كرّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" القاضي "عباس الحلبي"
قدّم التّكريم: الرئيس شكري صادر
أدار اللقاء: المحامي "جميل جبران"
كرّمت "الحركة الثقافية-أنطلياس" عَلَم الثقافة القاضي "عباس الحلبي" الذي يعتبر "جلاء الحقيقة" أولى أولوياته. فذكر مدير الجلسة، المحامي "جميل جبران" أنّ جلاء الحقيقة يتحقق عبر إتاحة الفرصة لكل واحد من أطراف النزاع بابداء وجهة نظره، واسماعها بنفس الوقت للقاضي وللأطراف الآخرين والدفاع عنهم. وكان "عباس الحلبي" قاضيًا واعدًا وعلمًا وأخلاقاً وشجاعة. وشكّل مع زملاء له ومع جيل سابق من القضاة الكبار أملاّ زاهرًا بقيام قضاء مكتمل الشروط، يلبي حاجة اللبنانيين وتوقهم إلى عدالة مستقرة الأركان. ولكن الأقدار جعلت أن ينصرف إلى العمل في القطاع الخاص من ناحية وإلى الانخراط من ناحية ثانية في العمل الاجتماعي والرياضي والانمائي والثقافي في بيئته. فقد شارك في الحوار الإسلامي المسيحي لأنّ الحوار عنده لم يكن ترفًا فكريًا، بل الوسيلة الضرورية للغوص في الشك بحثًا عن بعض اليقين. لم ينطلق الحوار عنده من الفراغ إنما من معرفة عميقة للذات ولأهل الحكمة والعرفان. وأشار المحامي "جبران" : أننا معه نشعر بأننا نعيد إحياء روح عامية أنطلياس". وترك الكلام للقاضي "شكري صادر" الذي ما تبوأ منصبًا إلا وأضاف على هذا الصرح مداميك متراصة محكمة البنيان.
ومن القلب إلى القلب جاءت كلمة القاضي "شكري صادر" باللغة العاميّة، لتسلط الضوء على جوانب مختلفة من حياة القاضي "عبّاس الحلبيّ". فعرّف بعبّاس الأنسان، والضمير الحيّ ورجل الحوار! قال عنه إنّه درس في المدرسة البطريركية كأنّه مقدّر له أن يصبح لاحقًا رجل الحوار المسيحي الإسلامي. كَبُر "شكري صادر" و"عبّاس الحلبي" سويًا في مجتمع ما قبل 1975، مجتمع انفتاح واحترام الرأي، مجتمع لا يميّز بين الطوائف. تخرّجا سويًا من الجامعة اليسوعية في بيروت، واختارا القضاء لخدمة الناس عن طريق القضاء. ثمّ سافر "الحلبي" إلى باريس ليتابع دروسه العليا. وتوطّدت العلاقة بينهما، فأصبحت علاقة أسرية. وبعد انقلاب الأحدب في 11 آذار 1976 حاول الجميع أن يحفظوا ماء الوجه. أمّا "الحلبي" و"صادر" فلبيّا دعوة "كمال جنبلاط" للاطلاع على حالة بعض الخارجين عن القانون الذين يقترفون جرائم عن ضيق، حتى يساعداهم. وتلك الفترة، كانت مرحلة حرب، فحرم الجميع من التعايش. وغنيّ عن القول أنّ التعايش يغني "الأنا"، فلا يكتمل النمو بدون محبة الآخر والانفتاح عليه واحترام رأيه. وكانت آنذاك السياسة مبنية على الولاء للزعيم الطائفي، فوجدا أنهما يستطيعان امتهانها بطريقتين: إمّا المظاهرات وحمل السلاح وإمّا التميّز. وهذا ما فعله القاضي "عباس"، فهو تميّز عن حقّ أيّ تثقّف وعلّم نفسه حتى يبرز ويكون مستعدًا لبناء الدولة التي نحلم بها عندما يدور دولاب الحياة. وقد ندر "عباس الحلبي" حياته حتى اليوم للامتياز في دراسة الدين والتعمّق فيه وتبادل المعرفة بشأن الدين مع الآخرين. وتعلّمنا الأديان كافة احترام الغير والتعرف إلى الغير. لم يترك "الحلبي" جمعية إلا وشارك فيها. فهو خصّص 70 في المئة من وقته لخدمة الأخرين. وكان رئيس رابطة العمل الاجتماعي، ورئيس نادي الصفا، وعضو مؤسس في المجلس الدرزي للبحوث والإنماء، وعضو مؤسس في جمعية المصرفيين، وكرّس نفسه للحوار المسيحي الإسلامي، وشارك في البعثة التي توجهت إلى "روما" للمشاركة في وضع السينودس من أجل "لبنان" في "الفاتيكان"، ممثلاً الطائفة الدرزية. افترق عن القضاء ودخل قطاع المصارف. وفي كلّ قطاع أبى إلا أن يكون منتجًا، فساهم في توعية مسؤولي المصارف والمواطنين على بعض المفاهيم. فوضع كتيّب عن قانون السرية المصرفية وعن مكافحة الفساد. وأراد أن يترك بصمته أينما حلّ. وختم كلمته مشيرًا إلى أنّ "عبّاس الحلبيّ أشرف الناس، وهذا التكريم نقطة في بحر التكريم الذي سيتحفه به الله القدير بعد عمر طويل.
وعندذاك أعطي الكلام للمحتفى به القاضي "عباس الحلبي"، الذي شكر الحضور والشخصيات السياسية والدينية والثقافية المشاركة في تكريمه، وخصّ بالشكر "الحركة الثقافية-أنطلياس" وأمينها العام الاستاذ "جورج أبي صالح" ود. "عصام خليفة" ود. "أنطوان سيف" والأستاذ "جميل جبران" وأعضاء الحركة جميعًا. ووجّه تحية إلى أسرته وبلدته "رأس المتن" وإلى أسرته الأكبر "بنك بيروت والبلاد العربية". وتساءل عن سر عطاء "الحركة" التي ما فتئت تقيم معرضًا للكتاب وتكرّم الإبداع الفنيّ على الرغم من كلّ الصعاب. وقال "إنّي لا أجد في العبارات ما يعبّر عن المحبة والإمتنان لما تفضّل به رفيق العمر وأخي الرئيس "شكري صادر"، من تكريم يضاف إلى تكريم "الحركة" وللقيّم على إدارة هذا اللقاء المحامي "جميل جبران"". ومع أنّه اكتفى بالشكر، إلاّ أنّه لفت نظر الحضور إلى ما كتبه من خواطر متقطعة ومختصرة عن تجربته في الحوار والقضاء والمصارف والسياسة. صاغ هذه الخواطر بشفافية وصدق ما يعكس حقيقته، لأنه يسعى دائمًا ليعيش قناعاته بحرية واستقلالية. وخلص قائلاّ "حتى لو كنت لا أنتمي إلى الوسط الذي انطلقت منه "الحركة" إلا أنني بذلك أجد أفضل تكريم، فخير تكريم يأتي المرء من خارج أهل البيت". وشدّد على رسوخ ايمانه بلبنان المتنوّع الغنيّ الذي يجسّد انعكاسًا لما ينادي به أي أن نعرف واحدنا الآخر حق معرفة. واليوم، زاد عزمه على الحوار والتفاعل والتكامل والعمل.
وتلت شهادات بالمحتفى به على لسان السيدة الأولى "منى الهراوي"، وسماحة الشيخ "سامي أبو المنى"، والدكتور "هنري العويط" ومعالي الأستاذ "ابراهيم شمس الدين" والاعلامية "وردة الزامل" والأستاذ "كميل منسّى" والأستاذ "بسام الحلبي".
وفي الختام قدّم أمين عام الحركة، الأستاذ "جورج أبي صالح" شعار الحركة إلى المحتفى به ونسخة عن النصّ الأصليّ لعاميّة أنطلياس الشهيرة، عاميّة 1840.