الغذائية، سواء من الإنتاج المحلي أو من السوق العالمية،
ثانياً: استقرار المعروض من المواد الغذائية على مدار السنة ومن موسم لآخر،
ثالثاً: إتاحة المواد الغذائية للمواطنين كافةوتناسبها مع دخولهم،
رابعاً: سلامة الغذاء وفق المواصفات المعتمدة. ويعني ذلك أن يحصل كل مواطن على احتياجاته الغذائية الضرورية على مدار السنة دون حرمان، سواء من الإنتاج المحلي أو المستورد.
لتأمين إنتاج المحاصي في لبنان نحتاج إلى الأرض والمياه. إن الأرض المصنفة لزراعه تراوح مساحتها 300000 هكتار،والارض الصالحة لتكون مروية ب 200000 هكتار. وأن هذه المساحة في تناقص دائم لأسباب عدّة منها: زيادة عدد السكان والمنافسة على الأرض للبنيان وارتفاع مستوى المعيشة يتطلب بناء" اكثر وهذا يأخذ من الأرض الزراعية وبرهاننا على ذلك الأراضي الزراعية الساحلية وفي البقاع حيث حلّ باطون البنيان مكان الأراضي الزراعية.
أما المياه فان معدّل مجموع هطول المتساقطات في لبنان يبلغ حوالي 9 بلايين متر مكعب وبين التبخر والجريان الى خارج الحدود اللبنانية وتغذية المياه الجوفية يبقى متاحا" على وجه الرض حوالي 3.5 بلايين متر مكعب ولو نفذّت الخطة لتجميع المياه ببناء 55 سدّا" (اذا توافر المال) تزيد كمية المياه المتاحة للاستعمال الى حوالي 4.5 بليون متر مكعب وهذا هو الرقم الأقصى لوفرة المياه للاستعمال في لبنان.
أما كمية المياه المطلوبة للانتاج الغذائي في السنة تقدّر بحولي 60 مليار متر مكعب لعدد مقيمين في لبنان حسبت على أساس 5 ملايين نسمة أي ان الفرد الواحد يلزمه لانتاج غذائه على أساس ريجيم 1500 كيلو وحدة حرارية، 12500 متر مكعب بالسنة. لذلك نستنتج أن قيمة المياه المتاحة للاستعمال غير قادرة على انتاج أكثر من 8 الى 10 % من الاحتياجات الغذائية.
ان لبنان متوجب عليه استيراد المواد الغذائية لذلك يجب أن يكون هناك تخطيط مستقبلي بين وزارات الزراعة والطاقة والمياه والاقتصاد على وضع خطة لانتاج المحاصيل ذات المتطلبات المائية القليلة مثل البقوليات والخضار والفواكه واستيراد المواد الغذائية ذات المتطلبات المائية المرتفعة مثل اللحوم على كافة انواعها والأجبان والألبان. وهكذا نكون قد استوردنا مياه غير منظورة وبهذا تزداد كمية المياه المتاحة التي ستستعمل في لبنان. زد على ذلك فان كمية المياه المتاحة في لبنان تعطي الفرد الواحد 700 متر مكعب من الماء كمعدل وسطي وفي حال بنيان السدود تصبح الكمية 900 متر مكعب بالسنة للفرد الواحد وهذا هو دون خط الفقر الدنى للمياه التي تعرّفها المم المتحدة بـ 1000 متر مكعب للفرد الواحد بالسنة.