ندوة حول كتاب
الدكتورة جنان فايز الخوري
"الجرائم الاقتصادية الدولية والجرائم المنظمة العابرة للحدود"
كلمة الأستاذ حياة هاشم
كلمة العميد منير شعبان ممثل اللواء أشرف ريفي
كلمة د. فيلومين نصر
كلمة القاضي الياس عيد
يشارك لبنان من خلال الدكتورة جنان فايز الخوري في التصدي لمشهد
"الجرائم الاقتصادية الدولية والجرائم المنظمة العابرة للحدود"
قبل مصنفها الجديد كانت المكتبة اللبنانية وربما العربية تخلو من كتاب عربي يتناول هذا المشهد ويعرض لقوانين مكافحته من زاوية متعددة الطرف :
تكوين المجرم الذاتي والاجتماعي والنفسي والاقتصادي والثقافي.
الدكتورة خوري في تصديها للجرائم الجزائية غير الموروثة والمتعارف عليها تخطت الموروثات التقليدية تاريخيا الى الخوض في عالم الجريمة التي تقض مضاجع القوى الدولية والاقليمية والمحلية.
لن ادخل في تفاصيل العقل المركب لعالم الجريمة الحديثة ولا في ما ذهبت اليه الدكتورة خوري بل سأكتفي بالتنويه بالعقل اللبناني الشاب الذي غامر في الخوض بمعالم الجريمة المنظمة والعابرة للحدود، على خلفية احترام العقول المتحاورة وما قد تلفت اليه الدكتورة خوري في ختام هذا الحوار.
خصوصاً أنها بحاثة ومنقّبة في هذا المضمار، شاركت في أكثر من حلقة حوار دولي وإقليمي ولها العديد من الأبحاث في سبل التصدّي للجرائم التي يرتكبها العقل الإجرامي الحديث الذي يكتنز المعارف الضرورية بالخوض في عالم
"الجرائم الاقتصادية الدولية والجرائم المنظمة العابرة للحدود"
كلمة العميد منير شعبان ممثل اللواء أشرف ريفي
السيدات والسادة
أيها الحفل الكريم
شرّفني اللواء أشرف ريفي المدير العام لقوى الأمن الداخلي بتمثيله المشاركة في هذه الندوة العلمية المتعلقة بكتاب الدكتورة جنان الخوري تحت عنوان "الجرائم الاقتصادية الدولية الجرائم المنظمة العابرة للحدود" وإلقاء كلمته في هذه المناسبة.
لقد تعرفت الى الدكتورة الخوري من خلال تعاونها مع مؤسسة قوى الأمن الداخلي كمدرسة في معهد قوى الأمن الداخلي لمادة قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية، وذلك ابتداء من اوائل العام 2008 ولغاية تاريخه.
خلال هذه الفترة، برهنت الدكتورة جنان على كفاءة علمية، رقيّ مهني متميز، اندفاع في نشر الثقافة والعلم والأهم ما تتميّز به من اطلاع تام على القضايا الاجرامية الحديثة، الأمر الذي دفع المشرفين على التدريب في المعهد من قوى الأمن ومن الفريق الأميركي (الذي يساعد في التدريب) الى الطلب من الدكتورة الخوري الى القاء محاضرات اضافية ودورية في المعهد في هذه المواضيع الاجرامية الحديثة التي يتضمنها مؤلفها الحديث....
تبرز أهمية هذا المؤلف من خلال شموله على مواضيع حديثة، دقيقة ومتعددة: أهمها الجريمة المنظمة العابرة للحدود، الفساد، الإتجار بالبشر، الاتجار بالأعضاء البشرية، الاتجار بالمخدرات والسلع الممنوعة، جريمة تبييض الأموال، جرائم المعلوماتية، التزوير، الغش الاحتيالي،...
وبالفعل تعتبر هذه الجرائم، جرائم عالمية وعابرة للحدود، اثارت وتثير العديد من المسائل القانونية والاجرائية في كيفية تجريمها، عقابها وملاحقتها، فهي الشغل الشاغل في أروقة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ اوائل التسعينات، وفي العديد من الدول في العصر الراهن، ومن بينها وطننا لبنان.
فقد بحثت الدكتورة جنان هذه الجرائم بشكل تفصيلي من خلال التطرق الى مفهوم كل منها، مدى خطورتها، سعة انتشارها ومدى تهديدها لمخاطر اقتصادية، اجتماعية، انسانية وقانونية،... ايضا بحث هوية المجرمين والعوامل الداخلية والخارجية التي تدفعهم لارتكاب هكذا جرائم. كما وتطرق الى دور الضحية من خلال تبيان ما للفقر المادي والمعنوي من دور فاعل في تنمية هذه الجرائم.
على الصعيد التجريم، اللافت في هذا المرجع مناقشته التفصيلية لاتفاقيات الأمم المتحدة الحديثة التي شكلت منهجا جديدا للتجريم والعقاب على الصعيد الدولي، وايضا اتفاقيات الاتحاد الأوروبي وبعض المبادرات العربية.
على صعيد التحقيق والملاحقة، اللافت ما تخصصه الدكتورة الخوري من جزء هام في هذا المؤلف لبحث دور التحقيق الأولي في هذه الجرائم، وما يواجه التعاون الدولي في انفاذ القوانين من العديد من التحديّات والعقبات الموضوعية والاجرائية لا سيما اذا كانت الجريمة منظمة عابرة للحدود الجغرافية او تقنية عابرة للحدود الفضائية. لذلك تطرح اهمية المساعدة القانونية المتبادلة والمساعدة التقنية للتطوير والتدريب.
كما يبيّن المؤلف الدور الفاعل والمتطور للانتربول Interpol على الصعيد الدولي لمكافحة هذه الجرائم، واستحداث مكتب الشرطة الأوروبية الـ يوروبول Europol وجهاز العدالة الأوروبية الـ يوروجست Eurojust كجهازين للتعاون القضائي الأوروبي.
كما يطرح هذا المرجع أهمية حماية الشهود والضحايا والمجرمين النادمين، الذين يتعاونون مع السلطات لكشف الحقيقة، إنطلاقاً من الحماية الجسدية الى تلك المعنوية. وتعتبر هذه الحماية من المواضيع الحديثة التي تعقد العديد من المؤتمرات حولها في العالم وحتى في لبنان.
كما يناقش المؤلف كيفية اكتساب التعاون الشرطي صفة جديدة وهي Police proactive من خلال المراقبة الالكترونية للشبكات الاجرامية، التسلل الى الشبكات الاجرامية، التقاط الصور، التنصت وتركيب اجهزة صوتية ومرئية... كلها اجراءات حديثة بوشِر في تطبيقها في أوروبا وأميركا ويُجرى التدريب على تطبيقها في بلداننا.
وفي تقييم بين النص والوقع، تجري المؤلفة دراسة مقارنة في كيفية التجريم، الملاحقة، التحقيق والمحاكمة في كل من الواقع الفرنسي، البلجيكي، الأميركي واللبناني.
لذلك، يعتبر هذا المؤلف مرجعا علميا متماسكا، استطاع أن يحتاط بأمور حديثة طالما لهثت خلفها دراسات متفرقة، وهو ما يحتاج اليه الصرح الأكاديمي، والأجهزة القضائية والأمنية.
فشكراً للدكتورة جنان الخوري على هذا الإنجاز وإلى مزيدٍ من العطاء ويسعدني في نهاية هذه الكلمة أن أقدم إلى الدكتورة الخوري كتاب تهيئة من اللواء المدير العام لقوى الأمن الداخلي .
ايها الحفل الكريم،
ان يطلب مني المشاركة في ندوة حول كتاب الدكتورة جنان خوري، وهي من طلابنا الذين نعتز ونفتخر بهم، لهو دليل عرفان بالجميل، ليس بالنسبة لي فقط انما بالنسبة لكافة الاساتذة الذين سهروا على تأمين المستوى اللائق من الثقافة للطلاب الجامعيين. انما من الملاحظ انه، والى جانب الثقافة، هناك التربية على الاخلاق المهنية التي تتحلى بها جنان خوري.
لقد شاءت الظروف أن اكون من اعضاء اللجنة التي ناقشت جنان خوري الاطروحة امامها. فدافعت بكل ثقة امام اسئلة لا تخلو من الاحراج. فبرهنت انها على مستوى المسؤولية وأن لديها من المعلومات والافكار ما سمح بان تنال اعلى درجة من التقدير. وها هي اليوم تحاول ان توصل ما توصلت اليه بعد جهد جهيد وابحاث طوال، الى اكبر شريحة من المجتمع اللبناني عامة، والى المعنيين بالموضوع بوجه خاص، واصرّت على ان يكون في الندوة من مختلف القطاعات، وهذا جيد. بالعودة الى المؤلف الذي يحمل عنوان: " الجرائم الاقتصادية الدولية والجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية "، فلقد قسمته الباحثة الى قسمين: تناولت في الاول منه العناصر الذاتية المكونة للنظام العام الاقتصادي الدولي، تاركة للثاني مسألة تأثير النظام على التجريم والعقاب. فكانت، بهذا الخيار، قد لخصت الموضوع، مستندة الى مراجع عربية واجنبية ومقالات ودراسات ومؤتمرات واطروحات وابحاث، اضافة الى نصوص القوانين اللبنانية والقرارات والمراسيم دون، ان تنسى الاتفاقيات وتعاميم مصرف لبنان، مروراً بمشاريع القوانين والاقتراحات وما اكثرها؛ مطعمة اياها بوثائق رسمية للامم المتحدة وقرارات الجمعية العامة، مع احصاءات وتقارير الى ما هنالك من مراجع؛ فجاءت اللائحة غنية جداً ومعروضة بشكل ملفت من التنظيم والوضوح.
بالعودة الى المضمون، فلقد مرت الباحثة بتاريخ تعامل الدولة مع الاقتصاد الى حين ظهور التطور التكنولوجي الذي زعزع القواعد، واوصلنا اليوم الى مشاكل ومعضلات جديدة. وقد تنبأت الكاتبة بمخاطر مستقبلية اكيدة وإن مؤجلة واخرى محتملة بشدة، لدرجة ضرورة الاحتياط منها والاستعداد لمجابهتها قبل وقوع الكارثة.
ولقد استوقفني في هذه الدراسة، الربط ما بين تطور الاقتصاد وانتشاره وبروز ضحايا جديدة لم تعد مقتصرة على افراد، انما اصبحت مفاهيم وقيم ومبادئ؛ مما يهدد الاستقرار العالمي والدولي والوطني.
كذلك اظهرت الاشكالية ما بين التدابير المتخذة للوقاية، اي للحؤول دون الجرائم، وما بين الزجر للمكافحة والمحاسبة، اي وضع استراتيجية لمنعه.
وهنا نسأل: هل حقاً التقدم الاقتصادي هو وراء "ارتفاع" نسبة الاجرام ام فقط كان وراء "تنوع" الاجرام مع الابقاء على نفس النسبة؟
وهل هذا عائد الى الافكار الحديثة للاجرام ولسهولة ارتكابه نظراً لسهولة التواصل ما بين الدول والشعوب والحضارات، ام الى عجز او تلكؤ السلطات في المكافحة، ام لأن الاجرام اصبح مصدر ارباح طائلة وبحبوحة للجميع؟ وهل سيأتي يوم ندعي فيه اننا كافحنا الجرائم الاقتصادية فعلاً؟ والذي يزيد من خوفنا، هو كثرة الاتفاقات والتي تدل في كثير من الاحيان الى فشل في مكان ما؟ اتفاقات من جهة وعدم تطبيق او التزام او تقصير من الدول من جهة اخرى، ولكأن لكل دولة وجهان: ظاهري وواقعي. النصوص شيء والواقع شيء آخر.
- 3ويطرح السؤال حول مدى علاقة السياسة بالاقتصاد وايهما يوجه الآخر؟ او ليس وراء كل حرب، عامل اقتصادي، مغلف بطروحات سياسية، كحقوق الشعوب بتقرير المصير والاستقلال الخ؟
- 4هل الاقتصاد هو حقاً دليل الرقي في مجتمع معين ام احد الاوجه فقط، خاصة وان هناك اوجه اخرى كالثقافة مثلاً؟
- 5هل من مصلحة المجتمع ان يحد من التقدم الصناعي والمكننة امام حاجة العالم الذي يتزايد بشكل مخيف؟
- 6ولاحظنا ان الباحثة تميل الى اقتراح غرامة "اقتصادية"، على قياس الشخص وثروته وليس على قياس جريمته؟ سؤال يطرح! لربما كانت العقوبة عندها اكثر عدلاً وفعالية!
- 7ونرى خلال الدراسة عدة مشاكل منها التلوث البيئي والذي هو الضريبة الحتمية الذي يدفعها العالم مقابل كل هذا التطور التقني! كيف السبيل للتوفيق ما بين الاثنين؟ اي الربح وحاجة المجتمع والحماية؟
- 8وتذكر ايضاً مساوئ المعلوماتية ومخاطرها مما يجعلنا نتسأل ان كان من مجال للافادة منها؟
- 9كما تمر على تبييض الاموال حيث نتسآل جميعاً عن السر وراء فتح الملفات في لبنان واقفالها دون الوصول الى نتيجة؟
- 10هل كل الثروات في لبنان حقاً نظيفة؟ ما الذي جعل هذا الاجرام اقوى من اية معالجة؟ مع الاعتراف بان تبييض الاموال يساعد احياناً على اطلاق حركة اقتصادية انمائية، خاصة في البلدان الفقيرة، فاتحاً المجال لعدد كبير من الاشخاص بايجاد فرص للعمل؛ مما ينعش الاقتصاد! ايهما نختار؟ هل الغاية تبرر الوسيلة؟ هل الضرورات تبيح المحظورات؟
- 11اما بالنسبة للفساد في اعلى المستويات، فالعلاج صعب! كيف يمكن ان نوكل بالمكافحة الى من هو صلب المشكلة؟
- 12وتهريب البشر او المهاجرين؟ مشكلة لا يبدو ان لها حلاً؛ وغيرها وغيرها من المعضلات التي خلقها النظام الاقتصادي والتي حاولت الدول وضع النصوص القانونية التي تسمح بالمكافحة؛ الا ان التطبيق ما يزال يعاني من مشاكل مصادرها متعددة؛ فالمصالح كثيرة والملفات اكثر؛ والقائلين "عفا الله عما مضى" كثر؛ هل هذا هو الحل الافضل؟ الا تفرغ القوانين من قوتها المعنوية بهذه الطريقة؟
- 13وتختم بتضارب الصلاحيات بين الدول والاجهزة في نفس الدولة فتضيع المقاييس والحقيقة.
هكذا جاءت هذه الدراسة شاملة لمواضيع كثيرة؛ فصعب التركيز على واحد منها؛ انما مع معلومات كافية وافية وواضحة قدر الامكان. فكان الجامع بينها مشكلة الانفتاح الدولي على الاجرام لتسهيله من جهة ومحاولة مكافحته من جهة اخرى؛ فظهرت الصعوبات خاصة وان كل ما هو جزائي متعلق بالسيادة التي تتمسك بها الدول، خاصة الضعيفة منها.
دراسة جنان خوري طرحت المشاكل او بالاحرى ذكرت بها؛ يبقى ان نحاول ايجاد الحلول لها وشكراً.
أمسينا في عصرٍ، وزارةُ عدلِه، هي له وزارةُ الحياة.
المشترع، عالمياً، في معركةِ استحداثِ المزيد من قوانين.
والمجتمعات في جبهةِ استحداثِ المزيدِ من ألوان الارتكابات.
يُجْهَرُ بالتجاوزاتِ عند فردٍ وجماعاتٍ ودول. جرائمُ العصرِ علميةٌ موصوفة ومنظّمة، والأثمانُ تُدفَعُ دماءً واقتصاداً وانهيارات.
فكان واجبَ وجودٍ، أن تَنْشأَ دراساتٌ حقوقيةٌ استدراكيةٌ شأنُها اللجمُ والجبهُ والتصدِّي، ومن بينها كتابُ "الجرائم الاقتصادية الدولية والجرائم المنظّمة العابرة للحدود" للدكتورة جنان فايز الخوري وقد اجتمعنا في كنف الحركة الثقافية في انطلياس لتكريم المؤلَّفِ والمؤلِّف.
الجريمةُ ظاهرةٌ اجتماعية قديمةٌ قِدَم الإنسان والمجتمع تتطوّر تقدّماً بتطورّهما. وشكلّت الثورةُ الصناعيةُ حدثاً اقتصادياً كبيراً شَهِدَ قدرةً علميةً فائقة ورافق ذلك سوءٌ لاستعمال الحريّة الاقتصادية وإمكانِ التخفّي وراءها لارتكاب أفعال جرمية تَنْجَمُ عنها تداعياتٌ مؤذية بحقّ الأفراد والمجتمع.
وتجدر الإشارةُ إلى أن ملامحَ المجتمع الاقتصادي المعاصر تتميّز بخاصّتَين رئيستَين: ثورةُ التكنولوجية الحديثة والصفةُ العابرة للحدود. والتطوّر الاقتصادي الهائل أدّى إلى التحرّر من القيود الجغرافية والسياسية مع انفتاح الحدود.
أمّا بالنسبة للإجرام، فلم يعد يُرتكبُ بصورة فرديةٍ فقط إنما بصورة جماعية وبواسطة جماعاتٍ منظّمة وشركاتٍ متعدِّدة الجنسية. ولذلك، نحن على بيّنة من جرائمَ اقتصاديةٍ تُعتمدُ فيها أساليبُ حديثةٌ مبتكرة وقد أصابت المؤلِّفة حين وصفتها بالجرائم الحديثة المضمون والآلية. أمّا لناحية مخاطرها، فيمكنُ القولُ أنها تقوّضُ النظام الاقتصادي الدولي والنظام المالي الدولي (جرائم تبييض الأموال) والنظام التجاري الدولي (جرائم الاتّجار غير المشروع بالأشخاص وبالمواد الممنوعة). كما إنها تدمّر النظام التِقْني الدولي (جرائم المعلوماتية) والنظام السياسي المحلي والدولي (الفساد السياسي والإداري) والنظام البيئي (جرائم البيئة).
إن الظاهرة الإجرامية الحديثة، من خلال ما تقدّم، تستدعي اتّباع سياسةٍ جنائية علمية محلية وإقليمية ودولية حديثة من شأنها مواجهةُ الإجرام الحديث الذي تطوّر مع العولمة الاقتصادية فأفاد النشاطُ الإجرامي من مفرزات هذه العولمة.
لقد اختارت الدكتورة خوري عنواناً دقيقاً ولافتاً. أمّا التقسيمُ الذي اعتمدته فيتّسم بالدقّة والوضوح والشمولية وبخاصة لجهة بحثها الوجهَ الحديثَ للظاهرة الإجرامية في القسم الأوّل وتجريم الظاهرة الإجرامية والملاحقة والعقاب في القسم الثاني.
سأُلقي الضوءَ على عددٍ من الموضوعات المطروحة في الكتاب وِفْقَ الآتي:
- 1- جرائم المعلوماتية.
- 2- جرائم الاتّجار بالأشخاص.
- 3- جرائم الإرهاب والتجربة اللبنانية.
- 4- مكافحة تبييض الأموال.
1- جرائم المعلوماتية.
يَشْهدُ عالمُنا الحاضر ثورةً كبيرة وتطوّراً سريعاً في مجال تكنولوجيا المعلومات وبخاصة مع ظهور شبكة الإنترنت بتفرّعاتها، لكن رافق هذا التطوّرَ وجهٌ سلبي يتمثّل في جرائم جديدةٍ تشكّل تعدّياً على الحقوق.
إن نصوص قانون العقوبات اللبناني ولا سيّما المواد 281 و282 و283 منه فضلاً على المواد المتعلّقة بجرائم القدح والذمّ والتهديد والتهويل والسرقة والاحتيال والتخريب تسمح بمعاقبة عدد من الجرائم التي لها صلةٌ بالمعلوماتية. وعلى الرغم من ذلك برزت الحاجة إلى نصوص جديدة توفّر على المحاكم عناءَ اجتهادٍ قد ترافقه آراء مختلفة حول مدى إمكان توافر عناصر الجرائم المنصوص عليها في المواد الآنفة الذكر على عدد من الأفعال. من هنا، كان قانون حماية الملكية الأدبية والفنية رقم 75 تاريخ 13/4/1999 إنجازاً تشريعياً مهمّاً وقد تضمّن تعريفاً لبرنامج الحاسوب الآلي وقضية نقل المعلومات وتحديداً للأعمال المشمولة بالحماية وأوجد استثناءات لها. كما تقتضي الإشارة إلى أن المواد 81 وما يليها منه تضمّنت فصلاً للإجراءات التحفظية والعطل والضرر والعقوبات ممّا يساهم بصورة فعّالة في ردع المخالفين.
لقد أبرزت الدكتورة خوري في مؤلَّفها أهميةَ قانونِ حماية الملكية الأدبية والفنية وحسناً فعلت حين أشارت إلى بعض القوانين الخاصة والمتفرّقة نذكر منها على سبيل المثال:
- - القانون 431/2002 الذي تضمّن تنظيماً لخِدْمات الإنترنت من الناحية الفنية.
- - قانون حماية المستهلك رقم 659 تاريخ 4/2/2005 الذي أورد تنظيماً لبعض العمليات التجارية التي يُجريها المحترف من بُعدْ بواسطة الإنترنت.
ونشير في هذا الصدد إلى القانون رقم 133 تاريخ 26/10/1999 الذي عدّل المادة 70 من قانون النقد والتسليف بحيث تكون لمصرفِ لبنانَ صلاحيةُ تطوير وسائل الدفع وتنظيمها بما فيها التحاويلُ الألكترونية مع تخويله حقَّ الرقابةِ وفرضِ الغرامات والعقوبات الإدارية.
وجيدٌ ههنا أنْ نذكر أنَّ القوانين الحالية غيرُ كافيةٍ لمعاقبة كلّ أنواع الجرائم التي استجدّت نتيجة الثورة التكنولوجية. لذا، تبقى الحاجة ماسةً إلى إصدار تشريعات خاصة بجرائم المعلوماتية. وقد تألّفت لجنةٌ فرعيةٌ منبثقة عن اللجان النيابية المشتركة تدرس حالاً اقتراح قانون لتكنولوجية المعلومات.
وفي سياق العمل التحقيقي لكشف جرائم المعلوماتية أُنشئَ مكتبٌ مختصّ في قوى الأمن الداخلي هو مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والتعدّي على الملكية الفردية فقام بعمل فعّال أدّى إلى كشف نسبة عالية من المرتكبين بناء على الشكاوى التي كانت تُحالُ إليه.
ولجهة الجهود الدولية المبذولة في مكافحة جرائم المعلوماتية فقد فصّلت الدكتورة خوري محطّاتٍ منها وأهمُّها اتفاقيةُ "تريبس" واتفاقية التعاون بين منظّمة التجارة العالمية وبين المنظّمة العالمية للملكية الفكرية. كما نذكر اتفاقيةَ "باريس" لحماية الملكية الصناعية. وتُعَدُّ اتفاقيةُ مجلس أوروبا أولَ معاهدة دوليةٍ حول الجرائم المرتكَبة بواسطة شبكة الإنترنت. أمّا دولُ الكومنولث فقد اعتمدت قانوناً نموذجياً تحت عنوان "الحواسيب والجرائم المتّصلة بالحواسيب".
ولا يسعنا في هذا السياق إلاّ أن نؤيّد ونُثْنيَ على اقتراح المؤلِّفة لجهة وجوب ترجمة الجهود الدولية بحيث يتمّ التوصُّل إلى إقرار اتفاقيةٍ دولية لمكافحة الجريمة الألكترونية مماثلة لاتفاقية الجريمة المنظّمة.
2- جرائم الاتّجار بالأشخاص
إن جرائم الاتّجار بالأشخاص قديمةٌ قِدَمَ البشرية غير أنّها تطوّرت عبر التاريخ فأضحت ترتدي في عصرنا الحاضر أشكالاً عديدة. وتسعى الهيئاتُ والمنظّماتُ الدوليةُ إلى مكافحتها. وقد أقرّت الأمم المتحدة اتفاقيةَ مكافحةِ الجريمةِ المنظّمة عبر الوطنية في 15/11/2000 والبروتوكولات الملحقة بها ومنها بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتّجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال الذي أُورد في مادته الثالثة تعريفاً لما يُقْصدُ بتعبير الاتّجار بالأشخاص وهو:
"تجنيد أشخاص أو نقلُهم أو إيواؤهم أو استقبالُهم بواسطة التهديد بالقوّة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر والاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقّي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال كحدّ أدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرقّ أو الاستعباد أو نزع الأعضاء".
إن الظاهرة الإجرامية المتمثّلة في الاتّجار بالأشخاص، في حال استفحالها، ستشكّل نوعاً جديداً من الاستعمار أو أُنموذجاً للعبودية العصرية. لذلك، لا بدّ من تضافر الجهود الدولية التي أشارت إليها الدكتورة خوري، منها الدورُ الذي تؤدِّيه الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذي أنشأَ في 26 تموز 2005 نظاماً خاصاً بالأطفال لرصد إساءة معاملتهم. ونذكر أيضاً التعاون الأوروبي لا سيما القرارُ الأوروبي في سنة 2004 المختصُّ في حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي.
في 24/8/2005 أبرمَ لبنانُ اتفاقيةَ الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الوطنية كما أُبرم في التاريخ ذاته البروتوكولَ الملحقَ بها والمتعلّقَ بمنع وقمع ومعاقبة الاتّجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال فضلاً على وثائقَ دوليةٍ منها الاتفاقيةُ الخاصة بالرقّ واتفاقيةُ القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة واتفاقيةُ حقوق الطفل واتفاقيةُ مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ومن الملاحظ أن قانون العقوبات اللبناني يجرّم عدّة أفعالٍ مشمولة بالبروتوكول لا سيما الخطفُ والإكراه بالعنف والتهديد على ممارسة أفعال منافية للحشمة والدعارةُ والتخلّي عن قاصر والغشُ بالمهاجرة وتبييضُ الأموال.
كما إن قانون الأحداث رقم 422/2002 نصَّ في المادة 25 منه على الحالات التي يعتبر فيها الحدثُ مهدَّداً وهي:
- 1- إذا وُجد في بيئةٍ تعرّضه للاستغلال أو تهدِّد صحّته...
- 2- إذا تعرَّض لاعتداء جنسي أو عنف جسدي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب.
- 3- إذا وُجد متسوّلاً أو مشرّداً.
في 2/8/2001 صدّق لبنان على اتفاقية العمل الدولية رقم 182 المتعلّقة بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال وقد أعدَّ مشروعاً لتعديل قانون العمل اعتبر فيه الأفعالَ الآتي ذكرُها جرائمَ وهي:
- 1- كلُّ أشكال الرقّ أو الممارسات الشبيهة بالرقّ كبيع الأطفال أو الاتّجار بهم.
- 2- استخدامُ طفل أو حدث أو تشغيلُه أو عرضُه لأغراض الدعارة... أو لممارسة أنشطةٍ غير مشروعة لا سيما انتاجُ المُخَدِرات.
وفي موضوع تسليم المجرمين، وسنداً للمادة 30/عقوبات يمكن اعتبارُ اتفاقية 15/11/2000 والبروتوكول الملحقِ بها الأساس القانوني السليم لتسليم المجرمين في جرائم الاتّجار بالأشخاص.
وفي سنة 2005 أطلقت وزارة العدل اللبنانية مشروع وقاية ومكافحة الاتّجار بالأشخاص في لبنان وقد أشارت المؤلِّفة إلى ذلك. وبهدف مواكبةِ تنفيذ هذا المشروع تمّ تأليف لجنة وطنية لمكافحة الاتّجار بالأشخاص مكوّنة من قاضٍ رئيساً ومن ممثّلين عن المديرية العامة للأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام والمنظّمات غير الحكومية أعضاء.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن وزارة العمل دأبت على إصدار عدّة قرارات تنظيمية لعمل الأجانب في لبنان من بينها القرار رقم 70/1 تاريخ 9/7/2003. وتتعاطى وزارة الداخلية مع موضوع العمالة من خلال المديرية العامة للأمن العام التي تقوم بإجراءات إدارية لمكافحة الإساءة إلى العمال الأجانب ومنعِ استغلالهم.
3- جرائم الإرهاب والتجربة اللبنانية.
إن مكافحةَ جرائمِ الإرهاب هي من أهمّ التحدّيات التي تواجه المجتمعاتِ والدولَ في عصرنا الحاضر. ويعاني لبنان من الأعمال الإرهابية التي تسعى إلى تقويض الأمن والسلم والاستقرار؛ إذ انضمّ لبنان إلى عدّة معاهدات واتفاقيات دولية متعلّقة بمكافحة الإرهاب من بينها اتفاقية 15/11/2000 الصادرة عن الأمم المتحدة والبروتوكول الملحق بها. وفي 5/4/2005 جرى استصدارُ مشروع قانونٍ يجيز للحكومة اللبنانية الانضمامَ إلى الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب والتي أقرّتها الجمعيةُ العمومية للأمم المتحدة في 9/12/1999، كما انضمّ لبنان إلى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي أقرّها مجلس وزراء الداخلية العرب في 22/4/1998.
وبالعودة إلى أحكام قانون العقوبات اللبناني نجد أن المادة 314 منه عرّفت بالأعمال الإرهابية كما إن القانون الصادر في 11/1/1958 عرّف بالعمل الإرهابي.
والجدير ذكرُه أن الأجهزة الأمنية في لبنان من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة مسؤولةٌ ضمن اختصاصها عن تنفيذ القوانين بإشراف القضاء المختص. وفي سبيل تفعيل التحقيقات في جرائم الإرهاب تمّ إنشاء وِحْدات متخصّصة وهي:
- - مكتب مكافحة جرائم الإرهاب والجرائم العامة التابع لقسم المباحث الجنائية الخاصة في وحدة الشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
- - شُعبةُ المعلومات في قوى الأمن الداخلي ومن مهمّاتها جمعُ المعلوماتِ، وبموجب مذكّرة الخدمة رقم 608 تاريخ 8/3/2006 لها صلاحياتٌ كبيرةٌ في مجال تعقّب الإرهابيين.
- - قسم مكافحة الإرهاب والتجسّس في وزارة الدفاع.
لقد أبرزت المؤلِّفة تعاون لبنان مع المجتمع الدولي في مجال مكافحة جرائم الإرهاب ونتيجة لتضافر الجهود التشريعية والقضائية والأمنية فضلاً على التعاون الدولي نجحت الأجهزة الأمنية في مكافحة المنظّمات والجماعات الإرهابية المتطرّفة وفي كشف عدد كبير من الجرائم الإرهابية.
4- في مكافحة تبييض الأموال
بدأت مكافحة تبييض الأموال في الأساس باستهداف غسل عائدات الجرائم ذات الصلة بالمخدّرات وتبيّن أن غسل الأموال يتعلّق بجرائم خطيرة أخرى مثل جرائم الإرهاب والاتّجارِ بالأشخاص وجرائم المعلوماتية وغيرها.
على الصعيد الدولي نشير إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتّجار غير المشروع بالمخدّرات وهي تميّزت بتعريف عملية تبييض الأموال ونصّت على التجريم القانوني لها. وبدورها نصّت اتفاقيةُ باليرمو على وجوب تجريم غسيل العائدات الإجرامية. وأشارت المؤلِّفة إلى حدث هام تمثّل في إنشاء مجلس الأمن للجنة مختصّة بمكافحة الإرهاب تهتمّ خصوصاً بمكافحة تمويل الإرهاب.
وفي 20/4/2001 صدر القانون رقم 318/2001 المتعلّق بمكافحة تبييض الأموال والمعدّل بالقانون 547/2003. وقد حدّدت المادة الأولى منه الأموالَ غيرَ المشروعة التي يطالُها، ومن بينها تلك الناتجةُ عن جرائم الإرهاب أو المساهمةِ به أو تمويل المنظّمات الإرهابية.
وما يميّز قانون مكافحة تبييض الأموال أنه أنشأ جهازَ تحقيقٍ لدى مصرف لبنان له طابعٌ قضائي هو هيئةُ التحقيق الخاصة التي تقوم بالتحقيق في عمليات غسل الأموال ولها كاملُ الصلاحية في رفع السرّيّة المصرفية والاتصال بالسلطات المحلية والخارجية من أجل تبادل المعلومات في موضوع مكافحة تبييض الأموال.
وإنفاذاً للقانون 318/2001 أصدر مصرف لبنان تعميماً أكَّد فيه على المصارف وجوبَ التدقيق في الحسابات المصرفية والتنبّه إلى طبيعتها وأحجامها وعدمِ القبول بفتح أيّ حساب يوحي بأنه ناتجٌ عن عملية تبييض أموال أو متصلٌ بأعمال إرهابية.
كما أنشأ لبنان في سنة 2002 لجنة التنسيق الوطنية لمكافحة تبييض الأموال وهي مؤلّفةٌ من حاكم مصرف لبنان وممثّل عن النائب العام التمييزي وأمين سرّ هيئة التحقيق الخاصة وممثّل عن قوى الأمن الداخلي والجمارك ومهمّتُها التنسيقُ بين مختلف الأجهزة المعنية وتسهيلُ التبادل السريع للمعلومات بينها.
وبفضل الجهود الكبيرة التي بذلها لبنان في مجال مكافحة الإرهاب وتمويله فقد انتقل من موقع المتهم بعدم التعاون في مكافحة تبييض الأموال إلى موقع المنضمّ إلى نادي الدول المتعاونة. والدليل على ذلك انضمامُه إلى مجموعة GAFI ومجموعة "أغمونت" التي تشكّل منتدى عالمياً لجميع وِحْدات الإخبار المالي بهدف توفير الدعم للبرامج الوطنية الخاصة بمكافحة تبييض الأموال. كما ساهم لبنان بتأسيس مجموعة العمل المالي الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.
أيها السادة، السكوت عن جرائم بحقّ إنسانِ الحياة وحياةِ الإنسان، أيضاً جريمة.
على الحقوقيّين ولوجُ عوالم الاجتهادات في محاولات خلاصية.
مَن أَصابَ له، عند الله أجران، ومن أَخْطَأَ له أجرٌ واحد.
ويقيني أنّ المؤلِّفة، بمواكباتها، استحقّت الكثير لدينا ولدى الله.
فمباركٌ عطاؤك،
ومباركٌ لك،
ومباركٌ عليك، والسلام.