نظّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة حول كتاب الدكتورة "نجوى بركات" المترجم إلى الفرنسية بعنوان Ya Salam، شارك فيها الأستاذ "عبده وازن".
في رحاب "الحركة الثقافية-أنطلياس" اجتمع الأستاذ"عبده وازن" والأديبة "نجوى بركات" ليناقشا كتابها "يا سلام" بعد أن صدرت ترجمته باللغة الفرنسية في منشورات L’Orient des Livresاللبنانية. طرح الأستاذ"عبده وازن" أسئلة نقلت الأديبة من بداياتها إلى حياتها الآن، من دراستها السينمائية إلى عالم الرواية، من بيروت إلى باريس فبيروت، فكان اللقاء مشوّقًا.
أشار الأستاذ "وازن" إلى أنّ "نجوى بركات" تستعيد في كتابها الحرب (الأهلية او غير الأهلية) انطلاقًا من الأثر العميق الذي تركته في الذاكرة والروح والجسد، وترسم لها مكانًا جغرافيًا ونفسيًا واقعيًا ومتوهمًا. أبطال الرواية جميعًا أبطال سابقون في حرب الجنون والعبث: لقمان المقاتل الخبير في القتل الجماعي عبر الألغام التي يجيد زرعها، والأبرص المقاتل البارع في فنّ التعذيب والذي لم تحتمل أمه أمومتها له ونجيب القناص الماهر الذي اصطاد العشرات من البشر والذي انتهى في مصح هربًا من السجن حيث أصبح خبيرًا في مكافحة الجرذان. وتساءل الأستاذ "وازن" لمَ انتقلت "بركات" من المسرح إلى العمل الروائي، وما إذا شكّل المسرح حافزًا لكتابة الروايات، وهل تعتبر نفسها تلميذة الأدب الروائي اللبناني؟ وفي مداخلته، تطرّق "وازن" إلى رواية "نجوى" الأولى، وقراءتها لها الآن، ولفت إلى أنّها لم تكتب إلا رواية واحدة باللغة الفرنسية، ربّما لأنّ الفرنسية ليست لغتها، وسألها عن رأيها في ترجمة كتابها "يا سلام"، وهل كان للرواية الوقع عينه بعد أن ترجمت؟ ولم يغب عن باله أن يسألها عن المحترف الذي تقوم به لدعم المواهب الشابة في كتابة الرواية.
لفتت الأديبة "نجوى بركات" إلى أنّ المسرح كان متنفّسًا ولكن فسحة ضيّقة في الوقت عينه، لأنّ أدوار البطولة الموكلة للنساء كانت معدودة، وكان عليها أن تتبع املاءات الآخرين، أمّا الرواية فهي عالم آخر: أنت الآمر الناهي في الرواية. واعتبرت أنّ لا فرق بين الرواية والسينما لدرجة كان بعضهم يقولون لها إنّ رواياتها نص سينمائي جاهز وهذا كان يزعجها في البداية. وفي كتاباتها تميل إلى التيّار الأنغلوساكسوني لا الفرنسي، فالشخصية تظهر ملامحها على طول الرواية فلا تكون موجودة ببعدها النفساني منذ البداية. ولم تعتبر الدكتورة "بركات" أنّها على قطيعة تامة مع الرواية اللبنانيّة ولم تنفِ تأثّرها بالأدباء اللبنانيين أمثال "توفيق يوسف عواد" و"فؤاد كنعان" و"يوسف حبشي الأشقر". وهي عندما تكتب لا تكرر نفسها، فالروايات غير مرتبطة ببعضها، فكلّ رواية تحمل مشروعها الخاص لأنها تملّ من التكرار، ولأنّها تشبّعت بالثقافة اللبنانية والعربية أيضًا، والثابت عندها فقط هو وصف المجموعة بكلّ ما فيها. فهي تتساءل دائمًا ما الذي يدفع أناسًا عاديين للانقلاب رأسًا على عقب فيصبحون متوحشين! وهي في رواياتها تحاول أن تجيب على هذا السؤال، لذا تختار اللّغة الأولى، الأساسية لتصف شخصيات سوداوية، بربريّة. فهذه الشخصيات لا تتكلم إلا من غريزتها، لا أحد منها يفكّر أو يندم، كما لو أنها في غابة. وإن تتحدث عن الحرب، فتكتب ذلك فقط لترى إن كان الثمن يستحق التضحيات كافة! وتأسفت "بركات" أن أحدًا لم يساعدها في روايتها الأولى، وهي إذ تعيد قراءتها الآن، تلاحظ أنّها مادة تنطوي على كثير من المؤهلات ولكن تحتاج للصقل. وهذا ما تحاول القيام به في محترفات الكتابة، فهي ترغب في مد يدّ العون للأنامل الشابة حتى تصبح مهمتهم أسهل. صحيح لا يمكنك أن تعلّم أحدًا كيف يكتب، ولكن يمكنك أن ترشده في مساره لأننا في مجتمعنا تنقصنا المعرفة، والمعيار الحقيقي ضائع. وهي تأمل أن تُنشئ "سلطة مضادة" وفق قولها حيث تكون الجودة هي المعيار لا الانتشار. أمّا عن ترجمة روايتها الجديدة، فقالت أنّها استساغت الترجمة، مع أنّها تعي صعوبة نقل روايتها القاسية إلى اللغة الفرنسية، هذه اللغة الرقيقة الراقية. وهي لم تكتب إلا رواية واحدة باللغة الفرنسية لأنّها أرادت أن تنقل تجربتها الباريسية، والقهر الذي عاشته في فرنسا. وعندما عادت إلى لبنان اكتشفت أنّ وطنها الحقيقي هو لغتها، فلم تتأقلم لا في فرنسا ولا في لبنان.