نظّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة حول كتاب الدكتورة "نجاة الصليبي الطويل" : "دوي السراب"، شارك فيها الدكتورة "كارمن بستاني" والدكتور "جورج طراد" والأستاذ "ميشال معيكي" وأدارها الدكتور "أنطوان سيف".
استهلّ الدكتور "أنطوان سيف" كلمته قائلاً إنّ الشاعرة تؤرجح سيرتها وتتأرجح على ايقاع عبارة كلمات ومرادفاتها المعنوية والصوتيّة، فالتسميات والمسافات والتمتمات واللغات والأصوات والابتسامات والنغمات واللحظات ...كأنّها قواف مفتوحة على آه...كأنّها صدى لاسمها الشخصي "نجاة" تسمعه آتيًا من أزمنة مطويّة أو من رغبة خنقت قبل أوانها، فتتماهى بلغتها وتخرق الأزمنة على حصان الكلمات. وذكر أنّ اللغة تكسر صمت العقل لتجعل للعقل والفكر وجودا صامتا إنما ضاجاً بالكلمات، بصوت الكلمات ووقعها كصوت أوليّ ، جوهريّ الإيقاع والمعنى. وذكر أنّ إنجاز الشاعرة الأكبر، خلف أسس كلماتها المخبوءة التي كسر قمقمها هذا الكتاب، يبقى أنّها لمن عايشوها وزاملوها ورافقوها، ومن غير مواعيد في دروب الحياة، أنّها من أمهر صنّاع المسرّات، عندما تقرأ ذاتها في مرآة الآخرين، في مرآة الأقربين، على الرغم من همجية أعداد السنين وأوهام صدى سرابها.
وقالت الدكتورة "كارمن البستاني" (بنصّ باللغة الفرنسيّة) أنّها تأثرت بالدلالات الأنثوية في هذه القصيدة الحرّة الممتازة بانسياب الشاعرة. وهي تلجأ إلى صيغ غير مباشرة، وعبارات ملطّفة وتعابير عاطفيّة، وتثور على الرجولة المهيمنة التي تستشفها بشكل خاص في سلوك الحبيب. ورأت د. كارمن أن القصيدة الأولى تعكس أسلوب الديوان برمّته. فتنساب الأبيات الحرة، التي تقتصر أحيانًا على كلمة واحدة، مثل حبات لؤلؤ تربطها صور رمزيّة متجاورة ولكن مختلفة متّصلة ببعضها بعلاقة خفيّة. وتتكرّر في القصيدة مواضيع الفراق والخيانة والألم والحرب كمتوازيات تظهر في إيقاع القصيدة وبنيتها وحقلها المعجمي. وتلجأ الشاعرة أحيانًا إلى لغة بسيطة، مقتضبة، تستخدم الكلمات المحكيّة تُلبسها ثوب القصيدة، فتعيدها مرارًا وتكرارًا، وأحيانًا أخرى تعتمد على الصمت والفراغ أو تصدم بمتجاورات مثل "شلل الأحلام" أو "صحراء المنفى"...وتأمل الشاعرة ان تلمس وجه المحبوب الغائب في الديوان، حتى تشعر بارتجاف جفنيه وتعانق كتفيه. وأمام هذه الواقع تستحيل القصيدة جسدًا لغويًا. وفي القصائد كافة، نلاحظ وحدات صغيرة، مقتضبة يعكسها التكرار الصوتي المشحون بالمعاني، فتتحدث عن المدينة أو الغياب أو الغضب....مستخدمة تكرار المقاطع الصوتية والأصوات والكلمات. وخلصت د.كارمن أنّ الشاعرة تجرّ القارئ إلى متاهتها، حيث تسود كلمات تبني عالمها وتاريخها والحقبة التي عاشت فيها مع كلّ ظلمتها وإشراقها. ويبدو أنّ الطفولة عزيزة على قلبها، فتدخل في لعبة فارق الزمن بين الأشخاص والأشياء، فتتكرر الأحداث وتتشابه مولّدة تناقضات بحد ذاتها بين الوجود وعدمه. فتكشف نفسها بكلّ طوعية أمام القارئ وتعلن جهارًا حبها للمحبوب.
وسجّل الدكتور "جورج طراد" إعجابه بالكتاب وبأسلوب الشاعرة التي تتوغّل أكثر في ديوانها في طريق الشعرية معتمدة أسلوبية خاصة بها تقوم على اختبار دائم للغتها الشعرية وكأنها تتفحصها باستمرار لتتأكد من جهوزيتها وقدرتها على أن تحمل الدلالات من دون أن تنوء تحت ثقلها المكتنز، هكذا يبقى التجريب تعبيرًا وأدوات، وفضاءً رحبًا تجول فيه لتتألق مخضعة قصيدتها لإعادة نظر لجهة الرؤيا والبناء. تقارب الدكتورة "نجاة" موضوعات تأملية تلامس في بعض التجليات ما يمكن اعتباره وجودية. فالأنا تقابل الآخر الذي لا قد يكون الجحيم في كل المرات ، لكنّه يحرّض على العذاب والخيبة.وتعبر الشاعرة هنا عن تجربة ذاتية أو تجارب متقاطعة، لكن لا تتطرق إليها مباشرة، بل من خلال تلميح وترميز. ويظهر في ديوانها الحنين إلى الماضي، حنين يكون أحيانًا موجعًا. تتمتع الشاعرة بالقدرة على القول أبعد مما يقوله ظاهر الكلمات، لم تأت مثلاً على ذكر الدمعة أو العين انّما استفاضت في الحقل المعجمي الخاص بهما. ولمس الدكتور "طراد" أنّ تركيبة قصائدها البنيوية تكاد تكون نسخة عن ايقاعها الداخلي. هي متوترة، مشدودة، متكور، مأخوذة بتأملاتها لذا تأتي بنيتها وفق تقطيع ذاتها الداخلية. ورأى أنّها تكثّف من استعمال الأفعال المتتالية، فهذه صيغة اسلوبية خاصة بها، ورأى أنّها تتقن أسلوبها، ويأتي إتقانها من الداخل إلى الخارج فيكسب القصيدة متانة وشخصية. ولاحظ أنّها اعتمدت في ديوانها الجديد الحشد الشعري المكتنز حيث نجد 29 قصيدة في 100 صفحة، مقابل 72 قصيدة في 150 صفحة في ديوانها السابق. وما هذا سوى دليل على تطور واضح في مسيرتها الشعرية يبدو انّه يعكس تطلعًا ما صوب القصيدة اللمعة الذي صبا ويصبو إليها كل شاعر مقتدر.
أمّا الأستاذ "ميشال معيكي" فرأى أنّ نصوص الشاعرة غمار بوح وتوق وحنان، يوميات تذكرات وانفعالات ودهشة ورؤى متخيلة في فضاء شعري مفتوح. نصوصها لا تنتمي إلى مدرسة، تنسجها من الاحتكاكات اليومية وتتدافع. فتخاطب الكلمات قارئها، ويطغى النفس الأنثوي عليها.ورأى أنّ الصور تقفز من أقصى الاسوداد إلى تفجر الألوان، فالقصائد تفوح بالصور والأحلام بالموج والشمس بالضحك والأطفال. "دوي السراب " عنوان يختزل علامات الاستفهام القصوى في الحياة، يختصر مغامرة الحياة. واعتبر أنّ الكتابة لجديدة بطابعها وقد لا تكون مريحة للجميع، فهي تمتاز بالوخز المباشر والايحاء الصادق. فكلمات لشاعرة صور تهاجم بلا تعقل، لها منطقها، فهي ترمي بوجهنا أحاسيسها بعري الحقيقة، ترتكب، تدمع، تثور تغني، تتهالك ثم تتنهد فتحار في نصوص تتوازن بين الدمع ولون الحياة.