المهرجان اللبناني للكتاب – السنة الثامنة والثلاثين

مداخلة د. عصام خليفة في يوم

تكريم الدكتور نجيب عيسى

الاثنين 11 آذار 2019

          عالِمٌ متعمق في معرفة قضايا الاقتصاد والمجتمع،

عقل متنور ملتزم بحقوق الانسان وقلم مكافح لإصلاح الاقتصاد وانماء المجتمع.

          باحث اكتنه أهمية التعليم عموماً والتعليم العالي خصوصاً في عملية الانماء والتقدم.

          أكاديمي تسلم اعلى المسؤوليات في الجامعة اللبنانية فكان استمراراً للكبار الذين حققوا نهضة هذه المؤسسة.

انسان متواضع، هادئ ورصين، منفتح ومحاور ولبق وبعيد عن مظاهر التعصب، هذا بعض من مميزات علم الثقافة الدكتور نجيب عيسى الذي تتشرف الحركة الثقافية – انطلياس ان تكرمه في دورة المعلّم بطرس البستاني ضمن المهرجان اللبناني للكتاب.

أولاً: العالِم المتعمق في معرفة اقتصادنا ومجتمعنا:

لقد كان عنوان أطروحة دكتورا الدولة التي نال عليها علمنا درجة جيد جداً، من جامعة باريس، "البنى الاقتصادية الراهنة وسياسة التنمية الصناعية"، هذه الاطروحة كانت المدخل لمئات الأبحاث والدراسات التي انكب على صياغتها لاحقاً. لقد اهتم بالإنماء الاقتصادي للبنان، وقضايا التنمية البشرية، وقضايا البطالة، وسياسات التخفيف من الفقر. توقف عند قضية التنمية في جنوب الوطن وفي كل المناطق. عالج اثار التهجير على الواقع الإنمائي، ودور البلديات في عمليات الانماء. لاحظ عمالة الأولاد وطرح الخطط لدعم وتطوير وزارة الشؤون الاجتماعية، واعداد استراتيجية وطنية للاستخدام في لبنان. تطرق للبعد العربي للاقتصاد اللبناني، فكان طبيعياً ان يعالج أوضاع الديمغرافية الفلسطينية واليد العاملة السورية وانعكاس حرب الخليج على اقتصادنا وكذلك قضايا المياه.

درس الأوضاع المالية التي يتخبط بها اقتصادنا ودق جرس الإنذار مبكراً: لا غنى من اصلاح جذري للنظام الضريبي، بعد ان حلل مشاكل التضخم من جوانبها البنيوية. دعا دائماً لدعم الصناعة والزراعة للحد من الهجرة ولمواجهة مشاكل البطالة والفقر.

هذا العالِم المتعمق في فهم اقتصادنا ومجتمعنا لم يكن مثقفاً نظرياً، وانما تحرك، خارج إطار محاضراته الجامعية، الى التوعية الإعلامية والى دعم القوى النقابية الساعية لمواجهة السياسات الخاطئة. وكل العاملين في الوسط النقابي يقدّرون جهده مع زملائه (غسان شلوق وبشارة حنا وغسان صليبي) الذين شاركوا في وضع اول دراسة للاتحاد العمالي العام عن الاستهلاك، وكانت من اهم الدراسات الموضوعية التي وضعت اثناء حروبنا العبثية.

كما انه شارك في 30 دورة لإعداد كوادر النقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية. وساهم في أكثر من مئة مؤتمر واجتماع حول مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية في لبنان والبلاد العربية.

ثانياً: التعليم العالي بين النظرية والتطبيق:

لقد درس الدكتور عيسى مسائل التعليم العالي من عدة جوانب:

-         الدولة وسياسة التعليم في لبنان

-         كلفة التعليم العالي

-         التعليم العالي وسوق العمل في لبنان

-         بعض الجوانب المالية للتعليم العالي

-         العلاقة بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية

-         خريجو التعليم العالي في لبنان وسوق العمل

-         مناهج جديدة لتدريس مادة الاقتصاد

-         التعليم العالي وأسواق العمل المعولمة.

وبموازاة تعمقه في الأبحاث مارس علمنا التدريس والإدارة في الجامعة اللبنانية وكان يعرف ان العلاقة بين التعليم والبحوث هي من الأمور الأساسية لتأمين جودة التعليم العالي وفعاليته.

في معهد العلوم الاجتماعية درّس منذ العام 1973، وكان زميلاً لـ رينه حبشي وتوفيق توما وصادر يونس وبطرس لبكي وغيرهم من الكبار أمثال جاك بيرك الذي ساهم في وضع مناهج هذا المعهد. ومن المواد التي أوكلت اليه: الاقتصاد السياسي، علم الاجتماع الاقتصادي، اقتصاديات التنمية، اقتصاديات لبنان والبلاد العربية، السياسات الاجتماعية.

وفي أواخر السبعينات واوائل الثمانينات عين مديراً لمعهد العلوم الاجتماعية – الفرع الأول. وفي تشرين الثاني عين عميداً لكية العلوم الاقتصادية وإدارة الاعمال.

لقد كان محط احترام تلاميذه لأنه كان صاحب أساليب جديدة في التدريس. كان صاحب ضمير مهني شفاف ولم يتقاعس يوماً عن القيام بواجبه رغم مصاعب الحرب. وفي ادارته للمعهد وللكلية كان يحترم القانون ويؤمن بالعمل الجماعي ويتعاون مع رؤساء الأقسام والأساتذة ويحترم العمل النقابي. ولقد حاول ان يحافظ قدر إمكانه على استقلالية الجامعة. وفي 24 شباط 1986 قدّم استقالته من العمادة بعد أربعة أشهر من تعيينه. وذلك احتجاجاً على محاولات التدخل في قضايا الكلية.

وهكذا حسم د. نجيب عيسى خياره: لقد انحاز الى جانب القانون والمستوى الأكاديمي المرموق والى الجامعة، في مواجهة الخروج على القانون والمستوى الأكاديمي الملتبس. استشرف علمنا بضميره الحي، واحساسه العالي بالمسؤولية، وشجاعته الأدبية، ما سيحل بالجامعة إذا تسلل الى هيئتها التعليمية من يشك في شهاداتهم واهليتهم الاكاديمية.

في موقفه هذا كان استمراراً لتراث ادمون نعيم وحسن مشرفية ومحمد المجذوب، وغيرهم من الكبار الذين بنوا مجد هذه الجامعة. اجل لقد حاول ان يحافظ على جودة التعليم في الجامعة التي امنت الترقي الاجتماعي لآلاف الخريجين من أبناء كل الطوائف المحدودي الدخل وبخاصة من الطائفة الشيعية الكريمة.

لقد آمن علمنا ان التسيير الذاتي والإدارة الجماعية والقيادة الاكاديمية المناسبة تعد من العناصر الأساسية لتمتع مؤسسات التعليم العالي باستقلال ذاتي حقيقي.

لقد رفض العميد أوامر اهل الحل والربط، في ذلك الزمن، بانجاح أسماء معينة، كما رفض الخروج على القانون في شؤون التعيين والترفيع والتعاقد.

ورغم تمسك اداتنا النقابية – أي رابطة الأساتذة المتفرغين – بشعار (احترام القانون في الجامعة) واحترام شعار استقلال الجامعة وحريتها الذاتية في تدبير شؤونها الداخلية، في اطار المساءَلة والشفافية، فقد تمكنت قوى نظام الحرب من الاطباق على الجامعة الوطنية ووضع اليد على مفاصلها، الامر الذي أدى الى تراجعها في منافسة الجامعات الخاصة (كان طلابها يشكلون 60% من طلاب التعليم العالي أوائل تسعينات القرن الماضي، وهم يشكلون حالياً 34% من طلاب التعليم العالي!!)

ثالثاً: نجيب عيسى الانسان:

ما التقيت بعلمنا، بحكم مسؤولياتي النقابية، الا شعرت بدماثة خلقه، وهدوئه اللافت، ورصانته وبعده عن الغوغائية لقد كان باستمرار انساناً منفتحاً، ومحاوراً لبقاً، وعقلانياً يمقت التعصب ويطمح لبناء مجتمع المعرفة والعدالة. ولكنه، رغم الدماثة والهدوء، هو صاحب موقف صلب وشجاع، اذا تعلق الأمر يتخطي بعض القيم الكبرى التي يعتبرها أساسية في مجال جودة التعليم، او في مجال استقلال الجامعة واستقلال الوطن.

أيها الصديق،

ها هي جامعتنا تترنح وتتجه للانهيار بسبب التجاوزات التي حملتك يوماً الى الاستقالة من عمادة كلية الاقتصاد وإدارة الاعمال. وها هي "بوتيكات" التعليم العالي كما سماها صديقنا د. غسان سلامة تزيد عن 52 جامعة – بوتيك.

لكن قدرنا ان ندافع عن الجامعة اللبنانية لكي تبقى معقلاً للتفوق، ولكي تعطي أبناء شعبنا من كل المناطق جودة التعليم لكي يساهموا في ورشة الانماء الحقيقي ولكي يبنوا مداميك الاستقلال لدولة بناها لنا اباؤنا منذ مئة عام تقريباً.

فباسم الحركة الثقافية – انطلياس نتشرف بتكريمك علم ثقافة في لبنان والعالم العربي في دورة المعلّم بطرس البستاني ونتمنى لك استمرار العطاء.

____________________________________

 

تكريم نجيب عيسى

مداخلة الدكتور بطرس لبكي

تكرم الحركة الثقافية اليوم العميد الدكتور نجيب عيسى (رغم انه لا يحب الألقاب).

ويشمل هذا التكريم ثلاثة وجوه لنجيب عيسى.

اولاً : نجيب عيسى الانسان.

ثانياً : نجيب عيسى العالم الاقتصادي.

ثالثاً : نجيب عيسى العالم والمثقف المرتبط بقضايا شعبه.

 

اولاً: نجيب عيسى الانسان

نجيب عيسى من مواليد شقرا – قضاء بنت جبيل عام 1944 وهو متزوج من الدكتورة نهوند القادري وهي أستاذة في كلية الاعلام ولهم ثلاثة أولاد : ناجي، ليلى، وهادي.

نجيب عيسى وهو من كبار علماء الاقتصاد في لبنان وتبؤ مراكز مرموقة الى جانب كونه رجلاً مبدائياً صلباً، هو انسان شديد التواضع قليل الكلام نسبياً في المجتمعات وديعاً طيباً ومحباً.

وفياً لأصدقائه، لا يطعن بالظهر، بل يواجهه وجها لوجه.

عرفته هكذا منذ ان التقينا المرة الأولى في مطلع السبعينات من القرن الماضي عندما كان يهم بالعودة الى لبنان بعد استكماله دراسته الاكاديمية بمدينتي ليون وباريس.

فمعرفتي بنجيب عيسى بدأت قبل ان نكون زملاء في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية عام 1974 وفي فترة الزمالة التعليمية وقبلها وبعدها نمت بيننا صداقة متينة لم تضعف رغم الابتعاد الجغرافي القسري الذي سببته الحروب المتعددة الجنسيات (1975-1990). أضف الى عنصر الصداقة والزمالة التعليمية، المشاركة في جمعيات علمية ومهنية لبنانية وعربية وفي ندوات ومؤتمرات.

نجيب عيسى هو علم من اعلام علم الاقتصاد في لبنان كما سنرى، لكنه عالم متواضع ككل العلماء الحقيقيين، دمث الاخلاق لكن صلب متمسك بمبادئه ولا يساوم على قناعاته ولو كانت الكلفة عالية.

هذا الانسان العالم درس على يد معلم الضيعة وفي المدارس الرسمية في النبطية ثم في بلدته شقرا حتى نال الشهادة الابتدائية (سرتفيكا) في رسمية شقرا عام 1954. والتحق بعد ذلك بالكلية الجعفرية في صور. حصل فيها على الشهادة المتوسطة (البريفيه) سنة 1958. وانتقل بعد ذلك الى كلية المقاصد الإسلامية (في الاشرفية – بيروت) حيث حصل على الشهادة البكالوريا القسم الأول (علوم) عام 1960 وانتقل بعدها الى ثانوية الطريق الجديدة الرسمية ونال فيها البكالوريا القسم الثاني – رياضيات عام 1961. انتقل بعد ذلك الى مدينة ليون في فرنسا حيث نال إجازة في العلوم الاقتصادية في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية في جامعتها عام 1966.

كما نال دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاقتصادية في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية جامعة ليون عام 1968.

وانتقل بعد ذلك الى باريس حيث درس الديمغرافيا (علم السكان) في معهد الديمغرافيا في جامعة باريس ونال منه دبلوم الديمغرافيا العامة عام 1970. وكان في موازاة الديمغرافيا قد تسجل في جامعة باريس الأولى بانتيون – سوربون ونال منها شهادة دكتوراه دولة العلوم الاقتصادية (تقدير جيد جداً) بأطروحة موضوعها : "البنى الاقتصادية الراهنة وسياسة التنمية في لبنان : إمكانات وحدود التنمية الصناعية" وذلك عام 1973.

عاد بعد ذلك الى لبنان حيث جرى التعارف بيننا، بواسطة الصديق المشترك، الاقتصادي الدكتور هشام البساط. ثم التحق بمعهد العلوم الاجتماعية اللبنانية في تشرين الثاني 1973 كمتعاقد متفرغ، حيث كنت ادرس منذ 1972.

بعد 5 سنوات، عام 1978 عين نجيب عيسى مديراً لمعهد العلوم الاجتماعية (الفرع الأول). ونال عام 1982 رتبة الاستاذية. ثم عين في تشرين الثاني 1985 عميداً لكلية العلوم الاقتصادية وإدارة الاعمال في الجامعة اللبنانية واستقال من هذا المنصب في شباط 1986 رفضاً للضغوط السياسية التي كانت تمارس عليه لتعديل نتائج الامتحانات وغيرها من الضغوط.

وكان هذا الموقف في اوج سيطرة الميليشيات على غربي العاصمة حيث مركز الكلية وسكن نجيب عيسى وهو موقف يدل على صلابة وشجاعة واستقامة وعدم استعداد للمساومة على مقتضيات القانون وضميره المهني والوطني وهو من دلائل الصلابة التي ذكرتها سابقاً وهي صلابة هادئة لكنها غير مساومة.

دخل نجيب عيسى كما مئات عدة من الأساتذة الى ملاك الجامعة اللبنانية عام 1988.

وكلف بمهام أستاذ محاضر في كلية القيادة والاركان التابعة للجيش اللبناني، واشرف على تحضير رسائل في معهد التعليم العالي – منهاج دورة الأركان وذلك عامي 1997-1999.

درس نجيب عيسى مواد عديدة في اطار معهد العلوم الاجتماعية : الاقتصاد السياسي، علم الاجتماع الاقتصادي، اقتصاديات لبنان والبلدان العربية، سياسات اجتماعية، كما اشرف على العديد من رسائل دبلوم الدراسات العليا واطروحات الدكتوراه. وتقاعد عن التدريس عام 2008.

 

 

ثانيا: نجيب عيسى العالم الاقتصادي

فبالإضافة الى التعليم والاشراف على الأبحاث، مارس نجيب عيسى دوره كاقتصادي في مجالات عديدة:

في مجال الاستشارات الاقتصاديةعمل نجيب عيسى مع مؤسسات عديدة : وزارة التصميم العام، وزارة الاقتصاد والتجارة ورئاسة الجمهورية، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة لغربي آسيا، الاتحاد العمالي العام، مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية، شركة باكتل ودار الهندسة، مركز الدراسات الاستراتيجية للبحوث والتوثيق، دار التنمية، مكتب العمل الدولي، اللجنة الوطنية المكلفة لتحضير القمة العالمية حول التنمية الاجتماعية في كوبنهاغن، برنامج الأمم المتحدة الانمائي (مكتبي بيروت ودمشق). المكتب الإقليمي للاونسكو، المركز التربوي للبحوث والانماء، اليونيسيف (صندوق الأمم المتحدة للطفولة)، الجامعة الإسلامية في لبنان، وزارة المالية، المؤسسة الوطنية للاستخدام، حكومة سلطنة عمان، المؤسسة الأوروبية للتدريب، صندوق الأمم المتحدة للسكان، وزارة الشؤون الاجتماعية، المجلس الوطني للبحوث العلمية، مجلة "الفهرست"، مجلة "الفكر العربي الاستراتيجي"، "النشرة السكانية للأنسكو، مجلة "ابعاد"، مركز دراسات الوحدة العربية، مؤسسات الامام الصدر.

 

في المشاركة في اكثر من مئة مؤتمر وندوة واجتماع خبراء وورشة عمل حول مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية في لبنان والبلدان العربية. والمشاركة كمحاضر ومدرب في اعداد كوادر لنقابات عمالية واتحادات مهنية ومنظمات غير حكومية.

 

في الانتساب والمشاركة في جمعيات علمية كالجمعية العربية للبحوث الاقتصادية والجمعية اللبنانية للاقتصاد، والجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع.

 

في التأليف والنشر:

نشر نجيب عيسى ستة كتب  :

- "نموذج التنمية في الخليج والتكامل الاقتصادي العربي" – معهد الانماء العربي – بيروت 1976.

- "مدخل الى دراسة التكتلات الاقتصادية في بلدان العالم الثالث" (بالاشتراك مع د. عبد الهادي يموت) – معهد الانماء العربي – بيروت 1978.

- النفط والمجال الاقتصادي العربي : دراسة في الابعاد التكاملية لانماط التنمية في الأقطار العربية" – معهد الانماء العربي – بيروت 1991.

- "القوى العاملة وسياسة العمالة في لبنان" – المركز اللبناني للدراسات – بيروت 1997.

- "اطار استراتيجي لمكافحة البطالة في لبنان" – المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، بيروت 2011.

- "سوق العمل وأزمة التشغيل في لبنان، اقتصاد المعرفة كمدخل لاستراتيجية الخروج من الازمة" – دار الفارابي – بيروت 2018.

ونشر تقارير ودراسات كتبها أو ساهم بصفة خبير اقتصادي بأكثر في عشرين دراسة ونشر 38 دراسة ومقالاً في مجلات وصحف وقدم 64 بحثاً وورقة لمؤتمرات وندوات علمية في لبنان والأردن والمغرب.

 

ومن الجدير بالذكر تنوع المواضيع التي عمل عليها نجيب

عيسى باحثاً واستشارياً ومحاضراً وكاتباً : اذكر منها:

- الصناعة والتصنيع

- التنمية

- العمالة والبطالة وتخطيط القوى العاملة، عمالة الأولاد، الاستخدام التشغيل والتنمية البشرية.

- سوق العمل والتدريب.

- التعليم بمختلف مستوياته وفروعه وسوق العمل وكلفة التعليم.

- السكان في لبنان وفلسطين والموارد البشرية

- قضايا الاقتصاد الكلي (Macro économie): تطوره، إصلاحه، الخصخصة

- التنسيق الاقتصادي العربي

- الفقر تحديده ومكافحته، واحوال المعيشية

- التنمية الاجتماعية

- التنمية البشرية

- دعم وتطوير الأجهزة المتعلقة بالشؤون الاجتماعية والعمالة وعدة لجان وطنية.

- مفاهيم تعليم الاقتصاد في المرحلة الثانوية

- تخطيط السياسة البحثية في مجالات علوم الانسان والمجتمع.

 

ثالثاً: نجيب عيسى العالم المثقف المرتبط بقضايا شعبه

ومن الملاحظ ان الكثير من هذه المواضيع التي عالجها مكرمنا لها علاقة مباشرة بالمضمون الإنساني للاقتصاد مما يلقي الضوء على اهتمام نجيب عيسى الخاص بهذا الجانب.

علينا ان نلاحظ تغطية نجيب عيسى عبر عمله لعدة دول عربية : لبنان، فلسطين، سوريا، اليمن، عمان. كما للتنسيق الاقتصادي العربي.

فارتباط عمل نجيب عيسى بقضايا شعبه يبرز من خلال اهتماماته البحثية والاستشارية والكتابية :

بدأ نجيب عيسى يهتم بقضايا الصناعة والتصنيع في لبنان وهي القضايا الأساسية من اجل تنمية مستدامة وعادلة منذ قبل الستينات في القرن الماضي.

وعالج ايضاً قضايا الاقتصاد الكلي تطوره إصلاحه وقضايا الخصخصة وهي قضايا كلها طرحت مع صعود الموجة النيوليبيرالية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بدفع خاص من المؤسسات المالية والنقدية العالمية، وكانت طروحات جدلية بين الاقتصاديين وضمن الرأي العام وبين التيارات الفكرية والسياسية.

ثم انكب على قضايا السكان والموارد البشرية في لبنان ومنها انتقل الى دراسة الفقر واحوال المعيشية، مع تفش ظاهرة الفقر نتيجة السياسات النيوليبيرالية التي سادت في العقود الأخيرة عالمياً وفي العالم العربي وفي لبنان خاصة مما دفعه الى الاهتمام بالتنمية الاجتماعية والتنمية البشرية.

وجانب آخر من اهتماماته الفكرية والعملية هو الجانب العربي : فاهتم بجوانب في اقتصاد ويجتمع كل من فلسطين وسوريا واليمن وعمان، كما اهتم بالتنسيق الاقتصادي العربي، إضافة الى اهتمامه الأساسي بلبنان.

واخيراً اهتم نجيب عيسى بمناهج تعليم الاقتصاد في مرحلة التعليم الثانوي وكذلك بتخطيط السياسة البحثية في علوم الانسان والمجتمع، كما اهتم بدعم النقابات العمالية والمهنية وتدريب كوادها.

هكذا يتميز نجيب عيسى عن العديد من الاقتصاديين بما يلي :

- وسع علمه وشموله

- غزارة انتاجه

- ارتباط عمله العلمي بقضايا شعبه : التصنيع والنظرة الى الاقتصاد الكلي، الانماء، العاملين ووضعهم، السكان، البعد العربي للاقتصاد، الاهتمام بمعالجة سيئات النيوليبيرالية المتفلتة ونتيجتها الفقر. وأخيراً الاهتمام بكيفية تعليم الاقتصاد والبحث في علوم الانسان والمجتمع.

 

في الخاتمة: آمل ان أكون قد اعطيت في هذه العجالة صورة ولو مختصرة عن نجيب عيسى الانسان ونجيب عيسى الاقتصادي ونجيب عيسى العالم والمثقف المرتبط بقضايا شعبه.

 

انطلياس في 11/3/2019

بطرس لبكي

________________________________________

د. نجيب عيسى

أيها الصديقات والأصدقاء

بداية أود التعبير عن شكري العميق للقائمين على الحركة الثقافية-انطلياس ، لتفضلهم بإدراجي على لائحة المكرمين لدى هذه المنارة الثقافية الوطنية المشعة . وأخص بالشكر الصديقين العزيزين الدكتور عصام خليفة والدكتور أنطوان سيف. والشكر موصول للصديق العزيز الدكتور بطرس لبكي على تفضله بتقديمي.

وإذا كان لي من كلام أقوله بعد ذلك ، فهو عن محطات في مسار كانت بدايته صدفة، ورافقته قناعات تكونت في وقت مبكر.فبعدما هاجر شقيقي الأكبر إلى السنغال في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، إلتحق به شقيقي الثاني. وتشاء الصدف أن يقنع أحد وجهاء قريتنا والدي بالموافقة على إرسال شقيقي الثالث ، برفقة ابنه ، إلى النبطية لاستكمال دراستهما الابتدائية. ولأن شقيقي تفوق في دراسته، حظي بدعم شقيقيه المغتربين، فتكفلا بتكاليف دراسته الثانوية في بيروت، ولاحقاً الجامعية في مدينة ليون بفرنسا ليتخرج منها طبيباً.  وبذلك تعبدت الطريق أمامي ، فحظيت بدوري، وانا الشقيق الرابع الأصغر سناً، بمساعدة الأشقاء الثلاثة ودعمهم. وحصلت في نهاية المطاف على شرف الجلوس أمامكم، لأهدي تكريمي هذا الى أرواح أشقائي وشقيقتي زينب ، التي تكبدت عناء مرافقتي ، صغيرا ، الى أمكنة دراستي خارج القرية.

كانت المرحلة الدراسية المتوسطة التي أمضيتها في الكلية الجعفرية في صور، مرحلةً تأسيسية  في حياتي. فخلالها ترسخ  تصميمي على مواصلة الدراسة الى أعلى مراحلها. وخلالها تمتعت ، خارج رقابة الأهل ، بحرية التحكم بتصرفاتي والإعتماد على النفس. وكانت هذه المرحلة أيضا، مرحلة التأسيس للإلتزام، الذي لم أحد عنه، ومن خارج الأطر الحزبية، بالعمل  على نصرة قضايا التحررالوطني والعدالة الإجتماعية. فالجعقرية كانت، في تلك ألأيام بؤرة نشاطات ومبادرات واكبت الأحداث الخطيرة التي عصفت بالمنطقة العربية. ومنذ ذلك الوقت لم أنقطع عن متابعة تطورالأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية في منطقتنا وفي العالم.

إذا طُلب مني الآن ان أرى لتلك المرحلة من حياتي ، أقول بإختصار : صحيح ان إهتماماتي هذه، لم تؤثرعلى مسار دراستي، إلا أنها، بالمقابل، جاءت على حساب نواح أخرى كانت ضرورية لإحداث نوع من التوازن في شخصية اليافع.

على كل، فقد شكلت القناعات التي كونتها في تلك المرحلة خلفية لخياراتي وتجاربي اللاحقة. ففي فرنسا، ومدينة ليون تحديداً، التي أوفدني الأهل إليها لدراسة الهندسة، تحولت الى دراسة العلوم الإقتصادية. فحقل الإختصاص هذا يُبقنيي، على ما إعتقدت ، ألصق بالقضايا التي التزمت بها . خصوصاً وان الوسط الطلابي في فرنسا كان على على درجة عالية من إنشغال، وصل الى ذروته في العام 1968، بنصرة حركات التحرر الوطني  وقضايا ما كان يسمى بالعالم الثالث ، ومنها القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق وجدت ، الى جانب متابعة الدراسة متسعا من الوقت كي أنشط في رابطة الطلاب العرب في ليون ولاحقاُ في الإتحاد العام للطلاب اللبنانيين في باريس.

في دراستي للإقتصاد، تركز إهتمامي على قضايا التنمية الإقتصادية والأجتماعية. وفي هذا السياق جاء موضوع أطروحتي لنيل شهادة الدكتوراه " البنى الراهنة وسياسة التنمية في لبنان، إمكانات وحدود التنمية الصناعية " .  وأنا الآن نادم على عدم نشر هذه الإطروحة.  فما تضمنته من تشخيص للأوضاع الإقتصادية في لبنان وقتذاك ، وخلاصات وصلت إليها، يساعد، على ما أعتقد، على فهم جذور الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان في الوقت الحاضر .

ومن المنطلقات نفسها، كان توجهي للتعليم الجامعي كمهنة، وفي الجامعة الوطنية تحديداً. خصوصاً وانه لم يكن لدي ولدى العائلة، القليلة العدد، من علاقات مع أصحاب النفوذ، تتيح لي العمل في القطاع الخاص أو في الإدارة الحكومية.

جاء إلتحاقي بالجامعة اللبنانية ، مباشرة ، كمتعاقد متفرغ في معهد العلوم الإجتماعية  بسهولة لم أكن أتوقعها. ذلك ان جامعتنا الوطنية،  لم تكن وقتذاك، في الحال التي هي عليه الآن، فاقدة لإستقلاليتها الأكاديمية وفريسة للتدخلات السياسية والحزبية . فنضالات أساتذتها وطلابها – وإلى جانبي احد أبرز روادها الدكتور عصام خليفة - إستطاعت ان تدافع عن  الجامعة وتجعل منها، في ذلك الوقت، صرحاً أكاديمياً راقياً.

أنا الذي كانت قضايا التنمية الإقتصادية والإجتماعية في بؤرة إهتماماته . وجدت في معهد العلوم الإجتماعية، مجالاُ رحباً لممارسة إهتمامي بهذه القضايا، تدريساً وبحثاً وإشرافاً على رسائل الطلاب . وفي الوقت نفسه، وجدت فيه مجالاً لتدريس الإقتصاد كما كنت أنظر اليه كإقتصاد سياسي، اي كعلم إجتماعي لا يُختزل بمنظومة علاقات بين أفراد ومجموعات تسعى وراء مصالحها الخاصة ، يجري تحويلها إلى معادلات رياضية ونماذج رقمية.  من أسف ان الحرب سارعت الى الإندلاع  وأدت، من بين ما أدت إليه، الى تبديد إرث الشهابية. ففقد المعهد وظيفته "التنموية " التي حُددت له عند تأسيسه على النحو التالي : إمداد إدارات الدولة ومؤسساتها بالكوادر البشرية والدراسات التي تمكنها من تنفيذ سياسات وبرامج التنمية.

مع تفريع الجامعة، وبمقتضى خليط من معايير طائفية/مذهبية وأكاديمية، وقع الإختيار علي لأكون مديراً للفرع الأول للمعهد . قبلت هذه المهمة على مضض، خاضعاً لضغوط مارسها علي بعض الزملاء والأصدقاء. فتبوء المناصب الإدارية لم يكن من ضمن طموحاتي، هذا أولاً . وثانياً لم يكن في تقديري ان ظروف الحرب ستتيح لي العمل على أخذ المعهد نحو الأفضل.  ومع ذلك أستطيع القول انني خرجت من هذه المهمة براحة ضمير، فقد ساهمت مع بقية الزملاء في مجلس الفرع على إبقائه على مسافة يُعتد بها من الضغوطات السياسية، بالإضافة الى رفد الهيئة التعليمية بعدد من الزملاء المشهود لهم على الصعيد العلمي . وعندما شعرت بأنه لم يعد بإستطاعتي عمل ما يفيد ، تقدمت بإستقالتي . غير إنني نادم على تكرار التجربة وقبولي ، بعد ذلك ، مهمة العمادة في كلية إدارة الأعمال والعلوم الإقتصادية . فالضغوطات السياسية  كانت هناك أشد وطأة، وليس من عون يأتيني لمقاومتها، لا من مجلس كلية أو فرع ، ولا من رئاسة جامعة، فأستقلت بعد بضعة شهور . ومذاك تفرغت لممارسة قناعاتي من خلال التدريس والبحث والعمل ، لفترة ، في دار التنمية إلى جانب صديقي العمر د. أنطوان حداد والمرحوم د.جورج قصيفي الذي أفتقده بحسرة.

وبخصوص هذا الجانب ، الذي أعتبره الأهم في تجربتي ، جاء تناولي لقضايا التنمية ، إنطلاقا من مفهوم للتنمية ، لا يختصرها بالعمل على تحقيق معدلات عالية من النمو الإقتصادي. فالتنمية عندي هي ،في المقام الأول ، تنمية للبشر، بواسطة البشر، ومن أجل البشر. فالإنسان ،بهذا المعنى ، يجب ان يكون في آن معا موضوع التنمية وصانعها والمستفيد منها .

والمحصلة التي إنتهت إليها تجربتي في هذا المجال،  بعد كم من الأبحاث والدراسات والتقارير، التي بقي قسم لا يستهان به منها نائماً في أدراج المؤسسات الحكومية والهيئات الدولية، هي ان التنمية ليست مجرد عملية فنية/تقنية يتولى أمرها خبراء، وانما هي مشروع بحاجة الى إرادة مجتمعية لتطلقه وترعاه وتحميه. ما يتطلب وجود نخب قيادية وسلطة سياسية في المجتمع، ترتبط عضوياً بمصالح شعوبها وتطلعاتها. وهذا، مع الأسف الشديد، ما لم يتوفر في بلادنا. فالسلطات الحاكمة فيها فضلت ، عوضاً عن ذلك ، ان تستمد شرعيتها من الولاء للخارج و/أومن أجهزتها الأمنية القمعية. ما قادها ، الى تبني ما  يٌرسم لها من سياسات تعمل على إنتاج إقتصادات ريعية تابعة ، ومجتمعات تعاني من أعلى درجات إنعدام العدالة الإجتماعية (أعلى معدلات الفقر والبطالة والتفاوت في توزيع الدخل والثروة في العالم). فكان ما كان مما نشهده في الوقت الحاضر من إرتداد إلى إنتماءات أولية يأتي أتونُ صراعاتِها، على البشر والحجر.

أختم قائلاً ان هذا التكريم أمدني بقوة كبيرة أستعين بها على مقاومة الإحباط الذي ينتابني بين الحين والأخر من الأوضاع  التي وصلت إليها جامعتنا الوطنية ووطننا لبنان وبلادنا العربية . مراهنا على قدرة الأجيال القادمة على التصدي لهذه الأوضاع.

 فعميق الشكر مكررا للحركة الثقافية في انطلياس ولكم أيها الصديقات والأصدقاء. فقد غمرتموني بفضلكم من خلال حضوركم وشهاداتكم. وما دمت في معرض الشكر، لا يسعني إلا أن أعبر عن عميق امتناني لشريكة عمري نهوند لتحملها عني أعباء ثقيلة، بخاصة لناحية تنشأة الأولاد والأحفاد ، هؤلاء الذين نرى ،نحن الإثنين ، في عيونهم ، بارقة الأمل ومتعة ما تبقىى لنا من الحياة.  

                                                                                                         د. نجيب عيسى

________________________________