رأي في كتاب "التغير المناخي" للدكتور معين حداد
راغدة حداد، رئيسة التحرير التنفيذية، مجلة "البيئة والتنمية
المناخ يتغير، وأصبح هذا التغير حديث الناس، عامتهم وعلمائهم، حول العالم. أراد الدكتور معين حداد في كتابه "التغير المناخي: الاحترار العالمي ودوره في النزاع الدولي" محاولة تحليل القضية المناخية والإحاطة بالاشكاليات السياسية التي تطرحها.
يبدأ الكتاب بعرض عن مناخ الأرض وتبدلاته، من الحرارة والرطوبة والمطر والضغط الجوي والرياح، مع تمييز بين مفهومي الطقس والمناخ: "والفرق بينهما هو الفرق بين الخاص والعام. فالطقس هو حال الجو فوق بقعة معينة من الأرض في وقت محدد... أما المناخ فهو حالة جوية ذات سمات عامة تميز مساحة جغرافية على مدى عشرات السنين".
وبعد "تشريح" الغلاف الجوي وطبقاته المختلفة والغازات التي تشكل الهواء الطبيعي وتلك التي تلوثه، ينتقل الى التبدلات المناخية، مشيراً إلى أن مناخ الأرض "بدا وكأنه يجري في سياق دورات يتواتر فيها الدفء والبرودة كل مئة ألف سنة تقريباً في العصور القديمة من الطور الجيولوجي الرابع، وكل 50 أو 75 ألف سنة في العصور المتأخرة منه". وقد انتهت المرحلة الجليدية الأخيرة منذ حوالى 15 ألف سنة، لتبدأ مرحلة مناخية حارة هي التي نعيشها اليوم".
وهذا ما يؤكده علماء كثيرون. على سبيل المثال، العالم المصري الدكتور فاروق الباز، مدير مركز أبحاث الفضاء في جامعة بوسطن، كتب عدة مقالات لمجلة "البيئة والتنمية" عن استخدام صور الأقمار الاصطناعية ومعلومات الرادار لكشف خزانات ضخمة من المياه الجوفية تحت الصحارى العربية. يقول: "تبين من أبحاثنا أن حزام الصحراء العربية، في شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، أصبح في صورته الحالية منذ نحو 5000 عام. أما الحقبة ما بين 5000 عام ونحو 11,000 عام فكانت تتميز بهطول أمطار غزيرة كانت تغذي أنهاراً عديدة يصب أكثرها في بحيرات كبيرة. سبق هذه الحقبة الممطرة حقبة جافة ثم حقبة ممطرة أخرى ثم حقبة جافة وهكذا. ودامت كل حقبة من هذه الأحقاب المتتالية من 6000 آلاف إلى 30 ألف سنة، واستمرت هذه الحال طوال النصف مليون سنة الأخيرة".
وانعكست التبدلات المناخية على توزع النبات الطبيعي والحيوانات البرية على الأرض، ودفعت الإنسان إلى تنقلات وهجرات في مختلف الاتجاهات، "أهمها ما جرى خلال العصر الجليدي الأخير عندما قامت عناصر من العرق الأصفر الآسيوي منذ حوالى 300 ألف سنة باجتياز مضيق بيرنغ المتجمد في محيط القطب الشمالي ووصلت إلى القارة الأميركية واستوطنتها. وفي ما بعد عرف هؤلاء بالهنود الحمر".
ويواصل العرض التاريخي، مروراً بالثورة الزراعية والتدجينية التي بدأت في شرق البحر المتوسط منذ حوالى 12 ألف سنة. وقد بقيت العلاقة بين الانسان والطبيعة على نوع من التكافؤ حتى الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، عندما راح الإنسان يحدث في الطبيعة تغييرات عنيفة.
ومنذ سبعينات القرن العشرين بدأ الاهتمام العلمي بما تتعرض له البيئة من مساوئ، بما في ذلك قضية تغير المناخ ومسبباته. فمع تسارع النمو الاقتصادي وازدياد سكان العالم، حذرت دراسات كثيرة من نتائج كارثية للممارسات البشرية. وانطلقت حركات وجمعيات وأحزاب رفعت القضايا البيئية الى المستوى السياسي. وباتت القضايا البيئية تثير النزاعات بين "دول الشمال" المتقدمة و"دول الجنوب" النامية.
وفي تسعينات القرن العشرين انطلقت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وأكب العديد من الباحثين في الجامعات والمعاهد على الموضوع المناخي. وتشير القياسات إلى أن بين السنوات العشرين الماضية 17 سنة هي الأكثر حرارة منذ بدأت القياسات عام 1850. وهذا تغير فادح في وقت قصير، قياساً على الدورات المناخية التي دامت آلاف السنين. لذا يؤكد هؤلاء العلماء على دور الانسان في حدوث تغير المناخ.
ماذا يقولون عن تغير المناخ؟
الغلاف الجوي المحيط بالأرض يعمل مثل بطانية، اذ يحبس الحرارة ويبقي الأرض دافئة. ولولا هذه «البطانية» لتجمدت الأرض واختفت منها الحياة. فحين ترتطم أشعة الشمس بالأرض، يتم امتصاص بعض الحرارة بواسطة غازات في الهواء تعمل مثل الزجاج أو البلاستيك في الدفيئة (الخيمة الزراعية)، فتسمح للحرارة بالدخول ولكنها تمنع بعضها من الخروج مجدداً. هذه الغازات تدعى «غازات الدفيئة»، ومفعولها يدعى «الاحتباس الحراري».
لكن النشاطات البشرية زادت كمية غازات الدفيئة في الجو، فباتت تحبس كمية أكبر من الحرارة وتحول الأرض مكاناً أكثر سخونة. عندما نشعل وقوداً كالفحم أو النفط أو الغاز، يُستهلك الأوكسيجين ويُطلق ثاني أوكسيد الكربون، وهو أهم غازات الدفيئة، وينبعث بكميات ضخمة ومتزايدة من المصانع ومحطات توليد الكهرباء والسيارات. ومن غازات الدفيئة الأخرى غاز الميثان، الذي يتولّد مثلاً من روث المواشي وتجشؤها، ومن مطامر النفايات.
الاحتباس الحراري يؤثر في مناخ العالم، فتزداد الأحداث المتطرفة تكراراً واشتداداً، مثل الفيضانات والعواصف والأعاصير وموجات الحر. وبارتفاع الحرارة تذوب الكتل الجليدية الجبلية والقطبية، وتتمدد مياه البحار والمحيطات ويرتفع مستواها، وتغرق الجزر والشواطئ والأراضي المنخفضة. ومع تغير المناخ يتوقع ازدياد الإصابات بأمراض خطيرة، مثل الاسهال والملاريا وحمى الضنك وسوء التغذية، إضافة إلى الحساسية وأمراض الجهاز التنفسي.
ويحذر العلماء من أن معدل الحرارة العالمية ارتفع 0.7 درجة مئوية خلال القرن الماضي، متوقعين أن يرتفع ما بين درجتين وست درجات بحلول سنة 2100، ما يؤدي إلى تدهور الأراضي والتصحر وانخفاض المحاصيل الزراعية وانقراض كثير من الأنواع الحية. وقد ارتفع مستوى البحار بمعدل 17 سنتيمتراً خلال القرن الماضي بسبب تمدد المياه وذوبان الجليد.
وتم إبرام بروتوكول كيوتو عام 1997، الذي التزمت بموجبه البلدان بتخفيض انبعاثاتها الكربونية. وهو الآن يطبق على 15 في المئة من الانبعاثات العالمية، معظمها في الاتحاد الأوروبي، بعدما انسحبت منه كندا واليابان ونيوزيلندا وروسيا، في حين لم تنضم اليه الولايات المتحدة. وقد انتهى مفعول بروتوكول كيوتو، وتم تمديده ثماني سنوات. والمفاوضات مستمرة لوضع اتفاق عالمي جديد سنة 2015 يشمل جميع البلدان اعتباراً من سنة 2020.
تشكيك في دور الإنسان
لكن الدكتور معين حداد يشير إلى أن كثيراً من العلماء يشككون في نظرية تغير المناخ كما تراها الهيئة الحكومية الدولية. ويرى أن مناخ الأرض مرهون بعوامل كونية وطبيعية، منها النشاط الشمسي الذي يشهد تحولات طارئة، وكذلك البراكين. ويعتبر أن وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة حوّلت قضية تغير المناخ إلى مادة ترويجية، وهي تتناول الأبعاد الخارجة على المألوف لهذه المسائل، منبئة بالكوارث الآتية وسط مبالغات متعمدة. ويعتبر أن ذلك حصل سابقاً مع قضية طبقة الأوزون في الغلاف الجوي التي تحمي الأرض وسكانها من الأشعة فوق البنفسجية الحارقة، والتي يقول العلماء إنها ترققت بسبب مواد الكلوروفلوروكربون من صنع الإنسان والتي تفكك جزيئات الأوزون. لكنه يقول إن طبقة الأوزون منذ القدم تتعرض للتناقص لأسباب طبيعية، وهي قادرة على التجدد بشكل طبيعي أيضاً.
ويتطرق إلى فيلم آل غور "حقيقة مزعجة" عام 2006 الذي "أضفى المزيد من الإثارة على القضية البيئية، لا سيما في دعوته للإنسان إلى إعداد نفسه لمواجهة الكوارث الطبيعية في حال لم يتخذ تدابير جذرية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة في الهواء". وشهد آل غور تألقاً دولياً بعد عرض فيلمه، ونال عام 2007 جائزة نوبل مناصفة مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. ويؤكد الفيلم أن ارتفاع الحرارة يعود إلى ازدياد تركيزات ثاني أوكسيد الكربون نتيجة النشاطات البشرية. ويذهب إلى احتمال انهيار كتل جليدية في المناطق القطبية، وارتفاع مستوى المحيطات ستة أمتار، وغرق المناطق الساحلية، ما يخلف أكثر من 100 مليون لاجئ.
يرى الدكتور معين حداد أن لقضية تغير المناخ أبعاداً سياسية طاغية. ويذكّر بحق دول الجنوب الذي أقرته الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وهو أن تقدم الدول الغنية 0,7 في المئة سنوياً من ناتجها المحلي كمساعدة للدول الفقيرة. لكن قلة من الدول الغنية تلتزم دفع المتوجب عليها. ولو التزمت الولايات المتحدة بالنسبة المذكورة لجاوزت تقديماتها 120 مليار دولار سنوياً. كذلك الأمر في القضية المناخية وما نصت عليه توصيات المؤتمرات الدولية من وجوب تقديم دول الشمال مساعدات مالية وتقنية إلى دول الجنوب تصل الى 100 مليار دولار سنوياً، لمواجهة التغيرات المناخية وإجراء تعديلات على وسائل إنتاجها من أجل تقليص الانبعاثات الكربونية وتخفيض أثر الاحترار العالمي، الذي تصر بعض دول الشمال ولا سيما دول الاتحاد الأوروبي على إرجاعه إلى الأنشطة البشرية. لذلك تجد دول الجنوب نفسها في حل من الالتزام باعتماد أنماط جديدة للانتاج تخفض انبعاث الغازات الصناعية، ما دامت دول الشمال لا تفي بما عليها من متوجبات. علماً أن دول الجنوب هي التي تدفع معظم فواتير الاضطرابات المناخية، خصوصاً انخفاض إنتاج الغذاء في موجات الحر والجفاف.
ويتحدث عن موجات الحر والجفاف الكارثية في السنوات الأخيرة، كما حصل في روسيا سنة 2010 التي تقلص إنتاجها من القمح، وكما هو حاصل في سورية منذ العام 2007 حيث أدت موجات الجفاف إلى تلف المحاصيل الزراعية وحصول أزمة معيشية ونزوح أهالي الأرياف إلى المدن. وهذا كله ساهم بإطلاق شرارة النزاع. لكن المشككين في الانعكاسات السلبية لتغير المناخ على المحاصيل الزراعية يرون أن الإنسان على مر العصور تمكن من تخطي التحديات الطبيعية المختلفة، ومنها التفاوت المتنامي بين الزيادة السكانية وكميات الإنتاج الزراعي. ويرون أن ضخ السيناريوهات الكارثية يستهدف عالم الجنوب من أجل سوقه للخضوع إلى إملاءات عالم الشمال عليه، مع العلم أنه يبقى ضحية الأزمات الطارئة كما حصل إبان الأزمة الغذائية وارتفاع أسعار الغذاء عامي 2008 و2010.
المشككون كثر، وبعض التشكيك سياسي أيضاً وينشأ من مصالح خاصة أو اقتصادية. تغير المناخ كان من أبرز المواضيع التي طرحها الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال حفل تنصيبه لولاية ثانية، وهو قال: "سنتصدى لخطر تغير المناخ، مدركين أن التقاعس خيانة لأطفالنا وللأجيال المقبلة". وتعهد بزيادة الميزانيات المخصصة للبحث العلمي في تطوير تكنولوجيات مضمونة ورخيصة لطاقة الشمس والرياح والاستخدامات الأنظف للطاقة التقليدية، وصولاً الى مستقبل تصبح فيه الطاقة عديمة الانبعاثات.
ولكن ما كاد الرئيس أوباما يلقي خطابه، حتى نشرت جريدة "الغارديان" تحقيقاً عن تبرعات سرية بقيمة 120 مليون دولار، قدمتها جماعة من المتمولين المحافظين الأميركيين لنحو مئة جمعية ومركز أبحاث لتشجيعها على التشكيك في تغير المناخ. وجاء هذا عقب تضاؤل حجج المشككين في السنوات الأخيرة، إذ اضطروا الى التراجع عن إنكار أن المناخ يتغير، لكنهم اعتمدوا حجة جديدة تقول إنه يتغير بسبب دورات طبيعية وليس بسبب الانبعاثات الناجمة عن النشاطات البشرية، خصوصاً الاستخدام المفرط وغير النظيف للوقود الأحفوري. وأعاد هذا الى الذاكرة قصص مئات الملايين من الأموال السرية التي صرفتها شركات التبغ لدعم "باحثين" و"خبراء" استمروا في إنكار مضار التدخين على الصحة قبل أن تسقط ورقة التين الأخيرة عن حججهم الزائفة، التي كان يحركها الجشع. وتبين أن بعض "العلماء" الزائفين الذين أنكروا مضار التدخين في الأمس هم أنفسهم الذين ينكرون تغير المناخ اليوم.(نجيب صعب، مجلة "البيئة والتنمية"، آذار 2013).
صدر في أواخر 2013 التقرير الأخير عن الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ، واتفق فيه العلماء من جميع الدول على أن المناخ يتغير بلا شك، وبشكل سريع، بفعل النشاط البشري. قبل ثلاث سنوات قامت حملة كبرى ضد التقرير السابق لهيئة تغير المناخ متهمة أعضاءها بالتزوير واختلاق الأرقام. لكن الكثير تغير الآن، حتى أن بعض الدول اضطرت إلى تغيير مفاوضيها المشككين في المباحثات المناخية معتمدة نهجاً جديداً يقر بضرورة الانضمام إلى المساعي الدولية لمجابهة التحديات المناخية. ويمكن مراجعة تقارير المنتدى العربي للبيئة والتنمية التي تحذر من أن المنطقة العربية هي من أكثر مناطق العالم تأثراً بتغير المناخ، حيث سيزداد الجفاف وتقل المياه الشحيحة أصلاً ويكون الأمن الغذائي الضحية الأولى، وتشير إلى أن الحلول في اليد إذا اتخذت الدول العربية تدابير عاجلة وفاعلة لإدارة مواردها وبرامجها التنموية للتكيف مع التغيرات المناخية المرتقبة.
حرب باردة على الثروات القطبية
خسر القطب الشمالي نحو 40 في المئة من جليده منذ بدء القياسات بواسطة الأقمار الاصطناعية قبل 35 عاماً. وتتقلّص كتلة الجليد الدائم بمعدل 70 ألف كيلومتر مربع سنوياً. وإذا استمر الذوبان بهذا المعدل المتزايد، يتوقع العلماء أن يصبح الصيف القطبي خالياً من الجليد بعد بضع سنوات.
ثمة مسألة حيوية الآن هي: من سيملك حق التنقيب عن الرسوبيات المعدنية الهائلة المحتملة تحت القاع؟ فبحسب كثير من الجيولوجيين، قد تحوي المنطقة القطبية الشمالية نحو 25 في المئة من النفط والغاز الطبيعي غير المكتشفين في العالم. لكن ليس من السهل الوصول الى هذه الموارد بسبب الغطاء الجليدي والأمواج القوية والقاع العميق.البلدان المطلة على المنطقة والتي تدعي حقوق التنقيب تشمل روسيا والولايات المتحدة وكندا والدنمارك والنروج وأيسلندا. وثمة مخاوف من أن هذه الفورة المستجدة قد تمهد الطريق لنوع جديد من الحرب الباردة.
في آب (أغسطس) 2007، قام رجلا قانون روسيان في غواصة صغيرة بغرس علم روسي (مصنوع من التيتانيوم المقاوم للتآكل) في قاع القطب الشمالي، حيث تدعي روسيا الحق في ملكية 1,2 مليون كيلومتر مربع، أي نحو نصف قاع المحيط المتجمد الشمالي. ورداً على ذلك، أعلنت كندا خططاً لبناء قاعدتين عسكريتين جديدتين في الجزء الكندي من المنطقة القطبية الشمالية.وتعكف البحرية الأميركية حالياً على تعزيز وجودها في المنطقة، مع توقع أن يصبح مضيق بيرينغ صالحاً للملاحة طوال 160 يوماً في السنة ابتداء من سنة 2020، وأن تصبح ممرات المحيط العميقة مفتوحة لمدة 45 يوماً، ما يزيد حركة النقل والصيد والتنقيب عن الموارد.
هناك كارثة عظيمة على مصر، مثلاً، لم يُحسب لها حساب. فلو ذاب الجليد البحري في منطقة القطب الشمالي، فسوف تنفتح الممرات الشمالية الغربية للملاحة التجارية. وهذا يعني الاستغناء الدولي عن معبر قناة السويس - البحر الأحمر، إذ أن الممر البديل يقلص مسافة الابحار الى النصف.هذه ''البشرى'' أتت من الدكتور عصام حجي، الباحث المصري الشاب في مختبر الدفع النفاث بوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، الذي يرأسه العالم اللبناني الدكتور شارل عشي. ودعا حجي حكومة بلاده الى التبصّر في هذه الضربة القاصمة للاقتصاد المصري، وربما في المدى القريب جداً.
خبرة شخصية في رحلة إلى أصقاع القطب الشمالي
في صيف 2008، كنت بين 14 صحافياً من أنحاء العالم دعاهم الاتحاد العالمي للصحافيين العلميين(WFSJ) للانضمام الى بعثة علمية دولية في منطقة القطب الشمالي (Arctic) على متن كاسحة الجليد الكندية ''أموندسن'' المخصصة للأبحاث، مع 50 عالماً من أنحاء العالم يدرسون تأثيرات تغير المناخ.
معظم هؤلاء الباحثين أكدوا لي قناعتهم بأن الاحتباس الحراري ناجم عن النشاطات البشرية، وخصوصاً الانبعاثات الكربونية من المصانع ومحطات الطاقة والسيارات. لكن بينهم بضعة مشككين. قال لي أندريه روبشينيا، وهو عالم محيطات روسي:"أجل، المنطقة القطبية الشمالية تسخن الآن، لكنها سوف تبرد من جديد في غضون ثلاث سنوات''. وأضاف: ''هناك حقبات من التسخين وحقبات من التبريد، والقوى الطبيعية أقوى من أن تذعن للعامل البشري. الانبعاثات الكربونية عامل طفيف في عملية الاحترار العالمي. وما لم يتم تفجير ألف قنبلة نووية، ليست هناك قوة بشرية قادرة على مواجهة القوى العظمى للطبيعة''. وخلص الى أن ''تغير المناخ قضية سياسية".
يؤكد معظم العلماء أن الاحترار العالمي ناجم عن أعمال البشر، خصوصاً حرق الوقود للصناعة والنقل وانتاج الطاقة. ولكن ما زال البعض يصرّ على أن هذه مرحلة في دورة طبيعية، يسخن فيها جو الأرض ثم يبرد بعد حين. بل ان أناساً كثيرين يؤمنون بأن ما يحصل هو غضب الله على خليقته التي استخلفها على الأرض فعاثت فيها فساداً.
لقد أبحرتُ في المحيط ''المتجمد'' الشمالي لمدة أسبوعين، ولم أرَ جليداً يذكر إلا عند التقدم شمالاً باتجاه القطب. وأياً يكن السبب، فالاحترار العالمي حقيقة، وذوبان الجليد عملية حاصلة. وعلينا جميعاً، أفراداً ومؤسسات وحكومات ومجتمعاً دولياً، أن نفعل شيئاً حيال هذا الأمر. ومهما تكن مساهمة البشر في هذا الاحترار كبيرة أم صغيرة، فإن التقليل من حرق الوقود واستهلاك الطاقة سينفع في كل حال. فإن لم يخفف الاحترار، فسوف يخفف بالتأكيد فداحة التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية.
ماذا يمكنك أن تفعل؟
حرق الوقود لتوليد الطاقة يلوث الهواء وينتج انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ((CO2. لذلك علينا جميعاً الاقتصاد في استهلاك الكهرباء والوقود، في منازلنا ومدارسنا ومؤسساتنا وسياراتنا ومصانعنا. وعلينا زرع الأشجار التي تمتص ثاني أوكسيد الكربون.فبذلك نساهم في المحافظة على الموارد الطبيعية المحدودة وفي مكافحة التلوث وتغير المناخ. هنا بعض الممارسات المسؤولة:
- استخدم مصابيح مقتصدة بالطاقة، وأطفئ الأنوار عندما لا تحتاج إليها.
- لا تبالغ في التدفئة أو التبريد.
- امش أكثر. استعمل النقل العام.
- عندما تعتزم شراء سيارة، اختر واحدة تقطع مسافة أكبر بكمية أقل من الوقود، أو سيارة هجينة (هايبريد) تسير بالوقود والكهرباء.
- استخدم مصادر الطاقة المتجددة، كأجهزة تسخين الماء بالطاقة الشمسية.
أود أخيراً أن أنوِّه بالمعلومات التي يزخر بها الكتاب حول تغير المناخ ومواقف الدول المختلفة من هذه القضية والنزاعات الدولية التي تدور في فلكها، بغض النظر عن أسبابها. كما أهنئ الدكتور معين حداد على اللغة السليمة ووضوح الأسلوب اللذين تميزت بهما كتابته.
----------------------------------------------------------
كلمة الدكتور ناصيف قزّي
في تقديم الندوة التي عُقِدَتْ حول كتاب الدكتور معين حداد
التغيُّر المناخي/ الإحترار العالمي ودوره في النزاع الدولي
الأربعاء في 5 آذار/مارس 2014،
خلال فعاليّات المهرجان اللبناني للكتاب/ السنة الثالثة والثلاثون 2014، الذي تقيمه الحركة الثقافيَّة انطلياس.
شارك في الندوة، إلى قزّي، كلٌّ من الأستاذ حبيب معلوف والأستاذة راغدة حداد.
*
معين حدّاد سؤال دائم...
"جغرافيٌّ" بتميُّز... متفلسفٌ بخَفَرْ... ومسيَّسٌ بكِبَرْ
أيها الأصدقاء،
أرحب بكم باسم الحركة الثقافيَّة انطلياس في مهرجانها السنوي... وقد بلغ هذه السنة عامه الثالث والثلاثون... وأتمنى لكم، وللزائرين الكرام،وقتاً ممتعاً في رحاب هذا المعرض ودفء الكتاب.
معرض الكتاب هذا لا يشبه إلا ذاتَه... له ميزَتُه الثقافيّة... بل ميزاتُه التي لم تُعْطَل سواه، من معارضَ ومنتدياتٍ وتسمياتٍ واستعراضاتٍ شتى... ساهَمَتْ وتُسهِم، تارةً في تلطيف الضجيج الذي يملأ المكان، وطوراً في تزخيمه...!؟
أوليست الحركةُ الثقافيَّة انطلياس ثمرةَ تضحياتٍ جسام ونضالاتٍ مُشرِقَة، من زمن العاميّات الرائدة في تاريخنا الحديث،إلى زمن الحركات النقابيَّة والطلابيَّة؟ ناهيك بأنَّها ولدت،ذات يومٍ،كي لا تكونَ الحرب... ومعها الموت المجّانيّ، والتفلُّتُ من كلِّ المعايير، كما والعبثُ بالقيم الإنسانيَّة، وبالحق في الحياة...إلى الإنحلال الأخلاقيّ والتصحُّر المعرفيّ... وما إلى ذلك مما شهدناه ونشهدُه من نفاقٍ سياسيٍّ وانحرافات... وما آلت إليه أحوالُنا منذ ذلك التاريخ.
واليوم، وأكثر من أيِّ يوم مضى، وسط ضحالة الفكر الذي يقيِّد، والسياسة التي تأسر،والأخلاق التي تُفسِد، نجدُنا أحوج ما نكون إلى هذه الحركة... دأبنا في ذلك أن نُكْمِل التأسيس لرؤية ثقافيَّة للبنان تعيد بناء الإنسان فيه قبل الدولة والمؤسسات.
أيها الأصدقاء،
الرؤية سيئة في كل اتجاه... وقد تسوء يوماً بعد يوم... ومن يدري، فقد تختفي الشمس ومعها القمر... لندخلَ، بعدَها، في عصر جليديٍّ، نستحيلُ فيه مجسماتٍ لا نبْضَ فيها ولا حراك.
*
وبعد،
أنكون حقاً قد شارفنا على حال من التغيُّر المناخي، حرَّك حميَّة بعض المرجعيَّات الدوليَّة في العقود الأخيرة،لاستنفار العلماء وإقامة الدراسات لفهم حقيقة ما يجري... وقد صدر في هذا المجال تقريرٌ دولي، بل تقاريرٌ، عمّا سمي "الهيئة الحكوميَّة الدوليَّة المعنيَّة بتغيُّر المناخ"... تقرير أتى إنذاراً لأهل الأرض، بأن يكفّوا عن العبث بالأرض، لأنها "تتعرَّض لارتفاع حراري يدعى الإحترار العالمي منشؤه الغازات المنبعثة من جراء الأنشطة البشريَّة على الأرض"؟ (ص. 52)...
أنكون حقاً قد شارفنا على تغيُّر مناخي قد يشكِّل خطراً حقيقياً على الحياة على وجه الأرض... أم ترانا أمام حالة طبيعيَّة تعود إلى علاقة الأرض بذاتها وتمحورها، بل بجوفها الملتهب وطبقاتها كافة وتياراتها المائيَّة وحركة الرياح في جهاتها الأربع، وبعلاقتها بالشمس ونشاطها ودوراته... وما إلى ذلك من ظواهر مثْبَتَة على امتداد العصور التي مرَّ بها كوكبنا...!؟
ماذا يقول لنا معين حداد، "الجغرافيّ"Géographeالمرموق والمميَّز، في سؤاله عن الإحترار العالمي وفي "سجاله"، بالتالي، مع البيئيين حول هذه القضيَّة الملحَّة التي أخذت مكانها في صلب النزاع الدولي؟
ماذا عن انحيازه العلمي إلى جانب الخبراء والعلماء من فيزيائيِّين وغيرهم من الذين شكَّكوا بما أعلنته تلك "الهيئة الحكوميَّة الدوليَّة" عن الإحترار العالمي... وقد نسمي من بينهم Claude ALLEGRE، في كتابهL’impostureclimatique... الكتاب الذي ارتكز عليه بشكل أساسي؟
لكن، ورغم هذا التشكيك "لا تزال نظريَّة الإحترار العالمي، يقول معين حداد، ومسؤوليَّة الإنسان عنه تلقيان أصداءَ واسعة في الأوساط الإعلاميَّة"(ص. 70).
فأين تكمن الحقيقة، إذن؟
هل ستضيع كما هي حال حقوق الشعوب المستضعفة، ونحن منها، في أتون سياسات الدول الصناعيَّة الكبرى ومصالحها واسواقها وحروبها على الآخرين...!؟
هل سينعكس الخلل الإقتصادي الهائل بين دول الشمال ودول الجنوب، "اشتباكاً مناخياً سياسياً"؟ وهل يمكن الفصل بين مساعدات الشمال للجنوب ومشاريع التنمية والهيمنة السياسية والإقتصادية؟ وماذا عن الإضطرابات والكوارث المناخية وانعكاساتها السلبيَّة على توفر إمكانات العيش في الدول الفقيرة؟
أليست نظرية "الإحترار العالمي" بدعة، إذا جاز التعبير، لتخفيض معدلات النمو الإقتصادي لبعض دول الجنوب التي باتت تشكِّل خطراً على دول الشمال؟
وفي عود إلى الجيوبوليتيك، ما هو تأثير المناخ على اقتصاديات الدول؟ وما مدى مساهمته في النزاع السياسي؟
أسئلة كثيرة وشائكة يحاول معين حداد الإجابة عنها، في كتابه الجديد الذي نلتقي حوله اليوم: التغيُّر المناخي/ الإحترار العالمي ودوره في النزاع الدولي... والذي هو في الواقع دراسة علميَّة موثَّقة في نقد نظريَّة "الإحترار العالمي".
وكيف يقرأ البيئيون هذا الخطاب العلمي المؤثق... على غرار ما هي عليه كل كتابات معين حداد السابقة؟ وما هو ردُّهم على زعمه بأنهم، أي أحزاب الخضر والجمعيَّات البيئيَّة المنخرطة في العمل السياسي، "يتلقفون ما يصدر عن بعض المنظمات غير الحكوميَّة من مبالغات بصدد البيئة، تساهم في صوغ سيناريوهات، غالباً ما تكون كارثيَّة، باحثة بذلك عن الإثارة الإعلاميَّة من دون البيِّنة العلميَّة، مقدمة بذلك خدمة مجانيَّة للدول الصناعيَّة الغنيَّة على حساب الدول الفقيرة"؟(ص. 109) وأنهم يقعون "في فخ خدمة الأقوياء على حساب الاخرين" (ص. 139)...
*
أيها الأصدقاء،
إنه معين حداد... مجدّداً... معين "الذي لا يهدأ"... معين "الجغرافيّ"... وليس حصراً... فهو يجادلك حتى في اختصاصك، كما لو كان من أهل هذا الإختصاص...
هو متفلسفٌ بخَفَرْ... ومسيَّسٌ بكِبَرْ...
رياضيّ، يبحث عن الآن والأزل، وعن سرِّ هذا الكون اللامتناهي، خلال هرولته المستدامة على الطرقات وفي الحقول،كما في المصنَّفات ومراكز الدراسات.
معين هو سؤال دائم...يحب الهواء الطلق... والجمال... وكلَّ الجمالات. عفواً، الجميلات...!؟
هكذا عرفته... صديقاً صدوقاً... دافئ اللسان.
فضوليٌّ، بينه وبين مصادر المعرفة شبه غرام. وبينه وبينك سؤال... سؤال لا عن أحوالك العامة بل عن غراميّاتك والحميميّات...!؟
"جُغرافيّ" هو، لكنه متقدم على غيره في هذا المجال. فهو يَحَقِنُ الجغرفيا بالفكر الملتزم... لعلَّ الأرض تصبح أكثر خصوبة...!؟
سيرته الأكادميَّة مشرِّفة... كما كتاباته المتعددة، بدءاً من الشرق الأوسط/ دراسة جيوبوليتيكيَّة (1996) وصولاً إلى كتابه ما قبل الأخيرنقد الفكر الوطني/ شروط تحقُّق الأوطان في جغرافيا العالم... ناهيك بدراساته ومساهماته العلميَّة الكثيفة.
*
رحلة ال CO2خيي معين... فهمنا... ولو اختلف الجغرافيُّون والبيئيّون في أسباب موت الأرض ومن فيها... لكن، ماذا عن الدخان الذي يتكثَّف يوماً بعد يوم في بلاد الشام وسائر الأقطار العربية... وباقي بلاد الله الشاسعة... من جزيرة القرم الى خليج المكسيك مروراً بوسط افريقيا واطرافها...!؟
رحلة الدخان، ليست بالطبع رحلةَ أشرعةِ فينيقيا مع حنون وغيره من رحّالة العالم ممن أسسوا لنا علم الجغرفيا، بالإضافة الى علوم الفلك وحسابات البحار... إلى تواقعات أجدادنا عن "البواحير" و"البرونزات"... ومن قبلها غضب الآلهة والطبيعة وكرهها للفراغ... الفراغ الذي استحال، وخلافاً لهذه الطبيعة، في علم السياسة اللبنانيّة المعاصرة... حالة مستدامة...!؟
رحلة الدخان هذه هي رحلة لوسيفوروس، في زمن يبدو وكأنه زمن الشيطان... وليس في قاموسنا للشيطان زمن...!؟
واستطراداً، أليس في قولك إن الحراك السياسي الإجتماعي الذي بدأ عام 2011 في سوريا، والذي "امتطه فيما بعد، على ما تقول، قوى إقليميَّة ودوليَّة محاولة الذهاب به باتجاه يجعل من سوريا مجالاً للنزاعات الجيوبوليتيكيَّة المتعدِّدة الأبعاد، خارجيَّة وداخليَّة على السواء"؛ وإن هذا النزاع، ناجم، برأيك، في أحد أسبابه، عن "موجات الجفاف التي أدت في النصف الثاني من العقد الأول للقرن الواحد والعشرين إلى النيل من المحاصيل الزراعيَّة مما تسبب بتراجع معيشي في مدائن أرياف الأطراف"؟ أليس في قولك هذا، تبسيطاً للمسالة السورية... أنت المتشبِّث بتحصين بلاد الشام تاريخياً وجغرافياً وسياسياً... وبخاصة إذا ما أدركنا أن القطاع الزراعي في سوريا كان مدعوماً من الدولة، وقد يكون العامل الإيجابي الوحيد المتبقى الآن أمام السوريين في صراعهم من أجل البقاء؟
*
عزيزي معين،
لولا الحروب والنكبات التي ألمّت بنا... لكنتُ بالتأكيد، مثلَك، واحداً من أولئك الذين حيَّكوا للأرض ثوباً جميلاً سموه كرتوغرافيا... لكنَّ عَجزي عن ذلك، دفعني إلى الدوران حول العالم عبر صفحات اﻟAtlas Universelقبل أن يأتي الحاسوب ليكشفنا جميعاً أمام كلِّ شياطين الأرض والمتجبّرين في أنحائها.
ترى هل ستموت الأرض ومن فيها من ثقب الأوزون وثاني أوكسيد الكربون، أم من الثقوب التي أحدثتها غازات اﻟCIAو اﻟMOSAD، وغيرها من سموم، في جسم البشريَّة المعذَّبة... كما في شبكة التواصل والمعرفة، اﻟWEB، المحيطة بالأرض، بأشكالها وشياطينها كافة؟
وشكراً
*
تقديم
في المرة الأولى التقينا معاً، يا صديقي معين، حول كتابك أرض لا تهدأ/ الرهانات الجيوبوليتيكيَّة الرئيسيَّة في المشرق العربي، في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي عام 2002.
في الثانية حول كتاب حبيب معلوف إلى الوراء/ في نقد اتجاهات التقدم عام 2011.
واليوم حول كتابك الجديد التغيُّر المناخي/ الإحترار العالمي ودوره في النزاع الدولي.
* راغدة حداد
أما الجديد بيننا اليوم، طبعاً إلى الكتاب الجديد، نسمة بيئيَّة لبنانيَّة أدركت القطب الشمالي في ترحالها لتعاين بنفسها ذوبان الجليد هناك، على ما نقرأ في سيرتها... إنها السيدةراغدة حداد:
- رئيسة التحرير التنفيذيَّة لمجلة البيئة والتنمية.
- أستاذة جامعيَّة ومنسقة برامج التدريب لدى الإتحاد الدولي للصحافيين العلميّين.
- حائزة على جائزة "صحافة الأرض" العالميَّة، على سلسلة مقالات كتبتها عن تغيّر المناخ، ولا سيما عن رحلتها إلى منطقة القطب الشمالي.
*
* حبيب معلوف
- كاتب وصحافي... مسؤول قسم البيئة في جريدة السفير اللبنانيَّة.
- مؤسس ورئيس حزب البيئة.
- أستاذ الفلسفة البيئيَّة في الجامعة الأنطونيَّة.
- له، بالإضافة إلى العديد من الدراسات والمقالات، كتابان: الأول على الحافة/ مدخل إلى الفلسفة البيئية، والثانيإلى الوراء/ في نقد اتجاهات التقدم.
*
-------------------------------------------------------------------
حبيب معلوف
مساهمة مقدمة في الحركة الثقافية انطلياس
بمناسبة مناقشة كتاب الدكتور معين حداد "التغير المناخي"
انطلياس في 2014/3/5
التشكيك في ظاهرة تغير المناخ لم يعد قضية عالمية
من تابع قضايا تغير المناخ منذ 20 عاما، قد رصد بالتأكيد تلك التقارير التي كانت تظهر في كل مناسبة (مؤتمر دولي يبحث في الظاهرة او يناقش اتفاقية دولية ملزمة للحد منها) لتشكك بالظاهرة وبأنها من صنع الإنسان وحضارته، وناجمة من احتراق الوقود الاحفوري خاصة. التشكيك كان واجبا بداية، الا ان ما شكل قناعة راسخة بالظاهرة، هو صدور التقارير الأولى لخبراء الأمم المتحدة غير المرتبطين بمصالح شركات او أنظمة بعينها، والذين اختيروا وفقا لكفاءتهم العلمية ومن جنسيات مختلفة. وقد زاد اليقين عن صحة هذه الظاهرة، ظهورها في الواقع عبر ذوبان الجليد وحصول كوارث مناخية متطرفة... وعبر تطور أدوات القياس وتطور التقارير المؤكدة التي تجاوز عددها الأربعة، شارك في إعدادها آلاف الخبراء من حول العالم... والتي أقرت نتائجها معظم الدوائر العلمية العالمية.
تاريخيا بدأت الأمم المتحدة بإعداد التقارير منذ العام 1990 وقد صدر حتى الان خمسة تقارير (نشرت العام 1990 و1995 و2001 و2007 و2013). وفي مراجعة لخريطة هويات الخبراء المشاركين في اعداد هذه التقارير الدولية، يمكن الملاحظة اولا ارتفاع اعداد المعدين الاساسيين للتقارير من 273 خبير عالمي العام 1990 الى 833 عالم مناخ العام 2013 . وتظهر خريطة هوية الخبراء الذين يشاركون في وضع التقارير، الهيمنة العددية لخبراء الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي (بنسبة 80%) لاسيما في التقارير الاولى وقد انخفضوا في التقارير الاخيرة الى 65% لمصلحة الباحثين الاسيويين من اليابان والهند والصين.
تظهر خارطة الخبراء ان هناك 20 بلدا رئيسيا يشاركون في وضع هذه التقارير المناخية، في طليعتهم الولايات المتحدة الاميركية (1728 خبير)، بريطانيا (606)، المانيا (320) كندا (308) استراليا (303) اليابان (210) فرنسا (201) الهند (143) والصين في المرتبة الحادية عشرة (129).
كما يلاحظ من خلال المناقشات الاخيرة في مؤتمر وارسو (نهاية العام 2013) وما سبقها، ان الانتقادات لم تعد توجه الى التنوع في هوية الخبراء بل الى ضعف التنسيق بينهم لاسيما بين اؤلئك الذين يشاركون في وضع التقارير.
الشك المنهجي والايديولوجي
كان لموضوع الشك والتشكيك طابعا فكريا، لطالما حفلت فيه كتب الفلسفة القديمة ونظرياتها. وكان ديكارت قديما، اول من تحدث عن "الشك المنهجي"، أي الشك الهادف للوصول الى الحقيقة، والذي اصبح فيما بعد من شروط التقدم العلمي. يختلف هذا النوع من الشك تماما، عن نظريات المؤامرة والتشكيك الايديولوجي التي لا تزال مستخدمة على نطاق واسع حول الكثير من القضايا، وبينها قضية تغير المناخ.
تعتبر التشكيكات المناخية من الانواع الحديثة من الشك. فهي تدمج بين الشك الايديولوجي الهادف الى زعزعة حجج الآخر، والشك الانتقائي، الذي يركز على نقطة ضعف معينة او دليل ضعيف من عشرات الأدلة الموثقة، يركز عليه، دون سواه، لإظهار ضعف الحجة للنظرية عامة. وهو نوع من الشك الخبيث غير المنهجي ولا العلمي، المدفوع من قوى لها مصالح محددة وتريد ان تحافظ عليها. ومن المظاهر الجديدة للتشكيك، استعانة شركات وقوى تمثل مصالح كبرى بشركات استشارية او خبراء (مرموقين او مغمورين) لوضع تقارير مضادة، تستند الى الحجج الضعيفة وتغض الطرف عن الحجج القوية، لقاء مبالغ مالية كبيرة.
آخر التشكيكات الكبيرة حول ظاهرة تغير المناخ صدرت العام 2009 بمناسبة انعقاد قمة المناخ في كوبنهاغن ولاسيما بعد ان أعطيت (هذه القمة) زخما كبيرا بالإعلان عن مشاركة قادة الدول الكبرى فيها للوصول الى اتفاق عالمي ملزم. وقد عقدت هذه القمة اثر انتخاب الرئيس الأميركي باراك اوباما الذي اعلن عن استعداده (آنذاك) للمشاركة في القمة وعن نيته بدفع المفاوضات للوصول الى اتفاق جديد ملزم لكل الدول. في تلك القمة صدرت فضيحة ما يسمى "مناخ غيت" اذ تم تسريب مراسلات علمية، قيل انها "سرية"، لمؤسسة أبحاث تابعة لجامعة بريطانية العام 2009، تتحدث عن تشكيك بعض العلماء بظاهرة تغير المناخ.
وكانت استراتيجية اللوبي المشكك بالظاهرة تقوم على استغلال المناسبات الكبيرة لنشر تقارير او دراسات تشكك بالظاهرة او تكليف كتاب كبار مختصين في الصحف للكتابة تشكيكا حول الموضوع، للتأثير على الرأي العام وصناع القرار.
لوبي للتشكيك
صحيفة الغارديان البريطانية كشفت مؤخرا عن فضيحة مضادة، عن مؤسسة "هيرتلاند" لمجموعة من الباحثين متمركزة في شيكاغو ومدعومة من لوبي مالي للقيام بأبحاث تقوض ما جاء في تقارير الأمم المتحدة.
وكشفت ايضا ان المؤسسة تنتظر ان ترتفع ميزانيتها للعام 2012 ما يقارب 6 ملايين يورو، بزيادة 70 % عن العام 2011 . وقد ارتفعت هذه الميزانية بسبب مساعدة مباشرة من الملياردير الثنائي ديفيد وشارل كوك، الذين جمعا ثروتهما من الصناعات البترولية، والذين اظهرا كل الحماية والدعم لحزب الشاي الأميركي مؤخرا.
ليس في الخبر جديد، لطالما حارب اللوبي النفطي وصناعة السيارات قضايا تغير المناخ، ولكن المفاجأة في الكشف عن أسماء شركات أخرى التي تدعم مركز الأبحاث المشكك والمذكور. يذكر التقرير شركات مثل "مايكروسوفت" وشركات تبغ مثل "ار جي ار" التي تنتج سجائر "كامل" و"وينستون"، تدعم ايضا هذه المؤسسة! كما يكشف احد الخبراء في المؤسسة ان هناك ممول او واهب مجهول الهوية قدم 20% من الميزانية لوحده، اي ما يقارب مبلغ 765000 يورو العام 2011 ، مع الكشف ان المبلغ الذي منح للمؤسسة العام 2008 قد قارب 4 ملايين يورو.
لقد كانت ميزانية العام 2012، على سبيل المثال، مخصصة في قسم منها لإجراء دراسة وتقارير تشكك بدراسات وتقارير الامم المتحدة، والقسم الثاني لإعداد برامج مدرسية بديلة تدخل الشك بظاهرة التغيرات المناخية. كما تخصص ميزانية شهرية لباحثين بارزين في الجامعات (3800 يورو شهريا)، ولمسؤولي مراكز أبحاث تتعلق بثاني اوكسيد الكربون او بتغير المناخ بشكل عام (8800 يورو شهريا) بالاضافة الى صرف مبلغ 67000 يورو لبعض المدونين (البلوغير).
لطالما كان التشكيك بظاهرة تغير المناخ جزء من تراث هذه الظاهرة، وقد كان مفهوما ان تقوم الشركات العملاقة في العالم التي يمكن ان تتضرر مصالحها، اذا ما الزمت على اتخاذ اجراءات مكلفة للحد من انبعاثاتها المسببة بتغير المناخ، بشراء اي شيء للدفاع عن مصالحها، تماما كما كانت تفعل شركات التبغ للدفاع عن منتجاتها عندما كانت تتهم بالتسبب بمشاكل صحية خطيرة. الا ان ما يصعب فهمه، كيف يتبرع بعض الباحثين العرب عندنا بتلقف تلك الحجج التي يعتمدها بعض خبراء الشركات للتشكيك بالظاهرة. صحيح ان في بعض حجج هؤلاء منطق ما، خصوصا الادعاء ان التغيرات المناخية حصلت من ملايين السنين، وهذه الحقيقة بالمناسبة لم تنكرها التقارير العلمية، الا ان ذلك لا يلغي مسؤولية حضارة الانسان الحديثة والثورة الصناعية التي سرعت بتلك التغيرات بشكل واضح وخطير يمكن قياسه.
بالمناسبة لم يعد هناك دولة واحدة في العالم، مهما كانت اتجاهاتها وحجمها الاقتصادي لم تعترف بالظاهرة، وكانت معظم دول العالم قد أقرت منذ 20 سنة بها، ولم يكن الخلاف الا على مستوى كيف سيحصل التخفيف من الانبعاثات المسببة بها، وحول كيفية التكيف معها ومن يدفع كلفة التكيف ومن يتحمل المسؤولية التاريخية ومن يبدأ أولا باتخاذ الإجراءات وما هي التكنولوجيا الملائمة وكيف يمكن تعميمها... الخ
حصل اكثر من 18 جولة دولية من المفاوضات (تعقد نهاية كل سنة) كان آخرها في وارسو نهاية العام الماضي (2013)، تمحورت حول كيفية التخفيف من الانبعاثات المسببة بالظاهرة وحول يبل التكيف معها وكيفية التمويل... وكل ذلك يحصل في ظل ظروف بالغة السؤ ومناخ سياسي وامني وفكري لا يقل خطورة عن ظاهرة تغير المناخ العالمية.
حبيب معلوف