مداخلة حول كتاب الدكتور شربل داغر
" بين السلطان والمقاطعجية والعوام الحراك والافق "
نايل ابو شقرا
باحث مستقل
بين السلطان والمقاطعجيين والعوام ، الحراك والافق ، هو الاصدار الجديد للدكتور شربل داغر . الكتاب قسّم الى خمسة ابواب وسبعة عشر فصلاً وخاتمة ، تحاول هذه المداخلة ان تلم بمضامينه بدفع من مفاصله المترابطة .
الفصل الاول :
أهالي تنورين في الليتورجيا يقاربهم المؤلف منذ دخولهم الكيان المسيحي أو المعمودية الى منحهم الروح القدس او التثبيت ثم عرابي المعمودية ، فمشروع بناء العائلة الذي يمر حكماً في اشهار الزواج او المناداة . عبر هذه النمطية الطقوسية ترتسم بيوت تنورين ، وقد ضاعت في حناياها اخطاء الكهنة في تدوين المعلومات أو اختصارها كما احبطت احياناً المقررات المجمعية حول شروط الزواج ، ولا سيما موانع القرابة الدموية واعمار المتزوجين ، فالعائلة التنورية تحكمها عادات وتقاليد تختصر الرتابة الاجتماعية للعائلات الريفية ، لقد استنفد المؤلف ما تعرف عليه من وثائق . ومع ذلك اتخذ موقفاً حذراً من جهده المبذول في استثمارها وكأنه الخوف الذي نجح في تبديده . ان الاخلاقية التي حافظ عليها اهل الريف تكاد تتقدم على الحضارة الغربية ، ويكفي ان نقف عند نماذج زواج قدمتها جيرمين تيلون في كتابها " الحريم وابناء العم " وذلك بين سنتي1946 ـ 1958 ، فمن اصل 450000 زواج كاثوليكي في فرنسا ، هناك 253 وثيقة اعفاء منحت من اجل اقامة حفل زواج بين عم وابنة اخيه ، او بين عمة وابن اخيها وهذا لافت في زمنه وفي دولة كفرنسا وتبقى الاخلاق الشرقية كما ظهرها المؤلف هي الضامنة لكل انفلات .
الفصل الثاني :
يحاول الباحث ان يستخرج شجيرة في كل بيت تنوري وقد انطلق من وثيقة المثبتين والمثبتات للسنة 1852 والتي تشير إلى نمو سكاني في تنورين ، كما أن رصده للوثائق التي ارخت في مدى معين مكنه من ربط اواصر قرابات نسبية راسماً بذلك انساباً امكن استكمالها من الحجج العقارية ، ومع ذلك يعترف بصعوبة رسم البيوت مع اصراره على امكانية وضع مدماك نسبي لعلاقات تتعدى احياناً الاجيال الثلاثة في البيت الواحد .
الفصل الثالث :
يعود المؤلف الى خصوصيات بعض البيوتات التنورية فيتعاطى مع اسماء الافراد ذكوراً واناثاً ، يستثمر مرآة عصام خليفة في فرز الاسماء فيتوافق معه على ان معظمها اسماء قديسين ، وتحتل اسماء: يوسف وعيسى ويحي حيزاً في التسميات ، أما الاسماء العربية فيرى فيها دلالات تعايشية " ، بيد أن هذه المداخلة ترى ان يوسف وعيسى ويحي هي اسماء الفرض وليست الخيار، على الاقل بنظر ابن قيم الجوزية اذ قسم الاسماء الى ثلاثة اقسام : قسم يختص بالمسلمين وقسم يختص بالكفار وقسم مشترك ، والتسميات موضوع الدراسة تدخل في هذا التصنيف .
الفصل الرابع :
وهو يحاكي الفصل الثالث لجهة تطور اسماء المولودين ذكوراً واناثاً . إن تطور التسميات الى الصيغة الاوروبية هو نتيجة لعاملين : مناخات الحرية الدينية التي وفرها نظام المتصرفية وتفاعل غير مباشر مع الغرب ترك آثاره على المجتمع المسيحي في لبنان ، اما اسماء الاناث فمساحة الحرية فيها مفتوحة ومع ذلك غابت اسماء مثل ، مارينا ومارتا ومرتا وهيلانة بصيغها الاصلية .
الفصل الخامس :
لن نتطرق الى تاريخ تنظيم دفتر مساحة تنورين الذي يحمل اشكالية قد تتبلور لاحقاً ، لقد كان دفتر المساحة يقوم على ثلاث دعائم : المالك والملكية ودراهمها ، وكان الاصل في حيازة الارض دراهم المساحة وليس عدد الملكيات وكان التسجيل فيه يأخذ بالاعتبار موقع المالكين في السلم الاجتماعي الذي لا يمكن ملاحظته في الدفتر الاولي ، بل الدفتر الموحد للملكيات فيرد مثلاً : الشيخ انطوان داغر وتحت الاسم كل الملكيات العائدة له ودراهمها . تعتبر هذه المداخلة ان النقطة الاهم في موضوع حيازة الارض استئثار الزعامات المحلية بدراهم المساحة ، يكشف المؤلف في سياق دراسته دفتر مساحة تنورين ان مدير ناحية تنورين هو المالك الاكبر في قريته تنورين ، فالسلطة موقع استئثاري ونفوذي يجعل من تراكم الملكيات العقارية احد اهم آليات الحفاظ على الموقع الوظيفي ، ونادراً ما نجد موقعاً مميزاً دون ملكيات مميزة .
تلفت القراءة الى اخطاء مطبعية في النسب المئوية في الصفحتين 121 و 122 علماً ان وحدة المساحة الاساسية هي الدرهم لذلك فهي تأتي قبل القيراط والحبة . اللافت في هذا الفصل ملكيات ديرحوب الذي كان يتصرف باربعة عشر درهم توت ، واذا ما وقفنا عند ما تنتجه تنورين الفوقا وشاتين ووطى حوب ووقف دير حوب يتضح ان هذا الدير كانت ملكياته من التوت ما نسبته 16،60 % من المواقع الزراعية اعلاه ، وهي نتيجة مؤداها نشاط زراعي كثافة يد عاملة وتوطن بقصد العمل ومع ذلك فان انتاج الحرير لم يعد اولوية في اواخر القرن التاسع عشر وبدايات العشرين وسرعان ما يوضح المؤلف بعد عدة صفحات ان كثرة المهن كانت احد اسباب هذا التراجع .
الفصل السادس :
هذا الفصل يتناول المطاحن في تنورين ودير حوب وطاحونة الرعيدية ، حيث بلغ انتاجها 19 درهماً اواخر القرن التاسع عشر وهو رقم انتاجي كبير. إلا ان المهم ما تلحظه الدراسة من دور للكنيسة في ضبط الاسعار لمواجهة الاحتكار ، يضاف الى ذلك عمليات وقف الاراضي في تنورين الى دير حوب قبيل عامتي انطلياس ولحفد ، مما يفسر الدور الاقتصادي للرهبانية المارونية التي استطاعت ان تبني عليه ـ بالتكافل والتضامن ـ موقفاً سياسياً مع البطريركية المارونية .
الفصل السابع :
هناك اربع مسائل اثارتها الدراسة : الاولى وقفية مزرعة حوب ، يستعرض المؤلف قصة الوقفية وتردد الرهبانية اللبنانية في تنفيذها خشية الاقدام على فعل غير مأمون النتائج ويقصد المعوقات السياسية بوجود آل حماده الملتزمين لبلاد تنورين ، ولكن هذه المداخلة ترى سبباً وجيهاً يضاف الى غيره من اسباب ، وهو ان الرهبانية التي تشكلت سنة 1697 لم تكن حينها قد تبلغت البراءة الحبرية بشأن تثبيت القانون الرهباني الذي تم سنة 1732 ولذلك كان يتعذر عليها ادارة هذا الوقف .
المسألة الثانية : انتقال رهبان من بكاسين (قضاء جزين) الى دير حوب وهو ظاهرة لافتة ، ولا سيما ان عدد المهاجرين بلغ ثلاثة عشر ، المؤلف كان حذراً في تقديم استنتاجات إلا انه عين سبباً مشروعاً هو حاجة الدير الى استصلاح الارض ، لكن المتابع لدراسته يتساءل اليس من خلفيات وراء هذه الهجرة من الجنوب الى الشمال ، وهل هي احدى نتائج صراع الرهبانيتين الحلبية والبلدية ، أو هل كانت نتيجة الضغط الضرائبي ولا سيما ان تاريخ الرهبانية يتحدث عن الظلم الذي شهده جبل لبنان في بدايات القرن التاسع عشر .
المسألة الثالثة : حرص الرهبانية المارونية سنة 1753 و 1757 على تضمين عقود الهبة او الشراكة عبارة " لا نعارضهم في أمور دينهم وقوانينهم واجرائهم وشركائهم ، وقد تكررت هذه العبارة في نص عقد بين الشيخ كنعان نكد والرهبانية سنة 1756 ، في حين ان شرط عدم معارضة الرهبان في امور دينهم لا نجدها سنة 1785 في صك مشترى الرهبانية لمزرعة الكحلونية في جبة المتن ، بل نجد في صك انشاء دير مار مارون بيرسنين 1783 ما يفيد مساعدتهم في كل ما يعيق ويخالف قوانينهم ، استناداً لى تاريخ الرهبانية المارونية .
المسألة الرابعة : تتساءل هذه المداخلة حول دقة الرقم المعين لمهاجري تنورين في التقديرات الاحصائية لسنة 1913 حيث حدد بـ 2000 مهاجر ، في حين ان الاحصاء السكاني لاهالي تنورين سنة 1913 يوضح ان عدد السكان بلغ 5600 نسمة اي ان نسبة الهجرة بلغت 71، 35 % .
الفصل الثامن :
هذا الفصل يقدم قراءة موثقة حول وتائر الانجاب ويعطف مضامينه على الفصل الاول لا ليستدرك بل لينطلق من خلال عنصر مقارنة وفرته دراسة سوسيولوجية في كل من بلدتي الجوار والخنشاره في قضاء المتن . لم نفاجأ في معدلات الانجاب في تنورين رغم ضبابية الصورة المقدمة لنماذج محددة تقارب معدلات الانجاب المعتدلة لدى المسيحيين والدروز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وكذلك زيجات القربى التي لم تحترم قوانين الكنيسة وإن جاءت كما يقول المؤلف مبررة بـ " الحل " ولا تُغيب الدراسة الزواج من خارج العائلة وحتى من خارج البلدة ، الا ان الاشكالية تكمن في المقارنة بين عشرة بيوت وعائلات من تنورين وبين 47 الى 58 % من اهالي بلدتي الخنشارة والجوار وهي مقارنة غير متكافئة اذا ما كانت معدلات الانجاب في هاتين القريتين بين صفر و ولدين.
الفصل التاسع :
معظم هذا الفصل صيغ على وقع المصادر التي تحدثت عن ابتكار نظام المتصرفية في الجبل والتداعيات التي نتجت عن الحراك الداخلي بعيداً عن ضغوط المرجعيات النافذة أو مشايخ العهدة ، وما استوقف هذه المداخلة هو استشهاد المؤلف بنص لشاهين ابكاريوس في كتابه " مذبحة الجبل " حسر اللثام عن نكبات الشام ، يستعمل فيه مصطلح ذمي للفرد من مسيحيي الجبل ، والاشكالية ليست في توصيف ابكاريوس بل في استنتاجات المؤلف من حملة ابراهيم باشا المصري على لبنان وسوريا حيث يرى " نهاية شكل من اشكال الذمية في حين ان ابكاريوس يستخدم مصطلح " الذمية " في اشارة الى نصارى الشام كما يتضح من متن الفصل المتعلق بحكومة الشام من الكتاب المصدر ، علماً ان مصطلح ذمي لم يستخدم في جبل لبنان إبان عهد الامارة إلا في مراسلات المرجعيات العثمانية .
الفصل العاشر :
هذا الفصل يركز على التداعيات التي نتجت عن الحراك الداخلي الذي اسس لنظام المتصرفية من عاميتي انطلياس ولحفد الى ثورة الفلاحين وانعكاساتها السلبية على الاقطاع المسيحي كظاهرة تحقير المشايخ وانهيار هيبة الدروز وصولاًَ الى يوسف بك كرم وحضوره السياسي واختلاف المؤرخين حول سياسته ، ومع ان المؤلف لم يتقيد بتسلسل الاحداث ، بل هو ركز على أنسنة الممارسة خارج الرتابة الزمنية ، هذه الممارسة التي كانت ولم تزل تسللاً بين المعوقات .
الفصل الحادي عشر :
يغوص المؤلف اكثر فأكثر في احداث الجبل ، حيث يرصد وجوهاً اقرب الى العامة ولكنها بيوتات ارستقراطية ، تتجسد فيها اذرع الاقطاع في القائمقاميات . وعلى تنوع مواضيع هذا الفصل الا ان مشهداً يمكن الوقوف عنده لوجود بصمة المؤلف الحيادية ، يستعيد مشهداً للصراع الطائفي بين الدروز والموارنة . والحدث هو هجوم ابناء تنورين والشمال على منطقة الشحار (عبيه وجوارها) ولكنه يتنبه لصيغ المرؤة التي اعتمدت في توصيف الحدث فيعتبرها " حشو " وأن القص الشعبي اعمل نسقه في بناء السرد ، ومع ان الوثائق التي نشرها د. عصام خليفة تؤكد احداها المؤرخة سنة 1843 على حصول المغدورية على دروز نيحا من المسيحيين كما حصلت مغدورية من الدروز على مسيحي عبيه ولكن الادعاءت مضخمة ، وهذا ما وصلت اليه لجنة تخمين خسائر الفريقين فإن ما يبرر استخدام المؤلف لمصطلح " حشو " هو حدسه بالنص المشحون ، والاهم في نقل هذا المشهد مقتل الشيخ بشارة طربيه في الشحار، وهذا عنى تهديداً للموقع السياسي لمشايخ الشمال في اشارة الى ترددهم في دخول القتال مع الثوار وبالمقابل فإن هذه التضحية مهدت ترقي ابن الشيخ بشاره الى موقع مديرية تنورين في عهد المتصرفين .
الفصل الثاني عشر :
يضيء المؤلف على الموضوع التمثيلي فلا حضور للعامة في تمثيل اهالي القضاء بوجود مشايخ العهدة الذي تراجع دورهم لصالح قوى صاعدة ربما كان معظمها من الفئة الميسورة او الخواجات الا ان خرقاً حصل على غير عادة ، تمثل في وصول انطون بك حرب الى قائمقامية كسروان وإن بالمساعدة الخارقة ، رغم مهارته وحنكته .
الفصل الثالث عشر :
يتناول فيه الجهاز الاداري في المتصرفية ، يبني على اوراق رستم باز حيث النصوص تشي بوطأة المصالح الضيقة واعتماد سياسة خرقاء ، نموذجان من الموظفين انهكهما باز بقلمه احدهما اسكندر حداد كاثوليكي من جزين اذا ضرب اوجع واذا افسد بالغ واذا فتن افلح إلا أن هذه المداخلة تستحضر شاهداً خالف باز . إذ رأت فيه جريدة الجوائب زمنذاك المأمور الحائز على الاوصاف الحسنة . هكذا تتبلور في نصوص الكتاب هموم الجبل وضياع مجتمعه بين منابته الطائفية ومؤثرات المصالح العائلية والعقارية ، وقبل صفحات من قفل هذا الفصل يعود ليتحدث عن انطون بك طربيه باعتباره نموذجاً لمشايخ الشمال الذين لم يعرفوا عصياناً من الفلاحين كما حصل في كسروان وغيرها .
الفصل الرابع عشر :
يتحدث عن بشاره الخوري الفقيه ، ومعاناته في تعلم الفقه ، ويمكن قراءة البعد السياسي في تحول بعض رموز مارونية الى القضاء الذي يعتبر ورقة مهمة في سلطة الكنيسة المارونية او كما يرى المؤلف " اقتطاع" حيز نفوذ في السياسة ، تلفت هذه المداخلة الى ان الخوري ارسانيوس الوارد في الصفحة 335 هو الخوري ارسانيوس الفاخوري وليس ارسانيوس الخوري .
يفتح المؤلف نافذة على شأن عام في جبل لبنان ليدخل منها الى الملاذات الاكثر قرباً اليه في البناء الاجتماعي ، يواجهنا بمفلح داغر المحامي ، زمنه بداية القرن العشرين ، تتقدم صورة اسعد ابن مفلح في النص لتتموضع في السياسة والصحافة ، اما شقيقه بطرس فيرتقي الى مدارج القضاء والى الصدارة في عائلته .
الفصل الخامس عشر :
يعود المؤلف في هذا الفصل ليبحث في الشأن الكهنوتي كهنة من تنورين أو خدام رعيتها ، يلفت الى ان بيوتاً بعينها اختصت بالعمل الكهنوتي يبحث في اشكاليات الانتماء الى هذا السلك على وقع مفاضلة العائلات النواتية بين الكهنوت والارض ، ويستنتج ان كل عائلة كان لها كاهن ولا يفوته مشهدة الصراع على مواقع الرهبانية ، صراع مناطقي بين بلادي جبيل والبترون من جهة ، وكسروان من جهة ثانية ويلاحظ ان قرية تنورين لا تحظى برئاسة عامة للرهبانية رغم مرور اكثر من قرنين على انشائها . تراجعت هذه الشكوى بعد وصول راهب من غوسطا الى الرئاسة سنة 1874 وللدقة هو مارتينوس سابا الغسطاوي 1875 ـ 1890 رهبانية 3/319 تلفت هذه المداخلة الى أب ثالث من جبيل تولى رئاسة الرهبانية هو الاب سابا العاقوري 1844ـ1847 رهبانية 3/ 319 كما يأتي هذا التحول بعد سبعين سنة من وصول مرقس الحداد من كفاع جبيل ، هذا ولم يكن ارتقاء الاب أغناطيوس داغر الى رئاسة الرهبانية 1913 ـ 1929 إلا تتويجاً لنجاحات حققتها مناطق بعيدة نسبياً عن كسروان .
الفصل السادس عشر :
تفقد الرعايا واحوال الكنائس والمدرسة ملامح من شؤون العامة والخاصة . والسلطة الدينية ، والتهرب من دفع مرتبات كاهن الرعية أو المعاليم وخرق بعض العادات والتقاليد الزمنية منها والدينية ، خلاف مدير تنورين والمطران ، صراعات اجتماعية ، الكنائس والمعابد واستثمارها السياسي ، نزاع على ضمان الجرد ، الطرق والقادوميات معاناة الطلاب ونظره الى المستقبل هي العناوين التي احتضنها هذا الفصل .
بناء على تقارير الزيارات الرعائية لتنورين وحوارات مع الخور اسقف حرب يشيد المؤلف نصاً وصفياً لكنائس تنورين مسلطاً الضوء على عمار كنيستي شاتين ومار يعقوب وترميم كنيسة تنورين الفوقا ، قد يكون هذا حدثاً دينياً وعمرانياً ولكن دلالاته البالغة هي ابعد من ذلك ليس على صعيد الرهبانية المارونية فحسب بل على صعيد الكنيسة المارونية وابنائها ، عمليات البناء والترميم لم تخضع لموافقة الديوان الهمايوني في السلطنة العثمانية كما حصل في بناء وترميم كنائس في كفرمشكي قضاء راشيا او جباع الحلاوي او ميناء طرابلس أو غيرها ماذا يعني ذلك ؟ إن احد اهم المكتسبات التي تحققت للمسيحيين في عهد المتصرفين هو خروجهم من عهد الذمة فعلاً هذا هو الاهم في نتائج الحدث .
في الشأن التعليمي ينطلق المؤلف من نص للأب لويس بليبل في تاريخ الرهبانية اللبنانية المارونية (البلدية) بعد القسمة مآله : ان اهالي تنورين وقفوا سنة 1765 نصف املاك وقف مار ضوميط كبدل لاستحداث مدرسة لتعليم الاولاد ولكن هذه المداخلة تستحضر نصاً من تاريخ الرهبانية المارونية ، اذ يرد في الجزء الثامن من تاريخها : " وفي سنة 1749 تسلمت الرهبانية دير ما انطونيوس حوب من بلاد البترون وعمرته ديراً قرب كنيسة قديمة وزادته ارزاقاً واقامت بجانبه مدرسة للاحداث . واذا ما اخذنا بما وقف عليه المؤلف من حجج تفيد بأن بناء المدرسة كان قبل هذا التاريخ فان التفاصيل تصبح ملتبسة ولكن الجوهر يبقى واحداً ، طريق الى الابجدية في جرد البترون زمن ندرة العلم في القرن الثامن عشر .
في السياق ذاته يتوقف الدكتور داغر عند نص يفيد بـ " بصدور قرار من قائمقام البترون سنة 1873 يقضي بانشاء خمس مدارس في البترون الا انه يعصى عليه الوقوف على مفاعيل هذا القرار ، ويظهر ان كتاب لبنان واللبنانيون " لبيتكوفيش لم يكن بين مصادر دراسته ، ففي الصفحة 141 يلحظ بيتكوفيش مدرسة في تنورين عدد تلامذتها 60 وعدد الذكور في تنورين 560 .
من بين عشرات المواضيع المثارة والمثيرة في آن ، يستوقفنا المؤلف عند حدث أرخه انيس داغر سنة 1948 محوره الشيخ جان حرب الذي يزور قرى منطقة تنورين ماشياً بقصد الدعاية الانتخابية ، كم تبدو صورة الحاضر قاتمة قياساً الى صورة الماضي .
الفصل السابع عشر :
حوارات مع الخور اسقف يوسف مرعب حرب ارادها المؤلف قفلاً لمسيرة الكتاب ، تستعيد احداثاً زمنها 1909 ـ 2010 ـ تنسحب على ماضٍ يعود الى بدايات المتصرفية دقتها ليست مضمونة كما يقول المؤلف ، من السيرة الشخصية للراوي ، الى احداث منطلقها تنورين ، ثم الى غربة في طرابلس حيث تنكشف الحيطان الواطئة مع اختلاف العقيدة ، يتحدث الرواي عن عائلات تجد الدفء في بيروت بين البسطا والخندق الغميق والرملة البيضاء ، بيروت اليسوعية والطبية ، مستقبل لا يتوفر في جرد البترون ، المدينة التي عرفت الاوتومبيلات ، وبعدت عنها أكلة القريصة ، معاناة اهالي ناحية البترون في عدم وجود شبكة مواصلات بناء كنيسة سيدة الانتقال في تنورين ولو تضايق زعماؤها ، تأخذنا الرواية الى احداث حفرت في الذاكرة كاستخدام الصلبان والايقونات في القبور لاثبات حق في الخراج ، بين وجع الصراعات وشغل البال من جهة ، ولعبة الديكا والمنقلة والحكم والداما ، تحدٍ من نوع آخر تمادوا به الى رفع المحدلة وقرع جرس يزن 460 كلغ ، هذا التحدي المسالم يختصر مع غيره طبيعية جرد البترون تحدٍ يختزن طموح التنوريين بالرغم من عقد المسالك وظلم الطبيعة ، هي اصداء الماضي بما فيها من نهايات غير سعيدة وشح في اغتراف النفوذ المتوفر في خوابي المرجعيات التاريخية النافذة .
ــــــــــــــــــ