افتتاح المهرجان اللبناني للكتاب 2020                                                                         د. الياس كساب

 

حضرات السادة:

-        ممثل فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون ، معالي الدكتور طارق المجذوب

-        ممثل دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ، سعادة النائب

-        ممثل دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب ، معالي

-        ممثل غبطة أبينا البطريرك ، نيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي ، سيادة المطران ..........السامي الأحترام،

-        ممثل رئيس عام الرهبنة الانطونية، قدس الأباتي مارون أبو جوده، حضرة

-        أصحاب السعادة النواب وأصحاب المعالي الوزراء، الحاليين والسابقين، وأصحاب المقامات الدينية والروحية،

-        رئيس بلدية أنطلياس– النقاش ومخاتيرها، وسائر الفعاليّات البلدية والإختيارية،

-        ممثلي القيادات العسكرية والأمنية،

-        ممثلي السلك الدبلوماسي والقنصلي،

-        رؤساء وممثلي السلطات القضائية والمؤسّسات الأكاديمية، والهيئات الحزبية والاقتصادية والإجتماعية والنقابية والثقافية،

-        ممثلي وسائل الاعلام .

 

في زمنٍ ، نَحَت فيه انشغالات الناس وهمومهم الى الأوضاع الأقتصادية والمعيشية الصعبة، والى الحالة الصحية حيث بدأ تفشي فيروس الكورونا يطرق باب الوباء، لا زالت فئة راقية من اللبنانيين المثقفين ، عنيت بها كل فرد منكم أيها الحاضرون الكرام ، تتمتع بجرأة كبيرة ، اذ لم تقو على التخلي عن تاريخ هذا الوطن الصغير الذي استنبط الحرف وابتدع الكتابة .

في هذة الأمسية العابقة بشذا العلم وأريج الثقافة ، أحييكم معبّراً لكم عن خالص شكرٍ صادرٍ عنّي وعن كل زملائي أعضاء الحركة الذين سيتناوبون على الكلام خلال هذا الافتتاح .

كما اعتذر سلفا عن أي سهو أو خطأ غير مقصودَين  طبعاً قد يصدران عني ،فجميعكم سواء بصفتكم الشخصية أم بصفتكم التمثيلية أصدقاء أعزاء شرفتم الحركة وصرحها الثقافي بحضوركم،  لكم منّا أصدق آيات المودة والاحترام والتقدير وأسمى عبارات الترحيب.

 

 في دورته التاسعة والثلاثين ، اختارت الحركة الثقافية – انطلياس لهذا المهرجان عنوان مئوية دولة لبنان الكبير، لبنان الذي ما يزال يخوض الأغمار الواحد تلو الآخر ليثبت دوره ويرسخ حضوره منارة للشرق مواجهاً التحديات والمصاعب على اختلافها ليس للأنتصار عليها فحسب وانما لخلق مناعات مقوّية وداعمة لمواجهتها .

 

يعود المهرجان اللبناني للكتاب هذا العام على وقع مطالب اللبنانيين بدولة للمئة عام المقبلة ، دولة القانون والمؤسسات ، دولة الحرية والثقافة وتكافؤ الفرص ، دولة تلفظ الفاسدين والمفسدين.

مناسبة مئوية لبنان الكبير تتزامن هذا العام مع ثورة انطلقت لتعيد الى لبنان بريقه وتألقه  :

ثورة على المستوى الأخلاقي ، أي اعادة المعيار الأخلاقي للعمل السياسي

ثورة على المستوى الأقتصادي – الأجتماعي – الصحي – البيئي

ثورة على المستوى الثقافي والتربوي

 

وها هي الحركة الثقافية- انطلياس ، تفتح ابوابها من جديد وتقدم على مدى أيام المهرجان مكانا للتكريم والندوات واللقاءات ولتبادل الآراء في مختلف المواضيع ، مساحة للكتاب ومحبيه وقرائه ، وسط كل التحديات التي نمر بها اقتصادياً ومعيشياً.

 

فأهلا بكم مجددا في هذه الأمسية لننطلق سويا في هذه التظاهرة الثقافية الوطنية ونفتتح المهرجان اللبناني للكتاب في سنته التاسعة والثلاثين .

 

كلمة أمين المعرض الأستاذ نعوم خليفة

 

++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

كلمة رئيس دير مار الياس انطلياس  ورئيس الحركة الثقافية الأباتي الدكتور أنطوان راجح

 

++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

من وحي مئوية دولة لبنان الكبير ، تجدد الحركة الثقافية – انطلياس التزامها قيم الديمقراطية والحرية والسلام والعدالة وحقوق الأنسان ، والمواجهة في سبيل المساهمة بتقوية المناعة الفكرية والثقافية والتصدي لكل أنواع الأمراض والأوبئة التي تفتك بشبابنا ومجتمعنا الأمر الذي يؤدي لامحالة الى فقدان الأمل بمستقبل وطننا .

 

كلمة أمين عام الحركة الثقافية - أنطلياس الدكتور عصام خليفة

 

++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

أيها الحضور الكريم ،

الكلمة الاخيرة هي لراع المهرجان فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون ، ممثلا بمعالي  وزير التربية الدكتور طارق المجذوب

 

نشكر معالي الوزير الدكتور طارق المجذوب على كلمته وندعوه مع جميع الرسميين والحضور الكريم الى صالة المعرض ، القاعة الكبرى لقص الشريط مفتتحا المهرجان اللبناني للكتاب في سنته التاسعة والثلاثين .

________________________________________

 

المهرجان اللبناني للكتاب/ الحركة الثقافية -أنطلياس

السّنة التاسعة والثّلاثون 2020- دورة مئوية دولة لبنان الكبير

 

الافتتاح الخميس 5 آذار 2020

كلمة أمين المعرض الأستاذ نعوم خليفة

 

الحضور الكريم، أصحاب معالٍ وسعادة، رجال دين وعدل، ديبلوماسيون وعسكريون وأمنيون، نقابيون واعلاميون ومثقفون...

         

"في كثير من الأحيان، زيارتي لمتجر الكتب تسعدني كثيراً، وتذكرني بأن ما زال هنالك أشياء جميلة في هذا العالم" فينسنت فان غوغ

فكيف إذا كان المتجر معرضاً

إنها مغامرة! هكذا يبدو للبعض أو للكثيرين ولنا نحن أيضاً. حقاً انها مغامرة أن نقيم هذا المهرجان والوطن يتراقص على حافة الهاوية ولا نعلم متى ينزلق فيها. لكن ايماننا كبير وأملنا أيضاً، إيماننا بالله وبثقة الناس وأملنا بالغد المشرق الذي سيطل مهما طال انتظاره ومهما سعت جيوش الشر الى طمسه وإلغائه. إنها السنة التاسعة والثلاثون التي نخوض فيها غمار هذه المغامرة وكلنا إيمان وثقة بنجاحها وذلك بتعاون المخلصين والمؤمنين بمستقبل هذا الوطن مهما تلبدت حوله غيوم الازمات واكفهرت الأجواء المحدقة به. إيماننا كبير وراسخ ومعنا من يشاركنا في هذا المهرجان في تحدي كل الصعاب والأزمات، من الأصدقاء أصحاب الدور والمكتبات المشاركين غير عابئين بالحواجز والعقبات المادية والاجتماعية والنقدية عاملين على تجاوزها وقهرها ايماناً منا ومنهم ان من "يتهيّب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر".

ان المهرجان اللبناني للكتاب الذي تقيمه الحركة الثقافية – انطلياس انطلق من رحم الاحداث التي عصفت بالوطن الصغير منذ سبعينيات القرن الماضي متحدياً كل الظروف والأوضاع الصعبة والمأساوية ومراهناً ان السلاح الأفعل والأجدى في قهر الأزمات يتمثل في العمل الثقافي الذي يقهر الجهل ويقضي على جميع الآفات ويسهم في بناء المجتمعات وفي ترسيخ قيم المعرفة والعدالة ونبذ التباغض والكراهية والعمل على احقاق الحق وتحقيق الديمقراطية وإرساء قواعد المواطنية الصحيحة.

المهرجان اللبناني للكتاب ليس فقط معرضاً للكتب، إنما على أهمية ذلك، هو مساحة للتلاقي والتلاقح الفكري والثقافي، إنه لفتة الى اهل العلم والفكر والفن والثقافة من خلال تكريم نخبة من الاعلام في المجالات المختلفة هذا التكريم هو حق على الحركة الثقافية تجاه هؤلاء الاعلام الذين رفدوا بعلمهم وفكرهم النيّر والثّر ثقافتنا الوطنية ووضعوا أسس إرثنا العلمي والثقافي وعملوا على إعلاء صرح ثقافتنا الوطنية التي ستبقى منيعة وعاصية على جميع محاولات طمسها والهدم.

ومن عمق الأزمة التي كبلّت مجتمعنا وحاصرته وأرهقته من كل النواحي ووسط أنين المواطنين الذين "صودرت" أموالهم، جنى العمر، وفقد الكثير منهم وظائفهم وبدأ الجوع والعوز يطرق ابوابهم بشدة وهم يصطفون بذلّ امام أبواب المصارف وكأنهم يستعطون صدقة من مدخراتهم، من عمق كل هذه المعاناة يأتي هذا المهرجان تحدياً للأوضاع الصعبة ونافذة نور وبارقة أمل بالوطن الذي حلمنا به ويحلم به شبابنا، وطن يقوم على العدالة وتكافؤ الفرص وعلى احترام القيم الأخلاقية والإنسانية التي بدونها لا قيام للأوطان ولا بقاء لها ويحضرني هنا ما قاله امير الشعراء
 "إنما الأمم الاخلاق ما بقيت                  فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا"

وليس ما يعمل على تحصين اخلاق شبيبتنا ورفدهم بالقيم العلمية والثقافية وإعدادهم لبناء وطن يحقق احلامهم والآمال سوى النهل من معين الفكر والانفتاح على المعارف ولا سبيل الى ذلك إلا بالاطلاع على ابداعات العقل وهذا ما نحاول ان نقوم به من خلال هذا المهرجان الذي يُطلعنا على كل جديد من الكتب في المجالات المختلفة.

          قد قصرنا، ونظراً للظروف التي نعاني منها جميعاً، مدة هذا المهرجان الى عشرة أيام بدلاً من خمسة عشر يوماً وأبقينا على جميع النشاطات المرافقة من النشاطات الصباحية الى تكريم اعلام الثقافة ويوم المرأة ويوم المعلّم إضافة الى ندوات حول كتب وإصدارات جديدة.

          ولا بد من توجيه كلمة شكر الى جميع المشاركين في هذا المهرجان من دور نشر ومكتبات وجامعات كما أتوجه بالشكر ايضاً الى القوى الأمنية والعسكرية وبلدية انطلياس النقاش لسهرهم وتعاونهم من اجل إنجاح هذا المهرجان كما أتوجّه بالشكر الخاص الى رئيس حركتنا الأباتي الدكتور أنطوان راجح رئيس دير مار الياس انطلياس، ومن خلاله للرهبنة الانطونية، للدعم الذي يوفّره للحركة في نشاطاتها كافة ولجميع الحاضرين لتشجيعهم وحضورهم الذي يغنينا ويعطينا دعماً لمتابعة المسيرة

أخيراً، أتوجّه باسم الحركة الثقافية – انطلياس بالشكر الى جميع العاملين من موظفين ومتعاقدين لما يبذلون من جهدٍ ولتفانيهم في عملهم. وأهلاً وسهلاً بكم. 

________________________________________

كلمة الاباتي انطوان راجح في افتتاح مهرجان الكتاب (2020)
 

فخورون نحن بمواصلةِ تحلّقِ خيرةٍ من مثقّفي بلادنا وناشطيها حول حركتِنا الثقافيّة-انطلياس، وهي باقيةٌ مركزَ ثقلٍ ثقافي اجتماعي وتنموي. بذلك تؤكّدون حفاظَها على الحظوة التي استحقّتها منذ انطلاقتها في أواخرِ سبعينات القرن الفائت وطوالَ مسيرتِها المثابِرة، وإن بأنشطة ومشاهدَ متكرّرةٍ من حيث الشكل، صارعت وجاهدت في المثابرة عليها هذا العام خصوصًا، بل وفي الإبقاء عليها على الرّغم من ذعر الوباء المستجدّ. فخورون بأن تتلاقى الإراداتُ الصالحة والعقولُ المنفتحة وكلُّ باحث ومؤمن بالثقافة، تحت قبّةِ مار الياس، فتسطعُ الشهادةُ على قوّة السخاء، والخدمةِ العامة، وجمالِ النقاء، والمثابرة، والسعيِ الى العدالة والخير العام، وترسيخِ الصداقة المجتمعيّة. فشكرًا لضياءِ حضوركم وبهاء مشاركتكم. 

وبعد، إذا كان  ما نتحسّر عليه في الحياة، فهو أنّه لن يتسنّى لنا قراءةُ كلّ الكتب التي نرغب بقراءتها، وخصوصًا تلك التي تستحثّنا على إتمامها. "إنّ القرّاء ليسوا أغنامًا، وليسَ كلُّ قلم يغريهم" (يقول فلاديمير تابوكوف)، زد على ذلك اليوم وجوبُ توفيرِ شحِّ ما نملك، بعد أن تورّم الفساد في جسد لبنان المنهَك، لضرورات الصمود الصحّي، ليس الاّ. لذا تبدأُ الخِياراتُ التفضيليّة، على قلّتها ووجوب التقتير فيها، بحسب الاختصاص، والميل، والحاجة، وضروراتِ تثقيف الذات. فينفع عندئذ قول مصطفى صادق الرافعي:" ليكن غرضُك من القراءة اكتسابُ قريحة مستقلّة، وفكرٍ واسع، وملكةٍ تقوى على الابتكار، فكلُّ كتاب يرمي الى إحدى هذه الثلاث فاقرأه". ويبقى أن مثل هذه الكتب كثيرةٌ أيضًا على زماننا، فيزيدُ التحسّرُ الى أن نحظى بالمشهد الكبير في اللقاء الأكبر.

وفي هذه المناسبة، ثمّةَ تساؤل كبير: لماذا يشحُّ اهتمامُ الشبيبة وحضورُها ومشاركتُها في مثل هذه الأنشطة التمدينيّة؟ لماذا لا تنتظرُ الشبيبة كثيرًا من مثل هذه التظاهرات الثقافيّة، فلا تعتبرها مهمّةً لحياتهما، بل مضجرةً ومزعجة، وكأنّها تطلب من الحركات والجمعيّات الثقافيّة أن تدعها وشأنها؟

إنّ مرحلةَ الشباب هي حالةُ قلب. فلا تحجّرَ في الماضي ولا كبح، ولا إذعانَ أعمى وانقياديّا، ولا مجاراةَ بلا حوار ومساءلة جريئة، وربّما قاسية لكلّ ما يُقدّمه الحاضر. فالشباب قوّةُ من استطاع العودةَ الدائمةَ الى مصدره، بانفتاح قويّ على الجدّة مهما تسارعت وتيرتُها. لن نغفلَ طبعًا  وفرةَ المحاضراتِ والندوات المعروضة عليهم في الجامعات وعلى شاشاتِ التلفزة، وفي الإذاعات، فضًلا عن مشقّة الطرقات وقطع المسافات وندرةِ مواقف ركون السيارات.

إنّ تعريف الشباب يعني أنّ حركتنا الثقافيّة شابّة في فكرها وعزيمتها. فلا المشقّةُ ولا الخمولُ يقربانها، ولا الفسادُ ولا الخجل. لا يعرفُها الكبرياء، ولا الانطواء والضمانات العابرة، بل تجديدُ النفس والانطلاق المتجدّد نحو تحدّيات وانتصاراتٍ جديدةٍ على الواقع.

من هنا التعاونُ الوثيق والرباط المتين بين دير مار الياس، الرعوي بامتياز، وبين الحركة الثقافيّة، العلمانيّة بتميّز، والهدفُ واحد، عنيتُ خدمةَ الإنسان وإعلاءَ كرامته والحفاظَ على حريّته ومختلفِ حقوقه وانتظاراته. لذا فخورون نحن ومتمسّكون بحركتنا الثقافيّة، ويحقُّ لنا أن نتباهى بأسبقيّة هذا الاعتماد في كنفِ دير، ونُشيد بآدائها وبعطاءات أعضائها، وبما تعيه وتعالجُه من ضرورات التجدّد الدائم الضروري لكلّ جماعة، مع ترسيخ الهدف الأسمى.

وبعد، كم كنّا نتمنّى أن يقفزَ تفكيرُنا وهمُّنا الى الكلام على حمايةِ البيت المشترك، أي كوكبِ الارض، بمواجهةِ التراكم التسارعي الذي يأسر الوجود في دوّامة السرعةِ التكنولوجيّة والرقميّة، مغيّرًا المراجع، من دون أن يغرقَ  في دائرة الركود. أو الكلامِ على أكاديميّة الانسان للتلاقي والحوار التي أقرّتها الأمم المتحدة قي 16 تشرين الاول 2019 بشبهِ اجماع، وجُعل لبنانُ مركزًا لها. الاّ أنّنا حُشرنا في أزمة جيب وفي معضلة وطن، نعيّد له السنةَ مئةَ عام على قيامه كبيرًا. فماذا فعلوا به، ولماذا نعطّلُ جمهوريّاته؟

لن يتأثّرَ البطريركُ الثاني والسبعون، الياس الحويّك بملامة بعض، ولا بحمدِ آخر على مساعيه، فقد أُعلن مؤخّرًا، مكرَّما من قبل الكنيسة الجامعة. غير أنّ أفكارًا ومقولاتٍ وضعها، لا بدّ من احترامها والإجلال، من الجميع، ولو بعدَ مئة عام. فمن  أقواله: "طائفتي لبنان". وقد أصدَر في 8 كانون الاوّل 1930 تعميمًا عَنوَنَه: "محبّة الوطن"، أورد فيه أنّ "الانسانَ يرى في حبّه لوطنه حبَّه لذاته ولذوي قرابته وأصدقائه...فمن يحبُّ ذاتَه اذا، عليه أن يحبَّ وطنَه لأنّه يتّخذ من ترابه، ومن لغته، ومن تاريخه مادّةً غزيرةً لقيام حياته الطبيعيّة والعقليّة والأدبيّة".

غير أنّه رأى وقتها أنّ الواقعَ لا يبشّر بالخير، وقد يقودُ الى اليأس، فقال: "إنَّ نَظَرَنا الى الحالة الحاضرة والى التقسّمات والضيقات، يوقعُ في القلب الفشل، وكثيرًا ما تخرجُ من فمنا عباراتٌ تشفُّ عن اليأس من إصلاح الحال (...)، لكنّه يتابع ليقول "إنّ إصلاحَ الحال السيّئة، يكمن في "فضيلة محبّة الوطن" التي توجب علينا أن نسعى ونرغبَ رغبةً حقيقيّةً بأن يكون وطنُنا أعظمَ ممّا هو، وأكثرَ رقيًّا، وأشدَّ تعلّقًا بالله وأنقى آدابًا ممّا هو عليه". 

وها نحن اليوم، نمرّ في أوقات عصيبة، ونعيشُ وضعًا قلقًا، غيرَ مسبوق بعد قيام لبنانَ الكبير، يزيدُه الخوف من توطين ودمج وأطماع وتركيع وتشابكُ معضلات، وتلوّث المناخ الخطابي،  فلا نجدُ ما نُقنع به أحبّاءنا بالعزوف عن حزم حقائبهم. فهم يئنّون من فقرٍ وقهر يتمدّدان نحو معظم القطاعات والمهن، وسُدّت بوجه الشبيبة سبلُ العمل والحياة في بلدهم. ثقة الناس بالدولة مفقودة، وبالمستقبل هشّة. الأزمة الاقتصاديّة كسرت خاطرَ معظم اللبنانيّين وأذلّتهم، وصادرت رفاهيّتهم، بل وودائعَهم، وانقضّت على نبل كرمهم، وهي تهدّد أمنهم.  بمقابلِ عدمِ استعداد أيِّ أب عطوف، أو أيّ أمّ حنون أو أيّ صديق لمنح لبنان شيكاتٍ على بياض...، إلخ. الاّ أنّ موجةً متكاتفة، مبروكة، استفاقت وانطلقت بزخمٍ خارق ومدهش في البدايات، لتؤسّسَ لتغيير جذري خلوق، ولواقعٍ جديد، وهي لن تنكفىءَ بحسّها العام المصيب، عن التنديد، والتصويب، وإن منحت فرصة، ولا عن المحاسبة بحسٍّ عام شديد الصوابيّة، لا يمكن قمعُه أو إخمادُه، طالما بقي الهمُّ والغاية والوسيلةُ بناءَ الوطن لا تحطيمَه. فكم يهمّنا أن يُرافَق الحراك بالتوقّف عن المناكفات السياسيّة والتراشق والتشفّي والتشرذم، وأن يُردفَ بمرتكزاتٍ فكريّةٍ موضوعيّة ورصينة، تحاكيالضميرَ الوجداني، وتؤطّرُ الحسَّ الشعبيَ الصائب، وسبلَ حراكه، وألّا يكون في الميدان..الاّ لبنان، بما يسترجعُ التكاتفَ الفاعل الذي ظهر في الأيّام  الأولى،فيعود لينتزعَ الإحترام والإكبار والدعمَ من الجميع، لمصلحةِ الجميع، من دون استثناء أو ارتهان.

نحن لا نتوهّمُ تبديلاتٍ وتغييراتٍ سريعةً في المشهدِ المترنّح القائم، ولا حلولًا سحريّة للانكماش الاقتصادي، وللمخاطر والأطماع، ولكننّا ننطلق بثباتٍ وديناميّة، من دون خوف، وسنظلُّ نتطلّع الى يومنا وغدنا برجاءٍ كبير، وننهدُ صعودًا، آملين بثمارٍ ونهوض. وشكرًا.

_________________________________

كلمـة أمين عـام

الحـركة الثقافيـّة – أنطلياس

عصام خليفة

 

في افتتـاح

المهرجـان اللبنانـي للكتـاب

السنة التاسعة والثـلاثون

 

5 آذار 2020

 

          في المهرجان اللبناني للكتاب – السنة التاسعة والثلاثون التي أطلقنا عليها دورة مئوية دولة لبنان الكبير، نجد من واجبنا ان نحيي كفاح المثقفين اللبنانيين الذي ناضلوا في وادي النيل وباريس والاميركيتين لقيام هذه الدولة على أنقاض انهيار الدولة العثمانية، وشكلوا في آن معاً مداميك النهضة العربية المعاصرة.

          نحيي دار المقطم والمقتطف مع فارس نمر ويعقوب صروف وشاهين مكاريوس ومعهم بشر فارس ونقولا حداد وخليل ثابت وابنه كريم، وهم الذين خاضوا تجربة نشر الفكر العلمي العقلاني والحداثة.

          ونحيي دار الهلال مع جرجي زيدان وحبيب جاماتي واميل وشكري زيدان، الذين جددوا في قراءة التراث العربي والإسلامي.

          ونثمّن دار البصير معقل آل الشميّل، شبلي وسبع وامين، وطانيوس عبدو، وهم الذين خاضوا معارك تحطيم تابوهات الماضي ورسّخوا ثقافة الحداثة والاشتراكية الديمقراطية في مواجهة الفكر الظلامي المتحجر.        

          ونسجل الدور الرائد لفاطمة روز اليوسف في صحيفتها الرائدة، وكذلك الشيخ يوسف الخازن في صحيفة الاخبار بمساعدة داود بركات شيخ الصحافة العربية. ونتوقف عند رفيق جبور اليساري الماركسي ابن زحلة الذي أصدر جريدة الحساب، وسليم سركيس مع مجلته سركيس والياس زيادة والد مي صاحب جريدة المحروسة. ونجيب متري وابنه شفيق اللذين اشرفا على أكبر دار نشر في العالم العربي (دار المعارف).

          اما معقل المناضلين الفرسان للبنان الكبير فقد كان في دار الاهرام حيث اجتمع جبرائيل تقلا مع داود بركات وانطون باشا الجميّل ونجيب كنعان وهنري بحري وخليل مطران. وكان معهم اسعد داغر صاحب التطلعات العربية.

          بعد توقف الحرب العالمية الأولى، وفي الأول من كانون الأول سنة 1918 وجه كبار رجالات القضية اللبنانية في القاهرة رسالة الى الشعب اللبناني (عددهم 19) من أبرزهم يوسف السودا، أنطون الجميّل، اوغست أديب، جبرائيل تقلا، داود بركات، سليم أبو عزالدين، فريد حبيش...

          واهم المنطلقات التي وردت في هذا النداء:

1-   حق لبنان بالاستقلال المطلق في إطار الحق بتقرير المصير، وذلك بضمانة الدول الكبرى وكفالتها.

2-    هذا الاستقلال التام تكفله الدول الكبرى وتضمنه من خلال معاهدة دولية تضمن للدولة اللبنانية حيادها وذلك ضمن شعار "استقلال لبنان التام بحدوده الطبيعية بضمانة الدول".

3-   اصلاح الشؤون الداخلية وتنظيم الأمور الاقتصادية بحيث يجد المواطنون في أرضهم راحتهم وحاجتهم ونعيمهم وحريتهم.

4-   عدم الانقسام بين الطوائف والمذاهب ولا بين الأقاليم والأحزاب، والحرص على الوحدة الوطنية واليد الواحدة في العمل.

5-   أولوية شعار: مساواة في الحقوق ومساواة في الواجبات.

6-   التوسع في الحكم الدستوري بإصلاح القضاء ونظام الانتخاب.

في باريس كانت تتحرك الرابطة اللبنانية برئاسة شكري غانم (حتى 1916) وخيرالله خيرالله الذي كان محرراً في جريدة Le Temps. وكان هناك حضور بارز للدكتور الفرد خوري والاكديميين فغالي في بوردو.

وفي اميركا الشمالية كانت جريدة الهدى لنعوم مكرزل وجمعية النهضة اللبنانية، وأدباء الرابطة القلمية (جبران ونعيمة وغيرها) وايوب ثابت وامين الريحاني.

وكذلك في اميركا الجنوبية ثمة فروع للاتحاد اللبناني ومثقفون قدموا المذكرات الى مؤتمر الصلح مطالبين "بحدود لبنان التاريخية والجغرافية".

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت مرحلة جديدة من النضال من اجل قيام دولة لبنان الكبير. فقد تحرك مجلس الإدارة الذي كان قد حله جمال باشا، وطالب في القرار رقم 80 تاريخ 9/12/1918، بلبنان الكبير والاستقلال والنظام الجمهوري البرلماني ومساعدة فرنسا في "نشر العلوم والمعارف وتقدم البلاد ورقيها... على محور العدالة والحرية والمساواة".

فتحية لأعضاء المجلس المتجدد سعدالله الحويك، خليل عقل، سليمان كنعان، محمود جنبلاط، فؤاد عبد الملك، الياس الشويري، محمد محسن، داود عمون، يوسف البريدي، نقولا غصن، محمد الأعور، ورئيسه حبيب باشا السعد.

في 20/5/1919 أكد مجلس الإدارة من جديد في القرار 187 على استقلال لبنان السياسي بحدوده الجغرافية والتاريخية وجعل حكومته مؤسسة على الديمقراطية والحرية والاخاء والمساواة وقد وقعه الأعضاء السابقون مع تحفظ عضو واحد.

وفي 28 شباط 1920 اتخذ مجلس الإدارة القرار رقم 193 يطالب باستقلال لبنان الكبير بحدوده التاريخية والطبيعية استقلالاً مطلقاً تاماً إدارة وسياسة مع طلب انتداب دولة فرنسا على لبنان". وهذا القرار وقع أيضاً من جميع الأعضاء.

بموازاة الرجال المدنيين لعب رجال الدين المسيحيين الدور البارز خلال الحرب من خلال مقاومة اهوال المجاعة (الخوري بولس عقل والمطران دريان والمطران ابي كرم برئاسة البطريرك الحويك): نقل المساعدات من المغتربين الى ذويهم (136 الف مساعدة) واستمر دور الكنيسة بعد الحرب ولعب البطريرك الحويك دوراً قيادياً مع المطران عبدالله خوري والمطران كيرللس مغبغب من طائفة الروم الكاثوليك وكان موقف شيخي العقل الدرزيين حاسماً الى جانب لبنان الكبير وكذلك كان موقف الشيخ الأمين الشيعي مفتي صيدا.

أيها السيدات والسادة،

في المهرجان اللبناني للكتاب الدورة 39 نحيي نضال الآباء والأجداد وادارتهم للصراع من أجل قيام الدولة اللبنانية وتحديد حدودها وبناء مؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، وصولاً الى استقلالها، ومشاركتها في صياغة ميثاق الأمم المتحدة ولعب دور طليعي على هذا الصعيد. ولكن منذ نصف قرن وهذه الدولة تتعرض من الداخل ومن الخارج لأحداث تهدف الى انهيارها وتغيير هويتها.

منذ ستينات القرن الماضي وصولاً الى منتصف السبعينات تعاونت قوى داخلية وإقليمية ودولية لتمرير مخططات من خلال الحروب التي استمرت حتى العام 1990 وكان هدفها القضاء على وحدة الدولة والمجتمع والاقتصاد والثقافة. كانت النتيجة مئات الوف الضحايا والمهجّرين والمهاجرين (هاجر 700.000 جامعي ينتجون 200 مليار $ سنوياً في بلدان الاغتراب) والدمار الواسع للعمران والاقتصاد والاهم اهتزاز وحدتنا الوطنية.

وكان اتفاق الطائف، وكان هناك تصور لدى بعض المخلصين ممن عملوا لإقراره انه سيمهد الطريق لزمن لبناني جديد وحداثي باتجاه دولة مدنية تستعيد سيادتها حيث يتم اصلاح القضاء والإدارة العامة وانهاء الزبائنية الطائفية ومشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم. ولكن ما حصل هو العكس. فلقد انقض نظام الحرب مع قوى مالية معينة، مدعومة من سلطة الوصاية، على مفاصل الدولة واستبيحت مؤسساتها واداراتها. وحصل نهب مالي منظم أوقع الدولة تحت أعباء الدين الذي يفوق المئة مليار دولار. واستمرت الدولة منقوصة السيادة فلا وحدة في السلطة ولا وحدة في السلاح ولا مساواة تحت سلطة القانون بين أبناء الوطن.

كانت السلطة السياسية هي الأضعف والسلطة المالية هي الأقوى. وكانت السلطة السياسية هي المرآة للقوة الاقتصادية. والقوة المحركة للسياسة كانت من التجار ورجال الاعمال وتاليا من المصرفيين والنصّابين على حد قول الدكتور الياس سابا. تركوا الدولة دون موازنة. وكانوا يصرفون أكثر مما يجبون ويتدينون من المصارف. جمدوا الدولار 22 سنة ويتركونه اليوم دون ضوابط. وبدلاً من ان يكون المصرف المركزي هو المشرف والقائد للمصارف خدمة للاقتصاد اللبناني، أصبحت المصارف هي المقررة والقائدة والمسيطرة على المصرف المركزي. واصبح هدف السياسة النقدية زيادة ربحية المصارف على حساب المالية العامة وقطاعات الاقتصاد اللبناني ونموها. كما يقول الأستاذ غالب أبو مصلح. ابتدعوا الهندسات المالية التي بلغت 5.5 مليار دولار عام 2016 فقط.

"دحشوا" الاعداد الكبيرة من الموظفين الذين لا عمل لهم من التابعين في دوائر الدولة. لزّموا المشاريع بالتراضي دون رقابة، واصبح الفساد منظومة متكاملة. تركوا المرامل والكسارات والمقالع تنهش طبيعتنا، وتركوا التلوث يقضي على حلاوة مياه انهرنا وبخاصة الليطاني.

تقاسمت المافيات المتعددة ولا تزال مسألة النفايات. ولا تزال هذه القضية تهدد الامن الصحي للمواطنين. استباحوا المدرسة والجامعة وعطلوا أدوارها العلمية والتنموية والحقوها ببلاطاتهم. وعطلوا أجهزة الرقابة والتفتيش وعرقلوا عمل الإحصاء المركزي لتعمية الحقائق. تراجعت الخدمات العامة في المياه والكهرباء والخدمات الصحية (45 مليار $ خسارة في الكهرباء). خسر لبنان ستة آلاف كلم2 من المنطقة البحرية الاقتصادية بسبب قصور لدى المفاوضين. واستمر الإهمال لقطاعات الصناعة والزراعة تحت وطأة الحدود المفتوحة. وتزايد عدد العاطلين عن العمل وترك معظم المزارعين أراضيهم في الريف وانتقلوا الى ضواحي المدن بانتظار الهجرة الى الخارج.

تدفقت اعداد النازحين فاذا لبنان يعاني من 3.5 مليون غير لبناني على ارضه الضيقة.

من قلب هذه الظلمة انبثق فجر العامية الكبرى لشاباتنا وشبابنا. ويبدو ان الحل الحقيقي يتطلب إعادة البنيان من جديد، بأدوات جديدة وليس بأدوات قديمة. وما نحذّر منه هو ضرورة الابتعاد عن العنف وضرورة عدم الوقوع في الفوضى. ونؤكد على خطورة الانزلاق في العصبيات الطائفية الفئوية. وننتظر من القضاء ان يبادر الى تطبيق القانون 99/154 الذي اقرته محكمة التمييز العليا بحيث يمكن محاسبة الفاسدين مهما علا شأنهم، وأياً كان موقعهم (رؤساء، وزراء، نواب اداريين كبار وصغار، متعهدون وغيرهم...)

والحل الملائم للازمة المالية تناوله الاختصاصيون الذين حاضروا على منبرنا وعلى منابر أخرى ونشرنا ابحاثهم في الكتاب السنوي، وننتظر من المسؤولين ان يولوا العناية لهذه الاقتراحات.

أيها الحفل الكريم،

في هذا المهرجان هناك عدة محاور:

1-  المنشورات:

                    -            كتاب مهرجان العام الماضي (733 صفحة)

                    -            الكتاب السنوي الذي يتضمن ملفاً هاماً لحل الأزمة الاقتصادية (320 صفحة)

                    -            كتيّب اعلام الثقافة (31 صفحة)

                    -            نشرة مئوية دولة لبنان الكبير (4 ص.)

2-  المحاضرات والندوات:

                    -            الغينا ندوات قبل الظهر للطلاب بسبب اقفال المدارس.

                    -            ندوات تتناول قضايا كبرى تشغل بال مجتمعنا يشارك فيها 100 محاضر ومدير جلسة.

                    -            تكريم اعلام الثقافة بحيث نخصص لكل واحد منهم يوماً باسمه. وهذا العام نكرم البروفسور إبراهيم فضل الله، والدكتور هيام ملاط، والروائي الدكتور رشيد الضعيف، والطبيب د. إسماعيل سكرية، والموسيقي احسان المنذر.

3-  التواقيع:

هناك ما يزيد على 60 مؤلف سيوقعون كتبهم الجديدة في أكثر من اختصاص.

4-   يوم المرأة:سنكرّم في عيد المرأة العالمية الاستاذة جمانة مرعي وتقدمها الدكتورة فهمية شرف الدين وإدارة الزميلة بريجيت كساب.

5-   يوم المعلّم: ستكرم حركتنا كلاّ من الدكتور جورج صفير والأستاذ طلال نادر، يقدمهما الدكتورة هدى رزق حنا والأستاذ مفيد سكاف إدارة الأستاذ نعوم خليفة.

6-   تحية الى كبار غابوا: في هذا العام غاب كبار (عددهم 25) كان لهم دورهم في مختلف مجالات الثقافة اللبنانية ووضعنا لوحة على مدخل المعرض هو تحية وفاء واكبار لهم. وهم على التوالي:

البطريرك مار نصرالله صفير– يوسف الحوراني – سيمون أسمر – فوزي أبو فرحات – نبيل أبو شقرا – نعيم بارود – مجدلى – وليم حسواني – الأب سليم رزق الله – المطران كميل زيدان – رشيد الجلخ – امجد ناصر – جوسلين صعب – على شمس – جوزف اشخينان – ميشال اده – باسيل عاقوله – خالد غزال – هادي رزق الله – الام كليمنص حلو – اوغست كالان – كمال بلاط – بديع خيري – جوزف أبو خليل- أنطوان مالك طوق – عصام كرم.

 

 

 

 

 

أيها الأصدقاء،

رغم الوضع الاقتصادي الصعب، ورغم خطر الكورونا، عقدنا العزم على تنظيم هذا المهرجان مع اخذ بعض احتياطات الوقاية والتعقيم بالتعاون مع بلدية انطلياس مشكورة.

وإذ نشكر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على رعايته لهذا المهرجان، وإذ نشكر بلدية انطلياس والرهبنة الانطونية على تشجيع ومواكبة نشاطاتنا، فإننا نشكر دور النشر التي غامرت وشاركت في المعرض.

ونؤكد لممثل فخامة الرئيس الصديق الدكتور طارق المجذوب وزير التربية والتعليم العالي وابن رئيس الجامعة اللبنانية الأسبق الدكتور محمد المجذوب الذي سبق وكرمنا كعلم ثقافة عام 1994 اننا ننتظر منه التشدد في القضاء على التزوير والفساد على مستوى المدرسة والجامعة اللبنانية وإنجاز حركة اصلاح جذرية في القطاع التربوي على مختلف الأصعدة.

في دورة مئوية دولة لبنان الكبير، وفي المهرجان اللبناني للكتاب نؤكد استمرار مقاومتنا الثقافية والتغيير بالثقافة ومن خلال الثقافة دفاعاً عن استقلال ووحدة وسيادة دولتنا اللبنانية ودفاعاً عن حقوق الانسان اللبناني الذي قامت من اجله عامية الماضي وعامية الحاضر وعلى امل ان يبقى لبنان في مطابعه وصحافته واعلامه رائد نهضة وتقدم على امتداد العالم العربي.

عاشت الثقافة

 عاش لبنان

____________________________________

كلمة وزير التربية والتعليم العالي، الدكتور طارق المجذوب، مُمثِّلاً فخامة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة، العماد ميشال عون،

في دير مار الياس أنطلياس،
الخميس 5/3/2020،

بمُناسبة افتتاح الدورة العاديّة التاسعة والثلاثين ل
لمهرجان اللبناني للكتاب - دورة مئويّة لبنان الكبير

 

أصحاب المعالي،

أصحاب السعادة،

أصحاب السِّيادة،

حضرة الرئيس الأـبّاتي أنطوان راجح،

حضرة الأمين العام الدكتور عصام خليفة،

أيّها الحفل الكريم،

يلتئم شملنا اليوم في ربوع المهرجان اللبناني للكتاب، برعاية كريمة من فخامة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة، العماد ميشال عون، الذي كلَّفني تمثيله في هذه التظاهرة الثقافيّة المُتجدِّدة، على الرغم من الصعوبات التي تمرّ بها البلاد. وكذلك كلَّفني أن أنقل محبّته وتهنئته إلى الحركة الثقافيّة في أنطلياس وإلى القائمين على إدارة المهرجان الرائع في دورته العاديّة التاسعة والثلاثين-دورة مئويّة لبنان الكبير.

في الكلمة الأخيرة التي أذاعها رئيس الجمهورية، رينيه معوَّض، شهيدُ الواجب الوطني والوفاء بالعهد، في ذكرى الاستقلال، عشيَّة الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 (أيْ قبل يوم واحد من اغتياله) أكَّد للبنانيِّين أنَّ «لا وطن ولا دولة ولا كِيان، دون وحدة الشعب. ولا وحدة دون وفاق. ولا وفاق دون مُصالحة. ولا مُصالحة دون تسامح وتضحية. ولا شيء من كلّ هذا دون إيمانٍ ومحبةٍ».

وخَتَم الرئيس الشهيد كلمته برسالة وداعٍ مُؤثِّرة تنطوي على الأساس الجوهري لإرادة العيش المُشترك. قال: «ندائي إليكم سؤال من القلب إلى القلب: هل نُحبّ هذا الوطن؟ أَعرف الجواب. تعالوا، إذن، نتَّحد، نبني معاً، نفرح ونعيش». وأَرفَق نداءه بالجملة المُحبَّبة التي نَختتِم بها كلَّ خطابٍ وطني: «عاش لبنان».

والحقيقة أنَّ لبنان لا يعيش إلاّ بالعيش المُشترك بين أبنائه. وتلك ميزة الجماعات البشرية التي تعيش، أو تطمح إلى العيش، في مجتمع سياسي (أي في وطن) آمنٍ ومُستقرٍ ومُتناغمٍ.

وصمود اللبنانيِّين، بصلابة مواقفهم ومخزونهم القومي، في وجه المِحَن والأعاصير والمآسي الرهيبة التي توالت عليهم، وحفاظُهم، بفضل الخميرة الخيِّرة الكامنة في أعماقهم، على جَذْوَة الحياة في وطنهم المُعذَّب والجريح خلال الحرب العبثيّة (1975-1990)، وصبرُهم الجميل على كلّ المكاره والمَفاسِد والتجاوزات والارتهانات التي أَعْقَبَت تطبيق اتفاق الطائف، وموافقتُهم الحرَّة على تعديل دستورهم (وهو من حيث الأقدمية عميد الدساتير العربية، ومن حيث الأهمِّية أسمى وثيقة قانونية في البلاد) والنصّ في مُقدِّمته (والمُقدِّمة لا تختلف من حيث القيمة الدستورية عن أحكام الدستور) على اعتبار لبنان وطناً سيِّداً حرّاً مُستقلاً، ووطناً نهائياً لجميع أبنائه، وعلى رفض كلّ فرزٍ للشعب على أساس أيّ انتماء، ورفض كلّ تجزئةٍ أو تقسيمٍ أو توطينٍ، ورفض كلّ شرعيةٍ لأية سلطةٍ تُناقض ميثاق العيش المُشترك، ثمّ تجاوبهم الصادق مع كلّ الدعوات المُخلِصة إلى إقامة دولة القانون والمؤسَّسات، وإلى الحوار البنّاء على كلّ المستويات وفي كلّ المجالات، وإلى التشبُّث بأَهْداب خصوصيّاتهم المُتميِّزة، وفي مُقدمتها الإيمانُ بالتنوُّع ضمن الوحدة، واحترامُ الرأي الآخر ووجود الآخر، والعملُ في ظلّ عروبةٍ حضارية، وتعزيزُ التعدُّدية السياسية، وعدمُ التخلّي عن ضمان الحقوق والحرِّيات، الفردية والجماعية، التي يزهو بها النظام الديموقراطي اللبناني... إنَّ كلّ ذلك يقوم دليلاً واضحاً على رغبة اللبنانيِّين في أن يستقرّوا، مُتآخين آمنين، في وطنٍ تسوده إرادةُ العيش المُشترك وقِيَمُه الإنسانية.

وإرادة العيش المُشترك غدت، بعد الجدل الطويل الذي جرى في القرنَيْن المُنصرمَيْن حول المُقوِّمات الأساسية لظهور القوميّات، العامل أو الركن الأساسي في تكوين الأوطان.

فالوطن، بمضمونه الحضاري، قديماً وحاضراً ومُستقبلاً، لا يمكن أن يقوم على وحدة العِرْق أو الأصل فقط، كما ادَّعى الحزب النّازي عندما نادى بتفوُّق العِرْق الآري. ولا يمكن أن يقوم على وحدة اللُّغة فقط، كما زَعَم الفيلسوف الألماني جوهان غوتليب فيخته Johann Gottlieb Fichte(1762-1814). ولا يمكن أن يقوم على وحدة المصالح الاقتصادية فقط، كما أكَّد بعض المُنظِّرين اليساريِّين. ولا يمكن أن يقوم على وحدة الدِّين فقط، بعد انتشار المبادئ الليبرالية والديموقراطية والإنسانية في معظم المجتمعات البشرية.

إنَّ الوطن، قبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء، روحٌ أو جوهرٌ يرتكز على ثلاثة عوامل تَستمدّ حيويّتها وقيمتها من أبعادٍ زمنية: العامل الأول يعود إلى الماضي ويَحْتَضِن تراثاً حافِلاً بالذكريات والتضحيات المُشتركة، السّارة والأليمة. والعامل الثاني يواجه الحاضر ويُعبِّر عن مشيئة الشعب في العيش المُشترك والتعاون الصّادق لتوفير الأمان والاستقرار والرفاهية لجميع أفراده، دون أي تمييز أو استثناء. والعامل الثالث يَستشرِف المُستقبل ويُجسِّد تضامن الشعب وتصميمه على الاستمرار في المعيشة المُشتركة والحياة الجامعة ومواجهة التحدِّيات والعراقيل جبهةً واحدةً، والدفاع عن مُقوِّمات الوطن ووجوده بكلّ الوسائل المُتاحَة.

***

وفي رأينا أنّ المواطنين الصّالحين المُسالِمين، يؤمنون بالعيش المُشترَك ويحرصون على الحفاظ عليه، ويعتقدون أنّ مصير لبنان، كدولةٍ ذات سيادة ومؤهَّلةٍ لدورٍ فاعلٍ في المحيطَيْن العربي والدولي، مُرتبطٌ باستمرار وجود هذا النمط الديموقراطي من العيش (ونكتفي بالإشارة إلى ثلاثة أمثلة. المثل الأوّل عنوانه: بيروت أُمّ الشرائع Berytus Nutrix Legum، والمثل الثاني عنوانه: الفقيه والإمام عبد الرحمن الأَوزاعي (707-774)، والمثل الثالث عنوانه: إسهام اللبنانيِّين في النهضة العربيّة الحديثة التي بدأت بإحياء اللغة العربيّة والتراث العربي في مختلف العلوم والفنون).

وإذا كان ميثاق العيش المُشترك في لبنان يشكو من إغفال أو إهمال أو تخاذُل، فالعلَّة ليست فيه، ولا في المواطنين الذين أَبوا التخلّي عنه خلال الأحداث الدامية. العلَّة في معظم القيادات والزعامات التي لا تَعي أهمِّية الدور الذي تمثِّله القيادةُ الصالحة في المجتمع ومدى تأثيره في عمليّات التغيير والتطوير، ولا تتورَّع، من أجل الحفاظ على مصالحها وامتيازاتها، عن التضحية بمُقوِّمات الوطن ودعائمه.

***

التربية تَكتب حروف المُستقبل اللبناني.

عشتم، عاشت التربية، عاش لبنان في مئويّته الأولى والثانية، بإذن الله.

أهلاً وسهلاً بكم في دير مار الياس أنطلياس.

شكراً لإصغائكم.

___________________________________________________