أقامت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة حول كتاب "سمير فرنجية" Voyage au bout de la violence الذي ترجمه "علي حسين شمس الدين" إلى اللّغة العربية بعنوان "رحلة إلى أقاصي العنف"، منشوراتL’Orient des livres . شارك فيها الدكتور "أحمد بيضون" والدكتور عقل العويط والدكتور جبور الدويهي وأدارها الدكتور "فارس ساسين".
رحّب الدكتور "فارس ساسين" بالمشاركين في هذه الندوة حول كتاب "سمير فرنجية" وذكر أنّ الكتاب شيّق ومترابط ومتماسك ومسبوك. من خلاله يقوم الأستاذ "سمير فرنجية" بفينومينولوجيا الروح (علم الظهورية أوالتمظهر أوالتجليات أوعلم الظهور)، كما "هيغل"، فهو يسبر غور التجربة التاريخية ويستخلص منها العبر، ويعتبر أنّ المرء عليه أن يتخطّى ظاهرة العنف. ولئنّ صاغ الأستاذ "فرنجية" فكرة جديدة وفسحة لبدائل حرّة، فهو لم يطرح نفسه على أنّه البديل، بل سعى إلى فكرة وتيار ومؤسسات بديلة ما رسّخ صداقاته الواسعة.
وأعطى الكلام للدكتور "جبور الدويهي" الذي قال إنّ كتاب "رحلة إلى أقاصي العنف" محصّلة، فيه من السيرة الذاتية القليل الذي يفلت من خفر وتواضع صاحبه، والكثير من مسيرة بلد يعتقد "سمير" بعد والده بأنه مؤتمن على صيرورته، ما يجعله أقرب إلى صورة حارس الهيكل اللبنانيّ. فهو يتمتّع بوعي سياسي أخلاقي تجلّى عنده بعد أول حرب مسيحيّة- مسيحيّة إثر مجزرة "إهدن" العام 1978، فقد رسمت هذه المجابهة بداية حلقة من العنف المتوالد التي يكرّس لها النصف الأول من كتابه "النزول إلى جهنم". وهو يغنيه بمقاربة للسلوك النفسي الجماعي والعنف من خلال ظاهرة التماثل العزيزة على قلب "رينه جيرار" مع قراءة فريدة للتجربة الشهابية التي عملت على ردم هوّة التفاوت بين الفئات والمناطق، فجاءت نتيجة ذلك غير متوقّعة. أمّا النصف الثاني فهو بعنوان "العيش معًا". ويعرض فيه الصيغة الوحيدة الممكنة والقابلة للحياة في التركيبة اللبنانية ألا وهي دولة قاتون عمومي تسوس اللبنانيين بصفتهم مواطنين متساوين. فالصيغ الأخرى تؤدّي إلى العنف والتقوقع لا محال. وهذه ليست فكرة ما عن لبنان، كما قال الجنرال "ديغول"، بل "فكرة لبنان" الممكن المتصالح الوحيدة.
وترك بعد ذلك الكلام للدكتور "أحمد بيضون" الذي رأى أنّ كتاب الأستاذ "سمير فرنجية" يغري القارئ باعتبار هوية الكاتب وموقعه محصّلة مسار، مسار يتجلى في محطات هذا الكتاب الأخيرة. واعتبر أنّ السياسيّ يبقى الرجل نفسه في الكتاب فلا يغيّر مواقفه، بل يستعيد تجربة تعمّقت مع مرور الزمن. ووافق الدكتور "بيضون" طرح "فرنجية" على أنّ التواصل أو "حوار الحياة" وفقًا لدعاة الحوار بين الأديان، هو نقيض العنف. إلا أنّه يتحفّظ عن تفاؤله بمحصّلة هذا التواصل بعد الخروج من الحرب. فصحيح أنّنا استعدنا أمورًا كثيرة، إلا أنّ الصورة الغالبة أيّ فرز في السكن والتعليم وفي الانتظام السياسي، لا تزال هي هي. وأشار الدكتور "بيضون" إلى أنّه لا يوافق "سمير فرنجية" تشخيصه لما كانت عليه تظاهرة 14 آذار إلا أنّه لم يفصّل الموضوع لأنّه عبّر عنه في مناسبات أخرى، وكان إمكانات إقناعه الآخرين بموقفه هذا ضعيفة جدًا.
أمّا الدكتور "عقل العويط" فقد "هجا" سمير فرنجية،كما قال. هجاه لأنّه لا ينتمي إلى هذا السرب الشائع من السياسيين اللبنانيين، واعتبره كاتبًا فاشلاً وسياسيًا فاشلاً لأنّ كتابه لا يستقطب الذوق القطيعي، ولأنّه يتحلّى بالثقافة والقيم. فلو كان كسائر السياسيين لتمتّع بالجاه والسلطة والمال والرئاسة إلى الأبد، إلا أنّه منبوذ تقريبًا من هذا السرب. وقصد من "هجائه" هذا مديحًا لأنّ الأستاذ "سمير" لا يرضخ للضغوطات السياسيّة، ويأبى أن يلتحق بالسرب الديني والطائفي والسياسي والمناطقي آملاَ بأن تتحقّق الحرية بفعل الثقافة.
وختامًا شكر الأستاذ "سمير فرنجية" "الحركة الثقافية-أنطلياس" على استضافتها هذه الندوة وأشاد بكونها منبرًا حرًا استطاع خلال الحروب العبثية أن يكون مكان لقاء حوار بين كلّ اللبانيين. وشكر أيضًا المشاركين والحضور. وذكر أنّ هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية، لأنّ جيلاً من السياسيين شارك في صياغته، جيل تأخر حتى يكتشف أنّ العنف واحد وإن تنوعّت أسبابه. وشدّد على أنّ الرحلة إلى أقاصي العنف لم تنته لأننا لا نزال نعيش في ظلّ التهديد بحروب جديدة وفي خوف دائم من بعضنا بعضًا، ولن تنتهي إلا إذا اخترنا السلام عوضًا عن العنف. وأمل أن تكون هذه الرحلة حافزًا لرحلة إلى أقاصي السلام في زمن الربيع العربي.