افتتـاح

المهرجـان اللبنانـي للكتـاب

السنة الثامنة والثـلاثون


كلمـة الأستاذ إلياس كساب

مساء الخير. نستهل هذا الاحتفال ، بالنشيد الوطني اللبناني.........

 

حضرات السادة:

-       ممثل فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون ، معالي وزير الثقافة الدكتور

محمد داوود داوود،

-       ممثل دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ، سعادة النائب زياد الحواط ،

-       ممثل دولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري سعادة النائب نزيه نجم ،

-       ممثل غبطة أبينا البطريرك ، نيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي ، سيادة المونسنيور روكز البراك ،  والذي يمثل أيضا سيادة المطران كميل زيدان راعي أبرشية أنطلياس المارونية.

-       قدس الأباتي مارون أبو جوده ، الرئيس العام للرهبنة الانطونية.

-       أصحاب السعادة والمعالي، الحاليون والسابقون، وأصحاب المقامات الدينية والروحية،

-       رئيس بلدية أنطلياس– النقاش ومخاتيرها،

-       ممثلو القيادات العسكرية والأمنية،

-       ممثلو السلك الدبلوماسي والقنصلي،

-       رؤساء السلطات القضائية والمؤسّسات الأكاديمية وممثلوها ، والمجالس البلدية والاختيارية، والهيئات الحزبية والاقتصادية والإجتماعية والنقابية والثقافية،

-       ممثلو وسائل الاعلام كافة.

 

يطيب لي أن أحييّكم شاكراً حضوركم هذا الاحتفال، وراجياً أن تتكرّموا باعتبار هذا الترحيب، صادراً باسمي وباسم سائر زملائي أعضاء الحركة الذين سيتناوبون على الكلام في هذا الافتتاح، كما نعتذر سلفاً عن أيّ خطأ أو تقصير غير مقصود. فجميعكم، سواء بصفتكم الشخصية أم التمثيلية، أعزّاء وأصدقاء، شرّفتم الحركة وهذا الصرح بوجودكم... ولكم منّا أسمى آيات المودّة والإحترام والتقدير، و أجمل الترحيب.

 

أهلاً بكم في الحركة الثقافية - أنطلياس في هذه الامسية النيّرة ، حيث الفرحة عامرة معكم، خصوصاً بعد تشكيل حكومة جديدة طال انتظارها، وعودة الانتظام الى العمل التشريعي. كما أن الأمل كبير بأن يشهد البلد تعافياً من أزماته المتمادية والمتراكمة وأن تتحقّق تطلّعات اللبنانيّات واللبنانيّين، الى مستقبل هو ملك لكل من يؤمن بتحقق الأحلام الجميلة.

 

أهلاً بكم في المكان الذي يجمع الكتاب بقرّائه، والثقافةَ بأهلها ومحبّيها، لنفتتحَ سوياً المهرجان اللبناني للكتاب في سنته الثامنة والثلاثين – دورة المعلم بطرس البستاني.

 

-       كلمة أمين معرض الكتاب الزميل الأستاذ منير سلامة.

 

-       ايها الحضور الكريم ،

الكلمة الآن لرئيس دير مار الياس والحركة الثقافية – أنطلياس، الأباتي الدكتور أنطوان راجح .

 

-       لن تثنينا المشاكل والأزمات والشعور المتعاظم باليأس من العيش بكرامة في وطن أنهكته النظريات الفكرية والأقتصادية والسياسية فأفقرته، طالما أن لكل منا حلمه بأن يكون وطنه في المراكز المتقدمة عالميا على كل المستويات.

فالحلم لا يسرق ولا ينهب ولا يأكله العفن ولا ينخره الفساد، انه الأمل الذي نعيش من أجل تحقيقه. عسى ألا يقتصر حلمنا في هذا البلد على رجاء الحصول على أبسط حقوق العيش الكريم.

 

كلمة الحركة الثقافية – انطلياس ، يلقيها أمينها العام الدكتور أنطوان سيف.

-       الكلمة الأخيرة ، ومسك الختام، هي لممثّل فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون ، معالي وزير الثقافة الدكتور محمد داوود داوود.

نشكر معالي الوزير على كلمته القيّمة والمشجّعة. وإننا، إذ ندعو له بالتوفيق والنجاح في مهامه الجديدة ، ندعوه الى أن يتقدّم سائر الرسميّين والضيوف الكرام في التوجّه نحو  القاعة الكبرى لافتتاح المهرجان اللبناني للكتاب في سنته الثامنة والثلاثين.

وشكراً لكم....

______________________________________________________

كلمة أمين المعرض الأستاذ منير سلامة

 

حضرة ممثل فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، معالي وزير الثقافة الدكتور محمد داود داود المحترم،

حضرة ممثل دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، سعادة النائب زياد الحواط المحترم،

حضرة ممثل دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سعد الدين الحريري، سعادة النائب نزيه نجم المحترم،

حضرة ممثل نيافة البطريرك بشارة الراعي وسيادة المطران كميل زيدان الساميي الاحترام المونسنيور روكز برّاك المحترم،

حضرة قدس الأباتي مارون أبو جوده الرئيس العام للرهبنة الانطونية،

الحضور الكريم، أصحاب معالٍ وسعادة، رجال دين وعدل، ديبلوماسيون وعسكريون وأمنيون، نقابيون واعلاميون ومثقفون...

        أرحب بكم باسم الحركة الثقافية – انطلياس في الدورة الثامنة والثلاثين للمهرجان اللبناني لكتاب والتي اخترنا لها اسماً رمزاً، رائداً من رواد النهضة العربية هو المعلّم بطرس البستاني في الذكرى المئوية الثانية لولادته.

        أيها السادة،

        في تسمية الدورة باسم المعلّم بطرس البستاني، إعادة تذكير بالتحدي الحضاري الذي أطلقه كبار المفكرين في العالم العربي والذي فتح آفاق التطور والتحديث والتقدّم في عالم كان يستنقع في التخلّف والظلامية.

        تسليط الضوء في هذه الأيام على فكر النهضة حاجةٌ أكثر من ضرورية بعد ان عاد العالم العربي ليغوص مجدداً في مجاهل التخلّف والقمع بمختلف وجوهه، وقهر الشعوب وكم افواهها واذلالها وافقارها. ولحثّ "المثقفين" الملتزمين على إعادة حمل مشعل التحرر والتجديد، في وقت يتزايد فيه مدّعو ثقافةٍ يحملون أقلاماً ترتزق لدى أنظمة الفساد والجهل والطائفية والمذهبية والتي هي سبب شقاء هذه "الأوطان" وهذه "الأمم والشعوب".

      

أيها الأصدقاء،

        ما نعيشه في لبنان وفي هذه المنطقة يزيدنا تصميماً في الحركة الثقافية – انطلياس على رفع التحدّي كما فعلنا دوماً على مدى أربعة عقود ونيف.

        والمهرجان اللبناني للكتاب هو المساحة الأرحب في لبنان التي تلتقي فيها النخب في المجالات الفكرية المتنوعة، هو احتفال سنوي بمنجزات قانونية وعلمية وادبية وفنية ومسرحية وشعرية وموسيقية، تضيف غنىً على المكتبة اللبنانية خصوصاً وعلى المكتبة العربية عموماً.

        أيها السادة،

        تتنوّع النشاطات على امتداد أيام المهرجان، فقبل الظهر ندوات ولقاءات مخصصة لطلابنا في المدارس في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وتتناول لقاءً حول تاريخ الجيش اللبناني والتعريف بالكلية الحربية، ولقاءات مع رياضيين وناشطين بيئيين وموسيقيين وسينمائيين بالإضافة الى استكمال النشاطات في مجالات حقوق الانسان التي بدأناها في الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الانسان.

        هذا عدا عن مسابقات الاملاء والالقاء الشعري باللغتين العربية والفرنسية.

        اما بعد الظهر وعند الساعة الرابعة فالجميع على موعد مع ندوات حول قانون الانترنت وحول البيئة والنفايات والطاقة الكهربائية، بالإضافة الى مناقشة كتب صدرت حديثاً ومنها للمسرحي رفعت طربيه وللإعلامي أنطوان سعد حول فؤاد شهاب واتفاق القاهرة وكتاب شبلي ملاط شاهداً، وأيضاً حول إصدارات الأب مارون حايك وكتاب الدكتور عبدو قاعي، وكذلك ندوة تكريمية لثلاثة اعلام من منطقة جزين، للمجلس الثقافي لجزين، وتحية الى الغائب الكبير الشاعر موريس عواد. كما لا ننسى الندوة المتخصصة حول رائد النهضة المعلّم بطرس البستاني.

   

السيدات والسادة،

        عند الساعة السادسة نلتقي لتكريم كوكبة من اعلامنا في الطب والقضاء والفلسفة والفن وعلم الاجتماع والأدب، وهم على التوالي "مع حفظ الألقاب" ناجي الصغير، نعيم ضومط، جورج زيناتي، غالب غانم، رمزي سلامه، نجيب عيسى، رلى ذبيان، جوزف الياس وعبدالاله بلقزيز. أسماء أصبحت أكبر من القابها.

        بالإضافة الى ثابتين الثامن من آذار يوم المرأة ونكرّم فيه السيدة جمانة أبو الروس مفرّج، والتاسع من آذار يوم المعلّم ونكرّم فيه الأستاذ أنطوان أبو سمرا والدكتور أحمد سنجقدار لتاريخهما الطويل في العطاء.

        هذا بالإضافة الى ندوة في السابعة من مساء اليوم وبعد جلسة الافتتاح هذه، حول التوأمة بين بلديتي انطلياس النقاش (لبنان) ومدينة انطوني (فرنسا).

        أما في تواقيع الإصدارات الجديدة على منصّة الحركة وعلى منصات الدور الناشرة فهناك اكثر من خمسة وخمسين توقيعاً.

        وفي هذه المناسبة ألفت انتباهكم أيها الأصدقاء، لصدور الجزء السادس من موسوعة "اعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي" والتي تعدّ من أهمّ السجلاّت الثقافية للنخب الفكرية في لبنان والعالم العربي على مدى الأربعين سنة الأخيرة، هذا عدا كتاب المهرجان والكتاب السنوي وكتيّب أعلام الثقافة لهذه الدورة.

        ولهذه السنة نختتم مهرجاننا بأمسية تراثية، موسيقية غنائية تحييها أوركسترا القسم الشرقي وكورال الغناء العربي في المعهد الوطني العالي للموسيقى بقيادة الأستاذ فادي يعقوب.

        في الختام، لا بدّ من أن أتوجه بالشكر أولاً الى راعي المهرجان فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والى الرهبنة الانطونية والى كلّ أصحاب دور النشر والمكتبات والجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات الرسمية، واسمحوا لي أن أتوجه بشكرٍ خاص الى نقابة المحامين لتهنئتها بمئويتها الأولى، مع أطيب تمنياتي وتمنيات الحركة الثقافية لها بالبقاء رائدة التطور النقابي والانتماء الوطني والمدافع الأول عن الحق والقانون.

        كما أتوجّه بالشكر الخاص الى رئيس حركتنا الأباتي الدكتور أنطوان راجح رئيس دير مار الياس انطلياس، للدعم الذي يوفّره للحركة في نشاطاتها كافة.

        وكذلك الى المجلس البلدي في انطلياس بشخص رئيسه السيد ايلي فرحات أبو جوده. ولا ننسى بنك عوده ومساهمته السنوية في دعم حملتنا الإعلامية، كما نتوجّه في الحركة الثقافية – انطلياس بالشكر الى القوى العسكرية والأمنية وكل من يساهم في توفير أفضل الظروف الأمنية والتنظيمية لإنجاح هذا المهرجان.

        أخيراً، أتوجّه باسم الحركة الثقافية – انطلياس بالشكر الى جميع العاملين من موظفين ومتعاقدين لما يبذلون من جهدٍ ولتفانيهم في عملهم.

        ولكم أنتم أيها الأصدقاء كل الشكر لأنه بدعمكم ينجح المهرجان ويتعزّز الكتاب وتستمر حركتنا.

       

                                                                                        والســلام

 

______________________________________________________

كلمـة أمين عـام

الحـركة الثقافيـّة – أنطلياس

أنطوان سيف

        أيها الأصدقاء،

        أصدقاءَ الكتاب، الأداةِ الأساسية للحفاظ على الحضارة وتقدُّمها، وأصدقاءَ "الحركة الثقافية" التي تكرِّم الكتاب بمثابرتها على تنظيم "المهرجان اللبناني للكتاب"، للسنة الثامنة والثلاثين على التوالي، برعاية رئيس الجمهورية.

 

        بدايةً نودّ أن نعرب عن امتناننا العميق لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون الذي يقدّم الرعايةَ الكريمة لهذا المهرجان للسنة الثالثة على التوالي، ممثَّلاً بمعالي وزير الثقافة الدكتور محمَّد داود داود الذي يزور حركتنا، بهذه الصفة الرسمية، لأول مرّة، ونتمنى أن تكون فاتحةً لزيارات لاحقة عزيزة ومثمرة، ونغتنم هذه المناسبة لنعبّر له وللفريق المساعد له في جهوده الخيّرة المرتقبة عن أملنا باستمرار هذا النموذج الناجح في التكامل بين القطاعين العام والخاص، وتعميمِه قدرَ المستطاع.

 

        كما نتوجّه بالشكر إلى دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي لتلبيته دعوتنا وإيفاده سعادة النائب الأستاذ زياد الحوَّاط لتمثيله ومشاركتنا في هذا الاحتفال. كما نعرب عن امتناننا لدولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري الذي تكرّم بإيفاد سعادة النائب الأستاذ نزيه نجم لتمثيله في هذا الاحتفال. فبهم جميعاً أجملَ ترحيب وعرفان.

 

        ونجدِّد تعبيرَنا عن كامل احترامنا لأبينا غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى، ممثلاً بسيادة المونسنيور روكز برّاك الذي ينوب عن سعادة المطران كميل زيدان راعي أبرشية أنطلياس المارونية. ونغتنم هذه المناسبة لنكرر إعرابنا عن تقديرنا للرهبانية الأنطونية، راعيةِ حركتنا منذ تأسيسها في دير مار الياس انطلياس رئيساً ورهباناً أكارم، وحاضنةِ أنشطتها في رحابه، وعلى رأسها هذه التظاهرة السنوية الكبرى، الثقافية والوطنية، التي تتميّز هذه السنة بحضور قدس الأباتي مارون أبو جودة الرئيس العام للرهبانية الانطونية. وشكرنا موصول لسائر الأصدقاء، فعاليّاتٍ وشخصيات، رسميةٍ ومدنية، السياسية والدبلوماسية، والقضائية والدينية والعسكرية، والبلدية والقابية والاختيارية، ولأكاديمية والثقافية والإعلامية، وكل الذين لبّوا دعوتَنا إلى هذا الاحتفال، من كل لبنان ومن الخارج منوِّهاً بشكل خاص ممثِّلي المجلس البلدي لمدينة أنتوني الفرنسية التي تُقيم علاقةَ توأمةٍ مع مدينتنا أنطلياس ممثلةً بمجلسها البلدي رئيسا وأعضاء، ولجميع الحاضرين الكرام، فهم جميعاً بموقفهم هذا، يُضيفون إلى مسيرتنا الثقافية والوطنية غنىً ومنعةً وأملاً بالمستقبل.

 

أيها الأصدقاء،

        ها نحن هذه العشيّة على أعتاب اليوم الأول من مسيرة ثقافية ثرّة بالأنشطة واللقاءات المتنوعة الميادين لم يخلُ يومٌ واحد منها على مدى 16 يوماً، حتى مساء الأحد 17 آذار؛ إنّها خلاصةُ جهودٍ عديدة على مدى عام نكثّفها في هذه المساحة الزمنية التي أردناها، من وقت تأسيس حركتنا منذ نيف وأربعة عقود، مساحةَ فرحٍ ولقاءً متعدداً، مهرجاناً وليس مجرّد معرضٍ للكتاب، مساحةً تضع الكتاب، بما يرمز إليه من رهانٍ على السلام والتعاون والتنمية والتجاوز، بمواجهة تلك الحرب التي استمرت بمآسيها الكبرى خمس عشرة سنة. ولا يزال الرهان على الكتاب قائماً ومبرِّراً للقائنا كل سنة، على الرغم من الصعوبات التي تعكّر هذه الصورة البهية للآمال المعقودة على استخدامه.

 

        2009، كان عام "بيروت عاصمة عالمية للكتاب" (من نيسان 2009 إلى نيسان 2010). فانفتحت المشاريعُ المتنوعة على دعم قطاع الكتاب بتطوير صناعته والحث على المطالعة الآخذةِ في الانحسار. وما زالت هذه عناصرَ "أزمة الكتاب" كما يتداولها المهتمون، تفاقمت مؤخراً مع إقفال عدد من رموز الصحافة اللبنانية الورقية، العريقة في الثقافة العربية. وكان التسرَّع في اعتبار السبب الأساسي في هذه الأزمة هو النشر الإلكتروني أو الرقمي الذي أخذ من النشر الورقي أمكنةً شاسعة! إلاّ أن هذا التبسيط في المسألة لا يُجدي في الكشف عن مكان الخلل.

 

        فمنذ أربعة أيام، في 26 فبراير/ شباط 2019 ، انعقد مؤتمرٌ في "المجلس الأعلى للثقافة" في القاهرة(1) بعنوان "مستقبل الكتاب الالكتروني – المطبوع – التفاعلي"، ضمن محورين: الكتاب الورقي والكتاب الرقمي الألكتروني. في المحور الأول، أُعيد التذكير بتعريفٍ للكتاب وضعته اليونسكو عام 1964 اعتبرته مطبوعاً يشتمل على تسعٍ وأربعين صفحة على الأقل؛ إلى جانب تعريفات أخرى موازية بأنَّ الكتاب هو مجموعة من الأوراق المخطوطة التي تشكِّل وحدةً ورقيةً في مجلدٍ أو أكثر.

 

        إلاّ أن هذه المفاهيم تغيَّرت خلال الخمسين سنة  التي مضت، بحيث بات يترك آثارَه على نحوٍ متسارع على فلسفة القراءة ذاتها، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية تُسارع في نمو النشر الرقمي.

 

        وأشار إلى أنَّ الجدل لم يُحسم بعد، بالنظر إلى تباين الاحصائيات العالمية حول نمو سوق الكتاب الرقمي على حساب الورقي، حيث لا مؤشرات قاطعة حول ذلك، كما أن العديد من الدراسات التي تُجرى في بلدان غربية لا تزال تمنح الإصدارات المطبوعة الورقية أفضليةً لدى بعض الفئات والشرائح، ما يعني أن الأسواق ستُبقي على المنشورات الالكترونية والورقية معاً حتّى زمنٍ غيرِ محدّد. أي، بمعنى آخر، لا تعاقُب ولا تناقض بين الورقي والألكتروني بل تعايش وخضرمة. لقد جرّبت دورُ نشرٍ غربية مرموقة معالجةَ أزمتها بانخفاض العدد في توزيع إصداراتها، التي هي في العمق أزمةُ قراءةٍ عالمةٌ لا يختصُّ بها بلدٌ دون آخر،  وذلك بنقل عدد كبير من إصداراتها الورقية إلى الرقمية مع تسهيلات مالية في الحصول عليها، وكانت النتيجة أن المبيع زاد بين 8% و 10% فقط! إذاً عن أمام " قرائيةٍ متراجعة"، لا أزمةَ كتاب ورقي. ومحاولة الإجابة عنها وحلِّها باعتماد النص الرقمي، لا طائل تحته! إن إنسانَ اليوم الذي يحمل هاتفه النقّال معه، وبخاصة الشباب منهم، وحتى الأصغر من هؤلاء، يقرأ في اليوم أضعافَ المرات ما كان يقرأه العلماءُ القدامى. فليس الكتاب في مأزق بل القراءة، نوعية القراءة، والقراءة الطويلة، التي أزاحتها سهولة المعلومات الرقمية السريعة. فلا بدّ من التدرُّب على القراءة من جديد، وبرمجة هذا التدرُّب، ومتابعة القارئ لتقصّي أثر القراءة الجديدة فيه. فلذلك ما زالت معارضُ الكتاب الورقي عملةً شائعة، لأنها تعرض الكتاب بأبهى صوره، وتوفِّر لقاءً بشرياً موسَّعاً يسحب القارئ الرقمي من وحدته، ويغرزه في جسم الجماعة التي ينتمي إليها، أو يرغب ويطمح للانتماء إليها.

 

        ولا بدّ هنا من تعاون موسّع في هذه العملية العلاجية، بين القطاعات العامة والقطاعات الخاصة المتنوعة (كالأندية ودور النشر والمدارس والجامعات والأماكن العامة ووسائل الاعلام...)، كما تفعل حركتنا الثقافية، في حيِّز نطاقها على مدار السنة، بإقامة ندوات، وحوارات، ومؤتمرات، ومعارض، ومنشورات... وتسهيل الحصول على المعلومات الوافية بأسعار معقولة.

 

        وبالطبع العنصر الأساس هنا هو التربية، تربية المتعلم، بعناصرها الثلاثة: الأهل/ المدرسة/ المعلّم، وما تمثله من ثقافة خصوصية. هذا إذا وضعنا جانباً النسبةَ العالية من الأمّية في العام العربي، والأمية الألفبائية المقنّعة عند ملايين من الناس لا يتعدّون المرحلة الابتدائية في دراستهم، وبالكاد يحسنون القراءة والكتابة. وبالتالييقومون تلقاءً بوضع حدود، حتى لا نقول عرقلة، لأي خطةٍ تنموية تربوية. إلاّ أن لبنان لا يعاني كثيراً من الأمية، بل من جهاز تعليمي غيرِ كفوء في المدارس الرسمية الابتدائية والمجانية، ما يجعل كلَّ إصلاح في هذا القطاع لا يقوم على تغيير كبير في هذا الجهاز وتجديده بجهاز كفوء: تعليماً وادارةً ورواتب، لا يجدي نفعاً. فسلسلة الرواتب، على سبيل المثال، لم تميّز بين المعلّم المنتج والمعلّم غير المنتج! فكأننا نصرّ على استمرار الأزمة التربوية! وفي انتظار الاصلاح الكبير المنشود، تكون معالجتنا غيرَ حاسمة. ولكن لا يجوز لنا أن نتلف حقوق جيل بكامله من التلامذة في فترة الانتظار: فلا بدّ من المعاجلة الجزئية التي يجب أن لا توقف السعي الحثيث للمعالجات الحازمة وبالعمق. نستطيع أن نأمل إصلاحاً جزئياً في تحديث المناهج وتطوير الكتاب المدرسي وورشة اعداد المعلمين الممارسين راهناً: فالرقابة على المدارس الخاصَّة والاهتمام بالمدارس الرسمية يؤول إلى تحسين التكافؤ في المنافسة بين التعليم الرسمي والخاص. فالأهالي لا يثقون بالتعليم الرسمي، وهي ثقة مهزوزة مزمنة ينبغي تفهًّم أسبابها العميقة لمعالجتها، وبقية القضايا التربوية تصبح متفرعة. وكل ذلك، يمرّ حكماً في السياسة، وفي القرارات السياسية التربوية الكبرى.

 

        وهذا يقودنا إلى نظرة نقدية إلى واقعنا السياسي العام، أو شأننا الوطني المتأرجح بين أخطار كبرى وآمال كبرى لا تفي بإزالة هذه الأخطار. وعناوينُها: الدينُ العام الذي تفوق فوائدُه المئوية الناتجَ المحلي بوجهيه الداخلي والخارجي؛ وهناك منه، والبعض يقول أكثرُه، ما يمكن وضعه تحت عنوان الفساد في الإدارة العامة وفي السياسة (ومن غير واو العطف)، ما آل إلى انتشار الفاقة والفقر وتراجع العدالة الاجتماعية إلى مستويات مخيفة. فحالة جورج زريق، الفجيعة المأساوية، لم تكن، بدلالاتها الواسعة، ولا يجوز أن تكون، حادثةً منعزلةً وفردية.

 

        وهناك كارثة المهجرين السوريين ما لا طاقة للبنان على احتمالها طويلاً: أمنياً واقتصادياً وديمغرافياً، تقابلها هجرة اللبنانيين الشباب المتفاقمة. ولا داعي هنا لذكر الأرقام. والطبقة السياسية الحاكمة في لبنان تستمر تنأى بنفسها عن المعالجات الناجعة وفقاً لما يقدّمه علماءٌ مرموقون في الاقتصاد والسياسة والتربية والتنمية. ناهيك بأنَّ منطقة الشرق الأوسط، والعالمُ العربي منها، تعيش آفاتٍ مزمنةً من تراجع في الحريات التي جنحت أخيراً إلى الحروب الداخلية المفتوحة، والصراعات الإقليمية والدولية. وأبرزها الاعتداء الإسرائيلي المستمر باحتلال أراضٍ عربية، ومنها لبنانية، ومصادرة أراضي الفلسطينيين والتوسّع بمستعمرات الاستيطان داخل فلسطين المحتلة، كل ذلك مدعوماً بالانحياز الأميركي ضد الحقوق العربية العادلة، فضلاً عن نهب الثروات العربية الذي يتم بوتيرة غيرِ مسبوقة.

 

        لقد أظهر المجتمعُ المدني في لبنان حضوراً فاعلاً قدّم بارقةَ أملٍ بالتغيير بالوسائل الديمقراطية، التي توَّجَها بخاصةٍ بتظاهرته الكبرى في وسط العاصمة بيروت في 29 آب 2015، بتركيزه على قضايا حياتية كبرى (كالنفايات، والكهرباء...) والتي كشفت كم هي مقصِّرةُ الطبقة السياسية الحاكمة والتي يختبئ فيها الفساد وأركانُه. وهذه الضغوط الديمقراطية المدنية، في مجالات تأزُّم الديمقراطية السياسية، تقوم على مسار ثلاثي: المراقبة والمساءَلة والمحاسبة، وتوسيع البحث والنقاش والحوار حولها. فالديمقراطية، ديمقراطيتنا، لن تتعزّزَ إلاّ بالوسائل الديمقراطية. والتفاؤلُ بالتغيير الآتي ليس وهماً، فطريقُه الثقافةُ الوطنيةُ المستنيرة نبراس الوعي والضغط الديمقراطي المنظَّم الأكثر فعاليةً، وهي التي تقود السياسةَ الرشيدة.

 

        وأخيراً، لماذا "دورة المعلّم بطرس البستاني" هي تسميةُ مهرجاننا هذه السنة؟

 

        إنها الذكرى المئوية الثانية لولادة المعلِّم بطرس (1819-2019). وُلد في الدبِّية – الشوف، وتعلّم في مدرسة عين ورقة في غوسطا-كسروان، وانتقل إلى بيروت في العشرين من عمره للعيش فيها كل حياته، بيروت التي كان  شاهداً على تدرُّجها في التقدّم من مدينةٍ قديمةٍ مترهلة إلى "درّة التاج العثماني" بمؤسساتها الوطنية والأجنبية المتنامية بسرعة، في المدارس الحديثة والجامعات والمطابع والصحف والمطبوعات والمصارف والشركات، في ما عُرف بفضله، وفضل أمثاله، بعصر "النهضة العربية الكبرى" الذي لا يشبه إطلاقاً العصور العربية السابقة له التي عُرفت بعصور الانحطاط، قبل القرن التاسع عشر. أمّا إنجازاته الحضارية فيمكننا الاكتفاء بذكر بعضها:

 

1-  كان أول من أطلق المفهوم الحديث للفظة "الوطن" في الحية العربية، بمعناه الأيديولوجي والسياسي المستمر حتى اللحظة، بعدما كانت دلالات لفظ "الوطن" في المعاجم العربية القديمة، هي: مسقط الرأس، ومربط الغنم والبقر. ووصف الالتزامَ السياسي الوطني بعبارة: "حب الوطن".

 

2-  كان أول من أسّس "مدرسة وطنية" حديثة البرمج والمناهج لأبناء كل الطوائف الدينية وكل الطبقات، بعدما كانت المدارس القليلة الموجودة كلها مدارس مختصة بدين معيّن وبطائفة معيّنة.

 

3-  أول من علّم العلوم الحديثة في مدرسته باللغة العربية حيث كان يقوم بتعريب الكتب الأجنبية بنفسه مع صديقه المرسَل الأميركي كورنيليوس فان دايك العالِم الذي كان يتقن اللغة العربية.وانتقل هذا التقليد الأكاديمي من بعدها الى الجامعة الأميركية في بيروت بعد إقفال مدرسته.

 

4-  اول من أسهم في تأسيس جمعية ثقافية (نادياً ثقافيا، أو حركة ثقافية...) مستقلة عن السلطة الرسمية وذات نظام داخلي مكتوب.

 

5-  أول من رفعَ الصوت عالياً داعياً الى "تعليم النساء" إذ أن "المرأة من دون علم شر عظيم في العالم". كما قال، وأضف ان هذه الدعوة لتعليم المرأة "لم تجرِ فيها أقلام أسلافي من أهل بلادي". أسوةً بما يقوم به الافرنجُ المتقدِّمون في سلم الحضارة.

 

6-  أول من وضع معجماً حديثاً للغة العربية هو "محيط المحيط" بحسب الترتيب الألفبائي، بعدما كانت معاجم اللغة العربية كلها تصنف كلماتها بحسب حروف آخر الكلِم.

 

7-  أول من وضع موسوعة علمية عربية وحتى قبل عشر سنوات من وضع أول موسوعة باللغة التركية، لغة السلطة العثمانية الحاكمة، قال عنها فان دايك انه "مشروع عظيم خطير لا مثيل له في اللغة العربية وهو بالحقيقة كنز لأهل الشرق".

 

8-  وهو الأوّل في الشرق الذي دعا دعوة علنية صريحة، وفي ظل دولة "الخلافة" العثمانية، الى العلمانية التامة، والى "وجوب وضع حاجز بين الرياسة (أي السلطة الروحية) والسياسة (أي السلطة المدنية)، وتجاوز كل التمايزات الطائفية في بناء الدولة.

 

9-  وأول من دعا صراحةً وبجرأة إلى إزاحة الاقطاع العائلي عن الدولة "وإعطاء المأموريات الى الاستحقاق والأهلية، لا الى مجرّد الجنسية والسلالة، أو الغنى والرفعة".

 

بهذه الإنجازات كان بطرس البستاني من أكثر المفكرين ريادةً بين النهضويين في بلاد العرب والمسلمين       ، فبدا وكأنه "رجلٌ سابقٌ لعصره"، كما وصفه في عنوان كتاب عنه يوسف قزما خوري...

 

لهذه الإنجازات، وغيرها ممَّا لم نذكره لضيق الوقت، كان اختيارنا بتسمية المهرجان اللبناني للكتاب، 2019،  "دورة المعلّم بطرس البستاني" (وهناك في برنامج أنشطتنا ندوةٌ يوم الأربعاء 13 آذار الساعة الرابعة بعد الظهر حول المعلّم بطرس البستاني)...

 

بلدية مدينتنا انطلياس أقامت علاقة توأمة مع بلدية مدينة انتوني Antony في فرنسا نستضيف ممثلين عنها في ندوة لاحقة في هذه القاعة الساعة السابعة مساءً، حول معنى التوأمة ودلالاتها بين المدينتين وفي مختلف المجالات.

وأخيراً،

 

نكرر شكرنا وامتناننا لكل من أسهم في جعل هذا المهرجان قائماً فعلاً، ولكل من زاده رونقاً ورُقياً، ونتمنى للجميع مشاركةً مثمرةً فيه، تعزز إيماننا بالثقافة المستنيرة والفاعلة، هذا الايمان الذي يقوّي وحدتَنا الإنسانية ويزيد منعتَنا الوطنية.               

 

                                                                الأمين العام
                                                                         د. أنطوان سيف

 


 

(1)  "مستقبل الكتاب": تطبيقات ونماذج عربية. مقال في العربي الجديد – القاهرة 26 فبراير 2019، والمقال بتوقيع خالد العامري.

__________________________________________

كلمة الاباتي أنطوان راجح في افتتاح مهرجان الكتاب 2 آذار 2019

 

على وقعِ تساؤلاتٍ كثيرةٍ تنتابنا على أكثرِ من صعيد، تفتتحُ حركتُنا الثقافيّة الرزينة معكم اليوم مِهرجانَ الكتاب وما يرافقُه من احتفاءات، من عمقِ الفكر، بالكلمةِ وأصحابها، ومن تحفيز من فيض القلب، على قراءة مفاهيمِ الحياةِ الكريمة وإنتاجِ الآراء الحرّة البنّاءةِ وتحريرِها.

إنّ الحركاتِ الرزينةَ الرصينةَ تكوّن لها رأيًا محترمًا، من دون أن تتمادى في النفخِ والتطبيل.  إنّها صُنعت للتفكير والتنوير. لذا، إذا نطقت حركتُنا فعن تعقّل، وإذا مدحت فعن خبرةٍ واقتناع بأهليّة الممدوح. إنّها على يقين بأنّ الثقافةَ هي الطريقةُ الخاصة التي يمارس بها الأفراد والشعوب علاقتَهم بالطبيعة وبإخوتهم، وعلاقتَهم بذواتهم، ليتوصّلوا الى حالة إنسانيّة كاملة. فما من ثقافة الاّ من الانسان وبالانسان ولأجل الإنسان. ذلك يشمل كلَّ نشاطِ الإنسان، وعقلَه، وعاطفتَه، وبحثَه عن معنى الأشياء، وعاداتِه، ومعالمَه المناقبيّة. لذا يفخر دير مار الياس-انطلياس بحركته الثقافيّة التي تواصلُ عملَها والكفاح منذ إحدىواربعينَ سنةً متواصلة، وتتحصّن ببعد أخلاقي داخلي، وبتآلف أعضائها وتضامنِهم، وعزمِهم المثابر على العمل التطوّعي المجّاني، الذي يندرُ هذه الأيّام، في سبيل الخير العام، واعتبارِ الثقافة مناقبيّةً أخلاقيّة. إنّها ثقافةُ محبّةِ الوطن، ومحبّةِ الانسان. وإنّ كل عمل في سبيل الوطن والانسانيّة صلاةٌ تحملها الملائكة وتعزف موسيقاها تهليلًا لها وتكبيرًا، وترفعُها بأسلاك خفيّة متينة الى عرش الديّان باحتفال مهيب ونشوة. من هنا ارتياحُ الدير لامتداد رسالتِه الى هذه الأنشطة الحميدة والواجبة.

فالمهرجانُ عمل أخلاقي، وبادرةُ حبٍّ وشهامة وإنفة، لا يتوقّف عند الاتّصال بالأشخاص وحسب، بل يهدفُ الى لقائهم ومخاطبتهم، خصوصًا في عالمٍ بات الإنسان يتمركز فيه في عاصمة الـ "أونلاين"، حيث تُحجرُ القيم في دوائرِ الحياة الخاصة. فصحيح أنّ حركتنا الثقافيّة تحاول القفزَتباعًا الى مراحلَ متجدّدةٍ، فيها مخاضُ الجدّة وانبهاراتِها، فتفكُّ طوقَ اللحظة، وتلتفت الى ما كان ولن يعود، مستشرفةً ما سيكون وليس بعد. وصحيح أنّها تثق بما وصّفه قداسةُ البابا بندكتس السادس عشر في التقنيّات المتسارعة التي تحتضر معها المجلّداتُ الورقيّة، إذ قال: "لا تخافوا من التقنيّاتِ الحديثة، فهي واحدةٌ من الآيات". وقد دعا قداستُه الى الافادة من خدماتها، لافتًا في الوقت عينه الى أنَّ دور الآية يقضي بأن تشيرَ إلى ما فوقِها وما ورائِها، إلى المعنى، لا أن تصبح غايةً في ذاتها. إنّها لخدمة الانسان.

إنّ حركتَنا جادّةٌ في استعمار مدواتِ الإفتراض الرقميّة، وتقرّ بضرورة اعتماد رحلات تسارعُ الفكر، وتعبرُ تباعدَ الأمكنة وتآكلَ الآنات، ولكنّها تُبقي على ايمانها بالكتاب الورقي، وتُبقي التقنيّات في مساءلةٍ أخلاقيّة، تمنع هيمنةَ الافتراضي من أن تنسيَنا القيم الانسانيّة، ومن أن تغدو آسرة ومعبودة. وهي تمنع الركمجة على شبكة الإنترنت من ثنيها عن الغوص إلى ما تحت المعلومات الجاهزة التي تقدّمها محرّكات البحث، ومن التمسّك باللقاءات الانسانيّة المليئة وحدَها بالعبارات الحيّة.

 أمّا التساؤلات فتنتاب الضميرَ الثقافي عند عَتَبَةِ مثلِ هذا الاستحقاق، وأمام عُقم العُقد النائمةِ التي يوقظونها أمام كلِّ سانحة للخروج من الواقع المأزوم، ومنها عمليًّا: هل سنستمرّ بمهرجان كتاب أم سنضطرّ الى تحويله كليّا الى مهرجان نتاجات مواهب متنوّعة أو الى منتجاتِ هندسات فكريّة، يمكن التلاعب بها، وقد لا تتمتّع بصدقيّة الورق مهما سمت؟ الى متى ستبقى دورُ الكتاب قادرةً على تغطية أكلاف المساحات التي تشغلها تأمينًا لاستمراريّة تمويلِ أنشطة الحركة؟ وهل ستتمكّن من تسويق ما يوفّر لها بدلَ أتعاب مندوبيها والحضور؟ وبالأكثر هل يحثّ كتابُ اليوم على قراءته من الدُفّة الى الدفّة، وهل تفتّش العامّة عن فكرٍ أم عن صورة في الكتاب؟

وفي التنشئة الوطنيّة، وهيإحدى خلفيّات المهرجان، هل نتكوّمُ في ممكنات قشفة يصوّرها تصلّبُ شرايينِ التفكير والتعبير والارادة عندنا، فنُكثرُ الكلامَ ونُعدمُ الحوار، مجهضين كلَّ بادرة في مسلخ الحسابات الضيّقة والشكوك المبيّتة، مكتفين بانتظار تبنّي الجنين، أو المسخ الذي يلدُ من رحم الدول الكبرى والاقليميّة وتسوياتها؟ هل سنرضى بمقارنة أنفسنا بمجاهلِ بلاد نفتّش معها عن بعض تفوّق، إذا وجدنا، بعد أن كنّا لا نرضى الاّ بمقارعةِ أرقاها؟

لن نكتفي بحصر أقصى الطموح في إدراج أسماء منتشرين ضمن لوائح، مع الإشادة بالجهد المبذول للغاية، ولا بالمطالبة الفوريّة بحلول جذريّة جريئة ومتبصّرة، لأزمات زحمة السير، والنازحين، والنفايات، ولأزمات المفتقرين الى القوت والسكن، والعلم والطبابة والاستشفاء والراتب التقاعدي أو الاجتماعي، وما أكثرَهم. لا، لن نخفّضَ سقفَ الأمل. لن نتسوّلَ الحدّ الأدنى، ولن نفرّطَ بحقّ الطموح، فنكتفي بانتظارِ شحّ ما تجود به علينا الأيّام. لن نرضى باستبدال منطق الارادة والنضج الذي يجيز حكمَ الذات بالذات، بمنطق الدلع والولع بالاستغلال والنّهم وما تسنحُ به الفرص، ولا أن تستمرَّ فُسحةُ الأملِ بالتقلّص، حيث لا يعودُ العيشُ يتّسع لأكثرِ من المرارة والقنوط.

مع حركتِنا ونظيراتها نتمسّك بمبادىءَ أساسيّةٍ لناحية الانتماء والفضيلة، ونُبقي عقولَنا مفتوحة على مصاريعها، لقراءة تاريخيّة لمفاهيمِ السيادة والاستقلال، لا تكونُ مفخّخةً بالهواجس، ولا مدجّجةً بالانتفاعيّة الفردانيّة الأنانيّة، ولا تقوم على اصطفافاتٍ عدائيّة داخليّة، أو على انطوائيّات طائفيّة بغيضة، ولا على نوباتِ مكابرةٍ وتشنيج وتجييش، أو على ايقاع مزاجيّةٍ سياسيّة متقلّبة، بل تكونُ مكلّلةً بالحدّ الكافي من التضامن والاحترام، ومن التماسك المطلوب في المجتمع الوطني، وبالانتقال من التعايشِ الحذر، المتربّص والمقتنص، الى التعاون الخلّاق، وتلقيحِ منطقِ الانفتاح برحيق الإبداع.

نحنُ لن نيأس. عندنا رجالاتٌ أكفّاء. عندنا رجالٌ عظام، في طليعتهم، راعي المهرجان. رئيسُ جمهوريّة استثنائي في عزيمته وصلابته، يؤمن بسيادةِ لبنان وبقراره الحرّ، وقد جهدَ في الحفاظ على وحدةِ البلد وأمنه، وفي إدخال نَفَسٍ عملانيّ خرقَ فيه بإسناد، نهج حكومات الطائف، ليتمكّن من الحدّ من التلهّي بالسجالات البغيضة، ويُطلقَ مسيرة الخدمات والنهوض، وهذه مهمّةٌ رئيسة تقي نسبيًّا مساعي تقزيمِ الهالة الرئاسيّة، وتمنع محاولاتِ تجويفها. لقد أطلق البابا فرنسيس مطلعَ هذا العام ثماني تطويبات لمن وُلّيَ السلطةَ السياسيّة، من بينها الطوبى لرجل السياسة الذي لا يخاف، والطوبى له إذا حقّقَ الوحدة. نشكرُ فخامتَه استئهالَ الطوبى في هذه المجالات، وعلى رعاية هذا المهرجان بطبيعة الحال، فنحيّي ممثّلَه بيننا اليوم معالي وزير الثقافة محمّد داوود. نشكر كلَّ الحاضرين الكرام، وأخصّ، كرئيس موقع أنطوني انطلياسي، ممثّلَ غبطةِ البطريرك نيافة الكردينال مار بشاره بطرس الراعي، سيادة راعي أبرشيّتنا المطران كميل زيدان، وقدسَ رئيسنا العام الأباتي مارون أبو جوده، ورئيسَ بلديّتنا الشيخ ايلي أبو جوده.

 معكم نواصلُ الاستثمارَ في الفكر، في الرجاء والارادة، وننظر الى الغد بثقة وعزم، لنسهمَ من موقعنا الحضاري، في الخروج بالوطن من دوّاماتِ الرهانات والتخلّف التي أنتجتها وتنتجها الأزماتُ المدبّرة، المتوالدة والمتتالية، ونهدفُ الى ضياء الفكرِ، والقول، والعمل، والثبات على ايماننا بالله، وبهذا الوطن.

 

_____________________________________________________

كلمة وزير الثقافة الأستاذ محمد داود داود

 

أصحاب المعالي والسعادة والسيادة،

ادارة الحركة الثقافية في انطلياس،

أهل الثقافة والفكر والمعرفة،

السيدات والسادة،

 

باعتزاز وشرف كبير، كلفني فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتمثيله في افتتاح مهرجانكم السنوي...

مأثرةٌ ثقافية وفصلٌ معرفيّ حضاريّ، يتتالى بإيمان للسنة الثامنة والثلاثين !

 

هذه التظاهرة، فخورون نحن بها على المستوى الرسمي والشعبي. وهي إحدى سمات لبنان، وتشكّل استمرارية لدورة النهوض الريادي في العالم العربي منذ مطبعة حروف جبيل ومطبعة قنوّبين وثورة الحرف، حتى اليوم.

 

من فضائل المهرجان اللبناني للكتاب، انه شكَّل ويشكّل منّصة انسانية- ثقافية، يتلاقى عليها الكتّاب والناشرون وجمهورُ القرّاء الطامحين الى نعمة المعرفة. ثم هي مناسبةُ وفاءٍ لكبارٍ أعطوا الفكر والآداب والفنون، في لبنان والعالم العربي، وهجاً حضارياً.

السيدات والسادة،

هذه الاحتفالية التي وسمتموها بدورة المعلم بطرس البستاني. هي وردةُ إكبارٍ وتقدير لأحد آباء النهضة العربية. هو القامة الموسوعية، صاحبُ "دائرة المعارف" ومعجم "محيط المحيط" ومؤسس صحائف: "نغير سوريا" و"الجنان والجنينة" ومترجمُ الكتاب المقدس.

فضلُه كبير هذا المعلّم ..

ذاكرون انشاءه المدرسة الوطنية في العام 1863 إثر تداعيات رواسب فتنة 1860، بالتعاون مع الشيخ يوسف الأسير ومتنّوري تلك الحقبة، والتي جمعت طلاباً من كل لبنان وركزّت مناهجُها على الالفة والاتحاد والولاء للوطن.

ولعل اكثر ما يستوقف في فكر هذا الموسوعي، دعوتُه الى المساواة بين المرأة والرجل في خطابه الشهير 1849 "خطابٌ في تعليم النساء"...

السيدات والسادة،

اذ نحتفل اليوم بالكاتب عبرَ الكتاب، فنحن في صميم ترويج المعرفة، التي بفضل وسائل التواصل صارت عابرة للحدود. أننا في قلب القرية المعولمة...

ثم لا ننسى، أن اقتصاد اليوم، تحّول من مجتمع زراعي، إلى اقتصاد المعرفة وظهور مصطلح رأس المال المعرفي القائم على الذكاء والمعلومة والبحث العلمي.

لقد لعبت الثقافة دوراً راجحاً في تكوين نسيج المجتمع اللبناني - عبر العصور - وتحوّلت مشروعاً حضارياً، طمح كتّابنا النهضويون واللاحقون في ترجمته إلى دور ورسالة لبنان في محيطه والأبعد...

هذا المشروع الثقافي اللبناني، نعتبره نموذجاً لمنطقة الشرق العربي والأوسط، من حيث التلاقي الحضاري - الإنساني - المعرفي وقبول الآخر من خلال الحوار والتآخي.

هذا المشروع عبّرت عنه منظمة اليونسكو، عملياً،  من خلال تبني استحداث المركز الدولي لعلوم الإنسان في جبيل عام 1970، عبر بيان أممي، اعتبر لبنان بصفته الجيوسياسية - الثقافية، جسر التقاء ثلاثيّ القارات: آسيا، إفريقيا، أوروبا، لحضارات الشرق بالغرب في مدينة مهد الأبجدية: جبيل.

السيدات والسادة،

يسعدني هذا المساء، أن نُدْفِئ عقولنا بوهج الحرف وهَدْي المعرفة وانفتاح آفاق الثقافة، خروجاً من الشرانق وارتقاءاً ثرياً إلى رحاب الإنسانية.

باسم فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي شرّفني بتمثيله هذه العشية، كل التقدير للحركة الثقافية في نشر المعرفة...

ونعاهدكم أن يظلّ لبنان الرسمي حاضن العطاءات الفكرية، والمحفّز والداعم الأكيد لكل المبدعين.

ويبقى الكتاب أيقونةَ المعرفة في عقولنا......

تحية لأهل الحرف

عاش لبنان

_____________________________________