تكريم الفنان شوقي شمعون

كلمة بريجيت كساب في يوم تكريم الفنان شوقي شمعون
07/3/2025
بداية مع النشيد الوطني اللبناني
ايها السيدات والسادة الكرام،
نرحب بكم اليوم فردًا فردًا في رحاب الحركة الثقافية – أنطلياس، بيتكم الثاني، حيث جئتم لتشهدوا للثقافة الحقيقية والحيّة، وتشاركون الحركة والعائلة في تكريم أحد أعلامها، الفنان التشكيلي شوقي شمعون، فهو العلامة المميزة بيننا اليوم ونجمة مضيئة في سماء الفن والثقافة. أهلاً وسهلاً بكم.
حين يولد الإنسان على هذه الأرض، يأتي حاملاً في جعبته مهمة سامية ورسالة حب من الخالق ليتممها خلال مسيرته الجسدية، مبشرًا بالسلام والمحبة لكل العالم. يولد الإنسان ويداه فارغتان إلا من المواهب السماوية والعطاء اللامحدود، وهي بذور يزرعها في النفوس الطيبة، فتثمر جمالًا تتبارك به الأرض، جمادًا وروحًا، وتغدو مفعمة بالبهجة والفرح.
ومن أسمى تلك المواهب الرسم والفن التشكيلي، حيث تغمس الريشة في ألوان الطبيعة غير المحدودة، لتبدع لوحات فنية تحكي قصصًا خالدة تعجز الكلمات عن وصفها، إذ تروي لنا حكايات من الماضي، وتخيط لوحاتٍ ماورائية تشدّنا لاكتشاف أسرارها وما تحاول قوله لنا.وما احوجنا اليوم الى هذا السلام الذي يطمئن النفوس والمنبعث من هذه اللوحات في زمن الحروب والقلق والخوف. وبالرغم من التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي فان من يملك هذه الموهبة يقف سدا منيعا في وجه هذا التقدم حيث يفتقد العلم الى المشاعر والاحاسيس التي تشكل حكاية الانسان كل الحكاية، وتكون اللوحة الفنية الملاذ المريح والآمن والمضيء في زمن الظلمات.
الفنان التشكيلي شوقي شمعون، الذي نكرّمه اليوم، هو واحد من هؤلاء المبدعين الذي يقول دوما: "أنا جاهز لإتمام المهمة الموكلة إلي بكل أبعادها ومفاهيمها، لأكون رسول سلام ومحبّة”.
علاقته باللون عطاء مستمر، فهو في بحث دائم عن تقنيات جديدة، مستنبطًا قدرات غير محدودة للمادة اللونية. محترفه حقل تجارب واختبارات للمواد وتوظيفها للتعبير عن مكنوناته الإنسانية، فهو فنان متعدد الأبعاد والتعبير الفني.
لقد أقام شوقي شمعون أكثر من أربعين معرضًا فرديًا منذ عام 1975، وعرض أعماله في نيويورك، بيروت، ومدن أخرى في الولايات المتحدة، أوروبا، هونغ كونغ، والعالم العربي. كما شارك في أكثر من ستين معرضًا جماعيًا منذ عام 1968.
إنه ليس فنانًا لبنانيًا فحسب، بل تخطّى الحدود الجغرافية إلى دول العالم الكبرى، حيث تُراجع أعماله بكثافة في الصحف والمجلات والإذاعات والتلفزيونات الدولية. كما ظهر اسمه في العديد من كتب الفن، وأطلق كتابه "فن وحياة شوقي شمعون"عن دار الساقي في لندن عام 2013.
وكأحد المصممين البارزين في مجال تصميم العمارة الداخلية، عمل مع شركات تصميم كبيرة في نيويورك، كما قام بتدريس الفن في عدة جامعات منذ عام 1974، في لبنان والولايات المتحدة الأمريكية.
ربما لا يسعنا أن نحصي أعمال هذا الفنان الكبير، الحاصل على دبلوم الدراسات العليا في الفنون الجميلة من الجامعة اللبنانية، ودرجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة سيراكيوز في نيويورك، لكننا نعلم أن كلماته تُترجم بالألوان، وأن ريشته تنبض بالحياة، فهو شاعر الألوان الذي استطاع أن يلتقط بفرشاته نبض الأرض، حنين الجبال، وهمسات الأفق.
من خلال أعماله، نقل لنا سحر الطبيعة اللبنانية، وأعاد تشكيل الذكريات والأحاسيس في لوحات ناطقة بالعاطفة والوجدان. لقد استلهم من تراثه ومن طفولته في بلدته، فجاء فنه انعكاسًا لحبه لوطنه، ورسالته للعالم بأن الجمال لا يُحاصر، بل يولد من رحم الإبداع والتجدد.
نجتمع اليوم لنكرّم مبدعًا أضفى بألوانه لمسة سحر على عالمنا، وأضاء بريشته زوايا الجمال في الحياة. إن تكريم الفنان ليس مجرد احتفاء بموهبته، بل هو اعتراف بقدرته على تحويل الأحاسيس والمشاعر إلى لوحات تنبض بالحياة، تأخذنا إلى عوالم مختلفة، وتروي لنا حكايات بلا كلمات.
أيها الفنان العزيز، إن لوحاتك ليست مجرد ألوان وأشكال، بل هي قصائد بصرية، ورسائل حب للجمال، وأيقونات تعكس الشغف والموهبة والاجتهاد. لك منا كل التقدير على عطائك، وكل الفخر بمسيرتك، فأنت لست فقط فنان تشكيلي، بل راوي حكايات، وصانع أحلام، ومصدر إلهام.
ونحن قد رأينا بأنك أمين على الوزنات التي منحت لك، وعلى المهمة الموكلة إليك، فإننا نشهد لك بصدق العطاء وأمانة الإبداع.
- يقدّم مكرّمنا اليوم الشاعر عقل العويط، الذي تمنى عليّ ألا أطيل الحديث عنه، وكيف لي أن أفعل؟ فهو أشهر من نار على علم، فكتاباته وقصائده كفيلة بالتعريف به، وهو صديق الحركة الثقافية منذ عقود ومنبرها الذي يزدان بحضوره.
الكلمة لك، تفضل.
دائمًا ما تخبرنا الكاميرا، بيد مخرج مبدع، بما تعجز الكلمات عن الإفصاح عنه بشكل كافٍ. فكيف إذا كانت هذه الكاميرا بيد المخرج القدير بهيج حجيج، لتقدم لنا مكرَّمنا اليوم من زاوية مختلفة بعدسته ورؤيته الإبداعية؟
نترككم الآن معفيلم وثائقي عن مكرَّمنا، بعدسة وإخراج الأستاذ بهيج حجيج.
________________________________________
تقديم الفنّان شوقي شمعون في الحركة الثقافية انطلياس
كلمة عقل العويط
أيّها الحفل الكريم،
لستُ ناقدًا تشكيليًّا، ولا باحثًا في الفنّ، فكيف أقدّم لوحة شوقي شمعون، وأُقارِب تجربته المستمرّة منذ أكثر من نصف قرن؟
فأنا جاهلٌ بالمراحل والحقبات والمحطّات التي ينبغي تظهير علاماتها واستخلاص مكوّناتها وخصائصها، على صعيد قماشة اللوحةوبنيتها وأسلوبهاوفضائها. وجاهلٌ أيضًا بالخيط المركزيّ الجوهريّ الذي يربطها بعضها ببعض، فماذا أفعل، يا شوقي، وبأيّ كلامٍ أخاطبكم، أيّها الحفل الكريم؟
تفاديًا، سأقدّم مقاربةً أدبيّةً شخصيّة، تحاول تلمّسَ طريقِها ضمن رؤيةٍ قوامها الانتماءُ إلى حرّيّة التشكيل، وإلى الحداثة في اتّجاهاتها المتنوّعة.
أمّا أساسها الأوّل فهو الارتباط الوثيق بأرض الطفولة وإرثها ومشهديّاتها وجبالها ومنبسطاتها وأغوارها وناسها وهواجسها وقضاياها، وتشريع الأبواب على مناطق العقل الباطن، واستكشاف ما يتفجّر وينضح وينزف من ينابيع اللاوعي والحلم اللامتناهية.
تقول لوحة شوقي إنّه بدأ تجربته بالتعلّم على الذات في رسم الطبيعة والناس، متكئًا على الموهبة المشمسة التي تسبق كلّ درسٍ أكاديميّ، ولا سيّما في مجال التعامل مع الأشكال والمساحات، وفي طريقة استخدام اللون والمادّة. لكأنّ شوقي رسّام قبل أنْ يتعلّم الرسم، ومهندسٌ قبل أنْ يتعلّم الهندسة، ومعماريٌّ قبل أنْ يتفنّن في اكتناه أسرار العمارة التشكيليّة وموازين أحجامها وكتلها.
هذه الموهبة ستحرس انكبابه على التعلّم واكتساب المعارف والأصول والمعايير، وستواكبه في تفاعله مع المدارس والاتّجاهات الطليعيّة الحديثة والمعاصرة في الولايات المتحدة الأميركيّة، وستظلّ ترافقه في تدرّجات حلّه وترحاله غائصًا في أعماق التجربة النيويوركيّة، حيث تتجلّى سبل الاختبار والتمرّس والتجريب، مضفيةً على لوحته ذلك التوجّه التجريديّ التعبيريّ البالغ الحرّيّة، الذي إنْ دلّ على شيء فعلى مدى قدرة الفنّان على استدراج المعطيات والمفاتيح والدلالات والإشارات الجديدة، ليصبح هذا كلّه جزءًا من بصمته الشخصية، وطريقته الخاصّة في مقاربة السطح التشكيليّ.
سأعثر في تجربة شوقي شمعون على محطةٍ مهمّةٍ مرتبطةٍ بتجلّيات الفجيعة اللبنانيّة ومأسويّتها، حربًا وموتًا وقتلًا وتشرّدًا وتهجيرًا وخرابًا ودمارًا، بلغ أقصى مداه في فجيعة مقتل شقيق الفنان، في لحظةٍ من أسوأ لحظات الحرب الهمجيّة اللبنانيّة.
لكنّ الفنّان لا يستسلم لليأس، ولا للإحباط، ولا للموت. إذ ثمّة حبٌّ عظيمٌ في حياته، وأملٌ رؤيويٌّ قادرٌ على انتشال لوحته من وهدة الظلمات والتمزّقات والمخاضات والأحقاد والكراهات، وسيزهر ذلك الحبّ أعمالًا إشراقيّة وألوانًا وأشكالًا وإيقاعاتٍ، بما تعنيه مكوّنات التضامن الإنساني، العائليّ والأهليّ، على مستوى الحصانات الأسلوبيّة التي تهب نفسها للسطح التشكيليّ، فتجعله واحةً للامتلاء والغبطة والسلام القلبيّ، ولقيامة الحياة من موتها القسريّ.
ينغمس الفنّان في اختبار لوحة الطبيعة، مقترحًا صحارى وفسحاتٍ وانبساطاتٍ ومساحاتٍ مغمورةً بالأثير، باللطف، بالليونة، بالسهولة، بالرحابة، باللامتناهيّ، حيث الارتقاء، على سبيل المثل، إلى زهو جبل صنّين المجلّل بثلوجه وشموسه وإشراقاته المتحاورة في لقاء الأرض بالسماء، وجموع الناس الذين ينشدون الأمل والحبّ والحرّيّة.
لوحة الطبيعة هذه، تتلاقى فيها كفاءات الطبيعتَين اللبنانيّة والنيويوركيّة، في أتون الاختبار الكيميائيّ الخلّاق، بين الهنا والهناك، وصولًا إلى حدّ "اختراع" ألوانٍ وموادَّ وتقنياتٍ جديدة، وامتشاق ضرباتٍ وإيقاعاتٍ ورؤىً عزّ نظيرها عند آخرين.
تتلاقى السرعة مع الضوء والحرّيّة، بالتوازي مع احترام القيم الأكاديميّة والتنقيب عن اللغة الخاصة، وكم يختلط الشكل بفضائه اللونيّ، تحت خضمٍّ من الضوء وشلاّلٍ من السرعة في الإنجاز، ما يجعل الأعمال الفنّيّة متخفّفةً من الثقل، من ثقل المكان والزمان.
هنا مختبرٌ أيضًا للموادّ التي تصير مواده هو، وهنا يتّضح تمكّنه من التقنيات المختلفة والاختبارات المضنية، حيث تتحاور العقلانيّة من جهة وروح المادة من جهة ثانية، وتسافر اللوحة بعيدًا في اللون والمساحة وهندسات الخطوط، بما يجعل اللون المتقشّف يصير هو نفسه المساحة الرحبة التي تصنع مدًى وبابًا مطلًّا على اللّانهائيّ.
من روح المادة اللونيّة، من العمق الروحيّ، يرجع الفنّان الى الحاضر، فنرى الناس ونعاين الطبيعة والناس والجموع وقوافل التيه والرحيل والبحيرات بعين الروح.
وستكون حرّيّة الشكل آخذةً مداها الأقصى، وأشكالها القصوى، ومساحاتها الجداريّة القصوى، ولولبيّتها القصوى، وموادّها الاختباريّة القصوى.
وسيكون الكوزموس وأسئلة الوجود والفلسفة والماهيّات في صميم هذا المقام التشكيليّ المتنامي من داخل اللوحة لا من خارجها.
وستكون الجماعة، سيكون الناس، والحشود، حرّاس هذه اللوحة التي تقتحم مصيرها ومستقبلها بجرأة وشجاعة وحكمة وبصيرة وتبصّر تحت شمس الرؤيا.
أيها الحفل الكريم،
السؤال من أين يأتي شوقي شمعون بهذا كلّه؟
إذا كانت لوحاته في المرحلة الأكاديميّة تلفت إلى تأثّراتهبالمدارس الفنّيّة التشكيليّة، فلا بدّ من أنْ تكشف خصوصًا انغماسه الظاهر في المدرسة التكعيبيّة وانخراطه العلنيّ في مفهوم الحداثة، بأبهى تجلّياته، وهو ينظر إلى ولادات الكون، إلى تحوّلات الفصول، إلى تفتّحات الأراضي والأماكن في نموّ الهضاب والجبال، في امتدادات السهوب، في الخلاءات، في الفضاءات، في المدائن والعمائر الحديثة، منصتًا بريشته، بفرشاته، إلى هواجس الأرض، وإشراقات الشموس والأقمار، وإطلالات الكواكب والنجوم، وتواليات الوقت، وانهمار الثلوج، وازهرار معجزة الطبيعة، وانبثاقاتها، وتفاعلات عناصرها ومكوّناتها وأشكالها وألوانها وهندساتها ومضمراتها الدفينة.
وأرى شوقي شمعون يختبر إشكاليّة التلامس بين فطرة الرسم واجتهاد الفكر، وخصوصًا عندما تتولّى الهندسة تدبير متطلّبات هذا اللقاء الكيميائيّ، وما ينجم عن اللقاء من تفاعلات الموادّ والأجسام والحالات، مجسَّدةً في شهواتٍ ورغباتٍ ونشواتٍ متحقّقة على مستوى التشكيل.
هذا ما أفترض أنّه يجول في وعي الفنّان لسطح لوحته، ولفضائها الاستراتيجيّ.
راقِبوا معي حال السطح التشكيليّ، حال الطبيعة البكر الخام، وهي تحت لحظات السيل المطريّ، تحت شهوة انهمار الثلوج، أو وهي تحت لحظات إشراقات الشمس، أو وهي في ظلامها الدامس، أو في صمتها الشاقّ المضني، أو في هديرها المأسويّ، أو في عدميّتها، في غليان هواجسها، في أحلامها، وأوجاعها، وكيفيّات تدرّج أشكالها والألوان تحت وطأة الفصول، آن تموت الأرض، آن تيبس، وتعطش، أو آن تجنّ، وتفلت من عقالها، أو آن تحيا، وآن تتفتّح الزهور الغفيرة، وتتخّذ لها ثيابًا خلّاقةً لا حدود لزركشاتها وتطريزاتها، وكيف تتحوّل صيفًا وخريفًا، وأيّ أجسامٍ ترتدي، وأيّ قاماتٍ، وأيّ هندسات. ثمّ راقبِوها وهي لكأنّها ملتقطة بعدسة مصوّرٍ فوتوغرافيّ حين يجمّد اللحظة، ويؤبّدها، راصدًا حركيّة روحها في تفاعلها مع المادّة.
أراني أميل إلى القول إنّ تجربة شوقي شمعون في مراحلها كافّة، وفي تنويعاتها، ومصاهراتها، لا تعود تنتمي إلى مدرسةٍ، أو إلى تيّار.
فهو انطباعيٌّ هنا، تجريديٌّ صارخٌ هناك، ومهندسٌ في اللون هنالك، ومتقشّفٌ حتى الثمالة، ومتأنٍّ وباحثٌ ومختبِرٌ ومجرِّب، وممسكٌ بروح العصر وأبعاده التكنولوجيّة، فأرى لوحته تقترح شيئًا مغايرًا في التجربة التشكيليّة اللبنانيّة والعربيّة، يمكن أنْ أسمّيه مذهب شوقي شمعون في الرسم والتشكيل.
يرسم بحرّيّةٍ متوحّشة، نزقة، مفاجئة، وغير متوقّعة. وأنّه يرسم – حصرًا - في تلك البرهة العابرة قبل أنْ تختفي البروق والالتماعات والشطحات التي يراها بقلبه وعقله ولاوعيه. ويرسم بكلّ ما يؤتى للبركان أنْ يفعله في لحظة، وأنْ ينتجه من أشكال وأحجام وانبساطات وفسحات وركامات. ويرسم كما لو أنّ العدم هو الذي استتبّ، وكما لو أنّه لم يبق شيءٌ مرئيٌّ أو واقعٌ تحت الحواسّ ليُرسَم. فكيف لا أراه، والحال هذه، عاكفًا على رسم اللّاشكل، اللّاشيء، اللّامكان، اللّازمان، اللّاأحد، واجدًا لهذا كلّه مكانَه وزمانه وشكله وأسلوبه ولغته ولونه وحجمه وتعبيره فوق سطحه التشكيليّ المترامي.
لكنّه يرسم ذلك كلّه ممتلئًا بالوعي، بالإدراك، فلا يفلت من وعيه وإدراكه أيّ لون، أيّ شكل، وأيّ خطّ.
حرّيّته المتوحشّة المظنونة تتصرّف على هواها، هي نفسها خبرته المتوحشّة، التي لا تسمح لأيّ غلطٍ بأنْ يتسلّل إلى السطح.
مراسٌ رهيبٌ يمكّنه من إنجاز لوحته بضربة. بضربتين. بثلاث.
هذا المراس هو ارتقاء الزواج الحرّ الليّن المطواع بين الوعي واللّاوعي فوق السطح، إلى حدٍّ لا يعود في مقدور المتلقّي أنْ يرى فيه زواجًا مفتعلًا أو مصطنعًا أو مفبركًا. وهو المراس نفسه، الذي يجعل لوحته متمكّنةً من ولوج أعمق أعماق الأسئلة الفلسفيّة والوجوديّة، حيث تمثل أمام المأساة الانسانيّة، والفواجع، والكوارث، والهواجس الكليانيّة، ومأزق الحداثة، وما بعد الحداثة، ومجمل التحوّلات الناجمة عن وسائط التواصل الافتراضيّ وعالم الانترنت وتفرّعاته الهائلة، مستوعبةً إيّاها، كما يطيب للرسّام أنْ يتفاعل، وأنْ يعبّر عن تفاعلاته، بأسلوبه الرؤيويّ الخالص.
ألا ترون معي، كيف تستحضر لوحة شمعون الأحلام والطموحات والتطلّعات، مثلما تستحضر الحروب، وقوافل التيه البشريّ عمومًا واللبنانيّ والعربيّ خصوصًا، والإنسانيّ مطلقًا، من دون أنْ تقول ذلك علنًا أو مواربةً.
إنّي أترصّد مفاتيح هذا الاستحضار،وأسافر في التأويل الفنّيّ – الشعريّ – الإنسانيّ الذي من شروطه أنّه لا يتوقّف عند حدّ.
أيها الحفل الكريم،
قلت لكم منذ السطر الأول، لستُ ناقدًا تشكيليًّا، ولا باحثًا في الفنّ، بل أنا جاهلٌ كثير الجهل، وليس عندي سوى التأويل الأدبيّ.
تفاديًا، هرعتُ إلى التأويل الأدبيّ مفتوحًا على آفاقه البلاحدود، حيثتجلّت لوحة الفنّان في احتدامها مع تاريخ الفنّ، وحيثحرّيّتُها هي سرّها.
ولأنّ لوحة شوقي شمعون حرّة، هي، كالحرّيّة، تولد كلّ يوم من جديد.
عقل العويط
7 آذار 2025
الحركة الثقافية انطلياس.
_______________________________
كلمة شوقي شمعون
شكراً
عندما شرَّفني صديقي الدكتور عصام خليفه ناقلاً اليَّ رغبةَ الحركة الثقافيَّة الكريمة بتكريمي هذا، بدأَ متمنياً ان لا تكون هذه الرغبة واصلة متأخرة. أجبته شاكراً وقلت ان كل تكريم سبقني قامت به الحركة اعتبرته تكريماً شخصياً لي. وأنا بدوري يشرفني ان أشارك هذا التكريم مع كل فنان لم يأتي دوره بعد.
شكراً د. عصام خليفة، اعتزُّ بعرفتك منذ ايام حركة الوعي في العام ١٩٦٨ وافتخر بمسيرتك النقابيّة والفكرية والثقافية على امتداد الوطن
شكراً الحركة الثقافية لدورك الثقافي الوطني الرائد
شكراً الأستاذَة بريجيت كسَّاب على التنسيق الرائع والإدارة المُميَّزة لهذا اللقاء
شكراً صديقي عقل العويط، الشاعر والصحافي الناقد والأديب. المشوار معك بدأ مع اول معرض شخصي لي في لبنان سنة ١٩٨٥. كُنتَ ولم تزل تُلاحقُني بِشغفِ المُحب في كل معارضي، في الداخل والخارج، وفي محترفي. الحوارُ المُلهمُ معك لا ينتهي
شكراً بهيج حجيج لصداقةٍ غنية على مدى سنوات تُوِّجَت بالفيلم الوثائقي الواقعي والجميل "سلام الانتظار" موثِّقاً بصدق ملامحَ حميمةْ من حياتي وفكري وفني مع شهادات الفنانين والنقاد الغالية. "سلامُ الانتظارْ"، هديَّةُ العُمرْ
شكراً الأستاذ برنار غصوب مدير كلية الفنون والعمارة والاساتذة الزملاء على اضافتكم الكريمة المفاجِئة لهذا الاحتفال الكريم. شكراً معهد الفنون- الجامعة اللبنانية؛ مهدُ ثقافتي الفنية ومنحةُ سنوات عدة لمتابعة دراستي في الخارج إغناءً لمعرفتي وفني. لولاك معهدي لما كنت اليوم هنا. ً
شكراً أساتذتي اللي بعدن معنا او رحلو
شكراً جميع النقاد والمتابعين لفني في الصحف والإذاعات والتلفيزيون ولأكثر من خمسين عام.
شكرا لصالات العرض ( الكاليريات) التي ومن على جدرانها انطلقت مسيرتي
شكراً ابو شوقي، شكراً ام شوقي. انتو دايماً معي
ختاماً،
شكرا لكم الحضورُ المُحب مني ومن مُلهمتي ورفيقةِ مسيرتي ليلى ومن أولادنا جورج واوانا واوريان وعائلاتهم، سائلين حضرتكم تشريفنا الان إلى حفل الكوكتيل ونخبِ حضوركم في صالون الحركة الثقافية الجزيلة الشكر والاحترام. اهلاً وسهلا
شوقي شمعون انطلياس، ٧اذار٢٠٢٥