كلمة أمين العلاقات الخارجية في الحركة الثقافية - أنطلياس
الأستاذ جورج اسطفان مدير الجلسة
في تكريم السيدة جُمانة ابو الروس مفرّج
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة
حاولت منذ أيام، وانا أحضّر لهذه المناسبة، وفي مغامرة جريئة وواعية، ان أطلق العنان لمخيلتي وأتصوّرَ بكل تجرّدٍ، بعيداً من اي ميزوجينية، عالماً من دون نساء. وعلى رغم انني فرحت لوهلة بالنتيجة المتخيَّلة لأنها تمحو فترة سوداء ولو قصيرة من حياتي، فقد عدَلت سريعاً عن المتابعة لأن النتيجة ذاتها تحوّلت كابوساً يسرق منّي أجمل ما يمكن لرجلٍ ان يعيشه في حياة كاملة، من الطفولة الى الصبا والشباب مروراً بالمراهقة والرشد والعائلة ككل، الى ما يختلج بينها على مرّ السنين، الى الحياة كاملة في مراحلها المتسلسلة المختلفة واختلاف وجوهها، وبخاصة لأنها تمحو وجهاً ثابتاً يرافقني شخصياً، عابراً لوحده المراحل والذكريات والوجوه، من دون ان يختزلها، هو وجه أمي. المرأة في أسمى تجلياتها.
لن أخوض هنا في عرض للغبن الذي تستمر تعاني منه المرأة وما تزال، في وطن يتبارى القائمون عليه في دفعه الى أدنى المراتب على كل المستويات. هذه ليست مهمتي في هذه الأمسية. لكني أردت من هذا التمهيد ان تتموضع في إطارها الصحيح رمزيةُ هذا اللقاء. اذ تكرّم الحركة الثقافية اليوم، في هذه المناسبة العالمية، سيدةً وأماً، نذرت حياتها لقضايا الإنسان بعامةٍ، وللمرأة بخاصة، هي السيدة جمانة أبو الروس مفرّج. وقد تكون "شهادتي مجروحة" فيها، وفي هذا اليوم بالذات، اليوم العالمي للمرأة. فالحديث عمن نحب ينزلق عادة ليتحوّل نوعاً من الإطراء و"التبخير" اذا صحّ التعبير، حتى في حالات قد يكون فيها الشخص المعنيّ لا يستحق ذلك كلّه. فكيف اذا كان هذا الشخص هو جُمانة بالذات، جُمانة التي أسمح لنفسي بمناداتها بإسمها الأول تحبباً، مقتدياً بقول جاك بريفير: "Je dis tu a tous ceux que j'aime" .
جُمانة ابو الروس مفرّج فرضت حضورها والإحترام منذ لقائنا الأول، في جريدة "لوموند" الفرنسية نسخة الشرق الأوسط، حيث كنت مسؤولاً حينها عن المحليات الفرنسية والاقتصاد، ثم جاءت جُمانة لتتسلم صفحة الدوليات، مصطحبة في جعبتها فرحاً أضفى جواً من المرح الرصين على رتابة العمل خلف المكاتب. وأصبح المكتب منزلاً ثانياً نشأت فيه صداقات استمرت ولو متقطعة، ساهم في نسجها لوسيان جورج، ناشر Le Monde Edition proche- orient، والذي كان لنا شرفُ تكريمه منذ سنتين، على هذا المنبر بالذات.
تخفي المكرَّمة خلف ابتسامة عبرت بها كل الأوقات والمناسبات، ثقةً بالنفس كانت من بين اول ما لفتني فيها، مباشرة خلف حضورها الجميل، تُعزّزها معرفة واسعة وثقافةٌ شاملة ونشاط متعدد قلَّ نظيره، كان يدفعني وما يزال الى التساؤل كيف لهذه السيدة ان توفّق بين ما يتطلبه هذا النشاط من جُهدٍ وتضحيات، وبين مهامِ العائلة التي انخرطت فيها حتى الأحفاد، يداً بيد مع رفيق حياتها الصديق ميشال الذي تعرفه جبال لبنان ووِديانُه وما بينها، ناشطاً بيئياً وسياحياً عبر Liban Trek. وقد يكون من بين المداخلات الممكنة هذه الليلة، شهادات عن هذه الإنجازات، أوسع.
السيدة التي نكرّم هي اليوم مستشارة لدى الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، شغلت مناصب عدة وقامت بمهام يصعب حصرها، تتمحور في أكثرها حول نقطة مركزية همّها الأساس المرأة اللبنانية شؤوناً وشجوناً. وباقتضاب، كانت لـ10 سنوات مديرةً اداريةً لدى الهيئة المذكورة، ولسنتين عضواً في مكتبها التنفيذي، مروراً بجريدتي "النهار" و Le Mnode- Edition Proche Orient، والمدرسة اللبنانية للتدريب الاجتماعي- جامعة القديس يوسف، فرع لبنان الشمالي، الى دار "الصياد" و"وكالة الصحافة الفرنسية". كما لها مقالات منشورة مختلفة ومساهمات في إعداد منشورات دولية، الى مشاركتها في مؤتمرات إقليمية ودولية حول قضايا المرأة... وتطول السُبحة. ولا بد من الإشارة الى انها ام لثلاثة أبناء وان 4 أطفال ينادونها "تيتا".
(وقد يكون من المفيد التذكير، في مستهل هذا اللقاء، بأن لبنان كان طليعياً، عالمياً وعربياً، وهي نافذة مضيئة في هذا النفق المظلم، في مجال اعطاء المرأة حق الترشح والإقتراع، عام 1952 بالتزامن مع اليونان، اي قبل الدول العربية كافة، وعدد من الدول الأوروبية منها ايطاليا، والبرتغال التي أعطته كاملاً عام 1976، وموناكو (62) وأندورا (1970) وسويسرا على المستوى الفيديرالي (1971). ويذكر ان السودان أعطت هذا الحق للمرأة عام 1954.)
ايتها الصديقة، استقبالك هنا على هذا المنبر الطليعي، شرف لنا في الحركة الثقافية – انطلياس التي، اذ تكرّمك اليوم، تكرّم عبركِ جميع النساء المناضلات في المجالات كافة وتتطلع الى ان يكون للمرأة اللبنانية بخاصة، والعربية عموماً، دور طليعي في بناء الأوطان.
_____________________________________________
كلمة الأستاذة جُمانة أبو الروس مفرّج
حضرة أعضاء الحركة الثقافية أنطلياس الكرام،
أيها الأحبة
سيداتي سادتي
لقد شرفتني الحركة الثقافية، أنطلياس بتكريمي في يوم المرأة العالمي واكرمتموني بحضوركم، وأسعدني، الشعور بالدفء الذي أخذته من كلام العزيز، الزميل القديم جورج اسطفان والصديقة الحبيبة د. ليلى عازوري جمهوري والأصدقاء والأحبة، د. فاديا كيوان والأستاذ لوسيان جورج والسيدة سيلفي فضل الله والآنسة زينا معلوف والعزيزتان هدى رزق حنا وسعاد أبو الروس سليم ومن الصديق العزيز زوجي ميشال. شكراً لكم أيها الأحباء الذي لكل واحد منكم زاويةٌ في قلبي وآثرٌ في حياتي.
شكرا الحركة الثقافية، لأنكم حملتموني على التأمل بمنعطفات الحياة التي نَقَلَتني، عبر سنين قصيرة، ولو كانت عديدة، إلى هذه المنصة شاكرةً لكم تكريمكم
مُنعطفات حياتي لم تكن متعددة ولم تدفعني إلى خوضِ المغامرات الشيِّقة، لكنها فتحت أمامي أفاقاً ما زالت تتجدد حتى اليوم وما زالت تثير لديَّ الفُضول للتعرف إليها.
أغلبُ الظنِ أن الفضولَ رافقني منذ صِغَرِ سني منذ بدأت أمي، أطالَ اللهُ بعمرها، تعلمني قبل تسجيلي في المدرسة، أحرفَ الأبجدية على مكعباتٍ خشبية طلبت تصميمها خصيصاً لي.
وكان من حظي بعد سنوات عديدة أن أجدَ في زوجي ميشال من يفوقني بأشواطٍ من حيث الفضول وشغف الاستكشاف.
نقَلنا هذه الصِفات إلى أبنائنا الثلاثة، وسِرنا معاً، محاطين بعطفِ أسرَتينا ومحبة الأشقاء والشقيقات، على دروب الحياة، مستكشفينها معاً ومستكشفين دروب لبنان القديمة. مع ميشال، تعرفتُ على آثار الحضارات العديدة التي تفاعلت في مناطق المشرق وآسيا الصغرى. وما زِلنا نندهش معاً، عند مراقبتنا خصائصٍ ثقافية في أعمال فنية أو أنماط عيش، نلاحظها في تركيا أو في اليونان أو في إيطاليا وحتى في أثيوبيا، ونجد آثاراً لها في اللغة المحكية لدينا أو في مآكلنا أو في الأساطير والقصص الرائجة في أوساط بلداتنا وقرانا. فبلدنا هو فعلاً ملتقى للحضارات وللشعوب ولنا أن نعتزَّ بغنى مشارِبه الثقافية
لقد نشأتُ في عائلة محبِّة، بين والدين مؤمنين غير متزمتين لم تكن علاقاتهما الاجتماعية مبنية إلا على الصدق والاحترام لا مكان فيها للغش في المشاعر. وبعد مرورِ سنوات عديدة اكتشفتُ أن اعتماد الصدق في إقامة العلاقات الشخصية من غير خلطِها بنوايا تحقيق المكاسب المادية أو الاجتماعية، يُشكلُ أحدَ عواملُ نمو الشجاعة في تكوين الرأي المستقل لدى الإنسان. وبعد سنواتٍ أخرى، أيقنتَ أن تكوين الرأي المستقل يتطلب عدم العوز وأن التبعية ومعها التسليم بالأفكار المسبقة، هي مَواقف تصبحُ سائدة عادةً، عندما يكون الإنسان غير مُستقل معيشياً، وأن الكرامةَ هي صفةٌ أخلاقية تُغذيها الصورة التي يكونُها المرءُ عن ذاته وعن مدى استقلاِله الفكري. عرفتُ أن الكرامةَ هي أول ما يبتغيه الإنسان وإن قيمة الحضارات تُقاس بمقدارِ نجاحها في صونها وفي الحفاظ عليها، بتأمين الحمايه من العوز.
أظنُ أنه من هذه الاعتبارات، التي خالطت بين أخلاق البيت ومقاربات التعاليم المسيحية عن ممارسة المحبة، وبين أفكار المدارس الأدبية والفلسفية التي بدأنا ندرس عنها في الصفوف الثانوية، نشأ بدايةً فضولي لاستكشاف ما تعنيه مَقولة "الخير العام" والاستعلام عن سبل تحقيقه.
في المدرسة تعلمنا الآداب والعلوم باللغتين العربية والفرنسية وتلقينا تعليماً كلاسيكياً بدأنا معه نتعلم تحليل النص الأدبي وتحليل المشاعر في كتابات المسرح الفرنسي للقرن السابع عشر. وأظنُ أنني تأثرت في هذه الحقبة، من غير أن ادري، بما يقوله أحد أبطال تلك النصوص: أي شيء يعني الإنسان ليس بغريبٍ عني. Rien de ce qui est humain ne m’est etranger ،
هذه العبارة رافقتني في حياتي وساعدتني على النظر إلى الأمور بطريقة شاملة قدر المستطاع، تفاديا للوقوع في الأخطاء في المواقف كما في تقييم الأشخاص
ساعدتني أيضاً خلال السنوات الأولى في الجامعة، سنوات الخروج من الشرنقة العائلية، القراءات غير المدرسية من روايات ودراسات وتأثرتُ بنوع خاص بـ Albert Camus، وبكتاباتAndré Malraux ,Dostoievskyوبفكر المطران غراغوار حداد.
كانت سنوات الصبى قد بدأت، ولو أنه بدى غامضاً، كان المستقبلُ محملاً بكل الآمال. كان التغييرُ نحو الأفضلِ يبدو ممكناً وسهلاً، لا يتطلبُ سوى نيّةٍ طيبة وإرادة صلبة. خلال هذه الحقبة بدأتُ أتعرف على بيئات مختلفة عن بيئتي ثقافياً واجتماعياً وفي هذه المرحلة التي لم يكن فيها السفر إلى الخارج رائجاً كما هو اليوم، كان من حظي أن الظروفَ أتاحت لي أن أزورَ باريس وروما، والولايات المتحدة ضمن رحلات منظمة ومؤتمرات وبرامج مخصصة للطلاب. وأذكر إني كنت أعود من هذه الرحلات، وكنا في أواخر الستينات وبداية السبعينات، بانطباع أن بلدنَا سائرٌ في رِكاب التطور العالمي ولا تعوزهُ إلا بضعة سنوات ليكون من أنجح البلدان. وكان ذلك قبل اندلاع حرب لبنان.
لم أختار بداية العمل في المجال الصحافي. هكذا شاءت الصِدَف. لكنها مهنة شيِّقةٌ تعلّقتُ بها خاصةً أنها لبَّت فضولي للتعرف على العالم الأوسع. مكنتني تجربتي في المجال الإعلامي من استيعاب أهمية الأمانة في نقل المعلومة، وأهمية اختيار الكلمة، وعدم الخروج عن المعنى، وعلمتني أن واقعَ التاريخ قلّ ما يتطابق مع النظرة التي يُكَوِنُها عنه الناس بعد حينٍ. كان من حظي في هذا المجال أن أعملُ في نطاق التحليل أكثر منه في نطاق نقل الخبر مما أتاح لي مساحةً للتأمل في مجريات الأحداث والتوجهات العالمية. قادتني هذه المقاربات إلى التعرفِ على تجارب بلدانٍ في العالم الثالث تشبه تجربة لبنان، لا تزال فيها الدولة تُكوِّن نفسها ولا تزال تبحث عن صيغةٍ فضلى للتعايش بين مجموعات اثنِية ودينية متنوعة وتواجه في الوقت نفسه تحديات ممارسة الديموقراطية. توصلتُ من هنا، ومن بعض الاطلاع على مُجرَيات التاريخ في منطقتنا وفي العالم، إلى الملاحظة أن الصعوبة في المجتمعات المتنوعة تَكْمُنُ في الواقع في التوصل إلى صيغة لمشاركة الفئات المُكَوِنة لها في السلطة، والاستفادة من هالتها ومن منافعها، أكثر من كونها تكمن في الممارسات الحياتية للعيش المشترك بين هذه الفئات.
من المفارقات أن هذه التأملات التي بدأت تَتَراءى إليَّ منذ سنوات الجامعة والتي توضحت لي أكثر فأكثر من خلال عملي في المجال الإعلامي، صرت ألمسُ صحتَها تطبيقياً عندما بدأت اهتماماتي تنصّبُ على معالجة قضايا المرأة في إطار الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وذلك منذ العام 2000.
فهذه الهيئة هي منذ العام 1998 الآلية الرسمية الرئيسية المعنية بقضايا المرأة. ومن الأعمال التي تقوم بها، رصد الأحكام المجحفة بحقوق المرأة في القوانين وإعداد النصوص التعديلية التي من شأنها تحسين أوضاع النساء. والواقع هو أن حقوق النساء في لبنان لا تزالُ ناقصة مقارنة مع الحقوق التي يتمتع بها الرجل وذلك بنوع خاص في مجال الأحكام المُنَظِمة للأحوال الشخصية وهو المجال الذي لا يطبق فيه قانونٌ مدني بل قوانين طائفية ومذهبية متنوعة تعودُ مرجعيتها إلى نصوصٍ دينية وإلى تقاليد مجتمعية موروثة، أنتجتها بيئات اجتماعية غابرة.
كان واضحاً منذ البداية في عملنا في الهيئة أن تحقيق التقدم في أوضاع المرأة يتوقف أولاً على تحسين وضعها داخل الأسرة إنما كان جلياً أيضاً أنه من الصعب، لكن من غير المستحيل، في ظل النظام القائم، تحقيق الإنجازات في هذا المجال. وقد اتضح بعد ذلك بأن تصحيح بعض القوانين والممارسات المدنية لا يقل صعوبةً، وذلك لأسباب يعود بعضها أيضاً، إلى نظرة اللبنانيين إلى أنفسهم كجماعات متعايشة ومتنافسة في ما بينها.
وعلمنا، أن الخشية من إختلال التوازن الطائفي تَحولُ مثلاً دون تجرؤ المشترعين على الاعترافِ بحق اللبنانية في نقل جنسيتها إلى أولادها مع أنه ليس هناك ما يُثْبِت صحة هذه الخشية. فالحقوق الشخصية الإنسانية والحقوق الفردية التي تستتبعها المُواطنة تتوارى في هذه الحالة أمام اعتبارٍ آخر يعطيه مجتمعُنا الأولوية، وهو ضرورة المحافظة على التوازن الطائفي. ومن المفارقات أن النصوص المتعلقة بالأحوال الشخصية تنعكس على ممارساتٍ في المجال الاقتصادي والمالي لا صلة لها بالشؤون الدينية. فالمصارف مثلاً لا توافق على أن تقوم الوالدة، الراغبة في ذلك، بفتح حساب مصرفي باسم إبنها او إبنتها لأنها لا تتمتع بحق الوصاية، والمصارف تريد تجنب التورط في نزاعات عائلية.
وحتى في المجالات التي لا تدخل فيها اعتبارات طائفية لا تزال بعض القوانين اللبنانية غير منصفة تجاه النساء.
وبلدُنا بات يصنف في أدنى المراتب في العالم من حيث مؤشرات التوازن بين أوضاع النساء والرجال، وتصحيح هذا الوضع لن يكون أبداً في حصره في خانة ليس للرجال أن يتدخلوا فيها، إذ أن قضايا المرأة التي نحتفل اليوم بيومها العالمي هي أولاً وأخيراً قضايا المجتمع وحقوق المرأة ليست سوى حقوق الإنسان. والهيئة ومنظمات المجتمع المدني وبعض المُشَرّعين يتعاونون بنجاح من أجل إدخال الإصلاحات على القوانين. ومن شأن هذه الإصلاحات، ولو كانت جِزْئِية أحياناً أن تُحدِثَ التغيير المنشود.
وتتميز أوضاع المرأة في لبنان بجملة من المفارقات تستدعي من جانبنا النظر بصورة أكثر شمولية إلى قضايا مجتمعنا ككل. فنساء لبنان بتنَّ يشكلنّ ما يقارب 50% من الناشطين في مجال المحاماة والقضاء وحوالي 25% من الجسم الطبي ومن المهندسين وهنّ أكثرية بين الصيادلة والممرضين وهنّ أكثرُ من يَبرزُ في مجال نشر ِالفنون وتنظيم اللقاءات والأحداث الفنية والثقافية. لكن نسبة النساء في القوة العاملة لا تزال تقل عن الربع على الرغم من أن أعداد الإناث يزيد عن عدد الذكور في الجامعات وأن المتفوقات بينهنّ يزيد عن عدد المتفوقين في الثانويات كما في الجامعات.
لكن وعلى الرغم من التحسن الذي شهدته السنوات الأخيرة في تسمية النساء في الوظائف من الفئة الأولى، ومشاركة أربع وزيرات في الحكومة الجديدة لا تزال قليلةً جداً، أعداد النساء في قيادات الأحزاب السياسية والنقابات وهذه الأعداد لا تزال ضئيلة في المجالس التمثيلية المحلية والوطنية في البلديات كما في البرلمان.
فالنساء اثبتن قدرتهن على تحمل المسؤوليات التي تُرَتِبُها عليهن المهن الحرة. إنما لم تتوصلنَّ بعد على فرضِ أنفسهن كقياديات في المجالات التي تنشطن فيها والسبب هنا لا يتعلق بقدراتهن الذاتية على ذلك إنما في الصورة التي لا تزال سائدةً لدى الرجال كما لدى النساء عن الصفات الملازمة للقيادة.
من جهة أخرى، يبدو أنه خارج النخب، لا تزال تطغى لدى النساء أدوارهن في الرعاية الأسرية على أدوارهِن الاجتماعية الأخرى. لذا فإنه إذا أردنا حقاً أن يتطور مجتمعنا وان يستفيد في اقتصاده وفي إدارته من الطاقات التي تكتنزها النساء، لا بد لنا من أن نغيرَّ نظرتَنا إلى الأدوار الاجتماعية. فكما للمرأة أن تتخطى حدود أسرتها للاهتمام بقضايا المجتمع، للرجل أيضاً أن يَدرُجَ ضمن اهتماماته متطلبات الرعاية الأسرية. وإني ألاحظ بسرور ان الشباب اليوم من البيئات المثقفة باتوا مدركين لأهمية هذا الدور وهم يشاركون مع الأمهات بالاهتمام بالأولاد.
وأتاحت لي تجربتي في الهيئة الوطنية أن أتعرفَ عن كَسَبْ، من بين أعضائها ومن بين فريق عملِها، على شخصيات نسائية فَذَّة وعلى شابات كفؤات وناشِطات تَعمَلنَّ لتحقيق أهداف المصلحة العامة المرجوة من غير النظر إلى تحقيق المنافع المادية. سيداتٌ تَفْتَخِر بهنَّ الأوطان.
كذلك أدركتُ من خلال عملي أهمية الدينامية التي يتميز بها المجتمع اللبناني والتي تظهر جلياً من خِلال المبادرات التي تقوم بها مُنَظمات المجتمع المدني، ومن خلال قابلية مُجتَمَعِنا للاستفادة من الخُبُرات التي تَنقُلُها إلينا الوكالات الدولية.
واسمحوا لي هنا، أن أُحَيِّي من هذا المِنْبَر ذِكرى عزة الحر مروة، هذه المرأة الشُجاعة التي تكرمت في العام الماضي في مثل هذا اليوم من جانب الحركة الثقافية أنطلياس والتي كانت مِثالاً، في التزامِها الإيجابية، في الحياة، كما في الِنضال من أجل قضايا المرأة، ورحلت عنا باكراً.
أخيراً تعلمت من خلال تجربتي في الهيئة كم هي هامة مهارات الإصغاء للآخر في الحوارات وكم هي مُثرية النِقاشات، عندما تكون صادقةً فيها الآراء ومُنَسقَّةً عَملية تَبَادُلِها. واتضح لي أنه صحيحٌ أن السياسة هي، قبل أي شيء آخر، علمُ تنظيمٍ للهيكليات الاجتماعية. فالنجاح يتطلب منا المُثَابَرة بإخلاص، وإِتقان عملية التنظيم هذه.
أشكر لكم إصغائكم وحضوركم
______________________________