يوم المعلِّم
تكريم الأستاذة مرسال زكريّا تقدِّمها الأستاذة غادة قوسطانيان
تكريم الأستاذ فؤاد الخطيب تقدِّمه الأستاذة نوال صعيبي
الاثنين 9 آذار 2015
كلمة الأستاذ منير سلامه
في يوم المعلّم كثر هم الزملاء الذين يستحقون التكريم لنتاج مسيرةٍ امتدّت لعقود، ويستمرون في العطاء،
أيها الحفل الكريم،
تطول لائحة الأسماء من المعلّمين الرواد كلّ سنة أمام الهيئة الادارية للحركة الثقافية– انطلياس، ويصعب الاختيار.
ولكن في أيّ اختيارٍ تكريمٌ للجميع، للمعلّم الذي نَذَر العمر لصناعة المستقبل، والذي يكاد تغيّر سلّم القيم، ان يهمّشه في المجتمع، وبخاصةٍ في زمن الانهيارات المتتالية في وطنٍ شكّل لزمن طويل. منارةً علمية في هذه المنطقة التي تتلبّد سماءُها أكثر فأكثر بغيوم الجهل والتطرّف والتعصّب والبربرية. هذه المنطقة التي تتفتّت مجتمعاتها وتنقسم على بعضها طوائف ومذاهب وقبائل وعشائر، والتي تتفكك دولها الى دويلات وإمارات وولايات وربما اصغر. والتي تُمعن قوى الشرّ والعمالة والظلام على محو تاريخها وثقافتها وتراثها.
أيها الأصدقاء،
في هذه الأمسية، نكرّم رائدين من روّاد التربية والتعليم، شكّل كلّ منهما علامة متميّزة في تعليم مادتي البيلوجيا والكيمياء، وفي وضع مناهجهما وفي تأليف كتبهما المدرسية.
نكرّم رائدين تماهى اسم كل منهما مع اختصاصه السيدة مارسيل زكريا والاستاذ فؤاد الخطيب.
ايها الصديقات والاصدقاء،
عذراً اذا لم أذكر بمطالب المعلمين ولا بحالتهم الحاضرة، واذا لم آتِ على ذكر ابريق الزيت أي سلسلة الرواتب وتطوراتها "وغيرة الاحزاب والقوى السياسية" على تحقيق مطالب المعلمّين.
حسبي انني لا أريد أنكأ جروحكم وافسد فرح المناسبة في يوم عيدكم. وشكراً.
ايها الزميلات والزملاء،
تعرفها المدارس وإداراتها ويعرفها معلّمو مادة البيولوجيا وكثيرون غيرهم. حركةً لا تهدأ ولا تعبأ بالسنين التي تبدو وكأنها غافلة عنها.
كان مقدّراً لها ان تكون صيدلانية بعد ان تخرّجت من جامعة القديس يوسف في خمسينيات القرن الماضي، ولكنّ رسالة التعليم شدتها الى الصفوف واللوح الاسود والطبشورة وتكنولوجيات التعليم. برعت وما تزال فمئات لا بل آلاف الخريجين مدينون لها، اطباء واساتذة في مختلف مراحل التعليم كانت وراء نجاحهم.
ايها الحفل الكريم،
لن استرسل واترك لمن يقدّمها ان يغوص في نتاج مسيرة هذه المعلّمة الكبيرة قدراً وعلماً.
اترك لاستاذةٍ هي أيضاً من الاسماء اللامعة في التعليم وفي مجالات منه متعددة، من اللغة الفرنسية الى الترجمة والتعريب والى وضع منهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية والى وضع كتب هذه المادة وتعليمها والمشاركة في تقييمها من خلال لجنة الامتحانات الرسمية.
هذا بالاضافة الى اهتماماتها البيئية وغيرها من النشاطات الاجتماعية والتربوية.
هذه الاستاذة هي السيدة غادة هواويني قوسطانيان التي تتولى الكلام في مكرمتنا الاستاذة مارسيل زكريا.
الكلمة للأستاذة غادة فلتتفضل.
من اقصى جنوب لبنان، من بلدة شبعا الكريمة والعالقة على حدود التصدي للخطر الاسرائيلي، والتي هي ايضاً على تماس مع النزوح الناتج عن النزف في الجرح السوري الذي يزداد التهاباً. حمل فؤاد الخطيب ابن العائلة العريقة شغفه بالتعلّم وبالعلوم الى بيروت طالباً ثم استاذاً وبعدها منسّقاً لمادة الكيمياء في مديرية الارشاد والتوجيه.
عرفته في لجان الامتحانات الرسمية وفي الاجتماعات العديدة للمناهج ولبنك الاسئلة وغيرها من النشاطات التعليمية او التربوية ان في وزارة التربية الوطنية او في دائرة الامتحانات الرسمية او في الدورات التي ينظمها المركز التربوية للبحوث والانماء.
هذا الاستاذ الهادئ والحاضر دائماً كان له دور فعال في تحديث منهج مادة الكيمياء وفي تطوير تقييمها في الامتحانات الرسمية. كما كان اساسياً في وضع تصور لاعداد المسابقات وتصحيحها في مختلف الاختصاصات، يوم كان العمل يجري بشكلٍ جدي لمكننة الامتحانات، هذا عدا عن مساهمته الوازنة في بنك الاسئلة، حسبي ان اقول ان الاستاذ فؤاد مع عدد كبير من الزملاء ملأوا المساحات الفارغة في العملية التربوية تعليماً وارشاداً وتقييماً وتطويراً. فأهلاً وسهلاً به.
اما في تقديمه فالكلمة لمن برعت في صياغتها لاستاذة قامت بدور فعال في مديرية الارشاد والتوجيه كمنسقة ادارية للانشطة التربوية.
كانت حاضرة دائماً ومتنبهة الى ادق التفاصيل عملت في صمت واجتهاد مع الرعيل الذي رفع التعليم الثانوي الى اعلى درجات الانتاجية والتطور "سقى الله تلك الايام".
الكلمة للاستاذة نوال صعيبي فلتتفضّل.
تكريم الأستاذة مرسال زكريّا
كلمة الأستاذ غادة قوسطانيان
يوم المعلّم
أيها الحفل الكريم، أيها الأصدقاء، أصدقاء الكلمة والفكر، أصقاء الخلق والمعرفة، أهلا بكم.
ما أصعب أن يُطلبَ من الكلام أن يتخّطى الكلام وما أصعب أن يُطلبَ من القلب ومن العقل أن ُيسكبا بألفاظ معدودة وبوقت محدود.
وهذه المهّمة الصعبة الصعبة أوكلتها إلّي وشرّفتني بها معلمّتي، السيدة الكبيرة مرسيل علام زكريا.
معلمتي؟ بل معلمة 65 جيلًا من التلاميذ الذين غرفوا من نبع العلم ومن الأخلاق والقيم وكل ما أغدقت به عليهم السيدة ذكريا، دون حساب.
كيف يُختصر الزمن؟ كيف تُختزل المعرفة؟ كيف يُعّبر بأمانة عن كل ما يوحي به إسمُ مارسيل زكريا الذي حُفر في تاريخ عشرات الألوف من اللبنانيين، وفي تاريخ الوطن.
هذا الإسم الذي لفظه التلامذة على مدى اكثر من نصف قرن، هذا الإسم الذي طُبع على عشرات الكتب وحُفظ على رفوف ألوف المكتبات وحُفر في القلوب.
فمن لا يعرف مارسيل زكريا - وهم لا شكّ قلّة- يجهل معنى العطاء بفرح. فقد إعتنقت رسالة العلم حتى التفاني كمن يعتنق دينًا أو فلسفة. دخلت عالم العلم ونفضت عنها كل ما لا يمتّ بصلة للعلم والتعليم كمن يدخل الدير وينذر نفسه وطاقاته وقدراته كلها في سبيل الرسالة. من بدايات حياتها العلمية، هدفت إلى الأفضل وإلى الأرقى فكانت الأولى في العلوم في أول شهادة للبريفيه في جونية ثم كانت أول فتاة تحوز على شهادة البكالوريا، ثم تخصصت بالصيدلة وخاضت مغامرة التربية الحلوة المرةّ فجعلت من تعليم العلوم لجيل بعد جيل مسارا لحياتها وهدى لدربها.
ومرسيل زكريا على عكس ذوي العقول الفارغة والكلمات الرنانة الجوفاء تعتمد التعابير البسيطة لإيصال المعلومات والمفاهيم الأكثر تعقيدًا، وهي وعلى الرغم مما يزخر به عقلها من معلومات عميقة ودقيقة، توصلها بتعابير سهلة بل ممتعة! ومن شهد عملها يعرف تماما أنها بشغفها المفرط بالحداثة وباطلاعها المستمر على كل ما هو جديد في حقل التربية ، هي، طبقت ومارست ومنذ عقود، ما يسمى اليوم بالطريقة الحديثة التفاعلية الناشطة في التربية. لذا كان لا بد ان تعمل مع أساتذة العلوم لتفيدهم بهذه التقنيات وهذه الفلسفة الخاصة بها، فكان لها تجارب ولا تزال، في مجال التنسيق إلى جانب تعليم العلوم بالإضافة الى الكتب العديدة التي الفتها او أشرفت أو شاركت في تاليفها، وآخرها في ورشة النهوض التربوي التي قادها المركز التربوي للبحوث والإنماء منذ العام 1990 بعد الطائف.
هذا من جهة العلم ...أما من حيث الشخصية فماذا أقول؟
حين تطلّ علينا نرى شموخاً ووقارًا وثقة بالنفس وبالآخرين، نرى الجرأة الهادئة والنظرة الثاقبة والفكر الجليّ وسكون الأحرار، إذ تفكر ما تقول وتقول ما تفكّر دون لبس أو مراوغة، فهي ليست من هواة أدوات التجميل بل تجمّل الخارج بالداخل وأينما حلّت كان الصدق هو العنوان. تلاقينا أيضًا بالإبتسامة الخفرة الخجولة التي تمحو العمر والسنين فكأننا بحضرة شابة تحار كيف تبوح بالمحبة التي تسكنها فترسمها لمحة على شفتيها. وتلاقينا أخيرًا بالكلمة الخافتة الناعمة التي روضتها ونقتّها من اي بغض او غضب أو روح حقد.
مارسيل تؤمن بالله إيمانًا عميقًا له جذور ضاربة في خفايا الروح وله اجنحة ترقى بها وتحلّق لتخدم الرسالة. وهي تؤمن أيضًا بالإنسان، فبطيبة وتواضع تتعامل مع الشيب والشباب، تلامذتها أولادها واليوم أحفادها وهل أغلى على قلبها من أولاد وأحفاد؟
في بيتها بل في قلبها ، غرف:
الاولى لعائلتها، فقلما نجد تعلقا صادقا وحبا غير مشروط كالذي تكّنه مرسيل لذويها ، أسرتها الصغيرة ثم الأكبر والأصدقاء وكم هم محظوظون بها! الثانية لرهبنة القلبين الاقدسين التي ترعرعت في كنفها وبين جدران مدارسها وأديرتها واستقت من روحانيتها وشبت وشابت على هواها، فالراهبات اخواتها وتلميذاتها وحبيبات قلبها. أما صدر الدار فهو للشباب المتعلم، للمستقبل البهي وللوطن. فحلمها أن ينشأ شباب لبنان على حب الله والوطن.
وماذا عن التكريم اليوم؟
على صدرك يا معلمتي وساما الأرز الوطني وأنت الوسام على صدر الوطن. ولكن لو قٌّدر لنا سيدتي لكرمناك في كل صباح ومع كل تحية، لو قدّر لنا لكرمناك في كل مرة تدخلين فيها باسمة الى صف متعطش للقياك وفي كل مرة تخرجين منه وقد أصبح أكبر وأغنى من عمق معرفتك. لو قدّر لنا سيدتي لكرّمناك مع كل شعرة بيضاء تنمو على جبينك العالي ومع كل جعدة في زوايا عينيك تشهد لك بطول العمر، اسمحي لي سيدتي ختاما باسمي وباسم كل من يحبك على هذه الأرض كما في السماء ان أنحني أمامك وأن أهمس لك بمحبة واحترام وتقدير وإجلال كلمة واحدة تختصر كل الكلمات شكرا لك.
______________________________
كلمة الأستاذة مرسال زكريّا
شكرت الأستاذة مرسال في بداية كلمتها الحركة الثقافية – أنطلياس والأستاذة غادة قوسطانيان. وذكرت أنّها معلّمة منذ 64 عامًّا وأنّ التعليم هو شغفها وبخاصّة أنّه يتطلّب بذل الطاقات كلّها. ثمّ تحدّثت عن المشاكل الّتي تواجهها هذه الوظيفة اليوم كبرامج التعليم الكثيفة وفئة الشباب المبهورة بالتكنولوجيا والصفوف المكتظة وغيرها من المشاكل، مشيرةً إلى أنّه من الضروري التفكير بإصلاحٍ سريع وعميق لهذه المشاكل. وفي نهاية كلمتها، أكدّت أنّها ستناضل من أجل هذه القضيّة لتحسين الأمور قبل أن يفوت الأوان.
_______________________________
كلمة الاستاذة نوال صعيبي
في تقديم الاستاذ المعلم
فؤاد الخطيب
بمناسبة تكريمه في يوم المعلم
الاثنين الواقع فيه 2015/3/9
ايها الصديقات والاصدقاء
مساء الخير
تُبعثرنا رياح الحياة، تنثرنا في ارجاء هذا الوطن، وتعود الحركة الثقافية في انطلياس فتلمّنا وتجمع شملنا في يوم المعلم من كل عام. ولا يسعنا سوى تلبية النداء لاننا مشدودون الى بعضنا البعض بقربى الرسالة التي تنشىء اواصر متينة كتلك التي تنسجها صلة الرحم. فغالبيتنا في هذه القاعة معلمون ، وقد شربنا معاً كأس المعاناة حتى الثمالة، لذلك إن يُكرّم احدُنا فجميعنا مكرّمون.
لن أستفيض في تدبيج المدائح للمعلم، بل أكتفي بالقول حسبه فخراً انه ينير شمعة في ظلام العقول والنفوس والقلوب. ونحن، الليلة، في حضرة معلم أمضى حوالى النصف قرن من عمره مضيئاً هذه الشمعة، فاستنارت بها اجيال عبرت من ديجور الجهل الى نور المعرفة.
انه الاستاذ فؤاد الخطيب.
في قرية شبعا الابية، الرابضة على الحدود الجنوبية ولد فؤاد في قلب اسرة تتألف من اربع شقيقات وثلاثة اشقاء هو اصغرهم.
والده احمد الخطيب، واحد من المناضلين الاحرار الذين قاوموا الاستعمارالعثماني ومن بعده الفرنسي. كاد نضاله يودي به الى حبل المشنقة مثل كثيرين من رفاقه الشرفاء لولا العناية الالهية التي مكنته من الافلات من حكم الديوان العرفي في عاليه.
آمن احمد الخطيب بلبنان بلد التعايش المسيحي الاسلامي، كما وآمن بالوحدة الوطنية ضمانة لبقاء هذا الوطن. فهو القائل في الربع الاول من القرن العشرين:" سيبقى الوجود المسيحي وجوداً فاعلاً في الشرق وسيبقى دوره اساسياً، ولا يمكن لاحد ان يُغفل الدور المسيحي الرائد في النهضة العربية حالياً والدور المسيحي في الحضارة العربية عبر التاريخ قبل الاسلام وبعد الاسلام".
ويتابع ضمن هذا التوجه:
" وصيتي لابناء وطننا وامتنا هي :حافظوا على وحدتكم وانبذوا الانقسام والتعصب والطائفية البغيضة، فهي مقتلكم وهي اقوى سلاح يملكه عدوكم كائناً من كان هذا العدو". ( من كتاب "صفحات مجهولة من تاريخ بلاد الشام" لمؤلفه منيف الخطيب ).
كم ينطبق هذا الكلام على واقعنا اليوم، لكأن التاريخ يعيد نفسه ، ويا ليتنا نحسن قراءة الاحداث التي عاشها الاسلاف والمواقف التي بذلوا الارواح دفاعاً عنها، فنأخذ العبر ونتعظ.
في هذا المناخ من حب الحرية والروح الوطنية والاعتدال أنشأ الاب ابناءه الثلاثة، فانطلق كل منهم يعيش هذه المبادىء في الحقل الذي انتقاه ميداناً لعمله. فكان منيف نائباً في الندوة البرلمانية وحمود عميداً في الجيش اللبناني، اما فؤاد فاختار التربية والتعليم مجالاً ليخدم وطنه، وقد بذل الجهد اللازم بغية التأهل لهذا الاختيار.
بدأت مسيرته التعلمية في مدرسة شبعا الرسمية حيث انهى المرحلة الابتدائية، ومنها انتقل الى تكميلية مرجعيون الرسمية لمتابعة المرحلة المتوسطة، ومن ثانوية صيدا الرسمية للبنين تخرّج عام 1966 منهياً دروسه الثانوية.
التحق بكلية التربية في الجامعة اللبنانية لمتابعة دراسته الجامعية، حاز الاجازة التعليمية في الكيمياء عام 1970، ثم الكفاءة التعليمية عام 1971 ، وتخرّج استاذ تعليم ثانوي في العام عينه ملتحقاً بثانوية صور الرسمية المختلطة حيث خطا خطواته الاولى في رحلة الالف ميل، وتكرّ المسبحة: ثانوية صيدا للبنين، ثانوية جديدة المتن للبنين، ثانوية فرن الشباك للبنات، ثانوية الطريق الجديدة واخيراً ثانوية فخر الدين المعني للبنات....
الملفت في هذه المسيرة ان "فؤاد" هو ابن التعليم الرسمي بحق، ففي مدارسه تعلّم وفي ثانوياته علّم.انه الشاهد الحي على قدرة هذا التعليم على تخريج اصحاب كفاءة يملكون المهارات العلمية اللازمة، يتمتعون بشخصية متوازنة ومنفتحة على الآخر، يؤمنون بلبنان السيادي وطناً للجميع.
أجل، التعليم الرسمي هو خير كفيل للخلاص من التناقضات التي نعيش فيها لانه يصهرها في بوتقة العقلية اللبنانية الاصيلة، فالمدرسة الرسمية هي القادرة غلى جمع اللبنانيين على مختلف فئاتهم وطوائفهم، وعلى فتح ابواب الحوار بينهم للتفاهم والتقارب، ولبنان اليوم هو احوج الى التربية الوطنية منه الى التعليم. من هنا ضرورة ايلاء هذه المدرسة الاهتمام اللازم، والعمل الدؤوب على تطويرها لتؤدي دورها التربوي والوطني على احسن وجه، فلا تضيع جهود رعيل من المعلمين اعطوا التعليم الرسمي زهرة شبابهم وزبدة عقولهم لانهم آمنوا، مثل "فؤاد"، بان التعليم الجيد حق للفقير مثل الغني، لانهم آمنوا بالانسان وبحقه في الحياة الكريمة. ولا تسقط في غيهب النسيان اسماء شخصيات مميزة كان لها الفضل الاول والاكبر في بناء التعليم الرسمي من امثال الاستاذ محمد الحاج، رحمه الله، والاستاذ نقولا الجمال، امدّ الله في عمره، اللذين شغلا ، كل في دوره، وعلى التوالي، منصب مدير التعليم الثانوي ومنصب المدير العام للتربية، وعملا طوال فترة توليهما هاتين المسؤوليتين على تطوير التعليم الرسمي وتحديثه بكل ما اوتيا من قدرات.
ففي العام 1982، وبسعي من الاستاذ نقولا الجمال وموافقة الاستاذ الحاج، أُرسل فؤاد الخطيب، مع نخبة من اساتذة التعليم الثانوي، الى فرنسا بموجب منحة من السفارة الفرنسية لمتابعة دراسات معمقة في طرق التدريس، كل في اختصاصه، فنال زميلنا المحتفى به دبلوم دراسات معمقة في طرق التدريس Didactique de discipline – option Physique من جامعة باريس السابعة، وعادت هذه المجموعة لتعمل ضمن ما سمي آنذاك "وحدة العلوم والرياضيات" ولتصبح نواة الاصلاح التربوي في قلب المديرية العامة للتربية.
كُلّف فؤاد مهمات فنية عدة في اطار العملية التحديثية التي نشطت في المديرية العامة للتربية في تلك الفترة، فعيّن في العام 1992 عضواً في لجنة الخبراء التي ادارت مشروع تجهيز مختبرات الثانويات والمدارس الرسمية في اطار قرض من البنك الاسلامي باشراف منظمة الاونيسكو في باريس. وقد تمّ، بفضل هذا المشروع، تأهيل مختبرات هذه المؤسسات التربوية وتزويدها باحدث التجهيزات العلمية المتاحة. الامر الذي مكّنها من مواكبة المناهج الجديدة، ووفّر لمعلمي العلوم وسائل تطبيقها، ويسّر للمتعلمين اساليب فهمها.
عام 1995، ومع تعيين الاستاذ نقولا الجمال مديراً للارشاد والتوجيه، كُلّف فؤاد مهمات تربوية في هذا الجهاز، فسعى، من خلال تقديم الاستشارة لمديره، لتكوين فريق المرشدين لمادة الكيمياء، واستمر منسقاً انشطة هذا الفريق حتى خروجه على السن، منظماً، بالتعاون مع عناصره، دورات تدريبية في المناطق اللبنانية كافة بهدف تحسين اداء معلمي هذه المادة وتحديث اساليب التدريس لديهم، محدثاً في هذا المجال نقلة نوعية دفعت العديد من المدارس الخاصة الى طلب الافادة من كفاءة هؤلاء المرشدين.
غدا فؤاد، بفضل ما حصّل من خبرة علمية وتربوية، مرجعية لمادة الكيمياء. فشارك في ورشة اصلاح المناهج التعليمية التي اطلقها المركز التربوي للبحوث والانماء عام 1997 بكل ما يخص هذه المادة: بدءاً بوضع المنهج وتفاصيله، وانتقالاً الى تأليف الكتب والادلة، وانتهاء بالدورات التدريبية لتدريب معلمي العلوم على المنهج الجديد.
وقد استدعى اقرار المناهج الجديدة إحداث تعديلات على الامتحانات الرسمية، فانطلقت لهذه الغاية حركة تطويرية في المديرية العامة للتربية لم يغب عنها فؤاد. ساهم، من خلال عضويته في لجان عدة، في اجراء الدراسات اللازمة لانشاء بنك الاسئلة، وفي تقديم الاقتراحات المتعلقة بتنظيم الجهاز الاداري والعملاني التابع لدائرة الامتحانات، واشترك في تقييم العروض المقدمة من الشركات لتحديث هذه الادارة ومكننتها. ولم يُغفل، وسط كل هذه المهمات، مسؤوليته الاساسية كمقرر للجنة مادة الكيمياء في شهادة الثانوية العامة، قاخراج مسابقة الكيمياء في ابهى حلة مضموناً وشكلاً كان هدفاً مهماً له، وقد تعاون على تحقيقه مع فريق عمل ناجح. فأهدى تلامذة لبنان مسابقة شاءها عصارة عقله وقلبه وخاتمة عهد من العطاء المتواصل.
لم تقتصر جهوده على تعزيز التعليم الرسمي وحسب بل افاد منها ايضاً التعليم الخاص. فما حُقّق من اصلاحات في المناهج والامتحانات وطرق التدريس والتقييم وُضع في خدمة جميع تلامذة لبنان سواء انتموا الى المؤسسات التربوية الرسمية او الخاصة. وما اكتسب من خبرة في الارشاد والتوجيه والتأليف المدرسي أمدّ نشاطه بمزيد من الزخم ليجاوز حدود بلده. فعمل في تأليف كتب الكيمياء للمرحلة الثانوية في دولة الكويت، واحيا دورات تدريبية لتدريب الموجهين في هذه الدولة على المناهج الجديدة والتقييم واستخدام المختبر ، مؤكداً ان لبنان مستمر مركز اشعاع للعلم والثقافة في محيطه.
الى ذلك، مارس التعليم والتنسيق في معاهد خاصة عدة مثل : ليسيه عبد القادر، الاخوّة الحديثة، امجاد... وهو ما زال حتى الآن يؤدي رسالته دون كلل او ملل، يقيناً منه بان المعلم كالخمرة المعتقة، يزداد عطاؤه جودة مع مرور الزمن، وايماناً منه بدور التعليم الخاص في اعلاء شأن التربية في لبنان وفي تكوين الارث الثقافي الذي يتميز به هذا الوطن.
طويلة ومضنية كانت مسيرة المحتفى به، ولكنها غنية بالخبرات والعطاءات. إنها بحق مسيرة معلم، ولا اظنها كانت لتنجح لو لم ينهل صاحبها من نبع ماؤه زلال، نبع احمد الخطيب المتدفق انسانية منفتحة ووطنية صادقة. فوراء المعلم الناجح والمربي الحاضن ورجل العلم الموضوعي يقف الانسان، يقف فؤاد في ملء انسانيته وديعاً، طيباً، هادئاً، قليل الكلام على خفر.
هذا الانسان تعاطفنا معه وهو يودع بلوعة رفيقة عمره. أُعجبنا به يحضن بدفء صغاراً غدا لهم الاب والام، واحترمناه صديقاً وفياً يصون عهد الصداقة ويعيشها انفتاحاً كلياً على الآخر.
أجل يا فؤاد، الجميع احبك واحترمك:
رؤساؤك ومرؤوسوك،
تلامذتك وزملاؤك،
اصدقاؤك ومحبوك،
لانك غرفت من القلب
وأعطيت !!!!
لان في هذا القلب يسكن
اله محب
يستظل، بفيء حبه،
جميع البشر !!!
هنيئاً لك يا صديقي
بهذا التكريم!!!
احييك في يومك هذا،
متمنية لك دوام الصحة والعمر المديد.
وأحيي الحركة الثقافية في انطلياس
رئيساً واعضاء،
فاصراركم على انارة شموع الثقافة
في عتمة هذه الايام
يغذي الامل باشراق فجر جديد،
يلوّن الحلم بالوان الحياة!!
شكراً لكم
وشكر خاص للاستاذ منير سلامة
منسق هذا اللقاء.
تهنئة من القلب للاستاذة مرسال زكريا
وكل عام وجميع معلمي لبنان بالف خير.
انطلياس 2015/3/9
نوال صعيبي
________________________________
كلمة الأستاذ فؤاد الخطيب
ايها الزميلات، ايها الزملاء
تحية وبعد
تمثل الحركة الثقافية في انطلياس نموذجا رائعا من العمل الفكري والثقافي والاجتماعي، والذي يقدم للوطن مثالا يحتذى به من الجدية والرصانة والتنشئة الوطنية السليمة، في زمن يعاني فيه الوطن من التحلل والشرذمة والتلوث والتخلف والتعصب الاعمى بفضل السياسة والسياسيين ومدعي الدين والمتاجرين به.
تتسامى هذه الحركة بانشطتها لتكوّن شعلة من النور والطاقة تتصدى لعتمة الشرذمة والتقوقع التي تتلبد في سماء الوطن وتعشعش في زواياه واحيائه المقطعة الاوصال.
لقد اسعدتني دعوة الحركة الثقافية في انطلياس لتكريمي واستدعت لدي العديد من الذكريات والخواطر الحلوة والمرة، وبعض المواقف والاحداث التي اثرت في حياتي وطبعت مسيرتي العملية وعلاقاتي الانسانية.
ايها الصديقات، ايها الاصدقاء
اسمحوا لي في هذه المناسبة أن اتشارك معكم بعضا من تلك الذكريات والمواقف:
أولا- لقد كان من حسن حظي اني نشأت في بيئة تقدس العمل الوطني، فقد كان المرحوم والدي من الناس الذين قاوموا الاحتلالين التركي والفرنسي، والاهم انه ادرك اهمية التعايش بين الاديان السماوية في بناء وطن نموذج، مما حمله على القيام بتعميد أخي الاكبر للتقريب بين الطوائف في بلدتنا شبعا(لم يكن ذلك نذرا).
ثانيا- كانت المدرسة الرسمية في شبعا تؤهل، في حينه، التلامذة لنيل الشهادة الابتدائية (السرتفيكا) ، لذلك كان علي الانتقال الى مدينة مرجعيون لأن مدرستها كانت تعد التلامذة لنيل الشهادة الابتدائية العالية (البريفية)؛ حيث ابتدأت الاعتماد على النفس وتحمل المسؤلية بعيدا عن الرعاية المباشرة من قبل ألأهل. وبعد ذلك انتقلت الى صيدا لمتابعة الدراسة الثانوية، ثم الى بيروت لمتابعة الدراسة الجامعية. والجدير ذكره في هذا الصدد ان سكني في هذه المدن كان مع طلاب، لحسن حظي، كانوا من طوائف لبنان المتعددة؛ مما ساعدني على اغناء ثقافتي وتعميق معرفتي وصقل شخصيتي وتأهيلي لممارسة المواطنة بشكلها الصحيح.
ثالثا- لقد قيض لي، في المدارس والثانويات التي تعلمت فيها أو مارست التدريس، أو في عملي في وحدة العلوم والرياضيات (مديرية التعليم الثانوي)، أو في مديرية ألارشاد والتوجيه، أو معهد العلوم التطبيقية في الجامعة اللبنانية، أو الامتحانات الرسمية، أن اتعامل مع اشخاص أفذاذ ساهموا، كل في مجاله، بتطوير التعليم الثانوي والادارة التربوية والامتحانات الرسمية؛ مما ساعدني على النجاح في المهام التي أوكلت الي.
خلاصة االقول اني اّمل ان اكون قد ساهمت بتقديم خدمة، ولو ضئيلة، قد تكون افادت تلامذة وطلاب الوطن الغالي لبنان.
وفي الختام
اهنىء الزميلة الاستاذة مرسال على هذا التكريم واتمنى لها دوام العافية والنجاح.
واتقدم من الحضور الكرام بجزيل الشكر، كما اشكر اهلي وعائلتي وجميع الاصدقاء والزملاء ورفاق الدرب الذين رافقتهم في مختلف مراحل حياتي، واشكر الانسة نوال صعيبي التي شرفتني بتقديمها لي،واخص بالشكر الحركة الثقافية– انطلياس واتمنى لها دوام الرفعة والنجاح. كما اشكر الزميل منير على ادارته الرائعة لجلسة التكريم هذه و شكرا".