تكريمالبروفسور داني عازار
ندوة داني عازار
كلمة الدكتور انطوان ضومط
في اطار المهرجان اللبناني للكتاب تخصص الحركة الثقافية انطلياس هذه الندوة بعنوان يوم البروفسور داني عازار.
ان قراءة سير المثقفين مفيدة ولا شك، انما بعضها يدفعنا لإعادة قراءتها تكرارا، لما فيها من محطات تسترعي الانتباه ان من حيث الجهد الهائل الذي بذله اصحابها في تخطي المصاعب على اختلاف انواعها، وللأناة والثبات في مسار الرحلة البحثية المعرفية. حتى باتت مؤلفاتهم من كتب وابحاث معينا ثقافيا ترفدنا معرفة ونضجا فكريا. وكلما اعدنا قراءتها ازددنا ثقافة. قد يتساءل المرء عن الاسرار والدوافع التي حدت باصحابها الى تحمل المشقات الكثيرة والعناء شبه الدائم ليتحفونا بما انتجوه. قد لا نجد في خبايا ذاكرتنا المعرفية ما يجيب بدقة على هذه التساؤلات سوى انها رسالة المتفوقين.
اذا، انها قصة التفوق، بل انها عصارة المثابرة والسعي الدؤوب لتحقيق مبتغى سام. واتساءل مع كثيرين: ما هو السعي الدؤوب، أهو درب ما قبل التفوق؟ ام ملازم له؟ وهل هو مسار حتمي يؤسس للعبقرية؟ واذا كانت العبقرية هبة من الله فهل هي وحدها كافية لإنجاز ما صعبت مسالكه من دون عبور الدرب الوعر؟ انه سؤال مركزي قد لا يستطيع الاجابة الدقيقة عليه الا من عايش متفوقا عن كثب، او من سلك هذا السبيل بوعورة دروبه، ومشقات اخاديده الفكرية. فالهبة وحدها تظل ابدا في دوامة الرتابة، تئن من سوء الاستخدام، تنكفئ على ذاتها ناحبة نادبة الموهوب الذي لم يكرمها، ولم يفعّلها، ولم يطلقها من عقالها في اي مجال ابداعي. اما المتفوق فيجهد لتفعيل ما حباه الله، متسلحا بارادة صلبة معطوفة على رغبة جامحة لسلوك الدروب الاشد صعوبة، المتكئة على نهم للمعرفة لا حدود له. ونطاق المعرفة لا غور له، فكلما نهل منه الباحث يزداد شغفه وجوعه الى المزيد منه على لذة مذاق الثقافة ومرارة تكوينها. وكلما اصبح الباحث سيدا في مجاله يستطيع تطويع الادوات المعرفية ليسخدمها بسلاسلة.
ايها الحضور الكريم، ان سلوك دروب البحث العلمي تكثر فيه العثرات والاشواك الجسدية والفكرية والمادية. فالتقميش لاستلال المعلومات من امهات المصادر والمراجع، عملية مضنية منهكة. اذ يسجن الباحث نفسه في المكتبات العلمية العامة او في منزله، متماهيا مع المصادر متبحرا فيها سابرا اغوارها، وقد تمر ساعات او ايام، وقد يقرأ مصدرا باكمله من دون الحصول على ما يبتغي.
فاذا كانت هذه هي الحال في المطلق فكيف سيكون وضع الباحث في علوم الحياة، شأن البروفيسور داني عازار من نكرمه اليوم في هذا الصرح الثقافي؟ لقد اختار الطبيعة مجالا لابحاثه يتبحّر في صخورها مفتشا، و يعترك اثلامها باحثا، ويتمعن بحصى الشواطئ على تنوعها متيقظا، وفي مختلف الظروف المناخية من برد قارس، وحر لافح وشمس محرقة وما الى ذلك... وقد تمر اسابيع وربما أكثر من دون ان يحظى بما يريد تقمشه. وتزداد هذه المشقات صعوبة في ظل ظروف امنية غير سوية، ووضع مادي ليس مريحا وما الى ذلك من عقبات قد تستجد...
وهذا شأن داني عازار الذي تخرّج من الجامعة اللبنانية كلية العلوم الفرع الثاني، خريج الجامعة الوطنية، جامعة من لا سند مالي لهم، هي التي تدين لها بالشكر كوكبة من النخب في مختلف الميادين، في لبنان وفي العالم، وبعضهم يشرفنا حضورهم معنا في هذه الندوة. وقد ظل البروفيسور داني عازار وفيا لها، اذ بعد نيله الدكتوراه بدرجة امتياز من فرنسا، وعلى رغم كل المغريات التي قدمت له في الجامعات في الخارج، عاد استاذا محاضرا اليها متدرجا في الرتب الاكديمية وهو الآن يتبوأ اعلاها. هذه الجامعة التي نحب لأنها اعطتنا الكثير نحن خريجيها، ممن عدنا اوفياء الى صروحها، فاحتضنتنا اساتذة محاضرين. ونحن اليوم بتنا نخشى عليها بل نخاف على صيرورتها على المستويين الاكديمي والاداري على الاقل.
ايها الحضور الكريم ان البروفيسور داني عازار هو احد القمم العلمية في كلية العلوم، ليس كاستاذ محاضر فحسب، انما كمشرف على العديد من الاطروحات التي تتطلب الكثير من العناية والرعاية العلمية عن كثب. وبالابحاث العديدة الرصينة التي قل نظيرها، التي اتحف بها علوم الحياة. ولست بوارد الحديث عليها، فهي من شأن الدكتور ريمون جاز الذي سيقدمه بعد قليل، ولست اغالي ان قلت ان داني عازار مبدع من بلادي نفخر به وبانجازاته الجمة وهو بعد لم يجاوز العقد الرابع من العمر، لذلك نحن نتوقع الكثير من ابداعاته.
ايها المثقفون، ان تكريم مبدع شأن البروفيسور داني عازار انما هي صلاة نرفعها على مذبح الحضارة، ونتماها معه سيرة ذاتية تتوجها هامة ثقافية فذة. وما التكريم الا فعل ايمان بالثقافة ودورها الريادي في محاكاة شعور الناس بل باذكائه، هو خشوع للمعرفة واهلها واجلال للفكر. هو تعبير عن ذواتنا في ذاتية المثقف، وتكريم لانسانيتنا في عالم بدأ يفقد معاني الانسانية لصالح المادية، انه حضور العقل في عالم الفكر يحفّزنا ابدا للكد والجد.
___________________________________________
Professeur HDR Dany AZAR
Panégyrique
Résumé de la présentation
Je veux parler ici en faveur du Professeur HDR Dany AZAR, que j’ai bien connu tout au long de sa formation universitaire dans le cadre académique du Département des Sciences de la Vie et de la Terre, principalement à la Faculté des Sciences de Fanar, Université Libanaise. Nous partageons depuis des dizaines d’années une passion commune pour la Paléontologie.
Dany a eu une formation traditionnelle en Histoire Naturelle, apprenant par la taxonomie et les classifications ce que sont une plante, un animal, une roche, un fossile. Cela lui a développé un esprit critique et cohérent dans une approche scientifique, et l’a préparé aux plus hautes fonctions académiques, et à la recherche universitaire.
Dany est avant tout un homme de terrain, en Géologie, mais aussi curieux et averti dans de nombreux autres domaines des sciences de la nature, mais aussi en histoire, archéologie, littérature de son pays… Nous avons longtemps formé une équipe sur le terrain, explorant les différentes régions du Liban principalement pour les couches de l’ère mésozoïque, ou secondaires, qui forment l’essentiel des affleurements de moyenne et haute montagne au Liban. Le terrain, et les recherches géologiques associées, reste une de ses priorités, malgré toutes les autres charges académiques et administratives qu’il a.
Dany, dès qu’il a été jeune Docteur en Sciences, sur le sujet des Insectes Fossiles du Crétacé Inférieur de l’ambre fossile du Liban, s’est engagé dans des recherches d’excellence avec ses anciens patrons des universités et centres de recherche français au travers de programmes prestigieux comme CNRS-Liban et CNRS-France, et CEDRE entre institutions Françaises et Libanaises (avec comités de Jury scientifiques). Et avec l’Université Libanaise. Organisant et participant aussi à des congrès internationaux, dont certains au Liban.
Dany, ce n’est pas mon objet de faire la nomenclature de ses si nombreuses publications scientifiques, mais je veux mentionner qu’elles sont d’excellence (avec comité de lecture). Il est aussi dans le comité de lecture de nombreuses publications scientifiques étrangères.
Dany, devenu Professeur HDR (habilité à la direction de recherche), a formé à son tour de nombreux doctorants avec des spécialistes étrangers, et en forme encore de nouveaux, dans ses domaines de spécialité en Géologie et Entomologie. Ses étudiants, il veut leur faire partager sa passion pour la Géologie-Paléontologie par des excursions géologiques sur les principaux sites fossilifères du Liban. Au travers d’expositions temporaires (journées de la science de l’hippodrome) et de journées portes ouvertes au Muséum d’Histoire Naturelle de Fanar notamment, il s’adresse également aux jeunes générations dans des activités d’éveil aux sciences naturelles pour leur faire connaître les richesses naturelles de leur beau pays, le Liban.
Dr Raymond GEZE, Mars 2017
__________________________________________________________
كلمة البروفسور داني عازار
رئيس و أعضاء الحركة الثقافيّة - انطلياس، الزملاء الكرام، طلّابي الاعزاء، السيدات و السادة، أحبائي
لا يسعني التعبير عن مدى امتناني لوجودكم جميعًا حولي الآن، و يشرّفني أن أكون هنا الليلة و أكرّم بين أهلي و أحبابي و في وطني. لقد كان لي شرف تكريمي مرّات عدة على عطاءاتي العلمية و في بلدان عديدة كفرنسا، و بولندا، و روسيا، و المانيا، و البرازيل و حتى الصين حيث عينت عضو شرف في الأكاديميّة العلمية الصينية...
و لكن التكريم في الوطن، له دوما نكهة مختلفة، مصحوبة بدفء في القلب، و خصوصا بطمأنينة.
ففي الصين مثلا بلّغت في الليلة اللتي سبقت تكريمي أنّه عليّ مقابلة رئيس المعهد الجيولوجي و الباليونتولوجي في الأكاديميّة العلمية الصينية في اليوم الذي يلي، و لم أكن أعرف لماذا أو أي شيئ عن التكريم... و في اليوم التالي كانت المفاجأة: فوصلت و رأيت منصة و أشخاصا، و بدأ أحدهم بالكلام (بالصيني طبعا) و أنا "كالأطرش في الزفّة" أتلفت يمينا و يسارا و أقول في نفسي ماذا عساي أفعل ههنا، و اذ فجأة سمعت اسمي ، فدهشت و ارتعشت و دارت عيناي في كلّ الاتجاهات مسبوعا و كأني فقت من سبات عميق مذهولا و لا أدري ما علي فعله، أنظر لمن لفظ اسمي و لم أكن أدري أنه علي التقدم نحوه، حتى أتى أحدهم نحوي و مسّ كتفي بيمناه و أشار لي باليد الثانية... عندها فهمت. كذلك حصل معي في بولندا، غير أنه لم يتم ابلاغي بأي شيء مسبقا...
اليوم، تكرّمني الحركة الثقافيّة – انطلياس كعلم من أعلام الثقافة في لبنان و العالم العربي. و هذا شرف عظيم لي. أنتهز كلمتي لأشكر رئيس و أعضاء الحركة الثقافيّة - انطلياس على لفتتهم الكريمة تجاهي، كما أشكر كل من ساهم لهذه المناسبة، أشكر البروفسور عصام خليفة الذي اتت مهاتفته لأبلاغي بالتكريم كجرعة ماء عذبة تنعش قلب ا لظميء، أشكر معلمي و أبي العلمي الدكتور ريمون جيز على تقديمي في هذه الامسية، فهو من ساهم بشكل كبير لايصالي لما أنا به اليوم من مكانة علمية عالميّة. أشكر استاذي الدكتور جورج قزّي و أخي المهندس دوري عازار و رفيقة دربي الدكتورة سيبال مقصود لشهاداتهم عني. أشكركم جميعا لوجودكم حولي في لحظة فرحي فيتضاعف هذا الفرح بوجودكم.
أشكر اخواني دوري و سليم لتحملهم لسنوات الضوء في الليالي و الضجة التي كنت أقوم بها غالبا في معظم الليالي، اذ أني لا أنام الأّ لساعات قلياة جدا، وأنا كثير الحركة و لا أستطيع أن أمكث في أي مكان بهدوء لأكثر من عشر دقائق.
و أخيرا و ليس اخرا أشكر والدي لطف الله على كل شيء، على تضحيته، على تفانيه و على كل قطرة عرق طاهرة زرفها لأيصالي و أخواي لما نحن عليه.
اهدي هذا التكريم لروح أمي جاكلين الطاهرة، فهي من سهر ليال على صحتي و علمي، و هي من صنعت من اخواني و مني رجالا لا بل رجالات.
هذا التكريم لن يكون لي الا حافزا لمزيد من العطاء و المثابرة في خدمة العلم و المعرفة، و رفعة لاسم و طني و الجامعة اللبنانية، مؤسستي، الى العلى، الى العلى.
شكرا مرة جديدة للحركة الثقافية – أنطلياس، شكرا للأحبة لحضوركم.