مناقشة كتاب "أطلس لبنان" للدكتور علي فاعور
14 آذار 2008
كلمة د. سليم ديب
أيها الحفل الكريم،
أبدأ كلمتي بتوجيه الشكر والامتنان إلى الحركة الثقافية في انطلياس التي تشغل القلب النابض للحياة الثقافية في لبنان. إنها الملاذ المشرق للكتّاب والباحثين حيث يجدون التشجيع والتقدير دون حساب وتسمح لهم بالتعبير عن آرائهم بحرية مطلقة وإطلاق الحقائق العلمية دون لبس او ريبة في مضمونها.
اعتدنا تقليب صفحات كثيرة في أطالس لبنانية عدة، نجدها تعتمد نفس السياق وذات المواضيع والخرائط الجغرافية ويكمن الفرق بينها بإبراز البراعة في رسم الخرائط والألوان والاهتمام بالمظهر الخارجي للطباعة والتجليد.
أما الأطلس الذي نناقشه اليوم يطرح أمامنا إشكالية متغيرة في مضمونه وقيمته العلمية انه خلاصة تجارب علمية وتربوية وبحثية لأستاذ خاض غمار التعليم والتأليف لعقود أربعة ولأستاذ عرف مكامن النقص في الإنتاج الفكري واختبر شوق الطلاب والباحثين للغوص في اكتشاف المعرفة وإبراز الحقائق بمختلف وجوهها.
إننا نناقش انتاجاً فكرياً لأستاذ جامعي اكتسب محبة طلابه واحترامهم ولعميد استحق شهادة تقدير لقاء تأسيسه صرحاً جامعياً وعمل على نهضته حتى أصبح منارة ومثلاً يحتذى به وركيزة أساسية في انطلاقة القطاع السياحي في لبنان.
إننا نناقش انتاجاً لأستاذ عمل خبيراً ومستشاراً لهيئات دولية عدة وكان مؤثراً في مضمار عمله في المجال الإنمائي والنمو الديمغرافي.
اننا نناقش كتاباً لأستاذ يصعب علينا اللحاق به في المؤسسات الاجتماعية الحكومية والدولية وفي المؤتمرات العالمية، انه أستاذ خبر الحياة العلمية والإنتاج الفكري الغزير من كتب وأطالس ومنشورات بحثية في مجالات متخصصة وأستاذ أشرف على أطروحات متعددة إنضوت تحت لواء الجامعة اللبنانية.
وإذا حاولنا مناقشة هذا الأطلس نشعر برهبة لحظة معرفتنا بتجارب الأستاذ على فاعور وإدراكنا لمقدرته العلمية وحسه الناقد، وبراعته في إبراز الحقائق العلمية.
اننا نقلب الصفحات لمناقشة الأطلس، فاذابنا نغوص في المواضيع المتعددة التي تتطرق اليها لا لننقدها بل لتفعل المعرفة، ونجد أنفسنا في موضع حرج امام خرائط عدة فتندفع لتقارن ونستنتج ونستخلص الحقائق العلمية الواضحة.
لم يكتف الأستاذ علي فاعور بإتقان رسم الخرائط الجغرافية ولكنه اتبعها بنصوص توضيحية عديدة هدف من ورائها شرح ما التبس على القارئ من جهة، وتزويده بالمعلومات الصائبة والضرورية من جهة أخرى. إضافة الى ذلك الحق كل موضوع بصور مأخوذة من الطبيعة اللبنانية بهدف إحساسنا بالمظهر الجغرافي الذي عبرت الخرائط عن تحقيقه. اما الجديد في هذا الأطلس هو براعة المؤلف في إظهار الواقع المعيشي اللبناني والاقتصادي من خلال الخرائط الموضوعاتية والتحليلية والبيانات الإحصائية المتنوعة التي تساعد القارئ على إدراك النتائج بأوجهها المختلفة.
والشيء الملفت والفريد في هذا الأطلس هو تخصيص مساحة واسعة لدراسة الناحية السكانية في لبنان بمواضيعها المختلفة من النزوح الى الهجرة الى التنمية البشرية والاجتماعية والى دراسة البنية السكانية بمختلف نواحيها وفي مختلف المناطق اللبنانية. وفي هذا المضمار استرسل المؤلف في عرض الخرائط والبيانات الإحصائية وكتابة النصوص بهدف الإنارة على هذا الموضوع الحيوي الذي يطال الحياة البشرية اللبنانية بمختلف وجوهها، ويرشد المسؤولين الى استشراف انطلاقة التنمية في لبنان اننا نعجز عن الإحاطة بمختلف المواضيع التي تناولها الأستاذ على فاعور في أطلس لبنان في وقت محدود، بل يتطلب ساعات لنستطيع إعطاء الأطلس حقه.
والآن نعطي الكلمة الى صديقنا الدكتور انطوان غصين الذي كان له تجارب عديدة في مضمار التأليف والإنتاج والذي تربطني به صداقة قديمة منذ مقاعد الدراسة في الجامعة اللبنانية، وكان المرشد لي في أطروحتي الجامعية وهو الذي اختبر الحياة السياسية والبشرية والتنموية اللبنانية من خلال عمله كمستشار في القصر الجمهوري وأبحاثه العلمية في هذا المجال.
كلمة د. طوني الغصين
أطلس لبنان
صدر للدكتور علي فاعور، عن دار المؤسسة الجغرافية، أطلس جديد عن لبنان، يضمّ مجموعة من الخرائط والمعطيات الإحصائية، وهو يطرح اشكاليتين أساسيتين:
الاشكالية الأولى، هي المتعلقة بإدراك المؤلف لبنى وديناميّات تعامل المجتمعات مع المجالات الجغرافية التي تعيش فيها وتنظّمها، وذلك من حيث تحديد المتغيرات والعوامل المجالية والمكانية. وقد استطاع الدكتور فاعور في هذا الأطلس أن يتناول المتغيرات التي تحدّد الشخصية الجغرافية للبنان والصور التي ترسمها هذه الشخصية على الأرض بطريقة شاملة وموضوعية.
الاشكالية الثانية التي يطرحها الأطلس هي اشكالية تنفيذية مرتبطة بالتعبير عن التعامل المجتمعي المجالي بطريقة الخرائط التي هي لغة خاصة لها أدواتها وحروفها وكلماتها وجملها الخاصة، ولقد أتقن الدكتور فاعور عمله، نتيجة خبرته الواسعة، بحيث تعدّدت مقاربته وتنوّعت وتجمّلت لكي تصل الى القرّاء على تنوّعهم.
وهكذا يلبّي أطلس الدكتور فاعور متطلبات الأطلس الجيّد الإعداد والتوجيه المعبّر عن شخصية المجتمع اللبناني وديناميّته في الزمان والمكان.
لقد اعتمد الباحث على الخريطة والنصّ والصورة معاً، وهذا ما ساعده على أن يحيط بقدر كافٍ من الشمولية والدقة بالمواضيع المطروحة والمتعدّدة، بحيث يتمكّن القارئ من إدراك الموضوع وقراءة الخريطة ثم تحديد مواقع الظواهر والأمكنة، ليصل الى وصفها وتفسيرها والإحاطة ببنيَتها وديناميّتها بسهولة فائقة.
إعتمد الباحث أيضاً الشموليّة في مقاربة المواضيع، فجغرافية لبنان الطبيعية ضمّّت عدة أقسام: جيولوجية جيومورفولوجية، تربة، نبات، مياه، مناخ ..الخ ... كما ضمّ كل قسم عدداً كافياً من الخرائط التفصيلية ليُظهر التنوّع ويغطي ما أمكن من تفاصيل الظواهر المدروسة. المقاربة نفسها تمّت في جغرافية لبنان البشرية بحيث لا يسعنا تكرار المواضيع المدروسة وأقسامها. يكفي أن نشير الى موضوع السكان والهجرة والذي ضمّ نحو 53 خريطة، و23 رسماً بيانياً و21 جدولاً، مغطياً مختلف موضوعات النموّ السكاني والولادات والوفيات وتوزيع السكان وكثافتهم وخصائصهم وتحولاتهم الديموغرافية، والتباين المناطقي بالنسبة لعدد من مؤشرات التنمية البشرية والمساكن والوضع السكني، وجغرافية الطوائف اللبنانية، والنزوح إلى بيروت، والهجرة إلى العالم مع تفصيل مهمّ للمناطق المستقبلة..
كذلك، تم اعتماد القضاء كوحدة بيان للمعلومات والمعطيات الاحصائية، وهذا الأمر مهم جداً لأن الاكتفاء بالمحافظة يعطي المعطيات مسحة عامة تلغي التفاصيل والتباينات المناطقية والمجتمعية وتلغي بالتالي الى حد كبير الفائدة من الخريطة نفسها. وقد نجح الأطلس في التركيز على التفاوت والتباينات بين المناطق والفئات الاجتماعية.
والبارز أيضاً أن الدكتور فاعور قد أخذ عنصر الزمن بالاعتبار، ذلك أن تطور الظواهر الجغرافية خلال الزمن هو أساسي في فهمها وفهم توجّهها المستقبلي بحيث يمكن بناء التوقعات بشأنها، ليصبح من الممكن لكل باحث متابعة الخطّ الزمني لظواهر عدّة في أطلس الدكتور فاعور، مثل التزايد السكاني، وبنية السكان العمريّة، وحركة المسافرين، والتجارة الخارجية والميزان التجاري، والهجرة والنزوح..
إن حسن اختيار الألوان والرموز وحسن بناء الخرائط جعل من كل خريطة متعة للنظر مع عدم التضحية بأي مضمون من جهة، وعدم تحميل الخريطة بمعطيات أكثر ممّا يلزم لدراسة الظاهرة من جهة ثانية.
تبقى الاشارة أخيراً الى أن "أطلس لبنان" للدكتور فاعور سيقدم فائدة كبيرة للطلاّب في مختلف المراحل الدراسيّة بسبب تغطيته للمنهاج التعليمي، وبخاصة بالنسبة لطلاب الجامعات، ولمختلف الباحثين بسبب شموليته واحاطته بالكثير من الظواهر الجغرافية، والدقة المتبعة في الحصول على المعطيات وعرضها وتمثيلها في الخرائط..