كلمة د. الياس كسّاب
في تكريم د.عاطف علبي
2018/3/5
بيروت التي نعرفها اليوم لم تعد تشبه بيروت عاطف علبي حيث ولد وترعرع في كنف عائلة من البرجوازية المتوسطة كما يصفها في كتاباته، مسلمة غير متزمتة تأخذ في الأسلام الدين بالعقل الى جانب النقل والتسامح في الأخذ به والوعيالثقافي، عائلة تحب الثقافة والعلم، فوالدته كانت متفوقة بالنسبة لزمانها فقد كانت تجيد الى جانب العربية التركية والفرنسية والوالد يعشق العلم وله آراء متقدمة في الحياة الأجتماعية والثقافة والتعليم، فعائلته في بيروت هي فرع لعائلة سورية كبيرة، حيث كانت تتعاطىالتجارة من الباب العريض، فالظروف العائلية والثقافية ومستواها الفكري عبّدا الطريق امامه لتقبل العروبة والتقدمية وفهم الفكر الاشتراكي نتيجة الفهم الصحيح للدين وقد ظهر ذلك جليا في كتابه الجذور الدينية للأشتراكية والشيوعية في المسيحية والأسلام.
حتى يوم عرضت عليه ادارة مدرسة الليسه العلمانية الفرنسية حيث كان يحصل تعليمه من الأبتدائي للثانوي، منحة دراسية لأن يتابع دراسة الطب، فلم يقبلها لأنه ككثير من أبناء جيله آنذاك حسب قوله أراد ان يغير العالم (طبعاً الى الاشتراكية).
هذا ما دفعه الى التوجه الى جامعة موسكو للدولة باسم"لومونوسوف" حيث حاز على دكتوراه دولة PHDفي الاقتصاد وحاز على درجة مرشح علوم اقتصادية بلقب professeur. اضافة الى شهادة في العلوم السياسية والأقتصادية من الجامعة اللبنانية.
عمل 12 سنة رئيسا للمصلحة الأقتصادية والتجارية في وزارة الزراعة وفي الوقت نفسه استاذا محاصرا في الجامعة اللبنانية كلية الحقوق والعلوم السياسية والأدارية.
له مؤلفات عديدة في الأقتصاد والسياسة والأحصاء والثروة الحيوانية وغيرها.
كل هذه المسيرة الحافلة بالعلم والثقافة والغنية بالخبرة والنضج الفكري أوصلته الى قناعة بأن بناء الأشتراكية شيء وبناء الأنسان الأشتراكي شيء آخر مجددا الأمل أن لا يكون يحلم ويصح ما يحلم به.
فبأسم الحركة الثقافية - أنطلياس نرحب بكم فردا فردا ونشكركم على حضوركم لمشاركتنا في تكريم علم من أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي الدكتور عاطف سهيل علبي ، لما قدمه للثقافة والعلم والبحث الأستراتيجي والفكر السياسي كما أعطى الجامعة اللبنانيةالتي تتمركز في عقله ووجدانه دورا وحضورا كبيرا من نشاطاته وحركته.
فبقدر محبته للثقافة، قدم جزءا كبيرا من مكتبته للحركة الثقافية تعزيزا للقراءة والأبحاث
ولن أفشي سرا ان قلت بأن الحركة الثقافية أنطلياس تربطها بعائلة المكرم علاقة مميزة قوامها الأحترام والتقدير والمحبة لا سيما شقيقه المرحوم الدكتور احمد علبي.
أيها الحضور الكريم ،
من سيتولى تقديم المكرم في هذا اللقاء ،
الدكتورة ماري ناصيف – الدبس :
______________________________________________
كلمة د. ماري ناصيف – الدبس
في حفل تكريم د. عاطف علبي
في الحركة الثقافية – انطلياس
----------------
ما أجمل الصدف التي تنقلك إلى عالم الذكريات الجميلة، حيث تزهر الصداقة ورودا تلوّن الحياة الرتيبة وتعطي للأمل معنى جديد.
كنت غارقة في تحضير المواد التي تتطلبها كتابة جزء من تاريخ الحركة النضالية التقدمية في لبنان، عبر سيرة أحد أبرز الذين تركوا بصماتهم على مسارها، أعني به خليل الدبس، المثقف الثوري والقائد الشيوعي والإعلامي المميز، يوم اتصل بي الصديق والرفيق العزيز الدكتور عاطف علبي، عارضا علّي أن أشارك في تكريمه في الحركة الثقافية – انطلياس.
أما لماذا أسوق هذه الحادثة في بداية كلمتي، فذلك لأنني، في تلك اللحظة بالذات التي تلقيت فيها الاتصال المذكور، كنت أقلب بين يدي بعض الصور القديمة التي ورثتها، ومنها ما يعود إلى خمسينيات القرن الماضي في بيروت... في إحدى تلك الصور اجتمع تلامذة صف الفلسفة في المدرسة العلمانية الفرنسية في بيروت مع أستاذ الكيمياء على ما أعتقد أمام مختبر المدرسة التي أصبحت اليوم تحمل اسم "سوديكو سكوير". بين هؤلاء التلامذة وقف خليل الدبس وأحمد علبي، الصديقان اللذان اجتمعا، منذ الصغر، فترافقا كما اجتمع قبلهما عاطف وزاهي. أما الجامع فكان بالطبع حب المعرفة والسير في طريق الثقافة التقدمية التي نهلوا بعضا منها في كنف عائلتين غير تقليديتين سعتا إلى تقديم أفضل الفرص لأولادهما عملا بالمثل القائل "العلم في الصغر كالنقش على الحجر"... والعلم هنا لا يعني التلقين والحفظ، بل ما يساعد على توسيع الأفق المعرفية، من كتب ومجلات تختزن بين دفتيها أفكارا نيّرة عن الانسان والكون والتطور. وأذكر، في هذا المجال، أني، يوم تعرفت إلى خليل وعائلته، وعبره إلى عاطف وأحمد، دهشت لأهمية وتنوع المجالات المتاحة أمام أبناء هاتين العائلتين والمتمثلة في الكتب المتوفرة في مكتبتين تتميزان بالغنى والتنوع، حيث يجاور أمين الريحاني سلامة موسى وطه حسين، وحيث تصطف دواوين الشعر القديم والحديث، لكبار الشعراء العرب والفرنسيين، إلى جانب المؤلفات الماركسية وكتب التاريخ والدين والسياسة والاقتصاد...
هذا العالم المعرفي، المجبول بدفء الصداقة التي لا تشيخ، شكّل النافذة التي رغبت في الإطلالة منها اليوم إلى عالم عاطف علبي وعائلته. وهي من العائلات القلائل التي ربطتني ببعض أفرادها صداقة متينة، فدخلت طوعا إلى عالمهم الجميل، المجبول بالألفة التي لا زالت تتجدد منذ ما يقارب خمسة عقود في كل لقاء أو حوار، أو مجرد اتصال هاتفي، أو حتى في بعض النقاشات الحادة التي دارت مرارا بيني وبين الدكتور عاطف عن مسائل سياسية أو فكرية تتعلق، مثلا، بالمشاكل التي عانى منها النظام الاشتراكي المحقق بفعل ثورة أكتوبر أو ببعض ما نعاني نحن في قوى التغيير في لبنان... إلخ.
وأود أن ألفت النظر إلى أنني، في البدء، عرفت الدكتور عاطف قبل أن ألقاه. أقول "عرفته" لأني سمعت عنه كثيرا من أفراد عائلتي الثانية، وكذلك كانت الحال بالنسبة لوالدته، السيدة مسرّة، التي لم ألقاها سوى مرة واحدة، إلا أني سمعت عنها الكثير من الحكايات الجميلة، من خليل الدبس التي تركت لديه انطباعا عميقا عن امرأة غير تقليدية، متقدمة جدا على كثيرات من أترابها، إضافة إلى كونها متحدثة لبقة ومستنيرة، تخطت العادات والتقاليد. هذه الصورة، عاد عاطف فأكدها لنا في كلمته منذ بضعة أسابيع في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي عندما تحدث عن ارتيادها ميدان الانتاج، مساعدة لوالدها في أعماله، وعن شغفها بتعلّم بعض اللغات الأجنبية وعن كونها امرأة متديّنة إنما دون تزمت، امرأة "منفتحة على العالم، بمعنى أنها تأخذ بإسلام العقل إلى جانب إسلام النقل".
في مثل هذا الجو الذي يعبق بالانفتاح والمعرفة، تربى عاطف وأشقاؤه وشقيقاته؛ لذا، لا عجب في أن يصر على التقدم أشواطا في عالم المعرفة وأن يختار حقل العلوم الاقتصادية ومتفرعاتها؛ وبالتحديد الاقتصاد السياسي؛ بل لا عجب في أن يمضي حياته كلها مستكشفا، يبحث عن الحقيقة وراء الظاهرات. أكثر من ذلك أقول أننا لا نفاجأ، ونحن نقرأ ما كتب وألّف وترجم، في أن يكون متعدد الكفاءات، متنوّع العطاءات، منفتحا على الآخر دون تزمت أو صور نمطية مسبقة.
وعاطف – الانسان لم يتأثر فقط بأجواء الانفتاح العائلي بل تجدر الإشارة إلى أنه عاش كذلك، إبان دراسته ما قبل الجامعية، في مدرسة غلب عليها طابع العلمانية، وكان أساتذتها - بمن فيهم بعض الفرنسيين – يسلكون طريق التقدم ويتخذون من الديمقراطية نهجا لهم. ولا ننسى كذلك أنه حصل على شهادته الجامعية الأولى من الجامعة اللبنانية، الوطنية بامتياز، والت تأسست بفعل كفاح القوى التقدمية كما يدل على ذلك شهيدها الأول فرج الله حنين. ولا ننسى، أخيرا، أنه تابع في ما بعد تحصيله العلمي في الاتحاد السوفياتي، بلد الثورة الاشتراكية الأولى التي غيّرت وجه التاريخ ولا تزال. وهذا الترابط بين المجتمع الداخلي الصغير الملتف حول مسرة، الأم غير التقليدية، والمجتمع الخارجي الأوسع والمنفتح على دنيا العلم والعلمانية كان له، بحسب اعتقادي، أكبر الأثر في التكوين النفسي والأيديولوجي اللاحق، وفي ما نتج عن ذلك من دراسات تبرز بوضوح تعدد الكفاءات التي تميزه.
فعاطف علبي هو، أولا، الخبير في الجغرافيا الاقتصادية والسياسية التي كتب فيها ودرّس لسنوات طويلة في الجامعة اللبنانية. وكتابه الأساس "الجغرافيا الاقتصادية والسياسية والسكانية والجيوبوليتيكا" يتميز، كما جاء في ملخص محتوياته، بتناول موضوع الجغرافيا من خلال ما يسميه "المنهج العلائقي"، الذي يجمع معا الاقتصاد والسياسة وعلم السكان، كما يستند إلى العلاقة الجدلية التي تربط المجتمع بالطبيعة، والتي تؤمن استمرار الوجود. يضاف إلى ذلك ما طرحه الكاتب، في معالجته للواقع الاقتصادي العربي، من علاقة بين البناء التحتي، أي القاعدة المادية، الاقتصادية، للعالم العربي – هذه القاعدة المبنية عموما على الريع دون الانتاج – والبناء الفوقي السياسي والأيديولوجي (بما في ذلك دور الدين)، ليستنتج من خلال التحليل والربط بين البنائين ضرورة التغيير فيهما باتجاه خلق اقتصاد منتج، من جهة، وأنظمة ديمقراطية علمانية تطور قوى الانتاج في ظل سياسات التنمية الضرورية، من جهة ثانية.
وعاطف علبي هو أيضا الخبير في التغذية والغذاء عمليا ونظريا. عمليا، عبر الدور الذي اضطلع به لمدة طويلة في ملاك مكتب الانتاج الحيواني؛ ونظريا، عبر الدراسات والكتب التي تضمنت موقفا واضحا من ضرورة تطوير الزراعة كقطاع منتج يعتمد على مدخوله ثلث المواطنين في لبنان، كما تضمنت موقفا واضحا من مسألة الحفاظ على صحة الانسان والبيئة. ونذكر هنا، للأهمية، أن الباحث في مجال الزراعة في لبنان، لا بد وأن يكون في مكتبته كتاب "الغذاء والتغذية والثروة الحيوانية في لبنان" أو كتاب "اقتصاديات الثروة الحيوانية في لبنان" الصادر عن معهد الإنماء العربي.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يكتف يوما بأن يكون الاقتصادي والخبير والأستاذ الجامعي، فالمثقف لا بد أن يكون متعدد الأوجه والمواهب... وهكذا كان. غير أن تنوع الموضوعات والكتب واتساع القضايا الفكرية والأيديولوجية والمعرفية المثارة يدفعني باتجاه الاكتفاء برسم إشارات سريعة لما كتب وناقش، إذ لا يمكن في هذه العجالة التطرق إلى كل ما كتب وترجم.
لذا، وبالإضافة إلى ما سبق وذكرته عن الكتب الاقتصادية، سأشير سريعا إلى ثلاثة كتب أساسية من مجموعته:
أول هذه الكتب صدر في العام 2002 تخت عنوان "أضواء على التسامح والتعصّب". في هذا الكتاب يناقش عاطف علبي مرحلة العولمة التي تلت سقوط التجربة المحققة للاشتراكية والتي تميزت بشعارات تتحدث عن صراع الثقافات، داعيا إلى التسامح بديلا للتعصب والى الحوار بديلا للصراع والحروب. ولو أن الشعوب العربية تنبّهت إلى ما قاله، لكنا تلافينا الكثير من المصاعب والمصائب التي أصابتنا.
ثاني تلك الكتب هو "المنهج المقارن، مع دراسات تطبيقية"، الصادر في العام 2006، حيث يقدّم عاطف عرضا مستفيضا لماهية هذا المنهج، كما ويركز على أهميته كونه يسمح للباحث أن يستند إلى حرية التفكير والاختيار في تحديد الظاهرات وعوامل النسبية في تطورها، إضافة إلى أنماط العلاقة التي تنشأ بين هذه الظاهرات.
أما ثالث هذه الكتب، الصادر في العام 2009، فيحمل اسم "الحضارة العربية الاسلامية: دورها في تكوين الحضارة الأوروبية". وقد ذكّرني هذا العنوان كما محتويات الكتاب بما جاء في العديد من كتب المستشرقين والمستعربين الغربيين عن الحضارة العربية، الأندلسية على وجه التحديد، وأخص بالذكر هنا كتاب خوان فيرنيه VERNET Juan الذي صدر في العام 1979 تحت عنوان "ما تدين به الثقافة لعرب اسبانيا"، كما ألفت النظر إلى ما كتبته أنا شخصيا في معرض دراستي لمجنون إلسا للشاعر الكبير لويس أراغون في العام 2002. واسمحوا لي أن أستعبر ما قاله ناشر الكتاب في التعريف عن محتوياته.
يقول: " من بغداد الى طليطلة، مروراً بدمشق في سوريا وبلرم في صقلية، طريق طويل يمتد على مسافة حوالي ثمانية آلاف كلم، انتصبت على أطرافه عواصم الحضارة العربية الإسلامية، التي شكلت الجسر الحضاري، الذي حمل الى الغرب الأوروبي في القرون الوسطى نور الشرق العربي الإسلامي. في بغداد أخذت الحضارة العربية – التي غدت إسلامية – بالتعريب عبر السريانية – عن اليونان والبيزنطيين والفرس والهنود وغيرهم، وهضمت كل ذلك حتى تمثلته بحيث أنتجت، من أجل تلبية ضرورات تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، في إطار دولة غدت إمبراطورية، أنتجت حضارة عربية إسلامية شكلت الرافد الذي طعّم الحضارة الأوروبية - بالترجمة الى اللاتينية - بحيث حصل الانبعاث في ما بعد نتيجة تطورات شتى ومن ثم التنوير فالثورة الفرنسية ونهضة العصر الحديث التكنولوجية. هذا هو المخطط البياني، إن جاز التعبير، لمضمون هذا الكتاب، الذي بقراءته تستضئ هذه العواصم، التي حفظت بتراثها تاريخ الشرق العربي الإسلامي، الذي أسهم في تكوين الحضارة الأوروبية وحتى العالمية، وذلك بشهادات العديد من المفكرين الأوروبيين".
عزيزي عاطف.
أرجو أن أكون قد وفقت في الإنارة على بعض ما ألّفت ونشرت. يبقى أن أقول لك أنك والعزيز الراحل أحمد كنتما جزءا من عائلتنا بالقلب والفكر. وستبقيان كذلك.
بيروت في الخامس من آذار 2018
_________________________________________
الدكتوراه والجامعة
الدكتور عاطف عُلَبي
الدكتوراه ليست نهاية المطاف، بل على العكس تماماً هي بداية المطاف في المشوار الجامعي الأكاديمي الطويل والذي يفترض أنه لا ينتهي إلا بانتهاء الحياة، بمعنى حتى بعد التقاعد عن العمل الجامعي.
الدكتوراه ليست غاية بحد ذاتها بل تأشيرة دخول الى الجامعة (على الأقل في بلادنا، وفي الجامعة اللبنانية بالذات)، يفترض بصاحبها أن يعلقها على الحائط في منزله وينساها. ومن ثم يبدأ رحلة البحث الأكاديمي الذي يتناسق والمادة المتخصص بها في الكلية التي يعمل فيها.
لقد ولى زمن كان يقال فيه أن الدكتوراه توازي لقب "بيك". في سوريا كان الحاصل على الدكتوراه يُقال له "دكتوربيك". وقرأت في شبابي في إحدى الكتب "الدكتور طه حسين بيك".
المفكرون الحكماء الكبار يستوعبون هذا اللقب دكتور ويطغى عليه مجرد اسمهم: إدوارد سعيد، إنكلز، فرويد.... إلخ. الرئيس الحص لا يكتب أنه دكتور، أو رئيس وزراء على أوراقه الخاصة.
لذلك فالدكتوراه ليست نهاية العالم كما لدى الكثير من الزملاء في الجامعة. على بعد أقل من مترٍ من بعضهم البعض ينادون بعضهم بلقب دكتور! إنه المضحك - المبكي مجلة "البعكوكة" في مصر.
إذا كانت الدكتوراه في لبنان جواز دخول الى الجامعة، ففي العالم مقاييس أخرى ليصبح الإنسان جامعياً ويحظى بالعيش الأكاديمي في حرم الجامعة.
في فرنسا لإمكانية التدريس في كليات الحقوق يجب الحصول، الى جانب الدكتوراه على "الأغريجه" (ِAgrégation)، وفي كلية الآداب على أنه أنهى "Ecole Normale Supérieure"، وفي الهندسة على أنه خريج "Ecole Centrale".
هناك أشخاص تفوقوا كثيراً على لقب الدكتوراه مثل ماكسيم رودانسون المشهور في الدراسات الإسلامية والذي اختُرع له لقب "دكتوراه على الأبحاث". كذلك في انكلترا دكتور علوم "D.S" وهي تُمنح لأي شخص يقدم أعماله، إذا حصلت الموافقة عليها بهذا اللقب.
إذاً يفترض في الأستاذ الجامعي أن يستمر في البحث والدراسة أثناء حياته الجامعية. والجامعات التي تحترم نفسها توجب على الأستاذ أن يقوم سنوياً ببعض الأبحاث أو الدراسات، وهذا أمر طبيعي.
كما على الأستاذ الجامعي أن يطوّر محاضراته وأن لا يبقيها على ما هي عليه لفترة طويلة من الزمن فتتحنط. فالحياة في تطور، وكذلك النظريات والآراء والتي يفترض أن تنعكس في المحاضرات المواكبة لمتغيرات العصر.
أذكر أنه كان في لبنان أستاذ حقوق مشهور هو "Chevalier". معظم محامي ذاك الزمان يحتفظون بمحاضراته. عندما عاد الى فرنسا، بعد عدة سنوات، سُمح له بنشر محاضراته.
طبعاً هذا لا يعفي الأستاذ الحامعي من المقالات والدراسات والأبحاث والمحاضرات التي تنشر في مختلف المجلات المتخصصة.
هذا، وفي إطار الحرم الجامعي يفترض القيام بنشاطات مشتركة: مؤتمرات حول مختلف المواضيع: السلام، العنف ومحاربته، القضية الفلسطينية، حقوق المرأة، الإرهاب إلخ... يشارك فيها مختلف الأساتذة. وذلك على اعتبار أن الجامعة ليست مجرد إدارة من إدارات وزارات الدولة.
الجامعة لها خصوصيتها واستقلالها، لاسيما الأكاديمي، المفترض أن يحُترم ويبعد عنه السياسيون ولايجوز أن تشمل الجامعة كباقي إدارات الدولة، بالمحاصصة السياسية كما هو واقع الحال.
هناك الكثير من الأمور في الحياة الجامعية: المكتبات، المختبرات... إلخ. والتي يفترض أن تحظى بالعناية الفائقة، لاسيما في عصر التكنولوجيا المتطورة بسرعة البرق في العصر الذي نعيش.
يفترض أن يكون هناك فسحة للحياة الجامعية "Campus" لا أن تعلق ورقة نعوتك يوم تغادر الجامعة ولا يعاد يتصل بك على الإطلاق.
لماذا يتصل بك وليس هناك من نشاطات اجتماعية وثقافية أكاديمية في الجامعة؟!
من المؤسف أن هناك أساتذة يشرفون على ديبلومات وحتى أطروحات وليس لديهم كتابات بمعنى كتب وحتى مقالات. هل هذا معقول؟!ّ نعم لأن القانون يسمح بذلك.
هناك الكثير من حملة الشهادات والقليل القليل من المثقفين. والمؤسف أن الوصول الى المديرية والعمادة لا يحتاجان الى عتاد أكاديمي.
هناك من يرون في العمل الجامعي دخلاً مربحاً وفيه ضمانات صحية واجتماعية. لذلك تراهم ينصرفون الى اعمال أخرى (دار نشر، محطة بنزين، تجارة... إلخ.).
هذا لا يجوز وهو مخالف للقوانين المرعية الإجراء.
لكن لا حياة لمن تنادي.
الجامعة درة العمل ولا يجوز تعاطي أي عمل خارجها لأنه يحول دون تطور الأستاذ الجامعي أكاديمياً ويجمّده ويحجّر عمله.
تكلمنا حتى الآن عن الأستاذ الجامعي الحائز شهادة الدكتوراه. أما مصير الدكتوراه في الجامعة اللبنانية فله حديث آخر هو التالي بإيجاز.
حسب رأينا، يفترض أن يحصل من يرشح نفسه لنيل درجة الدكتوراه على علامة 14 من 20 في الديبلوم. كما على الطالب هنا أن يجيد الى جانب العربية لغة أجنبية، بحيث يتمكن الى جانب استعمالها في الإفادة من المراجع يتمكن من الكتابة بها والتدريس بها كذلك، وأيضاً الترجمة عنها الى العربية.
لذلك يفترض الى جانب الدراسة في الإعداد للدكتوراه ترجمة نص من حوالي 100 صفحة من هذه اللغة التي يجيد. كما عليه أن يعرف لغة أجنبية ثانية للإفادة كمرجع في كتابة الأبحاث.
هل هذا كثير؟!
الواقع أن الدكتوراه هي لمن يرغب في العمل في الإطار الأكاديمي. أما من يريد أن يلحق بسوق العمل الاقتصادي بأشكاله المختلفة فيكتفي بالليسانس أو الماجستير.
في سوق العمل لا يريدون من هو متفوق وحاصل على دكتوراه. يفضلون عليه حامل الماجستير فقط.
أحد الزملاء يسمي الدكتوراه ترف فكري يجب تحمّل عقباتها لصالح من يريدها ولصالح الجامعة.
لم أتبسّط كثيراً في هذا الشق من الموضوع. وأختم بقصة تقييم الأساتذة لأطروحات بعضهم البعض.
لا أدري لحسن حظي أو سوئه أتممت، برغبة الدراسة المقارنة، دراستي العليا في زمن الاتحاد السوفييتي في موسكو.
معرفتي اللغة الروسية جعلت إدارة الجامعة ترسل لي "خاص وسري جداً" بعض أطروحات الأساتذة للتقييم. مع ذلك يُفتح المغلف من قبل الإدارة.
هذا الصيت لحقني حتى بعد أن أصبحت على التقاعد وظلت إدارة الجامعة على عادتها في الاتكال عليّ، بحيث أضطررت لأقول "لا" لأسباب صحية.
مع ذلك، في أحد الأيام، زارني في البيت ثلاثة أساتذة يريدون تقييم أطروحاتهم. عندما فتحت الباب عرّفوا عن أنفسهم وقالوا أنهم مستعدون دفع ما أريد وأن أقيّم لهم أطروحاتهم. فعجبت وقلت لهم لولا أنكم على عتبة داري لطردتكم. أثناء شربهم القهوة، أفهمتهم أنني لا أستطيع تقييم الأطروحة إلا عن طريق الإدارة الجامعية بشكل رسمي. فذهبوا ولم يعودوا. إلا أن أطروحة أحدهم ربما أتتني عن طريق الجامعة، فاعتذرت عن الأمر لأسباب صحية.
هل هذا معقول؟ّ! يعرضون على زميل لهم المال لتقييم أطروحاتهم؟!!
لا أريد أن أختم على هذا النغم الحزين، وآمل أن يعود الى الجامعة مثيل الفريق الذي بدأها في الشويفات من أمثال حسن مشرفية وتقي الدين وسلهب وبدورة وغيرهم. ولم يكونوا في معظمهم دكاترة إلا في العمل والإبداع لأجل الجامعة.
نفسي أن يتحقق هذا الحلم الذي هو بالقوة الى الفعل الى ما في بدء بنائها في الشويفات. ألا يحق لنا أن نحلم كي نهرب من كابوس العيش الحالي؟!
وأختم قائلاً: التحدي ينبت القوادم في أجنحة الحلم، الذي يحلّق عندها مرافقاً النسور في أعالي الجبال. نفسي أن يصبح حلماً بجامعة لبنانية بكل ما في الكلمة من معنى حقيقة واقعية.