الافتتاح

كلمة الدكتور الياس كساب

بداية هذا الاحتفال ، النشيد الوطني اللبناني.........

كنت أتمنى أن أبدأ بالترحيب كما هي العادة في كل عام براعي هذا المهرجانرئيس الجمهورية اللبنانية ، ولكن نظرا" للفراغ الاستثنائي في هذا المقام، وللمرة الثانية نتيجة عدم انتخاب رئيس للبلاد ،فان المهرجان اللبناني للكتاب في سنته الأربعين لهذه الدورة سوف يقام من دون رعاية .

حضرة السادة:

ممثل دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ، سعادة النائب ....................،

ممثل دولة رئيس حكومة تصريف الأعمال الأستاذ نجيب ميقاتي .............،

ممثل غبطة أبينا البطريرك ، نيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي ، سيادة المطران ............،

ممثل رئيس عام الرهبنة الانطونية، .................................،

 

أصحاب المعالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام مرتضى ووزير الاعلام الصدبق المهندس زياد مكاري

أصحاب السعادة ، وأصحاب المقامات الدينية والروحية،

رئيس بلدية أنطلياس– النقاش ايلي ابو جوده ومخاتيرها،

ممثلي القيادات العسكرية والأمنية،

ممثلي السلك الدبلوماسي والقنصلي،

رؤساء وممثلي السلطات القضائية والمؤسّسات الأكاديمية، والمجالس البلدية والاختيارية، والهيئات الحزبية والاقتصادية والإجتماعية والنقابية والثقافية والفنية ،

ممثلي وسائل الاعلام كافة.

يطيب لي أن أحييّكم شاكراً حضوركم هذا الاحتفال، وراجياً أن تتكرّموا باعتبار هذا الترحيب الاستهلالي والتفصيلي في بداية لقائنا ، صادراً باسمي وباسم سائر زملائي أعضاء الحركة الذين سيتناوبون على الكلام في هذا الافتتاح ، كما نعتذر سلفاً عن أيّ خطأ أو تقصير غير مقصود. فكلّكم ، سواء بصفتكم الشخصية أم بصفتكم التمثيلية، أعزّاء وأصدقاء، شرّفتم الحركة وهذا الصرح ... لكم منّا أسمى آيات المودّة والإحترام التقدير، وبكم جميعاً أجمل الترحيب.

 

ايها الأصدقاء ، ايها الحضور الكريم ،

ها هي الحركة الثقافية تعود بمهرجانها الذي انتظره الروّاد والقرّاء ودور النشر بعد انقطاع قصري لسنتين بسبب جائحة كورونا لتعود وتستمر في رسالتها من خلال  ثقافة الكلمة والمعرفة، ثقافة الفن والإنتماء، وثقافة الحريّة والمواقف الوطنية وثقافة تكريم اعلام قدموا الكثير في مختلف المجالات والاختصاصات . تؤمن بأن الكتاب ما زال للمعرفة سبيلاً ، تؤمن بثقافة تفكّك قيود الواقع لتعود وتبني واقعاً جديداً يليق بإنسان لبنان الثقافة والمعرفة. فهي لا تزال وفيّة لجمهورها ومهرجان الكتاب هو تحيّة وفاء للكاتب والقارىء ، ومساحة تلاق ثقافي ووطني.  

كلمة أمينة المعرض الدكتورة نجاة الصليبي الطويل ..

قي ذكرى المئوية الثالثة للحضور الأنطوني في أنطلياس ، اتخذت الحركة الثقافية من هذه المناسبة شعاراً  للمهرجان اللبناني للكتاب لهذا العام ، هذا الحضور الذي من خلال تواصل الأنطونيين اليومي مع مجتمعهم ساهم بجعل هذة البلدة الساحلية نموذجية وملتقى للعبادة والصلاة والفكر والحوار والعلم والحرية والفن وما كنيسة مار الياس الاّ خير شاهد على ذلك.

كلمة رئيس الحركة الثقافية انطلياس ورئيس دير مار الياس انطلياس الأباتي الدكتور أنطوان راجح

أيها الأصدقاء ، المهرجان اللبناني للكتاب هو ربيع الحركة الثقافية – أنطلياس الدائم والمتجدد، لاسيما بعد سنتين من الانقطاع القصري ، ورشةً ثقافيةً حقيقية نعيشها يومياً طيلة فترة المهرجان فللكتاب ساحته والندوات مسرحها ، والتكريم لمبدعين رسموا بأعمالهم الخالدة طرقاً نحو مستقبل واعد ومشرق ومنبرها للرأي الحر وللقول الجريء .

كامة الحركة الثقافية انطلياس تلقيها الأمينة العامة الدكتورة نايلة أبي نادر

مكاري

حضوركم الشخصي معالي الوزير معنا اليوم تقديراً لما تمثلون من نشاط واندفاع ومحبة وتفان للبنان وقد ظهر كل ذلك خلال عملكم في وقت قصير في حكومة متعثرة تصرف الأعمال وحملتم رسالة لبنان في زياراتكم العربية والدولية وآخرها من فرنسا واستطعتم كسب احترام اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم وليس فقط الاعلاميين.

كلمة مالي وزير الاعلام الصديق المهندس زياد مكاري

 

مرتضى

في تغريدة له : "لبنان بلد الحريات كان وسيبقى. لكنه كذلك وطن القيم الأخلاقية وموئل الإيمان.

لغتنا كلبنانيين هي لغة الأديان ولغة بهاء الدين العاملي واليازجي والمعلم البستاني، وجبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي وجورج جرداق وموسى الصدر وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وعبدالله العلايلي وصبحي الصالح ومحمد حسين فضل الله وجورج خضر وسامي ابو المنى ومالك الشعار ورامز سلامة ومارون العمار وجورج حبيقة ومارانا سعد وشوقي ساسين وشربل بو عبود وعبد الحليم كركلا وسليم وجودت حيدر ... لغة زين شعيب وخليل شحرور وطليع حمدان وزغلول الدامور وموسى زغيب وعبد الجليل وهبي  وجورج بو انطون وانطوان سعادة... لغة الرحابنة وفيروز ونصري شمس الدين ووديع الصافي ومارسيل خليفة...

تجربة غنية في مساره المهني بين القضاء ووزارة الثقافة , كلمة معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام مرتضى

لغتنا كلبنانيين هي لغة الأديرة والخلوات والمساجد والحسينيات والحديث الشريف والتراتيل والتجويد، والصلوات الخمس والأبانا وصلاة المسبحة الوردية ونهج البلاغة و"عهد عليودعاء مكارم الأخلاق وميامر الحبساء، لغة الناقوس الذي يفرح الروح والأذان الذي يطمئن النفس... لغة بهاء الدين العاملي واليازجي والمعلم البستاني، وجبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي وجورج جرداق وموسى الصدر وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وعبدالله العلايلي وصبحي الصالح ومحمد حسين فضل الله وجورج خضر وسامي ابو المنى ومالك الشعار ورامز سلامة ومارون العمار وجورج حبيقة ومارانا سعد وشوقي ساسين وشربل بو عبود وعبد الحليم كركلا وسليم وجودت حيدر ... لغة زين شعيب وخليل شحرور وطليع حمدان وزغلول الدامور وموسى زغيب وعبد الجليل وهبي  وجورج بو انطون وانطوان سعادة... لغة الرحابنة وفيروز ونصري شمس الدين ووديع الصافي ومارسيل خليفة...

 

 

 

______________________________________________

                    كلمة أمينة المعرض في جلسة الافتتاح

     د. نجاة الصليبي الطويل

مساء الخير،

لن أكرر كلمات الترحيب والاحترام، مع تأكيدي عليها وعلى سعادتي باللقاء بكم في يوم الكتاب هذا.

 

أيها الجمع الكريم،

نحتفل اليوم بافتتاح المهرجان اللبناني للكتاب، في مسرحٍ عريق يحملُ اسماً تراثيا،ً وهو مسرح الأخوين رحباني. إنه قسمٌ من دير مار الياس الذي يحتضن الرهبنة الانطونية، كما يستضيف الحركة الثقافية انطلياس ويدعم نشاطاتها منذ تأسيسها.

 

أيها الكرام،

في خضم الأحداث التي تعصف بوطننا، وما نشهده من تطورات اقليمية وحروبٍ كبرى وتغييرات وتقلباتٍ ديموغرافية وجيولوجية مرعبة، يلتبس علينا الكثير من القناعات السياسية، الحزبية، الطائفية والوطنية عامة، تبرزُ أبعادٌ مختلفة تعيد النظر بالكثير من القِيَم الموروثة، فنبحث عن أسسٍ راسخة وثوابت جديدة، تكريساً لانسانيتنا ولشغفنا بالحياة.

 

وإذ بتساؤل كبير يفرض نفسه بإصرار: "ماذا لو" ؟

ماذا لو تغيّر وجه لبنان الحضاري؟

ماذا لو قُمعت الحريات؟ ماذا لو هاجر جميع المنفتحين والطموحين؟

ماذا لو تراجعت التربية؟ ماذا لو خبتَت الفنون او خفتَت الموسيقى؟

ماذا لو أقفرت القُرى والأراضي الخضراء ورحلت عصافيرها وفراشاتها؟

ماذا لو لم نعد نجد ما نختلف عليه وما نتناقش حوله ؟

 

حاصرتني عندها، مشاهد التقاتل والضغينة من حروب عديدة؛ واخذَت تتزاحمُ صُور عن ظلم النظام الأوحد، وتفكك مجتمعه وعائلاته؛ وأرى مآسي مجموعات المهاجرين في القوارب والبواخر؛ وأسمع شهادات لمَن يعانون من تصلب الأصوليين، وما ينتج عن ذلك من تراجع في المستوى الاجتماعي والتعليمي... وماذا عن صور الهزات المستجدة؟

 

أمام هول أي تهديد لحدث مرتبط بهذه الصُوَر، ولإمكانية الرحيل الجماعي والزوال، بماذا نتمسك، نحاول صونه والحفاظ عليه؟

 أظن ان الجواب على هذا السؤال مشترك لمعظمنا: إنه تراثنا الثقافي الواسع بجميع مكوّناته، من علوم وفنون وآداب ولغات... وركيزته الأساسية للتطوّر على صعد كثيرة وللحفاظ على الذاكرة الجماعية هي الكتاب الذي يعكس فضاءات غنيّة للواقع ويرسم آفاقاً جديدة لدروب مشعة. نذكر ان كتاب "النبي" وبعد مئة عام على صدوره هذه السنة، ما زال يتبوأ المراكز الأولى للمبيع عالميا.

 

لطالما كانت أهمية الكتاب نتيجة تفاعل ينبثق من الحرية، التي لنا باع طويلة في ممارستها، وقد كان بلدنا موئلاً للمضطهدين والباحثين عن فسحات للتعبير وللحوار.

"ثقافة الحرية" المنتجة والخصبة أغنت صورة وطننا وشكّلت أساساً للعيش المشترك ضمن النموذج اللبناني المميز. ثقافة مارسها الرهبان الانطونيون على مدى ثلاثماية سنة فكانت عاميات انطلياس، التي وقعت في هذا الدير، ميثاقا للوحدة بين الطوائف، في وجه الظلم، وأي تدخل خارجي. وما زال الرهبان الأنطونيون يتابعون نشاطاتهم الاجتماعية والفكرية والدينية بكل انفتاح ووطنية.

 

نعم، عماذا سندافع وكيف سنحمي ما يشكل جذورنا وهويتنا؟ ان تاريخ لبنان الثقافي المبني على ثقافة المواجهة خير دليل على قوتنا وعلى صراعنا للبقاء.

سنحمي جميعنا الكلمة. إن كتبنا باشكالها ومضامينها المختلفة، تشهد على عنادنا في مواقفنا الوطنية الجامعة وعلى استمرار مقاومتنا في احترام التعددية عامة، وهي ميزة بلدنا.

 

بعد ثلاث سنوات من التوقّف بسبب الجائحة التي افقدتنا الكثير من الأحباء،  تعود الحركة الثقافية رغم الظروف المادية والاقتصادية الصعبة التي يعاني منها مجتمعنا وقطاعَا النشر والثقافة، للاحتفال بالكتاب ولتشجيع المؤلفين ودور النشر والجامعات والقُرّاء، على الإستمرر والخروج من قمقم اليأس والاستسلام.

معرضنا فعل تحدٍ وواجب وطني وإنساني. نشكر جميع المشاركين فيه لثقتهم بنا.

وقد تم هذه السنة، استحداث فسحة خاصة لكتب بأسعارٍ مخفَضة، يستفيد منها القرّاء عامة والطلاّب خاصة.

كما أذكّر بالنشاطات المرافقة من ندوات تعالج بمجملها قضايا وطنية ملحة أو عامة، وتكريم لأعلام الثقافة. كما يجري الاحتفال بيوم المرأة ويوم المعلم مع تحية تقدير لفنان في اليوم الاخير نختتم المهرجان معه بأمسية موسيقية. والجديد قراءات شعرية ضمن "ساعة شعر" الساعة الخامسة.

وللحركة منصتان: منصة للمنفردين تعرض الكتب غير الصادرة عن دار نشر، ومنصة ثانية لتواقيع الإصدارات الحديثة.

 

 تنشر الحركة الثقافية هذه السنة، كتيب أعلام الثقافة الذين سيُكرّمون خلال المهرجان؛ كما طبعت مؤلفا قيّما يجمع دراسات ومداخلات لمجموعة من الاختصاصيين، قُدّمت خلال المؤتمر الوطني الذي أُقيم العام الماضي تحت عنوان: "التنمية في لبنان، خطوات إصلاحية للنهوض بالوطن".

 

لا يقوم عمل ناجح دون تضافر جهود الكثيرين، إذ لا بدّ من شكر كل مَن سعى لقيام هذا المعرض وساهم في دعمه، رغم الظروف الصعبة.

ألف تحية لدُور النشر والجامعات والجمعيّات وللكتّاب وللأفراد المساهمين وللداعمين.

شكراً لحضوركم الثمين لمشاركتنا هذا الافتتاح، على أمل لقائكم كل يوم في زيارة المعرض والمشاركة في إحياء النشاطات المختلفة، وللتأكيد على أن الثقافة ليست ترفا بل إطارا ونمط حياة، لكم من الحركة الثقافية انطلياس ومني، أصدق تحيات المحبة والتقدير.

_________________________________________________________

 

كلمة الأباتي أنطوان راجح في افتتاح مهرجان الكتاب للعام 2023

شاءتِ الهيئةُ الإداريّةُ أن يتضمّنَ عنوان هذه الدّورةِ من المهرجانِ، اليوبيلَ المئويَّ الأنطونيَّ لديرِ مار الياس الّذي يحتضنُها. هذا عرفانٌ وامتنانٌ، من شِيَمِ أعضاءِ حركةٍ ثقافيّةٍ ذاتِ تاريخِ تفخَرُ به أنطلياس كما الوطن. فَهُم العالمون بأنّ حركَتَهم غيرُ مقيّدةٍ بأيِّ توجيهٍ يُفرضُ عليها، ومتحرّرةٌ من أيِّ قيدٍ فكريٍّ يُحرجُها. إنّ الديرَ لا يمدُّها بسوى نفحاتِ الرّجاءِ، ولا يراها إلّا بداليّةِ من إليه تنتمي، وبها يفتخر. إنّه لها مجرّدُ حزامٍ خفيفٍ، يلفُّها ولا يخنقُها، يحميها ولا يُطبقُ عليها، يرافقُها ولا يديرُها، لأنّ حزامَ الحضنِ يفرجُ أعتى الإحراجات.

يفخرُ هذا الدّيرُ، بتحلّقِ كوكبةٍ من خيرةِ مثقّفي البلاد، كمركزِ ثقلٍ ثقافيٍّ ووطنيٍّ، فخرُه بتلاقي العقولِ المنفتحةِ، تحتَ قبّةِ مار الياس، تلاقيًا فريدًا، وانصهارِها في بُوتقةٍ من فكرٍ وعلمٍ وفنٍّ، انصهارًا مبهرًا، على رغم تساؤلاتِ بعضِهم واستهجانِهم.

وإذا كان اليوبيلُ محطّةَ تزخيمِ الانطلاقةِ، استنادًا إلى قراءةِ الماضي، فلن أتكلّمَ اليوم على أعمالِ الدّيرِ الرّاعويّةِ وهي رائدةٌ، ولا على أدوارِهِ التّربويّةِ والموسيقيّةِ وهي بارزةٌ، ولا على أبنيتِهِ  وإنشاءاتِهِ وهي شاهقةٌ، كما لن أفصّلَ ما تعرفونه عنْ عاميّةِ أنطلياس، سنة 1840، على مذبحِ مار الياس، حيثُ أقسمَ مسيحيّون ومتاولة ودروز على صونِ العيشِ المشتركِ في الوطن. سأكتفي بالإشارةِ فقط إلى نهجِ الدّير في الشّؤونِ الوطنيّةِ، الاجتماعيّة والثّقافيّةِ الفريدةِ.

لا حرجَ في الدّيرِ من علمانيّةِ حركتِهِ الثّقافيّة. ففي الواقع، دارتْ أحاديثُ كثيرةٌ عنِ العَلمانيّة، أبرزُها ما أصدرَه الوقورُ  الذّكر، البابا بندكتس السّادس عشر إرشادًا رسوليًّا بعنوان: "الكنيسة في الشّرق الأوسط: شركةٌ وشهادةٌ"، فقد لفَتَ فيه إلى الغموضِ الّذي يشوبُ الحواراتِ الدّائرةَ حولَ موضوعِ العلمانيّة، فقال: "يختبرُ الشّرقُ الأوسط، كباقي أنحاءِ العالم، واقعَينِ متضاربَينِ: العَلمانيّةَ بأشكالِها الّتي تصلُ أحيانًا إلى التّطرّفِ، والأصوليّةَ العنيفةَ الّتي تدّعي قيامَها على أصولٍ دينيّة. وبكثيرٍ من الارتيابِ، ينظر بعضُ المسؤولينَ منَ الجماعاتِ كافّةً إلى العَلمانيّةِ، باعتبارِ أنّها تعني الإلحادَ أو اللّاأخلاقيّة.

صحيحٌ أنّ العَلمانيّةَ قد تصلُ أحيانًا، وبطريقة مختزَلَةٍ، إلى اعتبارِ أنّ الدّينَ ينحصرُ في النّطاق الفرديّ وحسب، وكأنّه ليسَ إلّا عبادةً فرديّةً وبيتيّةً بعيدةً من الحياةِ، ومنَ الأنشطةِ الحياتيّةِ، ومن العلاقاتِ معَ الآخرين. وصحيحٌ أنّ هذا الشّكلَ المتطرّفَ والإيديولوجيَّ يحوّلُ العَلمانيّةَ إلى تعلمُنٍ يمنعُ المواطنَ من التّعبيرِ العامّ عن دينِه، معتبرًا أنّ الدّولةَ وحدَها هي الّتي تستطيعُ تشريعَ شكلِها العامّ. إلاّ أنّ هذه النّظريّاتِ قديمةُ العهد، ولم تعدْ غربيّةً وحسب. ويتابعُ قداستُه قائلًا: "العلمانيّةُ الإيجابيّة، بخلافِ ذلك، تعني تحريرَ المعتقَد من ثِقَلِ السّياسةِ، وإغناءِ السّياسةِ بإسهاماتِ المعتقَد، بحفظِ المسافةِ اللّازمة، والتّمييزِ الواضح، والتّعاونِ الّذي لا غنًى عنه، لكليهما، معَ رفضِ السّقوطِ في التّجربةِ المستمرّةِ للخلط أو للتّحارب. غيرَ أنّ كلاًّ منهما مدعوٌّ، حتّى داخلَ التّمييزِ الواجب، إلى التّعاونِ بانسجام، من أجل الخير العامّ. لذا، فإنّ العَلمانيّةَ الإيجابيّةَ (وحدة وتمايز) ضروريّةٌ، بل لا غنًى عنها، لكليهما. فكم بالحريِّ إذا كانت العلمانيّةُ في الحراكِ الثّقافيّ، وهو ليس ملكَ المدينة وحدها، ولا هو في جعبةِ الرّوح وحده، ولكنّه يوحّدُ الهدفَ، عنيتُ خدمةَ الإنسانِ وإعلاءَ كرامتِه، والحفاظَ على حريّتِه ومختلفِ حقوقِه وانتظاراتِه".

هذه الرّؤيةُ متجسّدةٌ بتمامِها في حركتِنا الثّقافيّة، صاحبةالفكر النقيّ وغير المهجّن؛ وكان تأسيسُها منذُ خمسٍ وأربعين سنةً، نبويًّا ومقدامًا، فبرزتْ الحركة صفحةً لامعةً في سفر اليوبيل.

أمّا عن الدّورِ الاجتماعيّ، فيقولُ الأستاذ فريد أبو فاضل: إنّ رهبانَ الدّير، منذُ تسلّمِهم خدمةَ المزار والرّعاية سنة 1723، راحوا لا يبارحونه نهارًا وليلًا، إلّا لتأمين الخدماتِ الرّعويّة على طول السّاحل، انطلاقًا منه وإليه. ويمكن القولُ إنّ الرّهبانَ الأنطونيّين هم من أوائلِ من قطن أنطلياس من بينِ العائلات والجماعات الّتي استقرّت فيها لاحقًا وتباعًا". (ص 54-55).

            فمن هذا الدّير، انطلقتِ الخدماتُ الرّسوليّةُ لتغطّيَ أرجاءَ البلدةِ ومنطقةَ السّاحل، وغطّى مذبحُه اتفاقيّةً لأطيافِ الوطن، ثمّ أتت الحركةُ الثّقافيّةُ مباركةً، لتعمّمَ العملَ والجهادَ، فتسكبَه وطنيًّا جامعًا، بل تمدَّه إلى بلادٍ عربيّة، وحصادُها الجرأةُ النّزيهة، والحريّة، والمجّانيّةُ، وعدمُ الارتهان، والاحترامُ.

 وبناءً على كلِّ ما تقدّم، أتركُ الكلمةَ الأشملَ لحضرةِ الأمينة العامّة للحركة، معَ سبْقِ إقرارٍ وإن مخزيًا، بصعوبةِ تأثيرِ المثقّفِ في بلادنا على سير الأمور السّياسيّة من جهة، وبعدمِ إمكانِه ألّا يكونَ مباليًا بها من جهة أخرى، وهو يعاني مضاعفاتِها، ربّما أكثرَ من سواه، فلا يلطّفُ تداعياتِها سوى حضورِكم الكريم، ومشاركتِكم القيّمةِ في أنشطتها.

يبقى أنّنا مدعوّون معكم إلى رفضِ الاستسلام، مهما كثرتِ الضّغوطُ غيرُ المسبوقةِ، منذ أهوالِ حقبةِ الحرب العالميّة الأولى، ومهما توقّع خبراء منمآسٍ متزايدة، فتاريخُنا عبارةٌ عن مراحلَ متتاليةٍ من مقارعةِ المشقّاتِ. وستبقى الثّقافةُ والتّربيةُ عليها، تحتلّ طليعةَ اهتمامِنا للإنماء، لأنّ الجوعَ إليها لا يقلُّ إيذاءً عن الجوعِ إلى الطّعام. وستبقى بادراتنا مخفّفة لما يُحدثُ هزّاتِ بدن فوق الأرض، بخلاف رعبنا من هزّات باطن الارض وعجزنا المطبق أمامها. من جهتنا، كما أطلق الأسلاف أوّل فرن للخبز إبّان الحرب العالميّة الأولى إسهامًا في جبه مآسي الجوع، أطلقنا بالأمس، على الصعيد الاجتماعي، وبدعم سخيّ من الشيخ جورج إيلي أبو جوده، تخليدًا لاسم والده، مركزًا للخدمات الطبيّة، بالمجّان الكامل لجميع أبناء البلدة وبأسعار رمزيّة لأبناء المنطقة.

إنّ أعينَنا على عبورٍ إلى ما نستحقّ ويليق بنا وبشعبنا، إنّما نترقّبُه ونرجوه وشيكًا.

لذا أختم ببلاغة ما كتبهالشّاعرُ الحديث شارل بيغي، قال: "إنّ الإيمانَ والرّجاء والمحبّة ثلاثُ شقيقات؛ اثنتان منهنّ بالغتان، والثّالثةُ صغيرة. يسِرْنَ في الشّارع ويُمسِكْنَ بعضُهنّ بأيدي بعض؛ الصّغيرةُ وهي الرّجاءُ، تتوسّطُ أختيها الكبيرتين، الإيمانَ والمحبّةَ. ولكنّ كلَّ من يراهنّ يظنّ أنّ الكبيرتينِ تجرّانِ الصّغيرةَ، وهم مخطئون! فالصّغيرةُ هي الّتي تجرُّ كلَّ شيء، لأنّه إذا غاب الرّجاءُ، توقّف كلّ شيء".إنّ رجاءَنا هو الّذي يجرُّ محبّتَنا وإيمانَنا بهذا الوطن، ويؤمئُ إلى نهوضٍ آتٍ، لا محالةَ، وإنّ تأخّرَ.

_______________________________________________

كلمة الأمينة العامة للحركة الثقافية، أنطلياس د.نايلة أبي نادر

نلتقي اليوم والساعة في وطني متوقّفة عند لحظة الفراغ والتفكّك، فالعقارب تشير إلى الغرق في زمن الانحلال والضياع وفقدان البوصلة. هذا الدوران الذي نشهده في اتجاه مجهول قد أربك آلات ضبط الوقت والوجهة.

نجتمع اليوم والمناسبة احتفالٌ بالكتاب، هذا الكائن المستضعف والمهمّش منذ فترة، نلتقي لنتحلّق من حوله، لنقول للملأ بأن الكلمةَ نورٌ، والفكرَ مسارٌ نحو الحرية، والنهجَ مقاومةٌ للجهل والتعصّب والتقوقع في الظلمة.

ن تحت شعار ثقافة الحرية في بلدةٍ متنيّةٍ تاريخُها يحفل بالانفتاح على الآخر، ومفعمٍ بالفن والابداع والنضال ضد القهر والظلم. نتكوكب تحت راية أنطونية زرقاء يتدفّق منها فيضٌ من العطاء على مدى ثلاثة قرون في الخدمة الروحية والإنسانية والثقافية.

الهمّ كبيرٌ، والجرح عميق، والمعاناةُ بثقلِ الجبال. شبابنا متعبٌ، خائبٌ، أضناه المسير. الرجال والنساء منهمكون بما يشكّل الحد الأدنى لتأمين الاستمرارية. المؤسّسات التي تهتمّ بالشأن التربوي تترنّح على وقع الأزمات المتتالية، والجمعيات والروابط الثقافية لها ما يكفيها من أعباء تؤخّر نشاطها أو تعرقله.

وسط هذه الأمواج العاتية عقدت الحركة الثقافية، أنطلياس العزم على استعادة أنفاسها، ولملمة قواها، فقرّرت أن تغامر لتخوض بعد انقطاع ثلاث سنوات غمار تجربة كانت قد بدأتها منذ ما يزيد على أربعة عقود. عند اشتداد القلق وضياع البوصلة وتفاقم الخوف على المصير، تصبح الثقافة والكتابة ترفاً مؤجّلا ومشتهى، مع ذلك، بادرنا إلى إرسال الدعوة التي لبّتها مجموعة من دور النشر، والمهتمّين بأمور الكتاب، إنهم شركاؤنا في مواجهة التحدّيات الراهنة، وهي كبيرة، يمكن أن نوجز بعضها بما يأتي:

- تراجع الاهتمام بالكتاب في مرحلة مصيرية كالتي تمرّ بها البلاد، فتأمين العيش في حدّه الأدنى أصبح هدفاً صعب المنال.

- انحسار جاذبية الكتاب مقابل الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي التي غزت الهواتف الذكية وأسَرَت في عالمها الافتراضي الملايين الذين يمضون ساعات مسمّرين أمام الشاشة الزرقاء من دون الشعور بالوقت الذي يمرّ.

- انكفاء المفكّرين والمبدعين عن عملية نشر مؤلّفاتهم، إما يأساً وإما بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة أو بسبب غياب سياسة تنهمّ بالنهوض بالفكر باعتباره ركيزة في بناء الحضارة وترسيخ الوطن.

- انشغال الجيل الشاب بتأمين أكثر من فرصة عمل لكسب ما يمكّنه من الاستمرار إلى جانب الأهل، الأمر الذي يبعده إلى حدّ ما عن الانشغال بالثقافة والفكر.

- الضغط الكبير الذي يرزح تحته المواطن اللبناني جعله يبحث عن أي وسيلة غير مكلفة لتأمين مصادره المعرفية التي يحتاج إليها، وهنا تأتي المنصّات الرقمية التي تعرض عدداً لم يعد يُستهان به من الكتب بنسخ الكترونية توفّر له بنقرة إصبعٍ كميات هائلة من المعرفة.

كلّ ما ذكرنا أعلاه وغيره لن يمنع المبدع من التفكير، والمؤسّسات المختصّة من النشر، والدليل على ذلك متابعة الإصدارات الجديدة، وإقامة المعارض الكبرى في دول عربية شقيقة عدّة. هناك إرادة توحي بعدم الرغبة بالاستسلام، وعدم الوقوع في التراخي، إنما على العكس، تشبيك المساعي الطيبة، ومد الجسور للعمل معاً على إعادة الوهج للكلمة المطبوعة، واستعادة التمتّع بالاحساس بالورق وتقليبه والكتابة عليه بأحرف من حنين.

يقول روسو بأن "ثقافة المرء هي التي تحدّد سلوكه"، فما يشهده لبنان اليوم من مسلكيات سياسية واقتصادية وأخلاقية نمن أي ثقافة نبعت ونمت؟ وعن أي نهج تدميري انتحاري مميت نتجت؟ إن ما تقوم به الحركة الثقافية اليوم، وغيرها من النوادي والمنتديات الثقافية الناشطة يعبّر بقوة عن رفضٍ جذريّ لما يحدث من حولنا. هذا التوق الجارف نحو الفكر الحر، واللقاء المتفلّت من قيود الإيديولوجيات الضيّقة، والرفض القاطع لإقصاء الآخر بمجرّد أنه مختلفٌ في طروحاته الفكرية، هذا ما يحرّكنا ويجعلنا نغامر مع أصحاب دور النشر والجامعات المشاركة والمؤلّفين المنفردين، باعتبارهم جميعاّ أمناء على الكلمة والفكر وثقافة الحرية.

يعتبر الجنرال ديغول أن "المدرسة الحقيقية للقيادة هي الثقافة العامة: بها يعمل العقل بانتظام، ويميّز الجوهر من العرض"، والسؤال هنا: أين هي الثقافة العامة في مناهجنا التربوية؟ وما دورها في تنشئة أجيالنا؟ وكم نحن لدينا الرغبة في الاشتغال على تطويرها في أذهاننا؟ تحضرني هنا عبارة لكنفوشيوس يقول فيها: "إبحث عن المعرفة لأن المعرفة لا تبحث عنك"، هذا باختصار ما تحاول الحركة الثقافية، أنطلياس أن توفّره لكل من أصابه نهم المعرفة، وكم ترجو أن تُوفّق في عملها.

 

لا بدّ في الأخير من شكر كل الأفراد والجماعات الذين بذلوا من وقتهم وجهدهم ومالهم لإنجاح هذا المهرجان: أبدأ بقدس الأباتي أنطوان راجح رئيس دير مار الياس أنطلياس، ورئيس الحركة الثقافية، أعضاء الهيئة الإدارية فرداً فرداً، في مختلف الأمانات التي يشغلونها، وأخصّ بالذكر الزميلة الدكتورة نجاة الصليبي الطويل، أمينة المعرض، وأعضاء الأمانة الأعزاء. كما أشكر كل أفراد الهيئة العامة الذين أسهموا من قريب أو بعيد بالمساعدة في إنجاز أدقّ التفاصيل، وأخصّ بالذكر هنا ابنة أنطلياس الأستاذة جهاد لطيف على عطائها المجاني بفرح وابتسامة دائمة. أشكر أصحاب دور النشر المُشارِكة، والمؤلّفين المنفردين، كما أتوجّه بالشكر العميق إلى كل جامعة اختارت أن تعرض منشوراتها عندنا، أنتم جميعاً العصب الرئيس الذي يمدّ الحركة الثقافية بشريان الأمل... أشكر كل العاملين والمتعاقدين معنا على تضحياتهم، وقبولهم بما توفر لدينا من ماديات في هذه الظروف الصعبة. أشكر كل من تبرّع مالياً أو لوجستياً لدعم النشاط الثقافي وسط حجز المصارف لمدخرات الحركة. شكرأ لبلدية أنطلياس النقاش، رئيساً وأعضاء وشرطة. شكراً لمختار البلدة، ولجماعة أصدقاء الحركة الثقافية. شكراً للقوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام على الإسهام في حفظ السلامة والأمان. شكراً لكل وسائل الإعلام المرئية ، والمسموعة، والمقروءة، والمواقع الالكتروية التي تعمل على تغطية فعاليات المهرجان.

شكراً لمعالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام مرتضى على حضوره ومشاركة وزارته ضمن العارضين، شكراً لمعالي وزير الإعلام الدكتور زياد مكاري على حضوره وتعاونه معنا، وعلى تأمين الدعم الإعلامي اللازم إن من قبل تلفزيون لبنان أو الوكالة الوطنية للإعلام.

لا يسعنا في الأخير إلا أن نرسل ورود الشكر والامتنان إلى كل من قرّر أن يغادر منزله ويأتي إلى حيث يحلو اللقاء والحوار والنقاش، الشكر لكم أنتم الذين حضرتم إلى هنا لتقفوا إلى جانبنا وترفعوا معنا نخب الكتاب وثقافة الحرية والمئوية الثالثة للحضور الأنطوني في أنطلياس.

أنطلياس في 3 آذار 2023 

_______________________________________________

كلمة معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام مرتضى

أنطلياس

على ربوةٍ قريبةٍ من ههنا، وقف مرةً أميرُ الشعراءِ الأخطلُ الصغير، متطلِّعًا صوبَ البحرِ باتّجاه بيروت، وأنشدَ للمدينةِ العاصمةِ قصيدتَه التي فيها يقول:

فدَتِ المنائــــــرُ كلُّهُـــنَّ منارةً     هي في فمِالدُّنيا هُدًى وتبسُّمُ

ما جئتَها إلا هداكَ مُعلِّمٌ      فوقَ المنابــرِ أو شــــجاكَ متيَّــــمُ

وفي منزلٍ قريبٍ من ههنا، نصَبَ الأخوان رحباني سلَّمَ موسيقاهما، ووضعا لهذه القصيدة لحنًا رائعًا/ غنَّتْه فيروزُ/ أيقونةُ الإبداع اللبناني.

ودائمًا ههنا، منذ عقودٍ طويلةٍ/ تقيمُ الحركةُ الثقافيةُ في أنطلياس مهرجان الكتاب السنوي، كأنما هذه البقعةُ من ثرى لبنان منذورةٌ للثقافة، بكلِّ أبعادِها، فلا تنفكُّ فيها أعراسُ الحرفِ واللحن واللونِ معقودةَ الأيام والليالي، في صورةٍ تعكسُ حقيقةَ لبنان... وطنِ الأبجدية والوطنِ الرسالة.

هكذا وعى جيلُنا والأجيالُ التي سبقته دور لبنان: إنه مطبعة العالم العربي؛ عبارةٌ كنا نسمعها، ونرى فعلَها في ذلك الحشدِ المعرفي من المكتبات والمطابع والصحف ودور النشر، قبل غزوة المجتمع الرقمي، وقبل تقاعد الكتاب وتحوّله إلى جزء من الأثاث المنزلي، يُنفَّضُ عنه الغبار كلما دعت الحاجة.

ولا شكَّ في أنَّ زمن القراءة الذي صنعته بيروت عبر معارض الكتب أسَّسَ لمرجعية لبنان الثقافية، حيث تحوّل بفضل مساحة الحرية التي فيه إلى ملاذٍ للمفكّرين والكتّاب والناشرين في العالم العربي، وإلى مصدرٍ لبثِّ الوعي في كل أنحاء الشرق.

فلما أتى زمن الحضارة الرقمية التي هي مسارٌ طبيعيٌّ للحداثةِ المعاصرة، تبين أنها على فائدتِها الكبيرةِ ويُسْرِ تناولِها، قد تخلو من موضوعية المصادر، وتتفاوت في دقة المعلومات والأفكار التي تقدّمها ما يجعلُ من العودة إلى المرجع المطبوع ممرًّا إلزاميًّا لتقصي الحقيقة.

ولستُ أقول هذا انحيازًا إلى الكتاب الورقي، رغم أنني منحازٌ إليه فعلًا، بل للوصولِ إلى معطًى مستجدٍّ نعاني منه كلُّنا، وهو أن واحدًا من وجوه أزماتِنا المتعددة، يكمن في أننا صرنا نخرّجُ أجيالًا لا تقرأ، لا في الكتاب الورقي ولا الرقمي. هذه مسؤولية تبدأ من مقاعد الدراسة وتمرّ بالبيئة المنزلية، وصولًا إلى دور الإدارات المركزية والمحلية، والمجتمع المدني أيضًا، في إنشاء المكتبات العامة التقليدية والإلكترونية وتنشيط القراءة بجميع الوسائل، وبخاصةٍ لدى الشباب الذين أنتجَتْ هجرتُهم للكتاب، هذا التدهورَ الكبيرَ للغة العربية على الألسنة وفي الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت الحروف العربية فيها إشاراتٍ وأرقامًا، ما يحتم علينا وضعَ خطة لحماية اللغة من هذا النكوص؛ وليس أجدى من القراءة والكتاب وسيلةً لذلك.  

والكتاب أيضًا أمضى سلاح في معركة الوعي التي تُخاضُ ضد هويتنا. لأن العدو يهدف إلى إلحاق الهزيمة بنا عبر التّجهيل. فكلّما تناقصت معارفُنا ازدادت هشاشةً مناعتُنا الفكرية والقومية. أعداء لبنان يستهدفون دور لبنان الإشعاعي والتعددي الذي يعبّر عنه دورُ الكتاب وحركة النشر في بلدنا.

 معرض الكتاب في انطلياس منارة ثقافية كبيرة بتاريخها، وقد اجترحت صمودَها بالرغم من الحالة الإقتصادية المأزومة، فحافظ المعرض على ديمومته، ناشرًا قيم التعددية والحرية، وتحوّل إلى ورشة تلاقح ثقافي مبدع ومسؤول حيث يُعتَبَر نشاطُه حالة معرفية على رقعة الوطن بكامله تتوالف فيه الأفكار في مختلف صنوف المعرفة من سياسة واقتصاد وشعر ورواية وتاريخ وتوثيق. ولهذا نشدُّ على أيدي المنظّمين، ونعترف بتقصير الدولة في مواكبة ودعم هذا المعرض ونأمل بعد انجلاء الغيمة عن حاضرنا المأزوم أن يكون المعرض في صلب أولويات خطة وطنية ثقافية جامعة تعيد الألق إلى بلدنا، وتخلق محفّزات لدور النشر والكتّاب والمفكّرين في لبنان ونجدّد بمناسبة هذا المعرض الذي يمثّل فعاليةً ثقافيةً فائقة الأهمية الإعلان أن وزارة الثقافة .وبالتعاون مع اتحاد الناشرين اللبنانيين وبالتنسيق مع جهاتٍ عربية ودولية سوف تعمد انشالله  الى تنظيم معرض دولي للكتاب في اوائل الخريف المقبل.

بورك هذا المعرض، مشكورةٌ جهود القيّمين على اقامتها، والى فعاليات ثقافية أخرى على الرغم من كل التحديّات

 

  دمتم وعاش لبنان.

_______________________________________________

كلمة وزير الاعلام زياد المكاري

 

لا ينمو الجسمُ الا بالرياضة والطعام، ولا ينمو العقلُ الا بالمطالعةِ والتفكير. هذا ما يقولُهُ مثلٌ ألمانيّ.

أمّا نحنُ في لبنان فنُضيف: الكتابُ بهجةُ الفكرِ وزادُ العقلِ ومُحرّكُ الثقافة.

يستحقُّ الكتابُ أن نحتفلَ به في مهرجان ، كما في كلِ سنة، كما تستحقُّ حركةُ أنطلياس الثقافية أجملَ تحيّة لحرصِها الدائم على هذا التقليدِ الثقافي الحضاري الذي يشكّلُ علامةً ساطعةً ومتوهّجة في ليلِ هذا الوطن.

يَضيقُ الأفقُ السياسيُّ كأنّهُ لن يتّسعَ مجدّدا، ويتّسعُ الأفقُ الثقافي كأنه لن يضيق. هذه هي المُعادلةُ - المُفارَقة في بلادي. مهما بدا المشهدُ مأزوما، هناك من يُغالبُ الأزَماتِ ويُكافِحُ الضيقاتِ ويملأُ الفراغَ بِوَزَناتٍ فكريةٍ ومحمولٍ  ثقافيّ أبديّ، هو كلّ تاريخِنا الناصع والذي سيبقى ناصعًا ويمتدُّ الى حاضرنا والمستقبل، كيف لا والحركةُ الثقافيةُ في أنطلياس هي الساهرُ الدائمُ على إرثِنا والأمينُ الحكيمُ على كتابِنا وحرفِنا الذي هو حرفتُنا؟

عندما تشتدُّ الازَماتُ وتُحكِمُ قبضتَها على وطنٍ صدّرَ الحرفَ وأسّس أعرَقَ الصروحِ التربوية، فلا بدَّ أن يأتيَ التِّرياقُ من الكتاب، ومنهُ ابتدأَ كلُّ شيء.

ونحنُ على بُعدِ أمتارٍ من عاميّة أنطلياس، وفي قلبِ مهرجان الكتاب وفي رحابِ الحركةِ الثقافية، نشعرُ بأنّنا نجمع المجدَ من أطرافِه كلِّها.

رُبَّ قائلٍ إنّ الكتابَ من عصرٍ أفَلَ، وربَّ متسائلٍ عن جدواهُ في عصرِ الرّقمَنة والتطوّر التكنولوجي الهائل والألواحِ الذكيّة والتّطبيقاتِ الغنيّة… والجوابُ واحدٌ وتلقائيّ: لا قيمةَ تُضاهي قيمةَ كتابٍ محمولٍ يكتَنزُ بين دَفَّتيهِ فِكرًا أصيلاً وليدَ بحثٍ عميقٍ وعلمٍ راسخٍ لا يجنَحُ الى سُرعةٍ أو تسرّعٍ ولا يطلبُ شهرةً أو كثرةَ متابعين. الكتابُ مقيمٌ في الوجدانِ مهما تطوّرتِ التكنولوجياتُ وتسارعتِ الأصابعُ نقرًا على الهواتفِ والألواح الالكترونية. نعم، هو مقيمٌ في الوجدانِ وإن كان على رفوفِ المكتبات، يكتفي بذاتِهِ وآدابِه وعلومهِ وتاريخِهِ. رائحةُ أوراقهِ تُزكِمُ الأنف، وملمَسُه بينَ اليدينِ يُثري الفكرَ ويُمتِعُ العينَ معًا. أوَليسَ الكتابُ أصلَ كلِّ العلومِ وأساسَ كلِّ فكر؟ هوَ الدّستورُ والقاموسُ والتاريخُ والأدبُ والثقافةُ والإنجيلُ والقرآن! الكتابُ هو كلُّ شيء. ولو لم يكُن لما وُلِدت مشتقّاتُه ومتفرِعاتُه الرقمية التي أضافت إليه ولم تُلغِه، كما يعتقدُ البعض.

اليومَ مهرجانُ الكتابِ وعرسُهُ، واليومَ نحتفلُ نحنُ ويفرحُ جبران خليل جبران ومخايل نعيمة وميشال شيحا وشارل مالك وسعيد عقل وغسان تويني وامين معلوف … وتطولُ اللائحةُ ولا ينتهي الحديثُ عن أهل القلم والفكر والعلم والكتاب.

هوذا لبنانُ الوجهُ المشرقُ والبهيّ، لبنانُ الكلمةُ والحرف، والذي سيبقى من ذَهبٍ مهما التهبتِ النيرانُ والتَهَمت، وفي النار يُمتَحَنُ الذهب.

هنيئا للحركة الثقافية في انطلياس بموسمها الفكريّ الجديد، وهنيئا لنا بهذه الحركةِ الراقيةِ وبصَنيعِها الفكريّ المُخلَّد في كُتبٍ تتّسمُ بصفةِ البقاء أبدَ الدهر. وسنكونُ كلَّ يومِ على موعدٍ معَ مولودٍ ثقافيّ جديد يُثري مكتبتَنا وتوقيعٍ يُسطِّرُ علومَنا والآداب