تكريم الدكتور خليل أحمد خليل

كلمة الأستاذ نعوم خليفة

          أهلاً بكم في الحركة الثقافية – انطلياس أصدقاء ومحبي الثقافة وقادري أعلامها إيماناً منكم بأن الثقافة ركن أساسي في بناء المجتمع والوطن.

          قد درجت الحركة الثقافية – انطلياس على تكريم اعلاماً ساهموا في إرساء ثقافة وطنية وعملوا على بناء صرح العلم والمعرفة ورفده بتجاربهم وانجازاتهم في حقول المعرفة المختلفة وساهموا في قيام نهضة علمية وفكرية اغنت الوطن وعملت على توطيد دعائم ثقافة وطنية غنية ومميزة. وفي ربيعها السابع والثلاثين وفي دورة وجيه نحلة تكرّم الحركة الثقافية – انطلياس رعيلاً جديداً من رواد الثقافة، من بينهم علمنا الذي نحتفل بتكريمه اليوم عنيت الدكتور خليل احمد خليل فأهلاً بكم جميعاً شهوداً على هذا التكريم.

          من بساتين صور العابقة بعطر زهر الليمون ومن شاطئها الذي وقف عقبة كأداء في وجه جحافل الاسكندر واوقف زحفه لمدة طويلة حيث تحطمت هيبته على صخوره فغدا صغيراً مع أنه لقّب بالكبير، ومن رمال هذا الشاطئ الذهبية التي تغسلها مياه المتوسط، انطلق الدكتور خليل احمد خليل في رحلة حياة مثقلة بالعطاء، تدرج في مدارس صور ومنطقتها وحصّل علومه الأولى وصولاً الى تتويجها بشهادة البريفيه، وشأنه شأن كل لبناني تطلع الى الهجرة باكراً، ولكن هجرته كانت هذه المرة داخلية اذ انتقل الى بحمدون حيث تابع دراسته وحصل على البكالوريا القسم الأول، ليعود الى صور متابعاً دراسته فتوجها بحصوله على البكالوريا القسم الثاني، لينطلق في هجرة جديدة الى الخارج هذه المرة. واللافت ان الهجرتين لم تكونا من اجل جمع ثروة مادية وتكديس الأموال، شأن معظم المهاجرين، وانما من اجل التحصيل والاغتناء بثروة فكرية وعلمية، وقد نال من جامعة ليون في فرنسا إجازة في الآداب والعلوم الإنسانية اتبعها بشهادة الدكتوراه ليعود الى لبنان مثقلاً بما اختزنه من علوم ومعارف متعددة اهلّته العمل في مجالات متنوعة من السياسة الى الاعلام الى الترجمة والتأليف ومتابعة الدراسة حيث حصل على دكتوراه دولة في الفلسفة بدرجة مشرّف جداً في موضوع "كمال جنبلاط: خطاب العقل التوحيدي".

          تابع مسيرته في حقل التدريس الجامعي حيث تفرّغ للتعليم في الجامعة اللبنانية – معهد العلوم الاجتماعية في بيروت. ترافق عمله الأكاديمي في الجامعة اللبنانية مع التأليف والترجمة فوضع مؤلفات عديدة متنوعة المواضيع فكان له مؤلفات في الشعر وأخرى تتناول دراسات فكرية وسياسية واجتماعية، كما وضع دراسات في الشعر الشعبي اللبناني وابحاثاً حول الحرب اللبنانية وأخرى في موضوعات دينية وسوسيولوجية، كما وضع مؤلفات في القصة، وربما أبرز اعماله تجلّت في تأليف معاجم في المصطلحات السياسية والفلسفية والدينية واللغوية والاسطورية والنفسية – الاجتماعية والاقتصادية وفي مصطلحات الكومبيوتر. وضع كذلك معجماً في العلوم الإنسانية باللغتين العربية والفرنسية وآخر في المفاهيم الاجتماعية باللغات الثلاث الفرنسية والإنكليزية والعربية، كما له ايضاً موسوعة في اعلام العرب المبدعين. لن أعدد أكثر فمؤلفاته كثيرة ومتنوعة المواضيع والاتجاهات، فقد ترك أثراً فكرياً وعلمياً ثرّاً لو أردت تعداده لاستأثرت بكل الوقت المخصص لحفل التكريم هذا.

          الدكتور خليل أحمد خليل هو مجموعة شخصيات في شخص واحد هو متعدد المواهب واسع الاطلاع تجلّت مواهبه وكفاءاته في البحث والـتأليف والترجمة والتعليم والاشراف. أودّ التوقف عند أحد أوجه نشاطه المتمثل بالترجمة. ومن لا يعرف الترجمة يجهل ما تستلزمه من جهد فكري، وما تستنفد من طاقات وبراعة في نقل الأفكار خاصة في مجال الترجمات الفلسفية حيث يبقى التأليف أسهل منالاً من الترجمة. في التأليف حرية للمؤلف في اختيار الموضوع والتعبير عن أفكاره في القضايا التي يعالجها بالطريقة التي يشاء، في حين يحتاج المترجم الى الغوص في النص والالتزام بأفكار صاحبه حتى يدرك مقاصده ليقوم بعد ذلك بنقل الأفكار الى اللغة المترجم اليها على ان يبقى اميناً للنص الأصلي ويراعي في الوقت عينه أصول اللغة المنقول اليها وخصوصية تركيباتها وصيغتها المبنوية. وقد تناولت ترجماته مؤلفات سياسية واقتصادية وشعرية وفلسفية وسوسيولوجية وغيرها. وانا أدرك ما يعانيه المترجم في الترجمة خاصة في مجال الكتب الفلسفية وكثيراً ما وقع المترجمون في أخطاء فادحة فجاءت ترجماتهم مغايرة تماماً واحياناً متناقضة مع مرامي صاحب النص ومقاصده. لكن ترجمات علمنا المكرم جاءت دقيقة تنقل بصدق وامانة مضامين الكتب التي ترجمها حتى إنك لا تميز انها ترجمات بل تبدو متماسكة الأفكار على وقع تركيب لغوي ومبنوي سليم وأسلوب واضح، مما يدل على مدى اداركه لعمق معانيها ومقدرته الفذّة على نقل تلك المعاني بأسلوب شيّق ورشيق.

          اما ما قام به علمنا في شتى المجالات التي خاض غمارها سواء في التعليم الجامعي والاشراف على الاطروحات بالإضافة الى التأليف والترجمة فخير دليل على طول باعه وعمق فكره وسعة ثقافته وشمول معرفته ومدى قدرته على إيصال ما يختزنه الى طلابه ومريديه، فاستحق هذا التكريم كعلم من اعلام الثقافة في لبنان. فهنيئاً له هذا التكريم وهنيئاً للجامعة اللبنانية وللبنان وللحركة الثقافية – انطلياس التي بتكريمه انما تكرّم الثقافة وتضيء على دور المثقفين في بناء الوطن وإعلاء شأنه.

                                                                                      وشكراً لحضوركم ولإصغائكم

فؤاد مطر:

صحافي عمل في صحف متعددة وترأس تحرير بعضها، وأنشأ مجلات سياسية وصحية واقتصادية وفنية في لبنان وباريس ولندن كما أصدر بعض المؤلفات العربية المترجمة عن الإنكليزية. 

          عاد الى بيروت بعد غياب واحد وعشرين عاماً حيث أغنى جريدة اللواء بمقالاته اليومية وبمقالة أسبوعية على مدى اثنتي عشرة سنة.

          كاتب غزير الإنتاج وضع ثلاثين مؤلفاً حول القضايا السياسية العربية توجّها منذ فترة قصيرة بـ"هذا نصيبي من الدنيا. سيرة حياة ومسيرة حلم" قدّم لها الرئيس سليم الحص والأستاذان طلال سلمان وفرنسوا عقل، يعرض فيها سيرته الذاتية، وهو مثابر على التأليف وكما يقول ما دامت الهمّة تسمح له، إنه الأستاذ فؤاد مطر يقدّم علَمَنا المكرّم. الكلام لك. تفضّل.  

______________________________________________

 

كلمة الأستاذ فؤاد مطر
 في تكريم الدكتور خليل أحمد خليل

في سنوات إغترابي الذي كان مزيجاً من الإضطرار والإختيار وهذا واقع فرضه عليَّ كأب وصحافي ومؤلف الإقتناع بالنأي عن أن أكون رقماً أو خرطوشة من حروف في الصراع العبثي الذي تقاسَمه لاعبون تبيَّن في المحصلة النهائية أنهم متلاعبون فازوا بمغانم مجبولة بالشر والدم وتركوا الوطن مضرجاً بالقاني والمغبَّر من الألوان... في سنوات إغترابي هذه بين باريس ولندن على مدى عقديْن كان من جملة إهتمامي وقراءاتي ما يؤلفه الدكتور خليل أحمد خليل ثم ما تنشره بعض الصحف من مقالات يخصها بها على هامش واجبه كأستاذ في الجامعة اللبنانية هدفه بناء جيل واعد مِن طلاب العلم والمعرفة يردفهم بما يعزز أطروحاتهم التي كانت تتسم بالعقلانية والتنوير.

 

وفي ترحالاتي كصحافي وناشر التي تشمل معظم أقطار الأمة من المحيط إلى الخليج كما التحديد الجغرافي المعرِّف للوطن العربي لتغطية حدث أو للمشاركة في ندوة أو لإلقاء محاضرة، كنتُ ألمسُ حضوراً لفكر خليل أحمد خليل بينما شخصه صامداً بكبرياء في الوطن المغلوب على أمره. وأضيف القول إنني لاحظتُ حضوره الفكري من خلال مؤلفات له، في أوساط ثقافية وفكرية في الجزائر والقاهرة وبغداد والخرطوم والرباط وعمان وأبو ظبي وطرابلس الغرب، كانت تجمعني بهذه الأوساط جلسات لتبادُل الأفكار والرؤى على هامش أعمال مؤتمرات القمم العربية التي واكبتُ معظمها حيث إنعقدت في هذه العاصمة المشارقية أو تلك الخليجية ثم المغاربية، وفي إطلالاتي المتكررة على جزائر هواري بومدين ثم الشاذلي بن جديد ومغرب الحسن الثاني وتونس محمد مزالي وجماهيرية معمَّر القذافي رحمة الله على الجميع الذين تفّهموا أمور الرعية فتهيبت أمامهم ومنهم إلاّ أنها كانت على درجة من الإستقرار والطمأنينة المجتمعية وإن حدث ذلك على نسبة دون المطلوب من الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير.

 

بعد عودتي من الإغتراب الإضطراري – الإختياري، عرفتُ في شخص خليل أحمد خليل شمائل عززت تقديري له. عرفتُ فيه تواضُع الأكاديمي المتوِّج الرافد المكتبة العربية بمجموعة من المؤلفات تزيد قارئها ثقافة. عرفتُ فيه نموذج الأب المنشغل البال ومن دون أن يريح ذاكرته بالعائلة وعرفتُ فيه زهده وإحترامه لنفسه، وعرفتُ فيه نموذجاً للذي يناقش من دون تعصُّب. وتلك شمائل رأيتُها في شخصي وكانت بنداً مضافاً إلى أننا نتبادل الإفتقاد وجلسات النقاش عندما تفرض الظروف أن لا نلتقي.

 

في مرحلة من سنوات إغترابي في لندن ناشراً ومؤلفاً توطَّدت العلاقة بيني وبين الدكتور لويس عوض الذي كان أحد كتَّاب مجلة »التضامن«التي أصدرتُها في لندن وترأَّسْتُ تحريرها على مدى عشر سنين. وأستحضر في مناسبة هذا التكريم الذي يليق بالدكتور خليل أحمد خليل والذي يسبق تكريماً تأخَّر كثيراً من جانب دولتنا، قول الدكتور لويس خلال أحد لقاءات تبادُل الأفكار معه إنه يرى في خليل أحمد خليل أنه توأمه اللبناني. وكنتُ سمعتُ تقييماً من الدكتور علي الوردي الذي كما هو الدكتور خليل كوكب في سماء عِلْم الإجتماع في العراق، أوجزه بعبارة عندما قرأتُ كتابيْه »جدلية القرآن«و »العقل في الإسلام«تمنيتُ لو، ليس فقط يُقرأ من مختلف شرائح مجتمعاتنا العربية وإنما يؤخذ بالكثير من إستنتاجاته.

 

رحمة الله على الإثنيْن لويس عوض وعلي الوردي القامتيْن الفارعتيْن عِلْماً وفكراً وعمقاً في التحليل. وأمد الله بعمر الدكتور خليل أحمد خليل لكي يواصل دوره التنويري.

 

                                                           فؤاد مطر

                                               بيروت – 24 – 2 -2018

 

__________________________________________

 

كلمة خليل أحمد خليل

ألقى المكرم كلمة بعنوان "حياة من ورق"، تحدث فيها عن ذكرياته في صور، واسترجع مشاهد من ماضيه فيها، وسرد أخبارا عن "الصبي".