افتتاح المهرجان الخامسة والثلاثون
5 آذار 2016
في الحركة الثقافية – انطلياس
كلمة أمين المهرجان اللبناني للكتاب
الأستاذ نعوم خليفة
معالي وزير الثقافة الأستاذ ريمون عريجي المحترم
أصحاب المقامات الروحية والسياسية والعسكرية، أيها الأصدقاء محبو الثقافة وقادروها.
أهلاً بكم في الحركة الثقافية – انطلياس وفي المهرجان اللبناني للكتاب في دورته الخامسة والثلاثين، دورة غريغوار حدّاد.
في خضم الحروب المحيطة بوطننا، وعلى وقع المعارك الطاحنة والمجازر الرهيبة التي تحوَّل كثيرُها، مع الأسف، الى مذابح طائفية ومذهبية، وعمليات تطهير عرقية،
وفي ظل المخاطر الكبيرة التي تهدد الوطن الصغير، يتساءل بعضُنا هل هناك بعد مجال للكتاب وللثقافة، وهل ما زال هناك دور للثقافة وللمثقفين وسط هذه الحروب التي لم ترحم لا البشر ولا الحجر؟ وجوابنا في الحركة الثقافية هو هذا المهرجان التحدّي، في دورته الخامسة والثلاثين التي أطلقنا عليها تسمية دورة غريغوار حدّاد وفاءً لذكراه وتقديراً لدوره الرائد في مجال الانفتاح على الانسان ودعوته العلمانية التي لو أُخذ بها وبمقولاته لكانت وفّرت على البلد وعلى الناس كثيراً من الويلات والحروب ولكانت حققت العدالة الاجتماعية التي نسعى اليها بشتى الوسائل. نحن في الحركة الثقافية – انطلياس لم نستسلم لقوى الشر والظلامية ولن نستسلم لها مهما طغت وبغت، ولن تخيفنا وتُخفت صوتَنا رياح الحروب الهمجية مهما عصفت وقرعت طبولها. فعزيمتنا راسخة وخيارنا ثابت بالتغيير عن طريق الثقافة وبدور الكتاب وفعله في بناء الفكر وصقل الأخلاق وتنمية الحس الوطني لدى شبيبتنا ورفدهم بالقيم الأخلاقية والإنسانية التي لولاها لما بقيت أمم ولا استمرت شعوب. فالكتاب سلاح ماضٍ في محاربة الشر ومكافحة الفتن، ورايةٌ في نشر ثقافة السلام والعدالة. ثلاثة عقود في ظل أوضاع سياسية وعسكرية وامنية في غاية التوتر لا زلنا، على مداها، نتحدى الصعاب وننجح في إقامة هذا المهرجان الذي أضحى استحقاقاً وطنياً دوريّاً ينتظره الجميع ويجتمع فيه النسيج الوطني بكافة مكوناته، رغم الاختلافات، رائدنا الاتفاق العام على القيم الإنسانية الأصيلة.
المهرجان اللبناني للكتاب في دورته الخامسة والثلاثين – دورة المطران غريغوار حدّاد يضم ما يزيد عن مئة وعشرين دار نشر ومكتبات وجامعات ومراكز ثقافية، كما فيه نشاطات ثقافية وفكرية متنوعة وندوات حول عددٍ من الكتب الصادرة حديثاً وتكريماً لأعلام الثقافة من لبنانيين وعرب في مجالات متعددة الى جانب تواقيع المؤلفين لإصداراتهم الجديدة، كما نعرض على مدخل المعرض لوحة بأسماء كبار غادرونا خلال هذه السنة، وكما يحفل المهرجان بنشاطات صباحية تتوجه الى التلامذة والطلاب من مختلف الأعمار تتناول مسائل في صلب اهتماماتهم وحياتهم اليومية.
هكذا نفهم الثقافة، إنها ليست ترفاً فكرياً نظرياً محصوراً بفئة معينة بل توجُّه وعمل يطال المجتمع بمختلف فئاته وطبقاته، سعياً إلى تحقيق قيمنا الأخلاقية والفكرية والإنسانية بين الجميع.
في الختام باسم زملائي في الحركة الثقافية - انطلياس أتوجه بالشكر الى معالي وزير الثقافة الأستاذ ريمون عريجي لدعمه وحضوره والى الرهبنة الانطونية الكريمة ممثلة بالرئيس العام الاباتي داود رعيدي خاصاً بالشكر الأب الرئيس جوزف بو رعد رئيس وخادم دير مار الياس – انطلياس رئيس الحركة الثقافية، والى مجلس بلدية انطلياس رئيساً واعضاء، وجميع القوى العسكرية والامنية، والدور المشاركة، والجامعات والمؤسسات التربوية والثقافية والى المسؤولين عن وسائل الاعلام وبنك عوده وجميع الجنود المجهولين من الزملاء والموظفين والعاملين الذين يعملون بصمت وإلى وسائل الاعلام وكل من ساهم في إنجاح هذا المهرجان.
كلمة الدكتور أنطوان سيف
الأمين العام للحركة الثقافية – انطلياس
نرحب بكم في افتتاح "المهرجان اللبناني للكتاب" في عامه الخامس والثلاثين، احتفاءً عريقاً بالكتاب، وبرموزه المتنوّعة، أداةً مركزية للحضارة البشرية الحديثة المتجدّدة والمعاصرة، ونبراساً لنهوضها.
والاحتفالات الكبرى بالمشترك الإنساني الراقي الأرحب، إذ هي، بقراءةٍ واسعة، قبسٌ من فرح الجماعة وتأكيد على تفاؤلها باستمرار، فليست مع ذلك مكابرةً على قسوة ظروفنا وإنكاراً لها، أو إشاحة عن مخاطرها. فالمهرجان ليس إنجازاً فردياً. فيه دوماً وكياناً روح الجماعة، ورغبتها الضمنية – بالانتصار على الملمّات والأزمان، وليس من غير عناد وجهد وتضامن وقلق ملازمٍ وعرضةٍ للتبديد.
رهانًنا على الإرادة الطيبة والواعية في مواجهة كل التحديّات. فاللبنانيون حُمّلوا أعباءً مضاعفة لم ترتخِ مناكبهم تحت أثقالها، أعباءً وخاطر انصبت عليهم تهديدات بحروب من الداخل والخارج استطاعوا بصبر ووعي كبحها. في وقفتنا هنا امامكم العام الماضي ذكّرنا بأنّ خلوّ سدّو رئاسة الجمهورية – بسبب عجز الطبقة السياسية وترهّلها في أداء هذه المهمة، وفي حماية الدولة ووظائفها من التلاشي ومن استفحال الفساد بالسطو على الأملاك العامة والأموال العامّة – قد بلغ 287 يوماً لتاريخه، وليس امامنا اليوم إلاّ ان نضيف الى هذا الرقم الكبير رقماً أكبر منه هو 366 يوماً لسنة كبيس كاملة!
فعلى الرغم من أنّ هذا التأزّم لا يزال صامداً في حيز الخلاف الدستوري، ولم ينحدر الى إخلال بالأمن، إلاّ أنه لم يبدّد، مع ذلك، القلق عند المواطنين من هذا الاحتمال المرعب، يضاف اليه تهديد الإرهاب المستشري في المنطقة العربية الذي غدر بعناصر من جيشهم وقواهم الأمنية التي تدافع بشجاعة وكفاءة وتضحيات كبرى، وبأعتدة عسكرية زهيدة، عن امنهم وارضهم وقدّمت شهداء وأسرى خُطفوا الى ما وراء الحدود وبعضهم تعرّض لتصفية وحشية، بمواجهة هذه اللوحة الداكنة، يأمل اللبنانيون بمبادرات سريعة لانتخاب رئيس لجمهوريتهم يضبط عمل السلطة الممدّة لنفسها بغير شرعية ويضخ حضوره معنويات ضرورية، ويكبح استشراء الفساد والوهن في الأجهزة العامة ويعزز صورة وطن عاتٍ على الانهيار ويجعل الدولة الركن المركزي الموثوق في الحفاظ عليه، ويستكمل تحرير اسرانا العسكريين واعادتهم الى الوطن جميعاً سالمين.
كما يرون بوادر مشرقة في التزام شبابهم بوطن معافى خالٍ من الشوائب، الذين نزلوا الى الساحات العامة في العاصمة بيروت وسواها من المدن، متجاوزين الانقسامات الطائفية في تظاهرات انعشت الروح الديمقراطية بإنقاذ الجمهورية، تلكماً الجمهورية والديمقراطية اللتين يرى اليهما علماء السياسة مترادفتين في الانتيمولوجيا كما في الوظائف والغايات، متجاوزتين في العمق كل الانقسامات والتمايزات بين الناس، معززة الوحدة الوطنية في التنوع والمساواة والحريات العامة وبخاصة الحريات الدينية المتنوعة، والحريات السياسية والفكرية، والتي لا يمكن تحقيقها إلاّ بالعلمانية التي تقع في صلب ميثاقنا الثقافي، منذ تأسيس حركتنا، في رحاب دير مار الياس انطلياس، منذ 38 عاماً! والتي وصفها المطران غريغوار حدّاد بأنها "قيمة إنسانية"، توحّد الناس وتحفظ حرية ايمانهم، وهي "العلمانية الشاملة ذات الحياد الإيجابي تجاه الأديان". وهي مؤسسة لدولة متماسكة ايضاً وخصوصاً يشعر جميع المواطنين المتنوّعي الانتماءات والحريات انها دولتهم التي يعملون بإدارة طيبة وتعاون، لصونها وتطويرها باستمرار.
لذا، كان لنا هذا العام شرف تسمية هذه الدورة للمهرجان اللبناني للكتاب باسم هذا اللبناني الكبير الذي غادرنا منذ اشهر قليلة والذي كرمته حركتنا منذ اربع سنوات مع رعيل من الاعلام الكبار في ثقافتنا: "دورة غريغوار حدّاد".
أما برنامج مهرجاننا لهذه الدورة بأبوابه الثابتة ومضامينه الجديدة فهو على النحو التالي (هذا البرنامج توزعه على كل زوار المعرض):
1-الندوات الصباحية للتلاميذ والطلاّب:
الذين يؤمون المعرض آتين من مدارسهم للتجوّل في ارجائه والتعرّف على عناوين كتبه، ولحضور لقاء ممتع ومفيد حول موضوعات تهمهم، تقدّمها شخصيات معروفة واختصاصية ومهتمة بالتربية.
انه تعاون مثمر بين الحركة والمدارس المحيطة
عدد اللقاءات الصباحية: 9
2-ندوات بعد الظهر:
حول موضوعات وقضايا اجتماعية وطنية عددها: 7
وأخرى حول كتاب صادرة حديثاً من دور النشر عددها: 9.
والمجموع هو 16 ندوة.
3-تكريم اعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي:
والعدد هذا العام 14 مكرّماً
علمان من العراق الشقيق هما
- المؤرخ الأب سهيل قاشا والمفكر وعالم الاجتماع الدكتور فالح عبد الجبار
- وحركتنا تلتزم بالاحتفال بمناسبتين سنويتين تقعان ضمن مدة مهرجانها: يوم المرأة العالمي، ويوم المعلّم.
4-حفلات توقيع المؤلفين لمؤلفاتهم (الجديدة بخاصة).
وعددهم 58 مؤلفاً، والعدد قابل للزيادة.
5-عدد المشاركين في كل هذه الأنشطة بأبحاث ودراسات مكتوبة حوالي 137 كاتباً (96 منهم يقدمون بحوثاً طويلة) ما عدا الموسيقيين العازفين في حفلة ختام المعرض من المعهد الوطني للموسيقى الكونسرفتوار وعددهم 56 عازفاً، واثنان لقيادة الأوركسترا (الأستاذ فادي يعقوب) والاعداد الموسيقي (الأستاذ شربل روحانا).
6-كما نضع على مدخل المعرض لوحة بأسماء كبار من مثقفينا الاعلام غادرونا هذا العام بعد وافر العطاء، تقديراً لهم ومواساةً لأهلهم وقادريهم.
7-ونقدم لكل زائري المعرض والأصدقاء، مجاناً، كل هذه الإنجازات مطبوعةً طباعة فاخرة.
أيها الحفل الكريم،
هذا حصادنا في هذا المهرجان نقدمه على مدى 16 يوماً بدءًا من هذه العشية ولغاية مساء الأحد 20 آذار الذي نختمه بالحفلة الموسيقية الكبرى: انشطةً ثقافية متنوعة، وكتباً متنوعة بالعربية وبلغاتٍ أخرى.
واشارة الى مقولة ازمة الكتاب العربي، او ازمة القراءة العربية، نقوم باختصار: أنّ هذه الأزمة هي عالمية ونسبية بحسب اللغات والبلدان. وليس سبيها الأوحد والكامل هو النشر (أو الكتاب) الالكتروني؛ ولكنّ هذا النشر، بإمكاناته في سرعة نقل المعلومات والاثقال عبرها وبسرعة فائقة الى مراجع معلومات مختلفة بالصوت والصورة نفسه، ورقياً كان ام الكترونياً، لم يعد يُقرأ بكامل صفحاته إلاّ نادراً، وفي مجال المتعة التي تقدمها أكثر من سواها بعض الروايات. وحصة العالم العربي من هذه المشكلة الدولية هي كبيرة بسبب زيادة عدد الأمّيين فيه الى مستويات عالية في بلدان منه دون أخرى تصل في بعض الإحصاءات الى حوالي الثلث. وهذا الرقم يبدو مرعباً عندما نعلم ان عدد سكان العالم العربي المرجّح في هذه اللحظة من بداية العام 2016 هو تقريباً 415 مليوناً (410 و 420 مليوناً)! فيكون رقم الأمّيين اذاً حوالي 140 مليوناً. يضاف إليهم امّيون من نوع آخر هم الأميون الالفبائيون (القادرون على الد الأدنى من القراءة، والذين لا يستخدمون علومهم الأكاديمية في أعمالهم)! وعدد الأمّيين العام سيتضاعف. وإذا مارسنا القاعدة المعروفة بقسمة عدد الكتب المطبوعة على العدد العام للسكّان، تظهر لنا أزمة قراءة مرعبَة! إن في هذا الطرح مبالغة كبيرة؛ وما يسمّى بأزمة قراءة هو أزمة أمية تتحمل مسؤوليتها الأنظمة السياسية وبرامجها التنموية الفاشلة في التربية وفي سواها من الحياة العامة العربية.
فبيروت لا تزال عاصمة كبرى من عواصم نشر الكتاب العربي. هذا النشر الكثيف والراقي والمواكب التقنيات العصرية، يضاف الى مناخ الحريات المميز في لبنان (وهو من إنجازات اللبنانيين وليس من سلطتهم الرسمية!) ينعكس في النشر اللبناني ويزيده تألقاً. فالكتاب اللبناني هو من اهم الصناعات اللبنانية، يستند به اللبنانيون الى تراثهم العريق في هذا المجال: فهم كانوا أوّل من عرف الطباعة العربية ونشرها، وهم رائدون في الصحافة في القطاع الخاص، كما هو رواد المدارس الحديثة في العالم العربي، وفي بيروت أقدم جامعتين عالميّتين... وهذا ما يستحق التفاتة تقدير الى هذا القطاع الهام من انتاجنا، والى العاملين فيه. ومهرجاننا يقع ضمن هذا الجهد، اننا نروج للكتاب كما نروج للحوار الحر العقلاني والمسؤول بين المختلفين لانتاج ثقافة عربية حديثة رائدة.
واخيراً،
أتقدّم بالشكر والتقدير باسم زملائي في الحركة الثقافية – انطلياس من كل الذين حققوا انجاز هذا "المهرجان" الكبير الذي يحوّل مدينتنا انطلياس، على مدى أسبوعين، عاصمة فعلية للثقافة في لبنان، خاصاً الرهبانية الانطونية الكريمة بشخص رئيسها العالم قدس الاباتي داود الرعيدي، ولدير مار الياس– انطلياس رئيساً ورهباناً، ولمعالي وزير الثقافة الصديق المحامي الأستاذ ريمون عريجي، ولبلدية انطلياس النقاش وبلدية الجديدة – السد، وللقوى الأمنية لسهرها على امننا، ولدور النشر اصحاباً وموظفين، ولأهل الاعلام الذين ينشرون اخبارنا على المدى الأوسع، ولكل المشاركين المجهولين بالأسماء ولكن الحاضرين بأفعالهم ونتائجها.
عاشت الثقافة الحرّة، عاش لبنان حراً منيعاً مستقلاً.
د. أنطوان سيف
كلمة معالي وزير الثقافة المحامي الأستاذ ريمون عريجي
اصحابَ المعالي والسعادة والسيادة
رئيس واعضاء الحركةْ الثقافيةْ في انطلياس،
اهلَ الفكر،
السيدات السادة،
الحركةْ الثقافيةْ في انطلياس ومهرجانُها اللبناني للكتابْ، مأثرةٌ ثقافيةْ وفعلٌ معرفيٌّ حضاريّْ يتوالى بأيمان، للسنةِ الرابعة والثلاثين...
هذه التظاهرةْ، فخورون نحن بها، على المستوى الرسمي والشعبي... وهي سمةٌ من علاماتِ لبنانْ واستمرارِ دورِه النهضوي-الريادي، منذ مطبعةْ قنوبين وثورةِ الحرفِ والمعرفةْ حتى اليوم...
اغتنم المناسبة لأحيي الرهبانية الأنطونية ورعاة دير مار الياس لاحتضان هذه المناسبة الخلاقة.
كان الطموحُ ان يرعى هذا الحدثَ-الاحتفالْ، كما جرى العرفْ، رئيسُ الجمهوريةْ، لكن ظروفَ المحيطِ والداخلْ حالت، وللسنةِ الثانيةْ على التوالي، دونَ هذا التمني! أملُنا ان ينتهي هذا الشغورُ المدمّر بانتخابِ رئيسٍ للجمهوريةْ يعيدُ انتظامَ دورةِ الحياةِ الدستوريةْ والوطنيةْ وتصويبَ المسارِ الديمقراطي وتوازنِ المؤسساتْ...
ومع ذلك، وفي مساراتِ بناءِ الاوطانْ، نحنُ محكومونَبالإرادة والاملْ...
من فضائلِ المهرجانْ اللبنانيْ للكتاب انه يشكّلُ منصةً ثقافيةً– انسانيةْ– فكريةْ، يلتقي عليها الكتَّابُ والناشرون وجمهورُ القرَّاء لطامحينَ الى نعمةِ المعرفةْ، وهي مناسبةُ وفاءٍ لكبارٍ أعَطْوا الفكرَ والآداب والفنونَ في لبنان والعالم الغربي تكّرمهم - مشكورةً– الحركةْ الثقافية في انطلياس.
ان تسميةَ مهرجان هذه السنة دورةَ غريغوار حداد، وردةُ وفاءٍ لقامةٍ دينية – انسانيةْ تركتْ بصماتٍ جليلةً في حياتِنا اللبنانية.
غريغوار حداد البسيطْ، المتواضع، الثائر على الظلمِ والحرمانْ عبرَ مسارِ حياةْ، وتناغُمُه مع نهج الاب بيار (Abbé Pierre) في فرنسا وانضواؤه الى حركة ايمايوس (EMMAUS) الانسانية العالمية التي اسسها الاب بيار وانتشرت في العالم، ضد الفقر والتهميش...
تسميةُ دورة غريغوار حداد تضيفُ الى ثقافيةِ المناسبةْ بعداً انسانياً لوجهِ لبنان الذي نحبّ، ويدفع بنا الى التفكير بإبعاد أخرى . بأسفٍ شديد، نعيشُ زمناً يغلبَ فيه اللاغي للإنسان بمسوغات عقائدية سياسية وتكفيرية دينية وسواها.
وفي ظل العولمة، تلعب السياسات الاقتصادية المتلفتة والتي لا تعرف الرحمة، دوراً في افقار وحرمان واهدار حقوق الفرد وتهميشه ما يوسع هوّة الكراهية بين الناس ويدفع الى القوقعة بين اسوار التمييز والفرقة ... فتهتز المسلمات الانسانية.
السيدات السادة،
يبقى لنا بعض الرجاء بجمالات هذه العالم، من خلال مناراتِ المبدعين، كتَّاباً، وفنانينَ، تعالَوا عن الاوحالْ، ليرسموا لنا دروبَ رجاءٍ تليقُ بأنسانيتِنا وببهاءِ الحياةْ...
السيدات والسادة،
لقد لعبتْ الثقافةُ دوراً راجحاً في تكوينِ نسيجِ المجتمع اللبناني – عبر العصور – وتحوّلتْ مشروعاً حضارياً طمحَ كتابُنا النهضويون واللاحقون الى تحويلِهِ الى دورِ ورسالةِ لبنانْ في محيطِهِ والابعد... ولعلَّ كتاباتِ المفكر رينيه حَبَشِي كان لها تأثيرٌ في هذا المجال...
والمشروعُ الثقافي اللبناني، كنموذجٍ لمنطقةِ الشرقْ الاوسط من حيث المعرفةُ والثقافةُ والحوارُ وقَبولُ الاخر، هذا المشروع عبّرت عنه الاونيسكو – عملياً – يوم استُحدِثَ المركزُ الدَّولي لعلومِ الانسان في جبيل سنة 1970 بالتعاون مع الاونيسكو، عبرَ بيانٍ أممي اعتبرَ لبنانَ بوصفِهِ الجيو- ثقافي، جسرَ التقاءٍ ثلاثيِّ القاراتْ: آسيا، افريقيا، اوروبا، لحضاراتِ الشرق بالغرب في مدينةِ مهدِ الابجديةْ.
مع الاشارة الى أن هذا المركز لا يزال لغاية هذا التاريخ يمارس المهام المناطة بهبجدية مهنية وعمق انساني.
واذا كانتِ الثقافة، هي المصالحةْ الانسانيةْ، مع الذاتِ والآخر، ومع قَدَرِنا كمعطى من التاريخ في مساحات الجغرافيا، فالمشروعُ الثقافي يحتملُ مصالحةً جماعيةْ وبناءَ كياناتٍ تَليقُبالإنسان...
في العام 1982 كتب الرئيس السنغالي الاسبق ليوبولد Senghor Leopoldشاعر الزنوجةِ والفرنكوفونية:
"لن يستقيمَ نظامٌ اقتصاديُّ– دَوليْ، ما لم يَسبَقْهُ نظامٌ ثقافيْ عالميْ"... قد يكون في القولِ بعضُ طوباويةٍ جميلة... أَوَليسَتْ شرعةُ حقوق الانسان مثاليةً– طوباويةْ؟!!!
السيدات السادة،
يُسعدني، هذا المساء، أن نُدفئ عقولَنا بوهجِ الحرفْ وهَديِ المعرفةْ، خلاصُنا وخروجُنا من شرانقِ التقوقع الى رحابِ الانسانيةْ...
كلُّ التهنئةْ والتقدير للقيّمينَ على الحركةْ الثقافيةْ في انطلياس ولهذه الجهودِ الكبيرةْ المبذولْة منذ عقود في نشرِ الكتابْ واحتضانِ الكاتبْ.
اما الكتاب فسيبقى أيقونةَ المعرفةْ في عقولِنا...
عاش لبنان