ندوة حول كتاب "الشيعة الإمامية بين النصّ والتاريخ"، للدكتور وجيه قانصو
اقامت الحركة الثقافية –انطلياس ندوة حول كتاب "الشيعة الإمامية بين النص والتاريخ" للدكتور وجيه قانصو شارك فيها اضافة الى المؤلف الاب الدكتور جوزف بو رعد والدكتور جمال نعيم.
اعتبر قانصو في كلمته أن "مهمة الكتاب كانت إعادة ظاهرة التشيع إلى أصولها ومنطقة اشتغالها لكي تفصح عن خصوبتها، أي إعادتها إلى التاريخ الإسلامي وحتى الكوني واعتبارها جزءاً منه، لا أمراً طارئاً عليه أو سراًخاصاًاعتقدتهجماعةمنالمسلمين،وتناقلتهعبرأجيالهاالمتعاقبةبتقيةمتقنة".
وقال "التشيع ليس مجموعةمعتقداتظهرتدفعةواحدةمنذأولأمرها، وليس حقيقة منجزةملقاةعلينامنخارجالتاريخأومتعاليةعلىتحولاتهومتغيراته،وبمنأىعنمحدوديةأحداثهوعشوائيتها فوضويتهاوانتظامها،زيفهاوأصالته.
هو ظاهرةلمتتخذشكلاموحداًفيالتاريخ،ولمتحصلبفعلتآمرخارجي،ولابفعلعنايةإلهية مباشرة،بلظهرتمنرحمالواقع،واستعارتمنهمكوناتهاالاجتماعيةوالثقافيةوخطابهاوتضامناتها. إنها مشهدداخلينابعمنصميمالواقعالإسلامي،ويندرجضمنالتفاعلاتالتاريخيةالتيحصلتفيالمجال الإسلامي،بحيثلوحذفتوأقصيتأوإمحيت وقائعها،فإنأصلالذاكرةالاسلاميةيتعرضللتزييف والتشويهوالتلاعب
كان غرض الكتاب قراءة المذهب الإمامي الشيعي، لا لنتعالى به أو نتهمه، مثلما درج النقاش المتبادل بين الإمامية وخصومها، بل نتعامل معه بصفته منتجاً إسلامياً، ظهر ونما واستقر داخل سياق تفاعلي بين المكونات الإسلامية المتعددة، وفَرضَ وضعه السياسي اتخاذَ هيئة اجتماع وتكوين عقائدي خاصين يتمايز بهما عن التكوينات الإسلامية الأخرى، من دون أن يفارق الأرضية المشتركة الرافعة لكل المذاهب والتيارات. نحن أمام واقع إسلامي أنتج تنويعات متعددة كان التشيع أحداها، وليس أمام إطار مصطنع لمسارات متجاورة ومنفصلة عن بعضها".
واشار الى أن" التشيع حصيلة تفاعلات سياسية-دينية ممتدة في التاريخ، وظاهرة لم تأخذ شكلاً تضامنياً واحداً ولا بنية عقائدية ثابتة. فكان في جميع مراحل تكوينه الأولى مرآة للواقع السياسي والفكري السائد، الذي استعار منه مقولاتَه المتداولَةَ، السياسية والعقلية والعلمية، لصياغة خطابه وبناء رؤيته وتوليد حججه، فكان نتاج واقع محموم بصراع الخيارات المحتملة متخمٍ باصطفافات تداخلت فيها عناصر الثروة والعصبية القبيلة والوجدان الديني". مؤكدا أنه "حين يتحول التشيع إلى مذهب عقائدي صارم، فإنه لا يُحدث قطيعة مع غيره فحسب، بل قطيعة مع نفسه، مع تدفقاته التاريخية ولحظاته الإنسانية الكبرى". اضاف"لست بحاجة إلى أي اعتقاد حق أو باطل، خير أو شر، أو لائحة لعنات وإدانات لأدرك قيمة الحرية التي مارسها الحسين (الذي حصل في التاري لا علاقة بسوء النوايا بل تطور طبيعي لشبكة مصالح فرضت نفسها، بل إن أعداء الحسين حاجة لاكتمال عناصر المشهد الحسيني، فلولا هذا الوضع لظل الحسينية أمكاناً مفترضاً لا تاريخاً فعلياً متحققاً). فالحرية لا تتجلى في القوة والجاه والسلطة التي تمنحك القدرة على أن تفعل ما تريد، بل تتجلى حين تتقطع بك السبُلُ كُلُّها، وتلوذ بوسيلة حريتك الأخيرة، وهي أن تعدم وجودك لتهزم موت الذل، دافعاً الحريةَ بذلك إلى ذراها القصوى".
نعيم
تحدث د. نعيم قائلا" لا يعتقدنَّ أحدٌ أنّ الكتابَ موجَّه الى الشيعة فقط، وتحديدًا الى الشيعة الإماميّة، بل هو موجَّه الى الجميع، أعني الى جميع المذاهب الدينيّة، الاسلاميّة وغير الإسلاميّة، هو موجّه الى الانسان بما هو إنسانٌ عاقلٌ يطرح مشكلاتٍ فكريّةلها علاقة بالله والمعتقد والحقيقة والأنا والآخر، ويطرح هذه المشكلات بطبيعة العقل نفسه (...).
أرى أنَّ الكتابَ في غاية الأهميّة، وهو يُعالجُ مشكلاتٍ حاضرة، ليس لأنّ هذه المشكلاتما زالت راهنةً، ليس لأنّ التشيُّع ما زال حاضرًا، ما زال فاعلًا في مجتمعاتنا وحسب، بل لأنّ هذه المشكلات تعود الى الفكر بما هو كذلك.
ما ينطبق على المذهب الشيعي الاثني عشري ينطبق على غيره من المذاهب. فالكتاب، في رأيي، يبحث عن شروط إمكان مذهب الشيعة الإماميّة، أي ما الذي جعله ممكنًا؟ أي ما الشروط التي جعلت التشيُّع على ما هو عليه الآن؟
يضيف "بناءً على معالجة دز وجيه لبعض الأسئلة، يجد أنّ التشيُّعَ ليسطريقَ نجاةٍ أو ضلالٍ، خلاصٍ أو هلاكٍ، موضعَ تقريظٍ أو إدانةٍ، بل هو ظاهرة موضوعيّة كانت حصيلة تفاعلاتٍ وتحوّلاتٍ، اصطفافاتٍ وصراعاتٍ، مآسٍ وانتكاساتٍ، آلياتِ حكمٍ واستراتيجيّاتٍمعارضةٍ، تمثّلاتِ غيبٍ ورؤى وحيٍ، سباقَ مشروعيّة وطرق خلاصٍ، أفرزت جميعها أشكالًا تضامنيّة وعصبيّاتٍ اجتماعيّة وبنًى عقائديّةً وأُطرًا خلاصيّةً، تنوّعت بحسب التموضعاتِ السياسيّة والتراتبيّات الاجتماعيّة، وفرضت توزيعًا خاصًّا للموارد وتبايُنًا في المواقع وتنوُّعًافي الأدوار، وتعدُّديّةً متنافسةً بشدَّةٍ حول مسائل الحق والضلال، الهداية والغواية، الحقيقي والزائف". هذا يعني أنَّ التشيُّع لم ينشأ بفعلِ تآمرٍ خارجيٍّ كما يدّعي خصومُه، ولا بفعل عنايةٍ الهيّةٍ مباشرة كما يدّعي أصحابه.لذا، قلنا إنّ عمل الدكتور وجيه هو عمل فيلسوفٍ وليس عملَمؤرِّخٍ، وإن كان البحثُ تاريخيًّا". ويتوقف شارحا ومستعرضا مراحل التشيّع ، في نظر الدكتور وجيه، وهي ثلاث مراحل:مرحلة التشيُّعِ السياسيّ،مرحلة بناء الجماعة أو الفرقة الشيعيّة ومرحلة تأسيس المذهب الإثني عشري".
كما توقف نعيم عند "منهجيَّة الدكتور وجيه قانصو في قراءة الظاهرة الشيعيّة" و"الاليّاتٍ الجديدة في فهم الوثيقة التّاريخيّة مميِّزًا بين زمنيْن: زمن مضمون الرواية وزمن الرّاوي".