كلمة الأستاذ جوزف هيدموس
في ادارة حفل تكريم أساتذة
في يوم المعلم
الجمعة 9 اذار 2018
نرحب بكم جميعاً باسم الحركة الثقافية – انطلياس، متمنين للمعلمين والأساتذة عيداً سعيداً، آملين أن نحتفل بهذا العيد، يوماً يصبح فيه للعلم والكفاءة مكانتهما، وللمعلم موقعه وحقوقه من دون معاناة او منّة من احد.
ايها الأصدقاء
حتى الثمانينات من القرن الماضي، احتل المعلم والأستاذ الثانوي على الخصوص، مرتبة متقدمة في لبنان، وكانت هذه المهنة محط ًّ أنظار الشباب، الى جانب الهندسة والطب والمحاماة. ثم بدأت بالتراجع، بسعي من تجار العلم من أصحاب المدارس الخاصة وتواطؤ من السلطة الحاكمة. أقول تجار العلم، لأن هؤلاء، همهم تكديس الاموال، على حساب جودة التعليم، وتعب الأستاذ وعرق جبينه وحقه بالعيش الكريم. فهم لا يريدون أن يخسروا قليلاً من فائض ربحهم، رغم ادراكهم الانعكاس السلبي لتجارتهم على العملية التعليمية ومستقبل الطلاب.
هذا عن تجار العلم، اما عن السلطات الحاكمة المتعاقبة، فأقول أن هذه السلطات، لم تعتمد يوماً استراتيجية تربوية علمية هادفة، بل أخضعت التربية لمصالح السياسيين التوظيفية، وخفضت تباعاً موازنة الوزارة السنوية، على أساس أن التعليم ليس اولوية في اهتماماتها، فألغت على سبيل المثال، نظام الخمس سنوات لإعداد الأساتذة في كلية التربية، واستبدلته بامتحان خطي، عليه الف علامة استفهام، ودورة اعداد ينجح فيها الجميع. كما جمدت المناهج، وأهملت الابنية والتجهيزات، مما سيؤثر سلباً على مستقبل التعليم الرسمي والتعليم بشكل عام في لبنان.
ان المعادلة التي عمل ويعمل بها البعض، والتي تقول لا تزيدوا راتب المعلم ولا تعطوه حقوقه، لأن الأقساط ستزيد، هي معادلة مرفوضة ولا يمكن القبول بها اطلاقاً، فليس المعلم من يتحمل أكلاف التعليم العام، وليس على حسابه وحساب عائلته تقع مسؤولية تعليم طلاب لبنان.
اما المعادلة الثانية التي تقول بأن على الدولة، أن تتحمل أكلاف التعليم في القطاع الخاص، لأن التعليم خدمة عامة تؤمنها المدارس الخاصة، فأيضاً معادلة مرفوضة، لأنه ليس التعليم وحدُه خدمةً عامة، فالطبابة والسكن والمأكل والمشرب وغيرها خدمات عامة أيضاً، وكل من يؤمن هذه الخدمات، لا يؤمنها مجاناً بل بربح وفير مظاهره واضحة وجلية.
ازاء هاتين المعادلتين المرفوضتين، أقول أن على الدولة المسؤولة والواعية واجبين:
1- دراسة أقساط كل مدرسة خاصة دراسة موضوعية مبنية على قواعد علمية مع السماح لها بربح مشروع.
2- أن تؤمن مقعداً لكل تلميذ في مدارس لائقة مجهزة مزودة بأساتذة كفوئين، وعندها يتحمل الاهل مسؤوليتهم في اختيار المدرسة التي يريدون.
ايها الحفل الكريم
لقد تبارى الشعراء والعظماء في قول الكثير في المعلم: المعلم رسول، المعلم عطاء، المعلم هدي الأجيال الطالعة ونبراسها، وكما جاء في احدى رسائل الرسول بطرس: "وقد أقام الله في الكنيسة الرسل اولاً، والأنبياء ثانياً، والمعلمين ثالثاً"،... وبالحقيقة المعلم ضمير وايمان ومحبة، فبالرغم من معاناته المعيشية والوظيفية، فانه يعمل بصبر ليفرح بأجيال الغد. ولذلك نحتفل كل سنة في الحركة الثقافية – انطلياس بعيد المعلم، نكرم فيه أساتذة ضحوا وعملوا بصمت وجدية وفرح، فأضافوا مدماكاً في صرح التربية والتعليم في لبنان.
وعليه، نكرم اليوم السيدة مارسيل حريز جبور الأستاذة والمديرة مسؤولة وحدة اللغة الفرنسية في مديرية الارشادوالتوجيه، حاملة السعفة الاكاديمية من الحكومة الفرنسية وجائزة الشاعر سعيد عقل، زوجة الصديق الراحل الأستاذ نديم جبور رئيس دائرة الامتجانات الرسمية؛ يقدمهما الدكتور الصديق رمزي ابو شقرا.
كما نكرم الصديق الأستاذ رياض دكروب أستاذ علوم الحياة في الثانويات الرسمية والخاصة، مقرر لجنة علوم الحياة في الامتحانات الرسمية، مؤلف كتب علوم الحياة للصفوف المتوسطة والثانوية؛ يقدمه النقيب الصديق رودولف عبود. فأهلاً وسهلاً بهم جميعاً وبالحاضرين في الحركة الثقافية – انطلياس.
_________________________________
رمزي أبوشقرا
في تكريم السيدة مارسيل حريز جبّور
الحركة الثقافية إنطلياس في 9 آذار 2018
الحضور الكرام، اصدقاءً وزملاء،
في إرسائها لمبدأ التكريم، تُسْهم الحركة الثقافية في إنطلياس بما هو أبعد من تنشيط الحَراك الفكري والأدبي، إذ إنها، وبإدراك وبوعيٍ لمقاصدها، تؤكد من خلال نهجها وثباتها عليه، على أهمية الذاكرة قي صناعة المستقبل؛ عنيتُ الذاكرةَ المنقيّة/ المنقّاة، المصفّية/ المصفّاة،المقطَّرة / المقَطِّرة، تلك التي تفعل في الوجدان فعل صهر المعادن، تتحول من صلب إلى أصلب، ممتنع على الصدأ. ولست أراني مبالغا إذا قلت إن مقياس الحضارة يمرُّ بكيفية التعامل مع التاريخ، إن على مستوى الإجتماع السياسي للمجتمع بأسره، أو على مستوى الجماعات المكونة له، أو على مستوى الأفراد. وبعبارة واحدة : قل لي كيف تستحضرُ ما كان، أقل لك ما سيكون.
فشكرا إنطلياس العهدِ المؤسِّس (العامية قصدت)، على إنعاش الذاكرة وعلى إحياء الذكريات قديمِها والحديث،كفعل إيمانٍ بلبنان، نشجِّره جميعا أرزا وسِنديان، ونرحل واثقين بأنه باقٍ على الزمان.
*******************
بدايتان أو ألِف وألِف تختصران مسيرة مارسيل.
إذا كانت الألف فاتحة الأحرف الإبجدية، فإنها اختصرت، على ترف، أحرفا أربعة ALEFانتظمت لمن حاول نظمها، جناسا تاما في مشترك لفظي، تيمّنا بثنائية لغوية ولود، أعطت لبنان فرانكوفونيته الخصبة (على سهولة ويسر حينا، وعلى صعوبة وعسر أحيانا... لكي نكون منصفين)، وتيمنا بألف رابطةٍ وبداياتها، عي الرابطة اللبنانية لمعلي اللغة الفرنسية في لبنان. أنا أرى في الألِف تلك، ألِفا، واُلْفَة، وألّافا، وامكد أصل الى الأيلاف... ومن استصعب المعاني، فليقبل باعتصامي في النوايا، وليطل على صورة مشرقة من خلال الضباب اللغوي الشفيف.
الألف الثانية هي التي مهدت لإلتقائي ، بالمكرّمة اليوم، مهنيا، (ولاحقا بالمكرّمَين). هي أسهمت منذ العام 1974 بإنشاء وحدة اللغة الفرنسية في مديرية التعليم الثانوي؛ ثم صارت ألفْباء الوحدة من بدايات إلى كلام، إلى صرفٍ ونحوٍ في الزمن والفعل، عبر انصهار بالإرشاد التربوي، الذي كان قد لُحِظ إنشاؤه في إطار إصلاحي تربوي إداري شامل، منذ مطالع السبعينات، هو المناطق التربوية، وبالتحديد منذ العام 1972 (ولا مجالَ اليومَ للكلامْ على ما آلت إليه الأحلامْ).
لمارسيل يد بيضاء على الفرنكوفونية اللبنانية، ومن خلالها على الثنائية اللسانية (bilinguisme)التي تلهج بها الألسن اليوم، متطاعة إلى تعددية لسانية مبكرة(plurilinguisme précoce )، أخشى أنا شخصيا عواقبها إذا تهوّرت؛ تلك الثنائية كانت مصدر غنى وكانت ثروة فكرية ومعنوية من ثروات بلادنا، أين منها ثرواتٌ مادية تشح وتنضب، وتلوث وتلوث؟
وحين يتحدث الفرانكوفونيون بعربية سليمة، لا مأخذ على فصاحتها، وربما بليغة أحيانا، فَلْيُعرَف أن لهذه الثنائية فضلا في الأمر، بل لها الفضل فيه.
ولأن الشيئ بالشيء يذكر، فإن الدولة الفرنسية يوم منحت مكرّمَتِنا وسامَ السعف الأكاديمية، من رتبة فارس، (Chevalier de l’Ordre des Palmes académiques)، إنما كانت تعترف بفضل جهودها الصامتة، وبتضحياتها، في سبيل إعلاء شأن الثقافة والعلم في لبنان، وتعميق وتوسيع مجرى النهر الذي تصبّ فيه، ثقافيا، روافدُ لغويةٌ ولسانيةٌ وحضارية، يعرف اللبناني، أو يحلم بأن يعرف، كيف يَرِده وكيف ينتمي إلى ضِفّتيه.
أيها الأصدقاء في الحرف،
تعهدت أمام نفسي ألا أقترب اليوم من الحرائق المشتعلة في الوطن، ألا بمقدار... ألا أن القلب لا يُسَخّر ! وكلنا وكلّ منا، يحمل لبنان في قلبه، لأنه يعرف حقّ المعرفة أن لبنان يحمِله ويحمِل عنه، ويتحمّل...
إن نقيب المعلمين، وقد شاءت الصدفة أن يجاورني وأجاوره على منصة التكريم، في يوم المعلم، أولى مني بالحديث عن المهنة شؤونا وشجونا.
ولكن ثِقوا بأن بلدا تقفل فيه دور المعلمين، ويُنسى دورُها، ويُضْطرّ فيه المعلم والمعلمة، للقبول بأمر واقع، آلت إليه الأحوال، وَقْعُه مرٌّ مرير، لهو بلدٌ في خَطرٍ داهمٍ، ينذر بليلٍ مُدْلَهِمّ...
ولن أسمح لقلبي،في هذه الأمسية، في التفاتة العقل، بغير هذه الصرخة الخرساء، لعلها في التكريم مهجته.
ختاما أستحضرتُ للمناسبة ما قاله سعيد عقل في مطلع قصيدٍ في المعلم، وهو الذي فازت مارسيل حريز جبور بجائزته عام 2003 :
"قرأتَ كتابَ الكون سطرا محا سطرا معلّمُ، عُد فاكتبهُ أجملَ ما يُقْـــــــــــــــرا
أنامِلُكَ استولتٍ على الكونِ فازْدَهى تُبادِرهُ نَثْرا، فتترُكُهُ شـــــــــــــــــــــــعرا
وتَلْتَفْتُ الدنيا وقد عُلِّقَت عـــــــــلى فمٍ لك، يقول السحر أو يبطلُ السحرا "
____________________________________________