النـدوة حـول كتـاب
الدكتـوره شانتال أبو يزبـك
المال المضبوط في الدعوى الجزائية
فـي 8 آذار 2007
كلمـة الأستـاذة حيـاة هـاشم
سيداتي، سادتي
مناقشة كتاب الدكتوره شانتال ابو يزبك، تحظى بأهمية مزدوجة:
الأولى مهنية - جزائية، رغم أوضاع لبنان الصعبة والمعقدة راهنا، لكنها تشير الى اهمية عمل العقل في إيجاد حلول ووضع طرق تنفيذية لمسائل تفصيلية.
والثانية: تتلازم مع الأولى في الأهمية، لكنها أوسع وأعمق منها اذ تكشف انتفاء عمل العقل الخلاّق في إيجاد حل للازمة الوطنية على قاعدة التزام تطبيق الدستور والأعراف اللبنانية.
فلماذا ومن يقف وراء ذلك؟
اننا نشعر بالتلازم مع موضوع ندوتنا الليلة "المال المضبوط في الدعوى الجزائية" وكأن وطننا بات مضبوطاً لمصلحة الفوضى من قبل قوى دولية وإقليمية وكأن أهله غلبوا على أمرهم لا يعرفون متى وكيف ينفذ عليهم حكم تفتيت لبنان في مزاد علني اذا لم يأخذ العقل مكانه ومساحته في إخراج لبنان من أزمته الكبرى؟
من ذلك نستوحي أهمية ما قامت به الدكتوره ابو يزبك.
هي بنت جبيل، بنت الشاطئ الجبيلي، غزت باريس كما كان الفينيقيون قد غزوا من قبل العالم حاملين اليه الأحرف الأبجدية، خيالها استوحته من آفاق البحر اللامتناهية، وعمقها في كتابها هو عمق البحر الجبيلي وقوة السفينة الفينيقية التي تحملت تصادم الأمواج ووصلت بها الى فرنسا، هناك حطت رحالها، وهناك كانت الفرادة ميزتها كما كانت في لبنان، كذلك.
غرفت من ينابيع العلم الجنائي وشربت حتى ارتوت وهضمت ما شربته فكان إبداعها في كتابها "المال المضبوط في الدعوى الجزائية"، كتابها هذا أغنى المكتبة الفرنسية ويغني ايضاً المكتبة الحقوقية اللبنانية لسببين:
الأول لأنها اختارت الأصعب
والثاني لأنها سيلت الصعب وصار في متناول الحقوقيين مادة يتاح تطبيقها.
لن أخوض في الكتاب فهذا دور المحاضرين معنا لكن انا أحببت شخصية الكاتبة وفتنت بصبرها وجلدها وتعمقها في البحث وقدرتها على تحويله إلى مادة تطبيقية فلكِ مني أجمل تحية على انجازك الرائع.
- الكلمة الآن للقاضي النزيه رجل العلم والأخلاق والنبل حضوره بيننا يثير فينا الثقة بان لبنان باق باق باق وكانت الحركة الثقافية قد تشرفت بتكريمه علم ثقافة
الكلمة للرئيس طارق زياده فليتفضل.
- أستاذة محاضرة، تحاضر في مادة القانون الجزائي في الجامعة اللبنانية وجامعة الروح القدس - الكسليك لكنّ الليلة تمتاز بأنها تحاضر في مادة كتاب تلميذتها الدكتوره شانتال ابو يزبك "المال المضبوط في الدعوى الجزائية" فمع الدكتورة فيلومين نصر عميدة كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية.
- من كبار قضاتنا، غنيّ عن التعريف انه القاضي جان فهد مفوض للحكومة لدى المحكمة العسكرية، الكلمة للرئيس جان فهد الذي يحوز على ثقة شعبنا في حماية أمنه ضد الإجرام المتمادي فليتفضل.
كلمة الرئيس القاضي طارق زيادة
ينتابني هذه الأمسية شعور بالسعادة لان قاضية من بلدي أسهمت اسهاماً جدياً في بحث حقوقي مفيد. ولا ارغب هذه الليلة في كلام اللياقات، بل أود ان استفيد من هذا التحلق البهيج حول الدكتورة شانتال أبو يزبك لأطرح أهمية المنهجية في البحث القانوني، مطبقاً ذلك على أطروحة المحتفى بها: "المال المضبوط في الدعوى الجزائية".
لا يخرج البحث الحقوقي عن غاية كل بحث علمي وهي: عرض المسائل القانونية بفكر تحليلي Esprit analytique ببيان أوضاع واوجه المسألة المبحوثة في العلم والاجتهاد والتشريح، وبيان الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي مهدت للمسألة المبحوثة وأسباب نشأتها وموقعها من التطور التاريخي بكافة مراحله، ثم إعادة تكوينها وتركيبها بصورة شاملة، وتحديد موقعها الراهن من المؤسسات القانونية والاجتماعية عامة وأسباب اعتمادها. كل ذلك بفكر تركيبي استجماعي هذه المرة Esprit Synthetique، على ان لا يكتفي الباحث بعرض المشكلة، بل يسعى إلى طرح الأسئلة حولها وتقديم الحلول الملائمة والمناسبة، كل ذلك قصد الإضافة والمساهمة في العلم وتطويره.
ان هذه الطريقة في البحث méthode تجعل من المنهج يبدو وكأنه أهم من "الحقيقة" المبحوثة لأنه يؤدي إلى كل الحقائق، وتتجلى دعائم البحث المنهجي الخلاّق في الأمور التالية: قرارات موسعة ومطالعات دؤوبة ودقة تامة في فهم آراء الغير ومعرفة عميقة بأمهات المراجع، وبذلك يصبح القانوني باحثاً متعمقاً والعمق هنا يعني امتلاك ناصية المنهج أي امتلاك المخطط والتركيز على القواعد الرئيسة ثم التقويم على ضوء النقد الايجابي أو السلبي، أي النقد العلمي والمنطقي والتاريخي، مع استلهام مثل الحق والعدالة، والخروج من كل ذلك بنظرية أصيلة Originale أو بنظرية عامة تترك اثراً في مجرى التطور.
استفضت قصداً في منهجية البحث الحقوقي العلمي وشروطه الصعبة، لأنني قرأت أطروحة الدكتورة شانتال أبو يزبك في ضوء الأسس السابقة، فوقعت على بحث جدي في موضوع مهم هو: "المال المضبوط في الدعوى الجزائية" ووجدت ان الباحثة أمسكت بالموضوع المعالج بقوة منذ ان وضعت يدها على التوازن الدقيق، في أصول المحاكمات الجزائية، بين المصلحة العامة للمجتمع الهادفة إلى العدالة وقمع الجرائم وبين المصلحة الخاصة للمدعى عليه التي تطلب حماية تامة للحقوق ولحق الدفاع خاصة، ذلك ان أصول المحاكمات الجزائية تهدف إلى جلاء الحقيقية ومعرفة الفاعلين ومعاقبتهم، وهكذا تلامس بقوة المبادئ الرئيسية للنظام الاجتماعي.
بعد مدخل عام، مهدت فيه المؤلفة لموضوعها ووصفته في إطاره الصحيح، من حيث ان النظام الديمقراطي يسعى إلى التوفيق بين المصلحة العامة وحماية المواطن، وهما مصلحتان متعارضتان في أحيان كثيرة ومتضاربتان؛ وهذا التوفيق ليس بالأمر السهل، وهذا ما تبيّن من مجمل الأطروحة، إذ تبيّن ان القانون الوضعي تراوح بين هاتين المصلحتين العامة والخاصة محاولاً إيجاد مصالحة بينهما تفضي إلى تحقيقهما في آن واحد. سواء عند ضبط المال ووضعه في تصرف العدالة كبيّنة لصالح المدعى عليه أو ضده في الدعوى الجزائية، أو عند طرح مسألة إعادة المال المضبوط لأصحابه أو مصادرته.
قسمت الدكتورة أبو يزبك دراستها إلى قسمين كبيرين متوازنين، عالجت في القسم الأول: المال المضبوط بتصرف العدالة، وفي القسم الثاني إعادة المال المضبوط، وفي هذا التقسيم الأساسي يتضّح بجلاء سيطرة المؤلفة على بحثها انطلاقاً من المصلحتين العامة والخاصة المطلوب تحقيقهما.
درست الباحثة في القسم الأول تحديد المال المضبوط عبر تقسيم منهجي دقيق في عناوين وفصول وأجزاء متناسقة، تناولت عناصر تحديد المال المضبوط والوضع تحت الأختام وحفظ الشيء المضبوط ونزع الأختام وتقديم المال المضبوط، مع وضع خلاصة للعنوان الأول والثاني من القسم الأول بحيث يستجمع القارئ النقاط المبحوثة بأسطر معدودة وعالجت المؤلفة في القسم الثاني موضوع إعادة المال المضبوط ايضاً في عناوين وفصول وأجزاء متناسقة متناولةً المال الممكن إعادته وأصول إعادته وحالة إعادته عند بطلان الإجراء الأصولي ومفاعيل هذا البطلان، كل ذلك في عنوان أول ختمته بخلاصة جامعة، ثم عالجت في عنوان ثانٍ عدم إمكان إعادة الشيء إما لاستحالة مادية مع درس المسؤوليتين المدنية والجزائية للسلطة العامة عن ذلك، أو عدم إعادة المال نتيجة المصادرة من قبل المحكمة بقرار قضائي أو بأمر من النيابة العامة أو قاضي التحقيق، منهية بحثها بمصير المال المصادر سواء بالبيع بالمزاد العلني أو بإتلافه أو بتسليمه للسلطات المختصة، واضعة خلاصة وجيزة وافية للعنوان الثاني على جاري عادتها، ثم وضعت خلاصة عامة لبحثها.
يلفت الانتباه في هذه الأطروحة التقسيم المنهجي الدقيق، هناك قسمان كبيران يحتوي كل منهما على عنوانين أساسيين وكل عنوان على فصلين وكل فصل على جزأين وكل جزء إلى فقرتين. توازن دقيق حكم هذه الأطروحة سواء في الشكل أو الموضوع وهذا أمر قلّما يراعيه الباحثون.
لقد اضافت الدكتورة أبو يزبك لبنة هامة إلى المكتبة الحقوقية الفرنسية ورجائي الحارّ ان تعالج الباحثة هذا الموضوع على ضوء القانون اللبناني وباللغة العربية، وبذلك تساهم في إقامة دولة الحق والقانون في لبنان على أسس قانونية صلبة.
من حق شانتال أبو يزبك ان تكون سعيدة هذه العشية وقد قطفت ثمرة جهدها الدؤوب، داعياً الأجيال الصاعدة من المحامين والقضاة والضباط العدليين إلى الاقتداء بالدكتورة أبو يزبك في اقتحام لجج البحث العلمي عسى ان يساعدنا ذلك في الخروج من واقعنا البائس إلى آفاق الحق والعدل والحرية، منتهجين نهجها في الجدية وإيثار الصعوبة على السهولة في العمل، فالنجاح السريع يتلاشى سريعاً والنجاح المؤسس على قاعدة صلبة يبقى ويبقى طويلاً.
كلمة الدكتوره فيلومين نصر
أيها الزملاء الاعزاء ، ايها الحضور الكريم.
أن يطلب مني القاء كلمة بمناسبة ثقافية كهذه , لهو فخر كبير لي ودليل تقدير من من عرفتها تلميذة مواظبة وجدّية على مقاعد كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية الفرع الثاني ـ جل الديب ـ وذلك على مدى سنتين , برهنت خلالها Chantal Abou Yazbeck على مستوى استعاب قانوني محترم جدا" . ثم تخرجت بتفوق وذهبت في طريقها , وبقيت انا اتابع مهنتي في تلقين الحقوقيين اصول وقواعد التفكير القانوني للوصول الى منطق , يجب على كل من تبوأ مركزا" قانونيا" وفي اي مجال كان ان يتحلى به . ولا اخفيكم انني لم انجح دائما" بذلك . انما يكفيني فخرا" ان البعض من تلاميذينا وصل الى حيث يستحق وهو يتذكرنا ويقر لنا ولو بالقليل من الفضل. هذه تعزيتنا وهذه اكبر ميدالية توضع على صدر استاذ تعب ووجد, الباقي لا يهم .
وكم كانت مفاجأتي كبيرة وسعادتي اكبر عندما عاودت Chantal الاتصال بي, اولا" لتذكيري بها , وانا لم انسها مطلقا" , ولاطلاعي على ما وصلت اليه لاحقا" من تحصيل ومركز اجتماعي.
لا افشي سرا" انني دهشت بكونها تمكنت وبفترة زمنية معقولة جدا" من تحصيل دكتوره من ارقى الجامعات الفرنسية ومن الانتساب الى نقابة محامي باريس بعد خضوعها لمباراة , كلنا يعرف مدى جديتها وتخرجها من المعهد الخاص بذلك.
رغم كل هذه الاغراءات , فضلت العودة الى بلدها الذي احتضنها لكي تشارك في مساعدة غيرها وفي اي مجال قانوني كان . فكان لها ان دخلت الى المعهد الاداري التابع لمجلس شورى الدولة بعد ان ادهشت اللجنة الفاحصة بمستواها الثقافي القانوني , اضافة الى شخصية قوية , ولم تخضع لاية مبارة دخول.
بالفعل , من النادر ان يجمع طالب قانون ما بين قانون خاص وقانون اداري , بين قانون جزائي وقانون اداري , الا ان Chantal فعلت ذلك , واختارت في اختصاصها في الدراسات العليا " تداخل الرقابة الجزائية على الاعمال الادارية " لتكلل شهادة الدكتوره باطروحة صدرت اليوم وهي بين ايدينا , على شكل مؤلف حول " المال المحجوز في الدعوى الجزائية " Le Bien Saisi dans le Proces Penal " جامعة ما بين الناحيتين النظرية والتطبيقية في دراسة معمقة للقانون الفرنسي الذي نعترف كلنا , محاضرين , محامين وقضاة , بالاستعانة به في اكثر من مجال , سواء عند غياب نص او غموض آخر او تناقض اجتهاد او عندما تعترضنا نقطة قانونية غير مسبوقة.
وما اثار اعجابي انه , ومن خلال ما كنا نمرّ عليه بسرعة اي مصادرة الاشياء من قبل الضابطة العدلية او النيابة العامة او المحكمة لاعتقادنا انها ليست بنقطة تطرح حولها التساؤلات لتستحق التوقف عندها , استطاعت هذه الشابة النشيطة والعميقة ان تخرج بمجلد محترم تصل عدد صفحاته الى حوالي الستة مائة , اضافة الى كل هذا الكم من المراجع والاجتهادات , مما يدل على مدى العمق في البحث .
فلقد حاولت اظهار التوازن من قبل المشرع ما بين احترام الانسان في حياته الشخصية وحريته وملكيته الفردية , وبين حق المجتمع في الحفاظ على امنه واستقراره من خلال كشف الجرائم ومن وراءهم. ولتحقيق هذه الهدف , كان لا بد من توقيف من تحوم حوله الشبهات وان كانت قرينة البراءة
هي الاساس , ومصادرة او حجز الاشياء التي قد تساعد على كشف الحقيقة , وحول هذه النقطة الاخيرة , تعمقت في البحث والدراسة الى ان اوصلتنا الى وضوح في الرؤية , مدهش , وبدقة متناهية مظهرة الفرق بين Saisie , mise sous scelle , ou sous sequestre بلغة فرنسية صحيحة , واضحة , سهلة وخاصة سلسة لا تشعر القارىء بالملل او بالثقل القانوني انما توصله الى ما ارادت من وضوح وطرح نقاط وتساؤلات باسلوب شيق , مركزة على ان حجز الشيء او المال ليس حكرا" على المراجع الجزائية بل يتعداها الى سلطات ومصالح اخرى كالجمارك , ومصلحة المياه , ومصلحة الضرائب وحماية المستهلك وغيرها , وفي كل مرة تكون الحاجة ملحة لايقاف ضرر معين , او ايجاد الاثباتات , حتى وان كانت الدراسة في النهاية تركز على ما ورد في الاصول الجزائية أي المصادرة في معرض ملف جزائي.
وركزت ايضا" انه , خلافا" لما يتصوره الكثيرون , ان حجز او مصادرة الاشياء لا تتناول فقط ما هو داعم لادانة المشتبه به اي مثقل لكاهله , انما قد تكون لدعم براءته , باختصار كل ما من شأنه القاء الضؤ حول القضية بغية الوصول الى الحقيقة .
وقد يكون المال المحجوز منقولا" او غير منقول , ماديا" او حقا" غير مادي , لحائزه او ملكا" لغيره الخ ... اضافة الى انه ومع التطور التقني والعلمي الذي نشهده في عصرنا الحالي , المصادرة او الحجز قد تطال ما له علاقة بما يسمى Les Donnees informatiques الى ما هنالك ..
من ناحية اخرى , ان كان المطلوب توفر التوازن بين ما يصادر ووزنه وكميته وقيمته وبين ضرورة اظهار الحقيقة ومدى علاقته بالجرم , فالملاحظ ان الضابط العدلي لا يملك الحق المطلق في التقدير , فلتقريره حدود وتوازنات.
من هنا نشأت نظرية " تخصص الحجز " Specialite de la Saisie المرتبطة " بتخصص التفتيش" Specialite de la perquisition
باستثناء ما قد يحجز من خارج التكليف فيما لو شكل بحد1ذاته جرما" مشهودا".
وتوقفت الكاتبة عند السر المهني مقرة باولويته وحتمية احترامه اذ انه يعلو على المصلحة العامة لتعلقه بحق الدفاع المقدس.
من كل هذا نرى ان الكاتبة لم تكتف بدراسة وتحليل النصوص ومدى توازن المصلحتين بل انتقلت الى الناحية الاهم وهي التطبيقية , مظهرة مدى احترام المولجين بهذه الحقوق لها , وهو موضوع الساعة , والدليل انه يتعرض بشكل مستمر لتعديلات تطرحها الحاجات العملية .
وهذه النقطة ليست بجديدة انما طرحتها تاريخيا" منذ ظهور الاصول الجزائية , توازنا" ما بين امن واستقرار وحريات. ووصلت الى تقسيم الدراسة الى قسمين , تناولت في الاول الشيء المحجوز في تصرف العدالة لتبيان نقطتين اساسيتين , الاولى الحرية في جمع الادلة والثانية مدى شرعية هذه الادلة.
وفي قسم ثان , الشيء المحجوز وضرورة او استحالة اعادته لتختم بتساؤل حول امكانية هذا التوازن ما بين مجتمع وافراده , مذكرة بان التعديلات فيما لو قررت, فيجب ان تدرس بدقة , وهنا استعير ما قاله يوما" احد القانونيين الفرنسيين الكبار Il ne faut toucher aux lois qu'en tremblant , وتوصلت الى عرض اقتراحات جدية لتعديل النصوص تتم عن تعمق وثقة بما عرضته من تحليل ودراسة . وهذا برأيي قمة الشجاعة والثقة بالنفس.
ايها المسؤولون , افعلوا كل ما في وسعكم لكي تبقوا هؤلاء الشباب من طينة Chantal في بلدهم , ليفيدوه ويساعدوا في نهضته الثقافية القانونية.
أيها القيمون على الجامعات , لا تسلموا ثقافة طلابكم الى اي كان , فالخطر محدق ولن يتوقف وانتم ادرى بما اقول , ابحثوا عن الافضل وقد يكون بين الشباب , شجعوهم على البقاء وعلى التقدم من خلال تقديركم لهم . هل نسيتم ما قاله احد الادباء الكبار La valeur n'attend pas le nombre des annees .
ويا ايها السياسيون , ابعدوا كأسكم عن شباب لبنان المثقف , دعوه يرتد الى الثقافة , دعوه يلتزم بالقوانين ويحترم حرية غيره وينظر بأمل الى مستقبل في بلده لا في بلد غيره فللسياسة ارباب وللثقافة طلاب. دوركم ان لا تجعلوا المثقفين يكفرون بالسياسة وبالسياسيين.
ويا ايها الشباب , حاولوا الوصول بكفاءتكم والا بقيتم طوال حياتكم "آداة " ـ واعتذر عن الكلمة ـ بيد من اوصلكم .
لا تبحثوا عن وساطة , ستقولون لي ان هذا مستحيل في بلد مثل لبنان والامثلة كثيرة . نعم , وانا معكم الا انه يجب ان لا نفقد الامل بأن يأتي يوم ونصبح عالما" متمدنا" قائما" على الكفاءة لا على الطائفة , على الاستحقاق وليس على الانتماء او الاستلحاق.
أملنا كبير وثقتنا اكبر بشباب لبنان المثقف الذي يدهش العالم عندما تعطى له الفرص , دون ان ننسى بعض شيوخه الذين نجل ونحترم , فالشرفاء كثر.
والى زملائي المثقفين الذين رفضوا الاغراءات فابتعدت عنهم المراكز , أقول , لا تأبهوا! يكفينا فخرا" وعزاء رؤية البعض من طلابنا وقد تبوأ بكفاءته ارفع المراكز وادقها . فالامانة في اياد امينة على الرغم من الاشواك التي قد تتهددها.
وقد قال الشاعر اللبناني الكبير , اطال الله بعمره , سعيد عقل وبلهجته اللبنانية , وفي ذكرى المعلم الكبير الاب اللبناني لويس خليفه :
" الاستاذ العظيم هو اللي بخلي تلاميذه يطلعوا اشطر منو ".
معاذَ الله ان اكون قد قصدت نفسي إنما هي تحية مني لكل أستاذ نقل العلم والثقافة والاخلاق ليس فقط بعقله انما بقلبه ايضاً فاستحق لقب "المعلم" تحية الى كل أستاذ اينما وجد بمناسبة عيده. وأحض أساتذتي الكرام الذين عملت بإرشاداتهم وسرت على خطاهم. واسمحوا لي بكل تواضع ان اكون من هذه الناحية مطمئنة وفخورة بالكثير من الطلاب والخريجين واخص بالذكر المحتفى بها Chantal Abou Yazbeck وبالعربي الدارج : بيرفعوا الراس
اترك لكم ايها السادة , حرية الاستنتاج انما اسمحوا لي من هذه الناحية بالذات وبكل تواضع ان اكون مطمئنة .
كلمة القاضي جان داود فهد
أيها السيدات والسادة،
في خلال قراءتنا دراسة المال المضبوط في الدعوى الجزائيّة للدّكتورة شانتال أبو يزبك، تستوقفنا فكرة أساسيّة توجّه البحث بكامله ألا وهي معرفة ما إذا كان القانون الوضعي الفرنسي قد تمكّن من التوفيق بين المصلحة العامة، المتمثّلة بجلاء الحقيقة والقبض على المجرمين من جهة، والمصلحة الخاصّة المتمثلة باحترام حقوق الأفراد وحرياتهم من جهة أخرى، وذلك بدءًا من اللحظة التي تصبح فيها الأموال المضبوطة في أيدي العدالة إلى حين استردادها أو إعادتها خلال إجراءات الدّعوى الجزائيّة.
ونلاحظ أنّ الكاتبة قد اتّخذت هذا المعيار أساسًا لدراسة جميع مواضيع الكتاب، وتوقّفت بشكل خاصّ عند مدى سعي كل من القانون والاجتهاد الفرنسيَّين إلى تحقيق التوازن بين هاتين المصلحتين.
قسّمت المؤلفة كتابها, وهو دراسة نظريّة وتطبيقيّة, إلى قسمين أساسيين: الأول مالٌ مضبوط بتصرف العدالة UN BIEN SAISI A DISPOSITION DE LA JUSTICE , والثاني مالٌٌ مضبوط برسم الإعادةUN BIEN SAISI A RESTITUER .
القسم الأول تفرّع بدوره إلى فصلين رئيسيين: ١- توثيق المال المضبوط. ٢- استعمال المال المضبوط.
عالج الكتاب في الفصل الأوّل التوثيق الرسمي للأموال المضبوطة من خلال تحديد أطر ضبط الأموال ووسائل توثيقها. وقد بيّن الثغرات التي تعتري القانون الفرنسي لا سيما فيما خصّ تحديد الأصول الواجب اتباعها في تنظيم عملية الضبط واقتصارها على عملية ضبط الأموال داخل المقام, مع الإشارة إلى أن الأفعال التي تؤدي إلى ضبط الأموال متعددة.
كما بيّن كيف أنّ الاجتهاد توسّع في تحديد مفهوم المقام بحيث أصبح مختلفاً عما هو عليه في المسائل المدنيّة. إذ اعتبر الاجتهادُ مقاماً، من أجل تنفيذ عملية ضبط الأموال، كلّ مكان مشغول بصورة فعلية من الأفراد وذلك بغض النظر عن الغاية من الإشغال أو سنده، لأنّ اهتمام المشترع بحرمة المنزل وتنظيم عملية الحجز داخله إنما هو بهدف حماية الحياة الخاصة للأفراد.
وعرض الكتاب مسألة التفتيش التي تسبق عملية ضبط الأموال ، فركّز على قاعدة أساسيّة يجب أن تتحكّم بالتفتيش وهي وجوب وجود ترابط بينه وبين التحقيق أو بينه وبين الحاجة إلى كشف الحقيقة وذلك بغية حماية الأفراد من تعسّف رجال الضابطة العدلية وحماية الملكية الفردية والحياة الخاصة . وأشار إلى وجوب أن تخضع لقواعد التفتيش أيضًا الوسائل الشبيهة به مثل معاينة المقام أو زيارته والبحث عن الأشخاص. وعرض الأصول الواجب اتّباعها في أثناء عمليّة التّفتيش بالنسبة للأشخاص الملتزمين بالسرية المهنية (محامٍ، طبيب،...).
وتعرّض لوسائل توثيق المال المضبوط ولفت إلى أنّها لا تهدف فقط إلى حماية خصوصيّة حياة الأفراد وإنّما أيضاً إلى ضرورة الحصول على دليل قانوني وشرعي فعّال موثق بدقّة ومصداقيّة . من هنا نشأت آلية التوثيق التي تفرض التحقّق من الأموال المضبوطة إن لجهة حضور أصحاب العلاقة أو من ينوب عنهم أو لجهة عرض الأموال المضبوطة عليهم. كما فُرِضَت عمليّة وضع الأختام على الأموال المضبوطة في كافة أشكالها (مقفل ، مكشوف ، مفتوح وخاص، والمضبوطات دون وضع الأختام ... ) وترقيم الأختام ووضع البطاقة عليها ، وتنظيم المحضر بها بشكل فوري مع التوقيع عليه من قبل رجال الضابطة العدلية والمشتبه به والشهود وقاضي التحقيق .... أي جميع الأشخاص الحاضرين عند ضبط الأموال ، وتنظيم جدول مفصل بجميع الأموال المضبوطة للتمكن لاحقاً من إجراء مطابقة بين هذه الأموال وتلك المبرزة في سياق المحاكمة .
وتعرّض كذلك لواجب المحافظة على الأموال المضبوطة ، إن من خلال عملية نقلها أو حفظها .
طرحت المؤلّفة في هذا النطاق مسألة مدى اهتمام الدولة بالأماكن المخصصة للمضبوطات ، إذ يلاحظ الإهمال مما ينعكس على حالة المضبوط ، ولا تتنبه الدولة إلى هذه الأمكنة إلا عند بروز قضية أو مشكلة تتعلق بالمحفوظات . وهناك سعي لإدخال التقنيات الحديثة كالمعلوماتية في إدارة المال المضبوط وحفظه ومتابعته طوال أطوار المحاكمة .
وبالنسبة للفصل الثاني من القسم الأول فإنه يتناول موضوع استعمال المال المضبوط والاستفادة منه.
فعملية ضبط الأموال تهدف بشكل أساسي إلى جمع الأدلة بغية كشف الحقيقة، والدليل هو " النواة" التي تقوم عليها الأصول الجزائية، وهو يتصل بشكل أساسي بضمانات الأفراد لا سيما بمبدأ " أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته"
LE PRINCIPE DE LA PRESOMPTION D'INNOCENCE
كما يتصل أيضاً بالنظام العام، ذلك أن جميع القواعد في الأصول الجزائية تهدف أساسًا إلى البحث عن الدليل وإقامته. من هنا تبرز أهمية الاطلاع على المال المضبوط وعرضه أثناء المحاكمة. وهذا يستوجب فض الأختام، وهو عملية لا يمكن أن تتم بصورة اعتباطيّة وذلك حفاظاً على حقوق الدفاع وضمانة لكشف الحقيقة.
وقد بحث الكتاب في حالات فض " الأختام المؤقتة" وفض " الأختام النهائية"، وفض الأختام بهدف تغيير طبيعتها وفض الأختام بغية معاينة المال المضبوط، كما بحث في الجهة المخوّلة القيام بهذه العملية والأصول الواجب مراعاتها عند إجرائها والنتائج المترتبة عليها والإشكاليات التي تطرحها، وإخضاع المال المضبوط للخبرة وللفحوصات التقنية والعلمية.
وإن الأموال المضبوطة لا يمكن أن تشكل دليلاً في الدعوى الجزائية ما لم توضع قيد المناقشة، من هنا أهمية الاطلاع عليها من قبل وكلاء الفرقاء وعرضها وإبرازها خلال جلسات المحاكمة.
هذه المسائل تتعلق بمفهوم " المحاكمة العادلة" وبالتالي بحقوق الفرقاء (المصلحة الخاصة) وبضرورة كشف الحقيقة (المصلحة العامة). كما لها علاقة بمبدأ أساسي يسود الدعوى الجزائية هو التكافؤ في وسائل الدفاع، أي التساوي في الحقوق والامتيازات.
وقد تطرق الكتاب إلى إشكالية أساسية تدور حول سلطات رئيس المحكمة في عرض المال المضبوط خلال الجلسات. ذلك أن رؤساء المحاكم غير ملزمين بإبراز المال المضبوط خلال الجلسات، وهم يتمتعون بسلطة اختيارية FACULTATIF واستنسابية DISCRETIONNAIREلهذه الجهة. وإن قانون أصول المحاكمات الجزائية قد نصّ على إبراز المال المضبوط خلال جلسات الاستماع إلى الشهود، مما يطرح السؤال حول مدى إمكانية إبرازه في غياب جلسات الاستماع إلى الشهود. وقد تم إثبات أهمية إبراز المال المضبوط خلال جلسات المحاكمة حتى في غياب جلسات الاستماع إلى الشهود أي عند الاستماع إلى الفرقاء أو أحد الخبراء، كما تم إظهار أهمية إبراز المال المضبوط في أي وقت، حتى في غياب جلسات الاستماع إلى الشهود.
وفي شأن موقف محكمة التمييز من أن المحكمة ليست ملزمة بالسماح لوكلاء الفرقاء بالاطلاع على المال المضبوط قبل المحاكمة بغية تحضير دفاعهم كون المال لا يشكل جزءاً من ملف الدعوى، فقد تم نقد هذا الاجتهاد الذي يمسُّ على السواء المصلحة العامة والمصلحة الخاصة في دولة القانون، وكان التمنّي على محكمة التمييز أن تغيّر موقفها هذا الذي يتنافى وجميع المبادئ التي تسود المحاكمة العادلة.
أمّا القسم الثاني من الكتاب، فقد تناول كيفية إعادة المال المضبوط وأصولها.
إنّ حقّ الملكية هو حقّ مقدس مكرّس في الدستور والقوانين، والدولة لا تهدف من خلال عملية الضبط إلى تملّك المال المضبوط، إذ أنها تحتفظ به، وبصورة مؤقتة، بهدف كشف الحقيقة أو بهدف حماية حقوق الغير.
١- تناولت المؤلفة في الفصل الأول من القسم الثاني مسألة إعادة المال المضبوط، فعالجت في الجزء الأول: مسألة إعادة المال المضبوط خارج حالات إبطال اجراءات المحاكمة من خلال تبيان الأموال التي يمكن إعادتها والشروط الواجب توافرها فيها، وتبيان الحالات التي تشكل استثناءً على مبدأ إعادة المال بذاته.
لإعادة المال المضبوط، يشترط تحقق شرطين:
أولاً أن يكون المال مضبوطاً.
ثانياً أن يبقى بذاته مضبوطًا، كون الأساس القانوني لدعوى إعادة المال المضبوط يكمن بوجود حق محمي ومسبق على المال المضبوط. فما يتم الحصول عليه بعد ارتكاب جرم معين لا يمكن المطالبة باسترجاعه.
واستثناءً على مبدأ إعادة المال بذاته، يصار إلى إعادة ما يوازيه في حالات محصورة. كما لو تم بيع منقول معين مسروق فتتم إعادة المال الناتج عن بيع هذا المال؛ أو إذا كان المال المضبوط من المثليات (في حال سرقة كميات من القمح من عدة أشخاص وجمعها في مكان واحد بحيث يتعذر تمييزها عن بعضها البعض، مثلاً)؛ أو إذا كان المال المضبوط يتناول مبلغاً من المال أو سندات أو أسهم؛ أو الحيوانات والأشياء المعرضة للهلاك.
ولاحظت، بالنسبة للاقتطاعات البيولوجية، إنّ الاجتهاد الفرنسي يعتبر أنه لا يمكن طلب إعادة الاقتطاعات التي تحصل على جسم الانسان لأنها لا تشكل أشياء يمكن ضبطها، وقد انتقدت المؤلفة موقف محكمة التمييز المشار إليه، وأثبتت أن لا شيء يمنع من طلب إعادة الاقتطاعات التي تحصل على جسم الانسان.
وفي السياق عينه، عرضت المؤلفة للحالات التي تحول دون إمكانية إعادة المال المضبوط إن لتعلّقها بالصالح العام أو لتعلّقها بالمصلحة الخاصة. (الصالح العام: مال يؤدي إلى كشف الحقيقة، أو مال يشكل خطرًا على الممتلكات والأشخاص، أو الأسلحة الحربية والذخائر. والمصلحة الخاصة: حماية حقوق الفرقاء أو الغير، أو خلاف حول ملكية المال المضبوط.)
أما بالنسبة للأصول المتبعة في إعادة المال المضبوط: ففي هذا الصدد تناولت المؤلفة عملية إعادة الأموال المضبوطة بصورة مفصلة ودقيقة بحيث توقفت عند كل مرحلة من مراحل المحاكمة، سواء أمام قاضي التحقيق أم قضاء الحكم. وأثارت الثغرات التي تعتري قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسي. وتوقفت عند بعض الإشكاليات التي تثيرها الأصول المتبعة لا سيما تلك الجارية أمام قاضي التحقيق، وخاصة حول طبيعة المراجعة التي يلجأ إليها الفرقاء ضد القرار الذي يتخذه قاضي التحقيق إن برفض إعادة المال المضبوط أو بمنحه لطالب الإعادة.
وعالجت المؤلفة في الجزء الثاني من الفصل الأول مسألة إعادة المال المضبوط تبعاً لإبطال أحد إجراءات المحاكمة.
إن قانون أصول المحاكمات الجزائية يعلّق أهمية كبرى على احترام الأصول والمبادئ عند البحث عن الأدلة وضبطها. لذا فإن مخالفة هذه المبادئ يحتِّم إبطال العمل الإجرائي وبالتالي إعادة المال المضبوط.
إنطلاقاً من هذا المبدأ، تناولت المؤلفة، في مرحلة أولى، شروط طلب إبطال العمل الإجرائي بهدف إعادة المال المضبوط. فتوقفت عند مسألتين باحثة إياهما بدقّة وتفصيل:
1) تاريخ التقدم بطلب الابطال، بحيث أثبتت أن محكمة التمييز الفرنسية تسعى إلى الحد من إمكانية طلب الابطال بهدف منع المماطلة وإطالة أمد المحاكمات.
2) إثبات وقوع الضرر، إذ على طالب الابطال أن يثبت أن ثمة ضرراً قد لحق به لكي يتمكن من إبطال العمل الاجرائي واستعادة المال المضبوط.
إن دراسة هذه الشروط تبين أن محكمة التمييز تتشدّد في قبول طلبات الإبطال، مما يؤدي إلى جعل هذه العملية صعبة جداً حتى لا نقول مستحيلة.
وفي مرحلة ثانية، تناولت المفاعيل المترتبة على الابطال، إن لجهة سحب العمل الاجرائي الباطل من ملف الدعوى، أو لجهة إعادة المال المضبوط لأصحاب الشأن. فتوقفت عند هذه المسائل بحيث ميّزت بين الإبطال الجزئيّ والإبطال الكلّيّ للعمل الاجرائي وما يترتب على ذلك من نتائج على مصير هذا العمل سواء بشطب بعض عباراته أو بفصله كلياً عن ملف الدعوى. وتوقفت عند نتائج عدم تطرّق المحاكم المختصة لمسألة إعادة المال المضبوط تبعاً لإبطال العمل الاجرائي، إذ يتوجب على أصحاب العلاقة التقدم بهذه الطلبات إلى النيابة العامة أو إلى قضاة التحقيق.
وقد أثارت المؤلفة الإشكالية حول مصير المال المضبوط الذي يحكم بإعادته والذي لا يتقدم أصحاب العلاقة بطلب استرجاعه، بحيث يصبح ضمن شروط معينة ملكاً للدولة.
٢- أما بالنسبة للفصل الثاني من القسم الثاني فقد ناقشت المؤلفة مسألة استحالة إعادة المال المضبوط إن لناحية أسبابها أو لناحية مصير الأموال المصادرة بحيث تناولت، في مرحلة أولى، الاستحالة الفعلية لاعادة المال المضبوط والتي تنجم عن خطأ الموظف في تسيير المرفق العام وما يترتب عليه من مسؤولية مدنية وجزائية على الدولة وإعطاء الحق لأصحاب العلاقة بالمطالبة بالتعويض.
و تناولت في مرحلة ثانية مصادرة المال المضبوط، من خلال عرض الحالات التي تتم فيها المصادرة، فهي تكون إما نتيجة قرار قضائي بحيث تشكل المصادرة عقوبة أو تدبيرًا احترازيًّا وفقاً لمقتضى الحال، وإما نتيجة أمر صادر عن السلطات الجزائية، بحيث يصبح المال المضبوط ملكاً للدولة نتيجة مرور فترة زمنية معيّنة حددها المشرع.
علمًا أنّ المشترع يهدف بشكل أساسي إلى تقليص عدد الأموال المضبوطة نظراً لضيق مساحة أقلام المحاكم.
وقد تناولت المؤلفة هذه المسألة بصورة مفصّلة، فعالجتها أمام قضاة التحقيق، وكذلك قبل هذه المرحلة، أي في مرحلة التحقيقات الأوّلية enquête préliminaire.
وتطرّقت المؤلفة إلى مصير الأموال المصادرة، بحيث يصار:
- إمّا إلى البيع بالمزاد العلني حيث توجد أصول خاصة ترعى بيع الأموال المنقولة والأموال غير المنقولة.
- وإمّا إلى إتلاف الأموال المضبوطة.
- وإمّا إلى إعطائها لجهات معينة. (مثلاً: المستندات تعطى للادارة المختصّة، الكتب ذات القيمة الارثية أو التاريخية تودع في المتاحف، الأسلحة الحربية تعطى لوزارة الدفاع).
وانتهت المؤلفة في خاتمة كتابها إلى تبيان النتيجة التي توصلت إليها والمتمثلة بوجود بعض الثغرات في القانون الفرنسي والتي حاولت معالجتها بطريقتها من خلال طرح جملةٍ من التعديلات على بعض المواد القانونية .
وفي الختام، فأنّ الدكتورة شانتال عالجت موضوعًا ندرت حوله المؤلفات، رغم أنّه يُطرح باستمرار في الحياة العملية. فسدّ الكتاب فراغًا في المكتبة الحقوقيّة.
أمّا المعالجة فقد جاءت فيه دقيقة، تدخل في كلّ التفاصيل، وتتطرّق إلى النّاحيتين النظريّة والعمليّة: إلى النصوص القانونيّة والاجتهاد وإلى الممارسات اليومية.
وان طرح الموضوع من زاويتي المصلحة العامة (جلاء الحقيقة) ومصلحة المتهمين (حقوق الدفاع واحترام الحريات) جاء موفقًا، ورفع الموضوع من رتابته التقنيّة إلى سموّ المبادﺉ.
وليس الأمر غريبًا عن الدكتورة شنتال التي نعرف تمسّكها بالقيم الاخلاقيّة والمبادﺉ الانسانيّة؛ وقد اختارت ان تنذر نفسها لإحقاق الحق وللدفاع عن الحريات.
وإنّنا لنتمنّى أن يكون هذا الكتاب فاتحة إنتاج غزير, آملين أن تخصّ الدكتورة شانتال القانون اللبنانيّ بدراسة مماثلة، وهو الغني بالنصوص الحديثة لهذه الجهة وبالاجتهادات.
وندعو أخيرًا للمؤلّفة بالتوفيق وللحركة الثقافيّة في انطلياس بدوام العطاء والازدهار.