كلمة الأمين العام للحركة الثقافية – انطلياس
الدكتور عصام خليفة بمناسبة الاحتفال بمئوية
ولادة المفكر والأديب رئيف خوري
الاونسكو 2013/11/2
ايها الحفل الكريم،
ان الشعوب التي لا تتذكر كبار مثقفيها وكبار مصلحيها، وتكرّمهم وتتمثل بسيرهم وتهتدي بمآثرهم هي شعوب لا تحسن التقدم في حركة التاريخ.
ولأن رئيف خوري واحد من كبار مثقفي شعبنا اللبناني وشعوبنا العربية عموماً، وأديب مصلح حمل هموم هذه الشعوب في كل ما انتجه من ادب وفكر، وفي كل المواقف العملية التي اتخذها طوال حياته، قررنا ان نحتفل بمئوية ولادته في المهرجان اللبناني للكتاب الذي نظمته الحركة الثقافية – انطلياس (اوائل شهر آذار 2013) واصدرنا كتاباً خاصاً عنه في المناسبة (440 ص ويتضمن 23 بحثاً) وشاركنا في حفل ازاحة الستار عن تمثاله النصفي في بلدته الأبية نابيه (26 ت1 الماضي) وننظم اليوم حلقة دراسية اكاديمية وحفلاً خطابياً ونشاطاً فنياً وفيلماً خاصاً عن هذا المفكر الحر.
فباسم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، والحركة الثقافية – انطلياس وبلدية نابيه وعائلة اديبنا المبدع نرحب بالمشاركين في هذا اليوم الاحتفالي من محبي وقادري رئيف خوري.
أيها الأصدقاء،
في هذا الزمن العربي واللبناني الذي تندلع فيه الصراعات الدموية وتعاني مجتمعاتنا من عوامل الفرقة والانقسام والتفكك في الداخل، ومن مظاهر التدخل وارادة الهيمنة من قوى خارجية متنوعة.
وفي هذا الزمن الذي تمعن فيه اسرائيل بالتوسع والاستيطان غير عابئة بمقتضيات القانون الدولي والقرارات الدولية، ضاربة عرض الحائط بالحد الأدنى من الحقوق العربية، في هذا الزمن الذي يموت فيه الاطفال ويهجّر الشيوخ والنساء، ويدمّر العمران، وتحصد المجاعة والاوبئة والرصاص والنار والانفجارات، في قلب مشرقنا العربي، زهرة شبابنا، وحواضر مدننا وقرى اريافنا.
في هذا الزمن الذي تشرئب فيه افاعي الفتن، وفحيح السعار التعصبي، وتتصاعد موجات الاستبداد والاصوليات المذهبية،
في هذا الزمن بالذات نستعيد فكر رئيف خوري لبنانياً وعربياً.
- "ان لبنان ينبغي له دائماً ان يكون مثال التعايش الاخوي الكريم بين الاديان والاجناس والنزعات الفكرية التي تتنوع، ويجب ان تتنوع ولكنها تتحد على حفظ كيانه وطناً سيداً مستقلاً، موئلاً للحرية والتسامح"(1)
- "لا يتم خلاص لبنان بان يظل شاخص الابصار الى خارج حدوده مشرّقاً ومغرّباً... وخلاص لبنان انما يتحقق بالاعتماد على الروح اللبناني الجديد الذي يؤلف ابناء لبنان ويجمعهم، ويحيي قوى لبنان ويصبها في سبيل واحد، فيكون ذلك اساساً متيناً لاستقلال لبنان وحرية لبنانية، اساساً لاستقلال لبنان وحرية لبنانية، اساساً يصمد على عوادي الزمن، لأنه اساس داخلي وطني لا يتعلق باهواء خارجية"(2)
- ان لبنان لا سبيل له إلاّ سبيل الحرية، وسبيل التسامح، وبالحرية والتسامح ينقلب ما عده بعض الناس فيه نقطة ضعف الى مصدر قوة ومنعة"(3)
- "لبنان قبل كل شيء، في نظرنا، هو شعبه! هو لحمه ودمه وعصبه الحي. هو رجاله ونساؤه واطفاله وعذاراه"(4)
- واجب الأدب الأصيل هو "في اذكاء حب الحرية في النفوس، والابانة عن معالم الطريق الى الحرية"(5). "وان الأدب لا ينبغي له ان ينسى ان بينه وبين الدولة تعارضاً صميمياً، وان طبيعته تقضي عليه ان لا يتعطّل من منبر نقدٍ صارم للدولة"(6)
- "العلم مضافاً الى الحرية والاستقلال ضروري لتمكين أي بلد من الانتفاع بثروة ارضه حين توجد هذه الثروة... ولبنان ينبغي له ان يكون قبل كل شيء بلد مثقفين، بلد معلمين، بلد اطباء ومهندسين، بلد خبراء وفنيين في ضروب الصناعة والتجارة والزراعة، فهؤلاء هم ثروته الحقيقية ومبعث اشعاعه الحقيقي"(7).
- ثمة تأكيد مستمر على قيام مجتمع المعرفة واقامة المؤسسات العلمية التي يجب ان تتوزع على كل ارجاء الوطن، وليس في بيروت وحدها. وثمة تحذير من رئيف خوري "ان نفقات التعليم تتعاظم بحيث تتجاوز طاقات الاسر الشعبية وتحمّل حتى الاسر المتوسطة اعباء قاصمة الظهر"(8)
- حب الوطن وحده، بصورته الشعرية التي تبعث النشوة، قليلاً ما بنى الاوطان وارساها على الدعائم الثابتة... (ثمة عناصر اخرى ابرزها) حكم وطني سيد مستقل... وديمقراطي وعدالة وحرية، وجهاز كفؤ لتطبيق هذه الديمقراطية والعدالة والحرية.
- "ان التعصب لا يليق بشعب مثقف ولا يفيد الا العدو، فضلاً عن ان فيه خرابنا جميعاً. ولذلك لا بد لنا من الاعتصام بحبل التسامح والمحبة مكرهين او راضين، وبالنتيجة راضين لأن التسامح والمحبة لهما من الثمار الايجابية في حياتنا الخاصة والعامة ما يقنع الكثرة الكبرى من المواطنين(9).
- "الفكر اللبناني... كان دائماً اجرأ تيارات الفكر العربي على ارتياد الجديد المحدث...(10)
- من خصائص الدولة العصرية: المواطنية والمواطن. والديمقراطية السياسية (حرية الفكر والتعبير). والعدالة الاجتماعية التي توفر على المواطن المجتهد حاجاته المادية، ويوفر عليه النمو العقلي والروحي في المعرفة والثقافة(11). فيها ارقى المؤسسات الوطنية للتربية والتعليم في كل باب من ابواب العلم، وان يكون فيها اعدل قضاء، وانشط وانزه واثقف ملاك للموظفين، واحدث اساليب الادارة، واعدل قانون يعين العلاقة بين العامل ورب العمل، وباكمل قوة للحفاظ على الامن والدفاع ضد أي عدو خارجي، وبأحكام سياسة خارجية قائمة على الاستقلال التام، وعلى الحياد ازاء التكتلات العالمية، وازاء المعسكرات العربية، مع العلم ان الحياد لا يعني معاملة الصديق كالعدو(12)
- هذه الدولة اللبنانية لا يصح ان تدمج في دولة عربية مركزية واحدة. وليس ذلك حرصاً على مصلحة لبنان فقط، بل هو حرص على مصلحة العروبة نفسها، لأن لبنان ببقائه مميز الشخصية يستطيع ان يلقح العروبة بمفاهيم جديدة حديثة، كما سبق له ان لقحها بالأمس:
- العروبة العلمانية هي الحل(13)
- العروبة ليست مرادفة للاسلام ولا لدين آخر، ولا هي مقفلة في وجه الأديان(14)
- ان الخطى الأولى التي يجب ان نوجّه اليها اهتمامنا الخاص هي بناء الديمقراطية الصادقة في كل قطر عربي(15).
- دعى ابو نجم الى تجديد كتابة تاريخ لبنان وتاريخ العرب. ولاحظ ان الاختلاف الكبير الذي نجده ساري الفعل والاثر في التاريخ العربي كله، نعني اختلاف الشيعة والسنة مثلاً، انما هو في الاصل مظهر شكلي تلبست فيه اختلافات من نوع آخر لها طابع سياسي محض صريح. وبعبارة أكثر وضوحاً وتعميماً: يحتاج التاريخ العربي الى كتابة من جديد على ضؤ التفسيرات العلمانية، لا الدينية الغيبية كما كان غالب الامر حتى الآن(16).
أيها الحفل الكريم،
هذا الفكر الذي يمكن ان يشكل برنامج حل لوضعنا اللبناني وللوضع العربي هو الذي نحتفل بمئوية ولادة صاحبه هذا العام. ولا يفت من عضدنا تقاعس وغياب من نصّبوا انفسهم مسؤولين عن الثقافة في بلادنا!!
فباسم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، والحركة الثقافية – انطلياس وبلدة بلدية نابيه وعائلة اديبنا المبدع رئيف خوري، نتقدم من كل المشاركين في هذا اليوم (باحثين وفنانين وحاضرين) باعمق مشاعر التقدير كما نشكر الفنان شربل فارس على التمثال الذي انجزه وربض في قلب البلدة المتنية العريقة نابيه. وفي كل حال نحن على يقين من تخطي شعبنا اللبناني وجميع الشعوب العربية الشقيقة كل مظاهر التعصب والاستبداد والعنف والظلم والظلام، وان مفكرين امثال رئيف خوري سيستمرون مشعلاً يضيء الدرب لانتصار قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وقيم الاستقلال والتقدم والسلام المرتكز على العدل في لبنان وعالمنا العربي وفي العالم اجمع.
(1) من محاضرته (الخبز الآخر) 16/1/1960.
(2) مجلة الآداب، السنة 1، العدد 4، ص 15 – 16.
(3) مجلة الثقافة الوطنية، السنة 8، العدد 3 – 4، 1959، ص 3.
(4) مجلة الطريق، السنة2، العدد 11، 1943.
(5)رئيف خوري الأدب والسياسة، دار الآداب، بيرون، 1968، ص 58 -59
(6) رئيف خوري، الأدب: ناقد الدولة" الأدب المسؤول، دار الآداب، بيروت، 1968، ص 165
(7)الخبز الآخر، المجع السابق.
(8) الخبز الآخر، المرجع السابق.
(9) (لكي يكن لبنان) مقال في مجلة الثقافة الوطنية، س 8، عدد 3 و 4، 1959، ص 2-6.
(10)المرجع السابق.
(11) المرجع السابق.
(12)المرجع نفسه
(13)المرجع نفسه.
(14)من محاضرة في الندوة اللبنانية 26/3/1956 بعنوان (هذا التراث الفكري العربي).
(15)مجلة الطليعة (ت1 1938) ص 648.
(16) د. احمد علبي، رئيف خوري داعية الديمقراطية والعروبة، دار الفارابي، بيروت، 2013، ص 519 نقلاً عن مجلة الطريق.