كلمة د. عصام خليفة في يوم تكريم
د. عطا جبور في المهرجان اللبناني للكتاب – السنة 34
16 آذار 2015
يوم تكريم د. عطا جبور في المهرجان اللبناني للكتاب – السنة 34 ضمن رحاب الحركة الثقافية – انطلياس هو يوم تكريم جملة قيم وإعلاء جملة قضايا:
- قضية الجامعة اللبنانية
- الالتزام بتحقيق مجتمع المعرفة
- المناقبية والتفاني في الدفاع عن المصلحة العامة
- الشجاعة في مواجهة المصاعب
- العمل النقابي الشريف
- طيبة الإنسان الكوراني المستقيم الرأي
ورغم ان مكرَّمنا يتمتع بخصال إنسانية نبيلة كالصدق والتواضع والروح الديمقراطية وعمق الاطلاع والثقافة السياسية الشاملة وهي مميزات هامة يجب إبرازها والتوقف عندها، إلاّ أن مداخلتي المقتضبة ستركز على عطا والجامعة اللبنانية.
ايها الحفل الكريم،
منذ كان طالباً في كلية العلوم آمن مكرَّمنا بقضية الجامعة اللبنانية. ومن خلال مسؤولياته في رابطة الطلاب عرف ان التعليم هو من اهم السبل لتكافؤ الفرص وانه الطريق الاساسي للترقي الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، وانه الكنز المكنون كما يقول جاك ديلور في تقريره عن التربية في القرن 21. لقد شكلت الجامعة اللبنانية في مرحلة الستينات واوائل السبعينات بيئة لا تحقق تطوير المعرفة ونقلها فحسب وانما ايضاً كانت تقوم بوظيفة تنمية العقل واشاعة البحث والنقاش الحر والحوار المنفتح. كان فضاء الجامعة يتفاعل بنبض الحرية ومناخ الشعور بالمسؤولية والتوق المتلهف للحضور الفاعل. لقد كان الايمان والعزم الميزتين اللتين كانتا تؤهلان الجامعة لان تكون بيئة انتقادية حقيقة، أي بيئة تناقش باستمرار جميع الافكار والحاجات والقيم والمؤسسات بل كل ما يحيط بها او يقوم في داخلها... بيئة تخوض ثورة مستمرة على كل ما هو فاسد وباطل. لقد آمن ابن قلحات ان الجامعة اللبنانية هي المؤسسة التي تؤمّن التعليم والتدريب وتساعد في تلبية المجتمع بالطاقات البشرية المثقفة والكفؤة، خاصة للفئات المحدودة الدخل والتي لا تستطيع الالتحاق بالجامعات الخاصة. مجانية التعليم العالي كانت تعني لمكرَّمنا ان يكون التعليم العالي متاحاً للجميع على قدم المساواة ولكن على اساس الكفاءَة. ولقد توفر لجيل عطا من الطلاب اساتذة كبار رسموا طريق تقدم المؤسسة وكانوا في طليعة الصفوف: اطال الله بعمر حسن مشرفية وجيلبر عاقل، ورحم الله الكبار الذين ما زالوا راسخين في ضمير كل من عاش تلك المرحلة. شارك عطا في نضالات تلك الايام لا بل قاد تلك النضالات مع رفاق كثر، ومارس التعليم بموازاة تحصيله الاكاديمي. رفع شعار المدينة الجامعية، والكليات التطبيقية، وتفرغ الهيئة التعليمية وغيرها من المطالب الأخرى، كما ناضل لكل القضايا الوطنية والاجتماعية الكبرى.
كان عطا قائداً للكثير من المظاهرات حيث ضُرب في بعضها واعتُقل في بعضها الآخر. وفي كل الاحوال كان قوي الشكيمة، لا يحب البروز يفضل العمل بالظل بتواضع، وكان عضوياً في التزامه.
في المانيا – الديمقراطية آنذاك – تابع دراسته العليا ونال ديبلوم الهندسة المدنية في بناء الجسور بدرجة جيد جداً عام 1972، ثم نال الدكتوراه عام 1977 ايضاً بدرجة جيد جداً.
في تلك الفترة استمر مكرَّمنا ليس فقط بالتعمق في اكتناز الثقافة – وهو على كل حال مطالع مثقف يهتم بشتى الاختصاصات وليس فقط باختصاص الهندسة – وانما استمر في نضاله ضمن الطلاب العرب والاجانب. ولا يزال يذكر رفاقه كيف وقف، بعد حرب حزيران 1967، وواجه في ندوة حول اسباب هزيمة العرب، تبريرات ممثلي بعض الانظمة العربية مؤكداً ان الاستبداد والتخلف وظلم تلك الانظمة لشعوبها هو الذي ساعد على الهزيمة، وان اول خطوة للانتصار هو احترام حقوق الانسان العربي.
لن اتكلم عن عطا جبور الاستاذ والعميد لكلية الهندسة التي ارسى اركانها الكوراني الكبير جاك نصر، فهذا الموضوع سيفصله الصديق الدكتور يوسف ضاهر. ولكن حسبي ان اتوقف عند ثلاثة امور:
1-اصرار المكرَّم على رفض كل تدخل من كل القوى السياسية في ادخال الاساتذة او انجاح الطلاب. والحرص على ممارسة الاستقلالية الاكاديمية على انها تمثل جملة من الحقوق والواجبات مع الشعور بالمسؤولية التامة تجاه المجتمع وقبول الخضوع لمساءَلته. ومن اجل ذلك مارس علمنا الادارة الجماعية والقيادة الاكاديمية المناسبة، وهي من العناصر الاساسية لتمتع مؤسسات التعليم العالي باستقلال ذاتي وحقيقي. ومن موقع مسؤولياتي النقابية في رابطة الاساتذة وبحكم مشاركتي في مجلس الجامعة، كعضو منتخب من اساتذة كلية الآداب، كنت على بيّنة من شجاعة مكرَّمنا في الحرص على استقلالية الجامعة. واذكر انه اطلعني على مرسوم صادر عن مجلس الوزراء بادخال طلاب سوريين الى كلية الهندسة دون المرور بامتحان الدخول. ورغم هالة النظام الامني الحاكم في ذلك الوقت تحركنا بتنسيق مشترك وواجهنا ذلك المرسوم واسقطناه لانه كان يخالف القانون. بينما ما حصل في كليات اخرى هو خضوع بعض العمداء لاوامر وتوجيهات الاجهزة وذلك لنيل الحظوة والرضى
2-وقوفنا المستمر في خندق واحد ضد المناقصات المشبوهة التي يمتهن البعض تمريرها لشركات معينة. وكنا ننجح في بعض الاوقات ونخفق في معارك أخرى. كما يؤثر عن العميد الصديق شفافيته وحرصه على مكافحة كل اشكال الفساد التي اصبحت تقاليد مستمرة في بعض ادارة الجامعة اللبنانية.
3-حرص العميد المكرَّم على الحوار مع الاساتذة والموظفين في اطار الاحترام والانضباط في العمل. والفهم العميق من قبله لتوصية الشرعة العالمية للتعليم العالي بانه "ينبغي لاصحاب القرار على الصعيد الوطني وعلى مستوى مؤسسات التعليم العالي ان يضعوا احتياجات الطلاب في مقدمة اهتماماتهم وان يعتبروا الطلاب شركاء رئيسيين واصحاب مصلحة مسؤولين في سياق تجديد التعليم العالي. وهذا يعني ضرورة اشتراك الطلاب في القضايا التي تهم هذا التعليم. وفي تقييم وتجديد اساليب التدريس والمناهج الدراسية، واشراكهم ايضاً في اطار البنى القائمة في رسم السياسات وفي ادارة المؤسسات". وليس صدفة ان يصبح طلاب كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية من اهم طلاب لبنان في هذا الاختصاص.
أيها الحفل الكريم
لقد أكد الفيلسوف هوايتهد ان المهمة الأساسية للجامعة هي "صنع المستقبل". وكان العميد عطا، طوال مسيرته الأكاديمية، يسهر على إعداد خريجين ذوي مهارات عالية ومواطنين مسؤولين قادرين على تلبية حاجات شعبنا. كما حرص على تطوير واستحداث ونشر المعارف عن طريق البحوث وتشجيع وتنمية البحث العلمي والتكنولوجي وتعزيز تجهيز كل فروع كلية الهندسة. والهاجس المركزي الموجِّه في تنشئة الطلاب هو الطموح لإرساء مجتمع جديد لا عنف فيه ولا استغلال، يكون فيه هؤلاء الطلاب على جانب كبير من الثقافة والحماس والالتزام، وتحدوهم مشاعر المحبة للوطن والإنسان ويتحلون بالحكمة والإرادة.
لقد حرص الصديق العميد على تخريج طلاب – مواطنين مستنيرين ذوي حوافز عميقة وقدرة على التفكير النقدي وتحليل المشكلات وتحمل المسؤوليات الاجتماعية. كان هاجسه الدائم جودة التعليم بمفاهيمه المتعددة الأبعاد: البرامج والبحوث والمنح والمدرسين والطلاب والمباني والمرافق والمعدات والبيئة الأكاديمية، إضافة الى شبكات التبادل مع الخارج. مع التركيز على الاختيار الدقيق للعاملين الأكاديميين والإداريين وتنمية قدراتهم بصورة مستمرة.
يا صديقي عطا،
إذا كانت مناسبة تكريمك لا تسمح لنا بالغوص في الوضع الحالي للجامعة التي كافحنا من اجلها معاً مع الكبار – وفي طليعتهم في هذه القاعة رئيسنا الدكتور صادر يونس فاسمح لي ان أشير لماماً الى القول ان الدخول الى التعليم او العمل الإداري في الجامعة لا يخضع، حالياً، لمعايير الكفاءَة والقدرة والمثابرة والمواظبة والتفاني بقدر ما يخضع لتدخل أهل الحل والربط. والزبائنية متفاقمة في عقود التفرغ، وفي عقود الساعة، وفي عقود الأبحاث، وفي عقود المدربين، وفي المنح الى الخارج، وفي تعيين المديرين والعمداء. والجميع يعرف قصص المناقصات وكيفية وضع الموازنة وظروف صرفها.
وهذا الوضع لا يسمح في إرساء مجتمع المعرفة والدولة والثقافة العلمانية التي عملنا لخدمتها معاً، ولا يوفر للجامعة فرص التنافس مع بعض الجامعات الخاصة التي أخذت تستقطب الطلاب على حساب الجامعة الوطنية. لا بل ان دور الجامعة، مع هذا التدهور في الأداء، هو عامل تفاقم للازمة الطائفية ولتعميق الايديولوجيا الطائفية في المجتمع والدولة.
حسبنا في تكريمك، في الحركة الثقافية – انطلياس، ان نشهد ان القيم التي جسدتها وخدمتها هي القيم التي ترسخ أسس الوطن وحقوق الإنسان، وان نضالك الموصول طالباً واستاذاً ومديراً وعميداً ورئيساً لفترة قصيرة هو محطة مضيئة في حياة الجامعة اللبنانية. وعملك ونهجك الإصلاحي الذي اتبعته ايضاً في نقابة المهندسين عندما تسلمت المسؤولية هو محط تقدير من كل عارفيك.
ان أمثالك يا صديقي عطا، يبقون راسخين في ضمير الجامعة والوطن وشرف كبير لحركتنا ان تكرّمك في المهرجان اللبناني للكتاب. ومن خلالك نكرّم كورتنا الخضراء وشمالنا الأبي وعاصمته طرابلس مدينة العلم والعلماء. ورغم خطورة ما يجري في جوارنا السوري والعربي عموماً وتوسع العصبيات الظلامية التي تدمّر منجزات شعوبنا الحضارية، ورغم الأخطار المحتملة التي يمكن ان تصل الى وطننا لبنان، فنحن على يقين من ان فكر وسلوك أمثالك سيكون البوصلة التي تشد شعبنا نحو المستقبل الأفضل، وان إرادة الطيبين من هذا الشعب ستؤمن الانتصار على كل الأخطار والمصاعب.
د. عصام خليفة
____________________
كلمة الدكتور يوسف ضاهر
وصف الدكتور يوسف ضاهر في كلمته التقديمية للمحتفي به الدكتور عطا جبّور بالإنسان الفذ والمميّز والساحر بشخصيّته وعطاءاته، مشيرًا إلى أنّه "مناضل في الحركة الطلابية في سبيل إعلان شأن التعليم الجامعي" ومناضل نقابي لحقوق الأساتذة والمهندسين والعمال في جميع القطاعات. ثمّ أضاف أنّ المحتفى به برز من بين الأشخاص الّذين "حملوا على أكتافهم الجامعة اللّبنانيّة". وأشار إلى أنّه كان مقتنعًا بأنّ طلاب الجامعة سينقذون لبنان من الحرب بفضل علمهم ومعرفتهم. واهتمّ الدكتور عطا جبّور بكليّة الهندسة الّتي اعتبرها عائلته، وعمل بيديه لترميم جدرانها المهدّمة، وأنشأ أبنية جديدة لكلية الهندسة وإدارة الأعمال في طرابلس. وعزز من أوضاع أساتذة وموظفين ومفكّرين. ووصف الدكتور ضاهر المحتفى به بـ"مدرسة في السياسة والعمل النضالي"، مشيرًا إلى أنّه أكمل دراساته في ألمانيا حيث حاز شهادة دكتوراه. وأضاف أنّه كان من "رواد الحركة الطلابية" الّتي تظاهرت لتثبيت الجامعة اللّبنانيّة وتنويع اختصاصاتها. وفي الختام، أشار الدكتور جبّور إلى أنّ لبنان والجامعة اللّبنانيّة يدينان للدكتور عطا جبّور بالكثير، وأضاف أنّ المحتفى به "غني" بتاريخه الذهبي وعطائه الّذي لا ينضب.
____________________
كلمة المحتفى الدكتور عطا جبّور
تحدّث المحتفى به الدكتور عطا جبّور في بداية كلمته عن سعيه ونضاله ليكون "تغييريًّا" طوال حياته، مشيرًا إلى أنّه قاوم أمراء الحرب وقال "كلمة الحق في وجه الأقوياء"، وشدّد على أنّ تواضعه كان الأساس لاعتزازه بكرامته. وأضاف أنّه ساهم في بناء كليّة الهندسة "حجرًا حجرًا". ثمّ أعرب عن اعتزازه بهذا التكريم واعتبره تكريمًا للجامعة اللّبنانية ولكلّ من ساهم في تأسيسها. لكنّه أسف لانهيار المؤسسات الوطنية اليوم واستبدالها بالمؤسسات الطائفيّة، مشيرًا إلى أنّ الحرب باعدت بين اللّبنانيين فراحوا يقسّمون البلد إلى "دويلات طائفية الهوية". وشدّد على أنّ تعزيز الحياة الديمقراطية في الجامعة هو ما يساهم في تحسين أوضاعها. ثمّ توجّه بحديثه إلى طلاب الجامعة ووصفهم بالثروة، مشيرًا إلى أنّه بذل من أجلهم أكثر مما بذل من أجل عائلته. وفي نهاية كلمته، شكر الحركة الثقافيّة – أنطلياس لتنظيمها هذا التكريم وشكر كل من شارك فيه، وشدّد على أنّ راية الجامعة ستبقى مرفوعة. وكانت شهادات في المكرَّم من معالي الوزير رشيد درباس، ومعالي الوزير شربل نحاس، والدكتور صادر يونس...
وفي الختام، قدّم الدكتور أنطوان سيف، أمين عام الحركة الثقافية، درع تقدير للمحتفى به، ونسخة عن عامية أنطلياس الشهيرة، عامية 1840، ونسخة عن شهادة التكريم.