مداخلة الدكتور عصام خليفة بمناسبة إدارة مناقشة كتاب الدكتور عبدالله نعمان
Le liban: Histoire d’une nation inachevée
هو ابن الأستاذ متري نعمان (الشاعر، والكاتب، والمترجم ومدير المطبعة والناشر)، والذي عرّب بعض كتب اندره مالرو وفرنسوا مورياك وجورج برنانوس. عمه المطران نقولا نعمان المربي وصاحب الكتب الروحية والتعليمية، وعمه الآخر حنين المتمكن في مجال الترجمة.
في كنف عائلة تعشق الكتاب، وتعتبر الثقافة محور رسالتها، ترقى الأستاذ عبدالله حيث نال شهادات عدة: في علم النفس واللغة والآداب ومن ثم دكتورا دولة عام 1975. تنقل بين النشر وتعليم اللغة الفرنسية في مدارس لبنانية وفرنسية، واستقر ملحقاً ثقافياً في سفارة لبنان في باريس ما يقارب الـ 41 سنة (بين 1974-2015). ومن هذا الموقع مثل لبنان على أفضل وجه في الفرنكوفونية وشارك بباريس في الوفود اللبنانية لدى الاونسكو والبيت اللبناني في المدينة الجامعية ومعهد العالم العربي.
كتب ما يزيد عن مئتي مقال بالفرنسية والعربية في الصحافة اللبنانية والسورية والمصرية والفرنسية والكندية والأسترالية وغيرها. شارك في مؤتمرات كثيرة وفي تأليف كتب مع باحثين آخرين. ترجم عدة كتب من الفرنسية الى العربية. ألّف أكثر من 20 كتاباً في مواضيع متنوعة. قدم لعشرات الكتب وكان مشاركاً في تأليف عدة كتب بينها قواميس وموسوعات عن كتّاب الفرنكوفونية.
وها نحن اليوم نجتمع، في المهرجان اللبناني، دورة المطران غريغوار حدّاد حول مؤلفه الموسوعي الجديد: Le liban: Histoire d’une nation inachevéeعدد صفحات الكتاب: 2142 صفحة. وعدد المصادر والمراجع المذكورة: 97 إضافة الى 57 مقابلة مع مؤرخين وباحثين كبار لبنانيين وفرنسيين. لكن المؤلف يذكر ( ص 2083) انه راجع مئات المراجع الأخرى واطّلع على الآف الملفات والدوريات. هناك ثلاثة أجزاء:
الأول: يتشكل من 14 فصلاً.
الثاني: فيه 26 فصلاً.
الثالث: 14 فصلاً.
هناك عاملان لا يسمحا لي الخوض في كل تفاصيل الكتاب، اتساع المعلومات التي يتضمنها وعدم اطلاعي عليه بوجه تفصيلي ودقيق من جهة، ومن جهة أخرى دوري كمدير للندوة.
وحسبي ان اتوقف عند بعض النقاط:
1- اتفق مع الدكتور نعمان ان الحل الصحيح لأزماتنا السياسية المستمرة هو الحل العلماني الشامل. أي علمنة الدولة والمجتمع والثقافة والتربية. وهو الحل الذي ناضل من اجله المطران غريغوار حداد الذي قال: "من يرفض العلمانية يشبه ذاك الذي يرفض الله".
والعلمانية ليست مسلمة ولا مسيحية، ولا من اصل مسيحي او إسلامي، لأنها صفة للمجتمع لا للدين، وان العلمانية لديها قيم مشتركة يمكن، بل يحبب، الكشف عنها وتجميعها، للوصول معاً الى اتفاق قيمي واسع الأطراف، عميق الابعاد، في خدمة الانسان، وكل مجتمع انساني.
في مواجهة الفكر الداعي الى الدولة الدينية – سنية كانت ام شيعية ام مسيحية ام يهودية – العلمانية الشاملة هي الحل.
2- يتصف هذا الكتاب بلغة فرنسية متينة، ويتضمن كماً هائلاً من المعلومات التي قد لا تجدها الا بين دفتيه.
3- يحسن المؤلف ابراز دور المسيحيين في تحقيق النهضة العربية الحديثة (ج1، ص 330 – 361) وإنجاز الانفتاح على الحضارة الغربية ويؤكد على أهمية استمرارهم في هذه المهمة.
4- في مطلع كل فصل يورد الباحث بعض الجمل المأخوذة من مؤلفين كبار. وهذه الاستشهادات تدل على اتساع وتنوع وشمولية ثقافته وعمق اطلاعه.
5- الحرب في لبنان (1975 – 1990) ليست حرباً أهلية فقط كما ورد عشرات المرات في الكتاب. صحيح انها حرب لبنانية لبنانية في جانب أساسي منها، لكنها ايضاً كانت حرباً مركبة (لبنانية – سورية فلسطينية – إسرائيلية عربية ودولية). والوثائق التي كشف النقاب عنها وضحت الاتفاق الضمني السوري الإسرائيلي (او الكوندومينيوم) لتقاسم لبنان بمباركة أميركية، كما ان المرحوم ياسر عرفات اقر بانه مارس الحكم على الجزء الذي سيطر عليه من لبنان.
6- يذكر الباحث (ص800(“le liban est toujours considéré comme une partie de la syrie”في الفترة العثمانية التي هي مجال اختصاصي ان المنطقة كانت مقسمة الى ولايات: ولاية دمشق، ولاية طرابلس، ولاية صيدا. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر حلت ولاية بيروت ومتصرفية جبل لبنان مكان ولايتي طرابلس وصيدا. والادبيات الإسلامية اقرت بوجود لبنان كمساحة جغرافية. لقد ذكره البلاذري (279ه -892م) وذكر معه اهل لبنان، وأشار اليه ابن واضح (284 ه-897م) فنسبه الى صيدا (لبنان صيدا)، اما الادريسي (1100 – 1164م) فسماه (إقليم لبنان) وكذلك المقدسي اعتبره مشرفاً على صيداً، وذكره ياقوت الحموي فقال "انه مطل على حمص...".
والخصوصية السياسية لجبل لبنان بدأت مع الامارتين المعنية والشهابية، واخذت طابعها الدولي مع بروتوكول (1861-1864)، وتكرست عام 1920 مع قيام دولة لبنان الكبير. وفي نفس الوقت نشأت فيه سورية، على أنقاض الدولة العثمانية. وعليه فلا نستطيع الجزم ان لبنان كان يشكل دائماً جزءًا من سورية.
7- بموازاة الغنى والتفاصيل في التاريخ السياسي حبذا لو كان هناك اهتمام اكثر بالتاريخ الاقتصادي او بالديمغرافية التاريخية او بالتحولات الاجتماعية والحضارة المادية.
أيها الحفل الكريم،
المعرفة هي معيار الرقي الإنساني في الطور الحالي من تقدم البشرية. وتشتمل المعرفة المؤسسية لمجتمع ما على التاريخ والثقافة، والتوجهات الاستراتيجية، والاشكال التنظيمية. ويمكن القول بان البشر هم صانعو المعرفة ولكنهم ايضاً صنيعتها. ويعني مجتمع المعرفة اعتماد المعرفة مبدأ ناظماً لجماع الحياة البشرية مجتمعة.
في زمن البراكين والزلازل التي يعاني منها مشرقنا العربي، تستمر الدوحة النعمانية بكل أركانها (الزميل د. جهاد والاستاذ د. ناجي ود. نبيل ود. عبدالله) في خدمة قضية البحث في التراث والتاريخ والترجمة والنشاط الفكري، وتشجيع النظر العلمي والاصلاحي من اجل نهضة المجتمع عبر انتاج المعرفة وانماء القدرات الآيلة الى مجتمع المعرفة.
فباسم الحركة الثقافية – انطلياس نحيي الدكتور عبدالله نعمان على كل العطاء الكبير الذي قدمه للوطن من خلال المسؤوليات التي تسلمها في عاصمة الحضارة باريس، وعلى الجهد الثقافي والمعرفي الذي قام به في مجمل مؤلفاته الغزيرة وفي كتابه الأخير عن تاريخ لبنان. كما نحيي كل اركان الدوحة النعمانية ونتمنى لها الاستمرار في خدمة الثقافة واعلاء القيم الكبرى التي عليها تترسخ اركان الوطن.